رواية ماوراء الصمت الفصل السابع 7 بقلم الاء محمد حجازي

 

 

 

 

رواية ماوراء الصمت الفصل السابع بقلم الاء محمد حجازي

– هو إنت؟! إيه اللي جابك هنا؟! أنا مش هخلص منك ولا إيه؟

بصّ لها ياسين بدهشة واستغراب حقيقي الأول، وقال وهو بيقوم:
– المفروض أنا اللي أسأل السؤال ده… هو إيه اللي جابك إنت؟

قرب منها خطوتين وهو رافع حاجبه، وقال بنظرة فيها لمعة وضحكة صغيرة في آخرها: 
– وبعدين أنا قاعد هنا مع أمي… بيتنا يا دكتورة.

– وأنا اللي كنت فاكر نفسي بهرب منك! 

اتجمدت مكانها، وبان الإحراج على وشها:
– أنا… أنا ماكنتش أعرف إن ده بيتك.
اتكعبل صوتها وهي بتقولها، وبصت ناحية الباب وقالت بسرعة:
– خلاص أنا هحضّر حاجتي و…

قطع كلامها وهو بيضحك نص ضحكة، فيها شقاوة واضحة:
– تروحي فين يا بنت الناس؟ هو إنتِ اتجننتي؟

قبل ما تكمّل كلامها، أم ياسين قالت وهي بتبتسم:
– فرح يا حبيبتي تعالي! دي بيتك يا بنتي، هو في إيه؟
وبصّت لابنها وقالت له بنظرة تحذير:
– ما تفزّعهاش كده يا ياسين.

ضحك هو وقال وهو بيرجع يقعد تاني باسترخاء واضح:
– أنا؟ ده أنا كنت بهوّن عليها بس.

وفجأة طلع صوت من جوّه المطبخ:
– فرح! يا حبيبتي تعالي، انتي وصلتِ؟
لفت فرح على الصوت بسرعة وقالت بتوتر:
– أيوه يا نور، أنا آسفة أنا… أنا ماكنتش أعرف إن ياسين هنا.

أمه بصت له وقالت وهي بتشاور على فرح:
– هي دي بقى الملفوفة اللي كنت بتقول عليها؟

بصّ لها ياسين بنظرة خبث خفيف، وقال وهو بيرشف العصير بهدوء:
– أيوة، … دي بقا جامدة وملفوفة أكتر.

فرح اتجمدت مكانها، قلبها دق بسرعة، وقالت بحدة وهي بتبصله:
– إنت قليل الأدب قوي.

نور وهي بتضحك، وقالت وهي تبص على ياسين بنظرة لوم ظريفة:
– بس يا ياسين،انت مخلّي البنت متوترة؟!

ضحك بخفة، وقال وهو مش شايف أي مشكلة:
– ما قلتش حاجة غلط يا دكتورة، ده توصيف علمي بس.

اتسعت عيني فرح، وبصت له بحدة وقالت بسرعة وهي متضايقة:
– إيه الأسلوب ده؟!
وبصوت متوتر قالت:
– أنا داخلة أوضتي، تصبحوا على خير.

بس قبل ما تدخل الأوضة، سمعته بيقول بنبرة ضاحكة خفيفة:
– لا حول الله، دي لو اتكلمت كمان هتولع في الشقة كلها.

ودخلت أوضتها بسرعة، قفلت الباب وراها وهي بتنهج،
صوت ضحكته لسه بيلف في ودانها،
ونظرة أمه اللي كانت نصها استغراب ونصها إعجاب بيها،
خلّوها تقعد على السرير وتدفن وشها في كفوفها وهي تقول بصوت واطي:
– هو إيه اللزقة دي اللي ربنا رزقني بيها؟

وكمان جوّاها نار تانية خالص… نار غيظ، وإحراج، و… حاجة غريبة مش عارفة تسميها.
هو ليه دايمًا كلامه يوجع ويضحكها في نفس الوقت؟
-----------------------------
عدت الأيام بعد ما فرح نقلت بيت خالت نور، والجو هناك كان أهدى بكتير من بيت عمها. كانت حاسة براحة غريبة، يمكن عشان أول مرة تبقى في مكان ما فيهش توتر ولا نظرات ضيق، يمكن كمان عشان وجود نور كان بيهون عليها كل حاجة.
وياسين؟ هو كمان كان واخد إجازة،وإجازة نص السنة من الكلية بتاعت فرح، فبقى موجود أغلب الوقت في البيت، وده خلّى الاحتكاك بينهم يزيد يوم عن يوم.

