رواية ظنها دميه بين أصابعه الفصل المائة وتسعة 109 بقلم سهام صادق


 رواية ظنها دميه بين أصابعه الفصل المائة وتسعة

دوامة من المشاعر والأفكار تجتاحها وتُسيطر عليها يوم بعد يوم ولا جواب تجده يزيل عنها تخبطها وحيرتها ، بداية من محاولتها لفهم طبع "عزيز" والتأقلم عليه حتى تُصبح نموذج للزوجة الناجحة كما تعلمت ورأت ثم ذلك التحفظ الذي وجدته من "سيف " و "نيرة"ونظرتهم التي تغيرت فجأة نحوها وبعدها أتى سعيها مع زوجة عمها في إستكمال مشروعهم الصغير بعد أن وجدت فيه ملاذًا لذلك الفراغ والوحدة القاتلة التي سيطرت على حياتها خاصة بعد وفاة عمها وأخيرًا أفعال "عزيز" التي زادتها حيرة والأصعب كره "شهد" أبنة عمها لها دون سبب.

فرت دمعة من عيناها، فداخلها صراع قوي... صراع يدفعها أن تهرب بعيدًا والعودة إلى حياتها الصغيرة الدافئة داخل جدران منزل ليس لها لأن هناك أشخاص آخرين أحق به منها كما أخبرتها "شهد" ؛ فهي ليست أبنة لتلك العائلة.. هي مجرد فتاة بالتبني ولا حق لها أن ترث منهم شئ.

أختنقت أنفاس "ليلى" مع السُعال الشديد الذي أتاها فجأة إلى أن أستطاعت ألتقاط أنفاسها ثم عادت ترتشف من كوب الأعشاب الساخن الذي صنعه لها العم "سعيد" بيديه وقررت أرتشافه وهي تسير داخل حديقة الفيلا.

أطلقت زفيرًا طويلًا ونظرت إلى الكوب الذي تقبض عليه بكلتا يديها وتساءلت.

_ يا ترى "عزيز" شاف رسالتي، أنا عايزاه يطمني بس على "نيهان"...

ثم أتبعت تساؤلها بخفض رأسها وأردفت بحزن.

_ يا رب تقوم بالسلامة يا" نيهان" وتفوق من الغيبوبة أنت كنت راجل طيب وأنا بدعيلك من قلبي.

وأستكملت دعواتها بصدق.

_ يا رب ما يتحرق قلب حبايبه عليه ويرجع لمراته وحياته ويشيل أبنه على أيديه.

وعند هنا عادت دموعها تلمع في مقلتيها، فهي تجرعت مرارة اليتم وفقد الأهل ثم أكملت سيرها بالحديقة إلى أن أنهت نصف مشروبها الساخن وقبل أن تعود أدراجها إلى الداخل أستمعت إلى صوت العم "سعيد".

_ ولو شد عليكي التعب تاني يا ست البنات ، أقول للبيه إيه لما يكلمني ويسألني عنك ،خدي بالك أنا في صحتك مش هكذب عليه ، كله إلا صحتك.

استدارت "ليلى" نحوه وعلى شفتيها أبتسامة خفيفة يظهر معها أعيائها.

_ أنا كويسة يا راجل يا عجوز ومبحبش قعدت السرير ولا بحب حد يحسسني إني تعبانه.

زمَّ العم "سعيد" شفتيه بعبوس لعدم تقبله ما تخبره به.

_ كملي شرب الأعشاب ومتقوليش طعمه مر وتضحكي عليا بشرب نص الكوباية ، عمك "سعيد" متخصص في الوصفات ديه عشان مناعتك تزيد.

وبوجه مُبتهج ولهفة نحو خبر طال أنتظاره.

_ أفرض دلوقتي بقيتي حامل يا ست البنات ،ينفع تكوني كده أي حاجه بتتعبي منها.

اختفت أبتسامة "ليلى" وتذكرت حديث "عزيز" معها بأنه لم يعد يُريد أطفال وقد أخبرها بأسباب غير مُقنعه لم تتقبلها.