في الأول كانت بتحاول تتجنبه، يعني لو شافته في الصالة تدخل المطبخ، ولو سمعته بيتكلم تروح أوضتها. بس الغريب إنه ما بقاش زي زمان. لا بيستفزها، ولا بيرخم عليها. بالعكس، بقى بيحاول يتكلم معاها بهدوء، يضحك، يساعدها من غير ما تطلب.
مرّة مثلاً كانت بتعلّق ستارة، وهو عدى وشافها بتتعب، فقال لها بابتسامة هادية:
– سيبي دي عليا، مش هتتعلّق كده علشان انتي قصيرة، وهتفضلي قصيرة طول عمرك.
ردت بحذر:
– لأ خلاص، قربت أخلص.
قال لها:
– أهو ده اللي بيخلي الستات تتعب… حب العند.
وبكل بساطة رفع الستارة وثبّتها، وهي واقفة تبصله من غير ما تنطق.
نظراتها كانت فيها حاجة غريبة، مزيج بين الامتنان والتفكير… كأنها بتحاول تفهمه.

ومع الوقت، المواقف الصغيرة دي بقت كتير.
يفطروا مع بعض بالصدفة، يتكلموا في مواضيع بسيطة زي الأخبار أو الطبخ أو حتى الكلية، وكل مرة الحوار يبقى أطول من اللي قبله.
هي بقت تلاحظ فيه حاجات ما كانتش واخدة بالها منها قبل كده طريقته لما بيتكلم وهو مركز، ضحكته اللي بتظهر غصب عنه، اهتمامه بأمه وبنت خالته نور، حتى نظرته ليها لما تتكلم بتركيز كانت بتحسها بتسحبها جواه.

هو كمان، من ناحيته، بقى بيشوفها بعين تانية.
مش البنت الهادية اللي كانت ساكتة دايمًا، لأ، دي بقت أقوى، أنضج، وفيها لمعة كده تخليه عايز يسمعها وهي بتحكي.
أوقات كان بيقعد في الصالة يقرأ أو يكتب، وهي تبقى في البلكونة، وبعدين تضحك فجأة على حاجة بتقراها، فيبص لها كأنه متفاجئ من بساطتها.
وفي مرة قالت له:
– هو أنت بتبص لي كده ليه؟
قال وهو مبتسم نص ابتسامة فيها خبث خفيف:
– بتأمل في الطبيعة.
ردت بجدية:
– يبقى ابص في المراية أحسن، عشان الطبيعة دي بتتنرفز بسرعة.
ضحك وقال:
– بالعكس… الطبيعة دي بتأثر في الواحد بطريقة مش طبيعية.

هي وقتها سكتت، بس قلبها اتخضّ.
الكلام عادي، بس طريقته فيه حاجة مختلفة، حاجة مش زي أي هزار تافه.

ويوم بعد يوم، بقيت العلاقة بينهم أغرب من إنها صداقة وأهدى من إنها حب معلن.
فيه راحة… بس فيها قلق.
وفيه اهتمام… بس من غير تصريح.
كأن كل واحد فيهم بيختبر التاني بصبر، من بعيد، وبيخاف يقرّب زيادة فيخسر الهدوء اللي بينه وبين نفسه.

لكن الغريب إن حتى لما كانت بتحاول تلهي نفسها، تفكر في الدكتوراه بتاعتها أو في حياتها، كان بيطلع في دماغها من غير استئذان… ضحكته، كلمته، طريقته في نطق اسمها، كل حاجة فيه بقت بتسيب أثر.

وبالرغم من إنها كانت بتقول لنفسها ده مجرد إعجاب عادي، كانت حاسة إن الموضوع أكبر من كده.
وهو كمان، ما بقاش بيستنى الصدفة عشان يشوفها… بقى بيخلقها.
زي مثلاً لما يطلب من أمه حاجة وهو عارف إن فرح اللي هترد، أو لما يتوه حاجه قصداً عشان يسألها عن مكان حاجة في المطبخ.

الاتنين بقوا عالقين في دايرة مش مفهومة… بين الاعتياد والاهتمام، بين الحذر والرغبة.
لكن اللي اتأكدوا منه، من غير ما يقولوا، إن وجودهم في نفس المكان ما بقاش عادي زي الأول، وإن كل لحظة بتعدي بينهم، بتسيب علامة صغيرة… علامة بتقرّبهم من اللي جاي.
-----------------------
من يوم ما فرح سابت بيت عمها… والدنيا اتقلبت عند معتز.
هو ما كانش مستوعب إنها فعلاً مشيت، ولا إنها قدرت تعمل كده من غير ما تبص وراها.
في الأول كان بيقول لنفسه "هترجع"، بس الأيام عدّت… وعدّت وهي ما رجعتش، لا كلمته، ولا حتى سألَت عليه، كأنها مسحت وجوده من حياتها تمامًا.