_ نفسي أشيل عيالكم قبل ما أموت..

أسرعت بالرد عليه بصوت بالكاد خرج منها.

_ ليه بتحب تزعلني يا عم "سعيد" وتجيب سيرة الموت، إن شاء الله هتشيلهم وتجوزهم كمان.

أبتسم العم "سعيد" ثم تنهد تنهيدة طويلة آملًا أن يأتي اليوم الذي يرى فيه أولادهم وتتزوج "شهد" ولن يتمنى شئ آخر بعد هذا.

_ إن شاء الله يا بنتي بس أنتوا فرحوا قلبي الأول..

أشاحت "ليلى" بوجهها عنه عندما لم تجد ما تُخبره به ثم ابتلعت ريقها في حزن وهي تتذكر جدية "عزيز" من قراره ولكن في داخلها اتخذت قرارها ، لن تقبل هذا الأمر هي تُريد أطفال وتُريد أن تحظى بعائلة كبيرة تجد فيهم الونس والدفئ اللذان تفتقدهما مُؤخرًا.

...

زفر "هارون" أنفاسه براحة بعدما تلقىٰ أتصالًا من سائقه يُخبره فيه أنها وصلت حارتها بسلام.
أستمر بتحركه في غرفة مكتبه بدون هوادة، فـ هو حتى هذه اللحظة لا يفهم سبب مغادرتها بهذا الشكل وتركها للمال على الفراش.

أطرق رأسه مُتنهدًا بعمق وشاردًا في تفاصيل ما حدث منذ ساعات قليلة. 
وأبتسامة واسعة أحتلت شفتيه عندما تذكر إنه أخيرًا شعر بقدرته الجسديه التي ظنها ضاعت مع المرض وصار هذا الأمر يُصيبه بالضيق لكن مع خادمته الفاتنة التي فتنته تحركت غرائزه وأشتعلت رغبته بها بعد أن أمرها أن تتحرر من ملابسها وترتدى أمامه أحد الأثواب التي تكشف الجسد بسخاء ، بالبداية تمنعت وأخبرته إنها لا تستطيع فعل هذا لكن مع ألحاحه... نفذت له ما أراد وبعدها لم تعد نظراته ولمساته إليها ما يناله منها فقط بل أخذ حقه الشرعي وتمتع به لدرجة أنه أخرج الكثير من المال من محفظة نقوده حتى تأتي بكل الطعام والفاكهة وما تُريد شرائه لأولادها.

_ بقالي فترة طويلة محستش أني مبسوط كده.

قالها ثم مرر يده على صدره بعد أن أخذ نفسًا طويلًا وزفره.

_ من ساعت ما وقفت بعض الأدوية وأنا مرتاح.

وأستطرد بعد أن عادت صورة سماح إلى رأسه.

_ بكره أسألها مشيت ليه بسرعه مع اني قولتلها خليكي في الأوضة لحد ما أخرج من الحمام.

...

دخلت "ليلى" غرفتها بأنفاس مُتهدجة وهي مستمرة في سُعالها ثم أتجهت إلى الفراش حتى تلتقط هاتفها وترى ، هل أجاب "عزيز" على رسائلها أم لم يراها بعد.

نظرت إلى هاتفها بلهفة وتمنت أن يُطمئن قلبها عن حالة "نيهان" لكن رسالته كانت تحمل يأسه.

وضعت يدها على شفتيها من شدة قلقها وفتحت أحد تطبيقات التواصل على الهاتف وقامت بالرنين عليه لكن لا رد أتاها.

_ أكيد في الدوامة بين المستشفى وبين الشركة هناك، هو قالي هتصل بيكي بالليل خليني منتظره أتصاله...

هكذا أخبرت نفسها حتى تهدأ من رَوْعِها ثم أنفلتت منها تنهيدة وأغلقت جفنيها.

أسترخت بهذا الوضع قليلًا ومازالت تطبق على الهاتف بيديها ثم اِفتر ثغرها عن أبتسامة حزينة عندما أسترجعت بعض من مشاهد عُرسها وفرحة الجميع معها.

_ "نيهان" و  "نارفين"طيبين ، أكيد هتحصل معجزة و "نيهان" هيفوق ويخف ، أنا بمؤمن بالمعجزات اللي بتحصل لينا جزاء أفعالنا.

تمتمت بها ثم فتحت عينيها ورفعت الهاتف.

_ أنا "زينب" بتيجي في بالي كتير، ليه مبدأش التواصل معاها وأعيد صداقتنا... ما يمكن هي قطعت التواصل لأنها تعبانه أو مشغوله أو مستنيه مني إن أنا أبدء..

وبعد تنهيدة طويلة حملت حيرتها وترددها أردفت.

_ أنا ليه محتارة كده ما أحاول أتواصل معاها هفضل كده لواحدي كتير حياتي مقفوله عليا....

وبصوت مكتوم بسبب أبتعاد "شهد" عنها واصلت كلامها.

_ محدش جانبي، مرات عمي وبقت تعبانه ومش ناقصه حزن على حزنها و "عزيز" مبيحبش يتكلم كتير و "سلوى" قطعت معاها الكلام من زمان و خالتي "صفية" مشغوله في حياتها مع أولادها وأحفادها والمسافة بعدت ما بينا و "كارولين" عندي شعور جوايا ديمًا بيخوفني منها يبقى ليه مدورش على صحاب هنا...

ورغم الحزن الكامِن في فؤادها بسبب المصاب الذي أحل
 بـ "نيهان" إلا أنها شعرت بالأحتياج نحو من شاركوها تلك الأيام التي سبقت زفافها.

_ "زينب"، "سما" ، و "جيلان و شروق "صحاب "زينب" وسيادة اللواء.

....

نظرت "كارولين" خارج السيارة بنظرة ثاقبة قبل أن تلتف نحو ذلك الذي أتخذته رفيقًا لها تقضي معه أوقات ممتعة حتى تتغلب على شعور الخواء الذي صار يُسيطر عليها بعد أبتعاد "سيف" عنها وعدم أرضاءه لها في علاقتهم الزوجية.

_ هل أنت متأكد إننا سنجد متعتنا هنا؟

وبنبرة صوت مترددة أردفت.

_ "كمال" أنا أشعر بالأكتئاب الشديد وأرغب بنسيان ما يُحبطني، أنا اليوم سأتجرع الكثير من الخمر وسأتناول كل ما يجعلني أشعر إننا أطير بالسحاب.

تجلجلت ضحكات "كمال" وهو يراها تفرد ذراعيها كالطائر وهتف في نفسه.

_ أنتِ هتطيري فعلًا يا حلوة، عايز أبسط نفسي بآخر لقاء ما بينا أهو أكون أخذت من الحلو قطره.

قوست "كارولين" شفتيها بضجر وهي تراه يُحدق بها.

_ "كمال"، هل معك تلك السيجارة التي أخذتها منك من قبل وجعلتني أطير.

أتسعت أبتسامة "كمال" ومدَّ يده حتى يُمررها على أحد فخذيها.

_ في كل حاجة يا كوكو وهنعمل كل حاجة إحنا عايزنها وهنتبسط ، أنتِ بس سلميلي نفسك.

ألتمعت عينين "كارولين" وأسبلت جفونها نحو يده التي يُحركها على فخذها.

_ أنا أريد أفراغ طاقتي "كمال" ولا بأس إذا....

قطعت كلامها وهي تعض شفتها،فأبتسم "كمال" وواصل تحريك يده على فخذها.

_ طب يلا بينا عشان ننبسط وتنسي كل حاجه مضيقاكي وأعوضك عن خيانة جوزك ليكي، هو في حد يكون عنده القمر ده ويبص لغيره.

أمتقع وجه "كارولين" وأشاحته هامسه في نفسها.

_ من يضايقني هو عمه ذلك الرجل الذي لم يمنحني فرصة للتقرب منه ويعيش بسعادته مع زوجته وحتى أملي في تلك الليلة ضاع.