وهو؟
ما قدرش يعمل كده.
كل يوم كان بيزيد جواه الغِلّ، مش عشان حب… لأ، عشان كرامته، وغروره اللي اتكسر قدام الناس.
بقى بيقعد بالساعات يفكر إزاي ينتقم منها، إزاي يخليها تندم إنها رفضته.
الناس في الكلية بقوا بيتكلموا عن اللي حصل في الحفلة، عن رفضها قدام الكل، 
كل مرة يسمع الاسم فرح، بيغلي دمه.

وفي وسط الغليان ده، ابتدى يدوّر.
يسأل عنها من غير ما يبان إنه بيسأل.
عارف إنها سابت بيت عمّه، بس محدش عارف راحت فين، ولا ساكنة مع مين.
وفي دماغه حاجة واحدة بس: لازم أعرف هي فين… ولازم أدفعها تمن اللي عملته.

في المقابل، فرح كانت بتحاول تعيش بسلام، تبعد عن أي دوشة.
ما كانتش تعرف إن معتز لسه بيطاردها من بعيد.
كانت بتحس أوقات إن في حد بيراقبها، خصوصًا وهي رايحة المكتبة أو راجعة من السوق، بس تقول لنفسها مجرد وهم. 
لحد ما في يوم، نور دخلت عليها وهي قاعدة في البلكونة وبتذاكر، وقالت:
– هو إيه يا بنتي اللي خلاك سرحانة كده؟
فرح رفعت راسها وقالت بابتسامة باهتة:
– يمكن تعبت من التفكير.
– تفكير في إيه؟
– في اللي فات.
سكتت نور شوية وقالت:
– يا فرح، اللي فات مات، وصدقيني اللي جاي أحسن، طول ما فيكي الخير ده كله ربنا مش هيسيبيك.

ضحكت فرح بخفة وقالت:
– يا رب.

في نفس الوقت، معتز كان فعلاً بيراقبها، وهو بيبص من بعيد وبيقول لنفسه:
– فاكرة إنك هتهربي مني؟ لأ يا فرح، اللعبة لسه ما بدأتش

ياسين لاحظ.
شاف القلق في وشها، وشاف التوتر اللي ما كانتش قادرة تخفيه.
وفي مرة، قال لها وهو بيحاول يخلي صوته عادي:
– في إيه يا دكتورة؟ شكلك مش مرتاحة.
قالت وهي بتحاول تبتسم:
– لا، مفيش، تعب شوية بس.
رد بنظرة فيها جدية غريبة:
– لا، في حاجة. عيني ما بتغلطش.
سكتت، ما قدرتش تقول له.
كانت خايفة… مش عايزة تدخل حد في دايرة مشاكلها، خصوصًا ياسين.

لكن اللي ما كانتش تعرفه إن ياسين لاحظ العربية كذا مرة، ولاحظ إنها بتتوتر لما تشوفه. 
وبقى متأكد إن في حد متابعها، فبدأ يراقب هو كمان… بس بطريقته.

الأيام عدّت، وكل حاجة شكلها هادي، لكن تحت السطح، في حاجات كتير بتغلي:
فرح بتحاول تبين إنها قوية ومش خايفة.
ياسين شايف وساكت، مستني اللحظة اللي يفهم فيها كل حاجة.
ومعتز… كل يوم بيقرب خطوة من اللي ناوي يعمله.

الهدوء اللي عايشة فيه فرح… كان مجرد هدوء ما قبل العاصفة.
-----------------------
رجعت فرح الكلية بعد الإجازة، كانت بتحاول تركّز في شغلها وتنسى كل اللي حصل، تحس إنها بدأت صفحة جديدة خلاص.
بس اللي ما كانتش تعرفه… إن معتز لسه متربّص.

اليوم ده كان الجو مغيّم، والكلية شبه فاضية، نور كانت تعبانة وقاعدة في البيت، ففرح قالت خلاص تروح لوحدها، عندها شوية أوراق تسلّمها وتمشي.
خلصت محاضرتها، وشالت شنطتها ونزلت على السلالم وهي سرحانة، بتحاول تلحق الأتوبيس قبل ما يزحم.
ما خدتش بالها إن في عربية ماشية وراها على بُعد، ولا إن فيه حد بينزل من العربية كل شوية ويمشي وراها بخطوات بطيئة.