وأستفاقت من حالة الضيق التي تملكتها وأبتسمت بأنتشاء عندما أزدادت جرأته معها... فالمنطقة هادئة ولا يعيش بها إلا القليل ولا بأس بالتمتع قليلًا داخل السيارة.

....

غادر "عزيز" المسجد بعد أن أنتهى من أداء فريضة العصر ثم تنهد وأستقام في سيره لكن عيناه ألتمع بهما الشرود ، فهل يملك قدرة فقد صديقه وعندما أقتحم فؤاده الخوف نحو تلك الاحتمالات الموجعة نفض رأسه سريعًا رافعًا وجهه لأعلى داعيًا الله أن يشفي صديقه.

أتخذ طريقه سيرًا على الأقدام، فالمشفى لم تكن بعيدة وعند وصوله للطابق الذي تكون به غرفة العناية، وجد "نارفين" مستندة على ذراع أحدى صديقاتها ولا تتوقف عن البكاء وتُنادي على صديقه لتُخبره بأنها لا تستطيع العيش دونه. 

وصوره أخرى صالحة من النساء تجسدت أمامه اليوم ،"نارفين" المرأة التي كان يضجر صديقه أحيانًا من تدللها المبالغ ووجع الرأس الذي أصابه بعد حملها لكن في نهاية حديثهما يُخبره إنه يعشقها وأن تذمره من أفعالها لا يُقلل من عشقه لها ورغبته في فعل كل شئ يجعلها سعيدة ... في بعض الوقت كان يستعجب كلام صديقه ويتساءل، هل صديقه مُختلًا في مشاعره وقلبه وكيف من الأساس يأمن لأمرأة تُعارضه كثيرًا ، أمرأة تُصمم على قرارتها حتى تُجبره على تنفيذها ، أمرأة قوية تستخدم سلاح أنوثتها ودهائها في نيل مُرادها ولا يخجل صديقه من الأعتراف إنه مثل الخاتم بأصبعها.

_ "نيهان" أتوسل إليك أنهض ، سأموت "نيهان" إذا رحلت. 

أخترق حديثها مسمع "عزيز" واستدار سريعًا حتى لا تنتبه على وجوده وترى أحمرار عيناه التي تُنبأ بالبكاء.

سار عدة خطوات نحو أحد المقاعد القريبة لكن قبل جلوسه على المقعد أستمع إلى صرخة "نارفين".

_ "بورجو"، أشعر إنني سألد الطفل الآن. 

....

مارست "كارولين" متعتها القصيرة داخل أحدى الغرف ومع كل صيحة متعة تخرج منها كانت تخبر "كمال" بالحقيقة المخزية عن عشقها لـ عم زوجها الرجل الذي لم ترى مثله بحياتها.
أبتسم "كمال" بأنتشاء عندما حصل مثلها على متعته ثم أبتعد عنها قائلًا:

_ خلينا نخرج عشان نهيبر مع الشباب بره وأشربك كل حاجة تخليكي طايره فوق.

رتبت "كارولين" ملابسها ثم خللت أصابعها في خصلات شعرها وحركت رأسها نحو خارج الغرفة حتى ترى معه تلك المتعة التي أفتقدتها منذ علاقتها مع "سيف" ومجيئها إلى مصر. 
غمز لها "كمال" وأجتذب يدها صائحًا بعلو صوته وقد تفاعل معه الموجدين مع أنطلاق صوت الموسيقى دون صخب. 
....

ألتقط "سيف" كوب الشاي من يد العامل في معرض الأثاث الموجود بـ حي المعادي ثم أرتشف القليل منه وأخذ يهز برأسه مُستمتعًا.

_ أنا أدمنت الشاي على أيديكم خلاص.

أبتهج وجه العامل على مديحه وبساطته بالحديث معهم.

_ ألف هنا على قلبك يا بشمهندس، أنا هنا تخصص شاي.

قهقه "سيف" على حديثه ثم تنهد وأستكمل عمله.

_ يا بشمهندس تليفونك تاني مره يرن، قولت أكيد مكالمة مهمة.

خفق قلب "سيف" بالقلق ، فهو يخشى سماع خبر لا ينتظره من عمه وعندما وجد الرقم ليس دولي زفر أنفاسه براحة.
 