وصلت لمدخل العمارة، دخلت من بير السلم، تلاقي فجأة صوت حد بيقول:
– هوووه يا دكتورة!
اتخذت، ولفّت بسرعة، تلاقي ياسين واقف وراها، لابس كاجوال خفيف وضاحك ضحكته الجدعة اللي دايمًا بتدوّخها.

قال لها وهو بيضحك:
– إيه يا سِت الكل، وشك عامل كده ليه؟ فاكرة حد هيخطفك؟
قالت بتوتر:
– لا… خوّفتني بس.
قال:
– طب كويس، عرفت إني لسه بعرف أخوّف.
ضحكت غصب عنها، وقالت:
– إنت مش بتزهق من الهزار؟
– أهو ده شغلي الشاغل، أضحك الناس اللي مكشرين زيك.

وقبل ما تكمل، رفع حاجبه وقال بخفة دم:
– لا بُصّي، الضحكة دي مبتتكررش، دي لازم تتسجّل رسمي!
ضحكت أكتر وقالت له:
– بطل هزار يا ياسين، أنا داخلة.
– استني يا دكتورة، عندي حاجة ليكي.

مدّ إيده وقدّم لها حاجة صغيرة ملفوفة بورق أسود.
هي اتفاجئت وقالت له باستغراب:
– ده إيه؟
قال وهو بيغلس عليها:
– هدية بسيطة، بس أوعي تفتحيها قبل ما تدخلي البيت، دي فيها مفاجأة.
– طب وإيه المفاجأة دي بقى؟
– لو قلتلك، هتبوّظ المفاجأة.

ضحكت بخجل وقالت له:
– تمام، هفتحها بعدين.

وهم بيهزروا كده… كانت في عينين بتترقب من بعيد.
معتز واقف في العربية، شايف كل حاجة.
شايفها وهي بتضحك، وبتاخد الهدية، وياسين اللي بيتكلم معاها بكل راحة،
والنار اللي جواه كانت بتزيد لحظة عن لحظة.

دخلت فرح البيت، وياسين قال وهو بيضحك:
– خلاص، اعتبريني ضيف النهارده، مش هتحلي عني بالقهوة اللي إنتي بتعمليها دي.
– يا سلام، هو أنا عندي كافيه وأنا مش واخدة بالي؟
– لا، بس عندك وش حلو، وده كفاية.

ضحكت ودخلت المطبخ. 
رجعت له بالقهوة وقالت:
– اتفضل يا باشا.
– يا باشا مرّة واحدة! أنا كده ممكن أعمل نفسي ظابط.
– ما هو أنت ظابط فعلاً.
– بس مش في البيت، هنا أنا ياسين اللي بيحب يضحكك بس.

ضحكت وقالت له:
– والله ساعات بحس إنك طفل صغير.
– وأنتِ بتحبي الأطفال؟
بصتلُه بنظرة فيها كسوف وقالت له:
– على فكرة، الأسئلة دي مش بتتسأل كده.
ضحك وقال:
– لا والله، بس كنت عايز أعرف أنا داخل المنافسة دي منين.

ما كانتش عارفة ترد، سكتت وهي بتقلب في الكوباية،
بس قبل ما الجو يهدى،
فجأة…

خبط جامد على الباب دوّى في الشقة.
اتنين تلات خبطات متتالية، كأن حد بيخبط بغضب مش بطلب إذن.

ياسين بص بسرعة على الباب، نظرته اتبدلت في ثانية،
اتحول من الجدع اللي بيهزر، للظابط اللي جاهز لأي حاجة.
قال بهدوء، صوته نازل واطي بس حازم:
– استني هنا يا فرح.

وقام رايح ناحية الباب بخطوات سريعة،
وفرح واقفة مكانها، قلبها بيدق بسرعة،
مش عارفة ليه، بس جواها إحساس إن الخبط ده… مش خير.

كل ده و الخبطات كانت بتزيد،
وصوت الباب بيترج مع كل خبطة،
وفرح واقفة مكانها، قلبها بيدق بسرعة، مش عارفة تعمل إيه.

في اللحظة دي، خرجت نور من أوضتها وهي بتعدل الطرحة وقالت بخضة:
–في إيه يا ياسين؟ الصوت ده إيه؟
وطلعت وراها خالتها أم ياسين وهي ماسكة طرف الإيشارب وقالت بقلق:
– مالك يا ابني؟ مين بيخبط كده؟

ياسين قال بهدوء بس نبرته فيها تحفّز:
– ما تقلقيش يا أمي، أنا هفتح.

قرب من الباب، مسك المقبض،
وفتح ببطء وهو عارف من جوّاه إن اللي ورا الباب مش جاي بخير.

أول ما الباب اتفتح،
الجو كله سكت، لما شاف معتز قدامة؛ 

تعليقات