انقطع الخط قبل أن يُجيب فهتف وهو يمدَّ يده للعامل.

_ معلش يا "سيد" أرجع حطه على الشاحن.

أومأ العامل برأسه وكاد أن يلتقطه منه لكن الهاتف صدح رنينه بنغمة الرسائل ثم توالت عدة رسائل وراء بعضها مما جعله ينظر إلى الهاتف بغرابة.

...

توقفت "سمية" بسيارتها في مكان متواري عن الأنظار حتى تتمكن من رؤية سيارة الشرطة وهي تقتحم المكان.

أبتسامة واسعة داعبت شفتيها عندما أبصرت رقم المتصل قائلة بنبرة صوت مُغنجة.

_ سيادة الوزير بذات نفسه بيكلمني.

أبتسم الجالس وراء طاولة مكتبه بشموخ بعد أن أشار إلى سكرتيره بالمغادرة وغلق الباب ورائه.

_ وحشاني يا "سمية" ووحشتني الليالي بتاعتنا بس نقول إيه بقى توبت عن الحاجات ديه.

تجلجلت ضحكات "سمية" ونظرت إلى وجهها بـالمرآة الأمامية للسيارة.

_ أنا في الخدمة لو عايز تعوض اللي فات.

صدحت ضحكات الجالس على مقعده مُداعبًا شارِبه.

_ ما أنا قولتلك توبت، ده غير "فارس" ابن أخو المدام رجع العلاقات من تاني بالنسب.

برقت عينين "سميه" بمكر ، فهي أقتربت من مخططها الآخر وإنهاء تلك الخِطبة حتى يفوز أبنها بـ بيسان وبالشركة.

_ التوبة حلوه برضو يا باشا وكفايه خدمتك النهاردة ليا، أنا عايزه الموضوع يخلص زي ما أنا طلبت منك.

أسترخى المتصل في مقعده وعلى شفتيه أبتسامة خفيفة.

_ أعتبري كل حاجة تحت أشارتك وفي كامل تصرفك يا "سمية".

أسبلت "سمية" أهدابها وسرعان ما تلاشت بهجة ملامحها عندما استطرد قائلًا:

_ عايزين شقاوتك مع حد عزيز علينا ولا كبرتي يا "سمية".
....

حركت "كارولين" جسدها بمُجون بين ذراعين "كمال" الذي أستمر في أعطائها كل ما يجعلها مُغيبة عن الواقع.

عيناه تقابلت مع أحد الرجال المُندمجين بالرقص مع امرأة أخرى ثم غمز له بطرف عينه.

_ يكفي "كمال"، أريد أن أرحل من هنا.

ضمها "كمال" إليه ثم تناول أحدى لفافات التبغ من زميله ودسّها بين شفتيه مُلتقطًا نفسًا طويلًا ثم أعطاها لها.

_ الحفلة شعللت يا كوكو، خدي أشربي عشان تطيري وتنسي الراجل الوحش عم جوزك.

مطت "كارولين" شفتيها بمقت وألتقطت منه السيجارة ثم صاحت بعلو صوتها بالغناء وتابعت رقصها...

أنتشل "كمال" نفسه من بين الموجدين ثم أبتسم وهو يراها تندمج بالرقص مع رجل أخر.

_ مع السلامة يا كوكو.. 
....

أنهت "سمية" مكالمتها مع المتصل بوجه عابس ثم أختفى عبوسها سريعًا عندما أستمعت إلى صوت سرينة الشرطة.

عيناها ألتمعت بشر ونظرت إلى الطريق تتساءل. 
_ مش معقول " سيف"مش هيجي...

مرت الدقائق في ترقب وأشتعلت عيناها بالغضب... فهي كانت تُريد مجيء "سيف" قبل رجال الشرطة.

زفرت أنفاسها بضيق تلاشى سريعًا عندما ألتقطت عيناها سيارة "سيف" من مرآة سيارتها.

_ معلش يا حبيبي، الصدمة هتكون صعبة في الأول. 
...

أبتسمت "سما" عندما أنتبهت على دخول زوجة عمها من باب المَقْهى الذي أعتادت العائلة على الألتقاء به.

أسرعت بالنهوض وأتجهت إليها بوجه بشوش.

_ أنا قولتلك أجيلك يا طنط "لبنى"، أنتِ شكلك لسا تعبان.

أبتسمت "لبنى" وتحركت معها نحو الطاولة.

_ لأ أنا عايزة أتكلم معاكي بعيد عن البيت.

عقدت "سما" حاجبيها بدهشة وتساءلت.

_ هو الموضوع سري أوي كده؟
 
تنهدت "لبنى" وهي تجلس على المقعد الذي حركته "سما" لها.

_ أقعدي يا "سما" خلينا نتكلم وأكيد هتعرفي كل حاجة دلوقتي.

هزت " سما"رأسها بتأكيد وهي تضحك.

_ عندك حق، معلش يا طنط أنتِ عارفه فضولي بيزيد في الأمور السرية.

نظرت إليها "لبنى" نظرة طويلة، فأزدادت دهشة "سما".

_ أنا الفضول زاد عندي يا طنط...

أشاحت "لبنى" بوجهها عنها حتى تُرتب الكلمات ثم عاوَدَت النظر إليها.

_ أنتِ عارفاني بحبك اد إيه يا "سما" لكن مش عايزاكي تكوني عروسة أبني.

اِنمحت أبتسامة "سما" ورفرفت بأهدابها لعلها تستوعب ما سمعته،فأردفت "لبنى".

_ أنا عايزه أجوز "قصي" لـ "زينة" بنت "عدنان الهتيمي". 
...

وضع "سيف" يده على الكدمة التي أصابت أحد عيناه بسبب مُشاجرته مع أحد رجال الشرطة ثم أقترب من الجدار
 - داخل المشفى التي نُقلت إليها "كارولين" بعد سقوطها فاقدة الوعي عند المخفر- وضرب عليه بقبضتيّ يديه.

_ ليه لما بدأت أتغير يحصل ده ليا، أنا مكنتش عايز أكون زيه، مكنتش عايز أكون نسخة من "سالم الزهار" لكن بقيت نسخته من غير ما أحس.

أتت "سمية" المشفى مُتظاهرة بالصدمة وقبل أن تضع يدها على كتفه لمؤازرته، خرج الطبيب من غرفة العمليات ونظر إليهم.

_ للأسف الجنين نزل متحملش الجرعات اللي أخدتها من الشرب ولا العلاقة اللي حصلت...

«جنين وعلاقة» ما أبشعهما من كلمتين سقطت معهما رجولته... 

🖤🖤🖤🖤🖤🖤🖤

يقتلونكم بكلماتهم ثم يربتون على كتفك وفي عينيهم نظرة آسف عن قسوة حديثهم، فهم يُحبونك ولا يُريدون لك إلا الخير لكن عليك أن تبحث عن هذا الخير بعيدًا عنهم.
كلمات "لبنى" كان قاسية على قلبها الذي مازال يتعافىٰ من وَهَم صدقه وسعى إليه ، وَهَم أرادت أن تتجاوزه بقبول العرض الذي قدمه جدها وأكد عليه أبن عمها بأنه عند عودته ستكون هي عروسه وحتى تثأر من "مازن" ومن نظرة والدتها الساخرة ونظرتها لحالها كُلما أبصرت حقيقة غبائها في كل صباح وقفت فيه أمام المرآة وافقت دون تفكير في كرامتها المُهانة وتجربتها الفاشلة.

سحبت "سما" كفوف يديها المتشابكين على الطاولة عندما رأت رعشتهما ثم شدّت من ضمهما داخل حجرها.
أبتسمت" لبنى" حينما وجدت أن حديثها له صدى وستنسحب "سما" من تلك الزيجة رافضة بكل إصرار من أجل كرامتها، فهي تعلم طبيعة "سما" التي تتخذ قرارتها بأندفاع وتهور.

_ "سما" حببتي أنتِ زعلتي مني ، أنا مقصدش ليكي يا حببتي أي أهانة.

وبصوت أكثر لطفًا أردفت "لبنى".

_ أنتِ عارفه غلاوتك عندي إزاي وكنت أتمنى إنك تكوني مرات أبني وأقترحت ده زمان لما رفضت زينب إنها تكون زوجة "قصي" ، وقولت لو "سما" معنديش مشكلة.

أبتسمت "سما" أبتسامة فاترة وهزت رأسها إليها وهي ترى زوجة عمها كيف تُحاول ترتيب كلامها.

_ رسالتك وصلت يا طنط "لبنى" متقلقيش لكن عايزه ألفت نظرك لحاجة ، سيادة الرائد وعمو "هشام" طلبوني من جدي ومن بابا يعني لو سيادة الرائد مكنش عايزني كان رافضني لأنه مش صغير إن حد يجبره على حاجة وعمو "هشام" عمره ما أتدخل في قراراته ولا قرارات "علي" أو "أشرقت" خصوصًا في أختيار شريك حياتهم.

أصابت الدهشة "لبنى" لوهلة ، فهي لم تكن تنتظر هذا الرد منها وأسرعت بألقاء بقية حديثها حتى تدفع بآخر أمل لديها.

_ مين قالك إن سيادة المستشار أو سيادة اللواء مأجبرهوش على قرار جوازكم...

تسارعت دقات قلب "سما" وهمست بصوت خافت بعدما تأكدت من ذلك الشئ الذي أكد لها جدها إنه لن يحدث منه لكن ربما حدث من عمها.

_ أجبروه!!

أخذت "لبنى" نفسًا عميقًا ثم أخفضت رأسها.

_ يمكن سيادة اللواء كل اللي عمله إنه قدمك لأبني كأقتراح ولفت نظره ليكي زي ما عمل قبل كده مع "زينب" لكن "هشام" المرادي مصمم عليكي وحجته إنك هتنفعيني يا "سما" بعد ما "أشرقت" أتجوزت.

ضاقت حدقتيّ "سما" ،فما الذي تقصده زوجة عمها بحديثها ثم أشارت إلى نفسها مُتسائلة وضحكت ضحكة تخفي ورائها رجفة قلبها.

_ أنفع حضرتك إزاي يا طنط؟

توترت "لبنى" وتجلىّ هذا على وجهها الذي ظهر عليه كبر العمر مؤخرًا.

_ يعني عمك يقصد إنك تراعيني ما أنتِ عارفه "قصي" شقته معانا في العمارة.

أسرعت "سما" بوضع يدها على شفتيها حتى لا تضحك مرة أخرى.

_ عمي أختار أختيار موفق يا طنط "لبنى"..

أبتسمت "لبنى" أبتسامة مهزوزة وأومأت برأسها إليها.

_ ما أنا عارفة يا حببتي وأنا مرضاش ليكي تكون ممرضة ليا، أنتِ بتحبي شغلك وناجحة فيه.

انفرج ثغر "سما" بأبتسامة واسعة وردت عليها بأعتزاز وهي تسترخي في جلوسها.

_ تعرفي يا طنط "لبنى" أنا النهاردة أتأكدت إن الست مننا ملهاش غير شغلها، أنا الحمدلله من بكره همسك قسم التسويق في المطار لأن شغل الضيافه بقى مُرهق ومعطلني عن الحلم بتاعي.

وبحماس أردفت حتى تُسيطر على ذلك الشعور الذي يعصر فؤادها حسرة.

_ أنتِ عارفة إني نفسي أفتح ستور للملابس النسائية، فيمكن جات الفرصة دلوقتي عشان أتدرب شوية على التسويق وأخطط لمشروعي...

شعرت "لبنى" بالأرتياح وأبتلعت ريقها.

_ أكيد أنا و "أشرقت" أول زبونتين عندك..

ألتقطت "سما" زجاجة المياة الموجودة على الطاولة وأرتشفت منها ثم حركت رأسها.

_ أنتوا بس يا طنط وفين "زينة" بأعتبار إنها هتكون مرات "قصي" ولا "فاتن" خطيبة "علي" و إن شاء الله قريب تكون مراته، لازم كلكم يا طنط "لبنى" تكونوا أول زباين عندي مش أنا غالية عندك.

هربت  "لبنى" بعينيها عندما أنتبهت على رجفة صوتها.

_ طبعًا يا "سما" ولو مكنتيش غالية عندي مكنتش صرحتك بالحقيقة...

وأردفت "لبنى" بعد أن تذكرت ما كادت أن تنساه.

_ "سما" مقابلتنا ديه محدش يعرف بيها مهما حصل لأن عمك "هشام" لو عرف هتحصل مشكله كبيره ما بينا.

أعتدلت "سما" في جلوسها مُستنده بساعديها على الطاولة.

_ حاضر يا طنط، سرك في بير ولا حتى "قصي" هيعرف حاجة ، ما أنا حرام أظلمه معايا ويتجوز واحدة مغصوب عليها.

تقابلت نظراتهن ، فتنهدت "لبنى" براحة عندما تأكدت من صدق حديثها.

_ الست بتدفع التمن طول عمرها يا "سما" لما بتتجوز راجل مبيحبهاش ، أتمنى ليكي تلاقي الحب الحقيقي.

أطرقت "سما" رأسها تسأل نفسها ، هل زوجة عمها تتعمد أن تُمزق روحها وتحرق قلبها.

_ أوعديني يا "سما" إن كلامنا ده يفضل سر ما بينا.

رفعت "سما" عيناها إليها ، فأسرعت "لبنى" بوضع يدها على ذراعها.

_ أوعديني يا "سما".

تمالكت "سما" خنقتها وهزت رأسها عدة مرات وفي داخلها تمنت لو أنها أستطاعت الصراخ بعلو صوتها لعلّ زوجة عمها ترحمها ثم أخذت تتمتم في نفسها بعد أن توقد الغضب في عينيها. 
« بكرهك يا  "قصي"، بكرهك.»

....

أرتعش جسد "عزيز" بالكامل وألتمعت الدموع في مقلتيه عندما أقتربت منه صديقة "نارفين" بذلك الصغير الملفوف في غطاء سَمَاويّ.

_ خلي معاكي ، أخاف يقع مني ، أنا هبص عليه وهو على أيدك.

أبتسمت "نارفين" بوهن ونظرت إلى صديقتها "بورجو" التي ألتفت إليها حتى تُخبرها بما عليها التصرف به ، فـ حركت "نارفين" رأسها لها حتى تعطيه له.

أرتبك "عزيز" ونظر إلى الصغير بعد أن ألتقط بعينيه تصرف "نارفين".

_ أحمل "عزيز" الصغير سيد "عزيز" ، "نيهان" يريده أن يكون مثلك.

تمتمت "نارفين" بصوت مختنق بعد أن قاومت وهنّها ، فهذه هي أحدى أمنيات زوجها سواء صبي أو فتاة أراده أن يكون مثله عزيز النفس ، مخلص وصادق في كل شئ.

تردد "عزيز" في البداية وهو يمدّ يديه حتى يحمله لتبتسم  "بورجو"وهي تضعه بين ذراعيه.

والدموع التي حاول منعها والسيطرة عليها ،فاضت بسخاء على خديه وهو يضم هذا الصغير الذي حمل أسمه إلى حضنه.

_ أبن الغالي وهتكون غالي يا "عزيز"، هتكون أبني اللي ممكن مخلفهوش.

حديثه خرج بهمس بعد أن اِستدار بجسده وهو يضم الصغير إليه ثم أردف بصوت أجش.

_ أبوك هيرجع لينا ،قلبي بيقولي إن طريقنا لسا مكمل ومش هيسيبني لواحدي.

...

دارت "سمية" بعينيها بين الطبيب وأبنها الذي كرر نفس تساؤله لمرات.

_ كانت حامل في أبني ولا أبن حد تاني ، أرجوك رد عليا.

شعر الطبيب بالأسف عليه ثم زفر أنفاسه وقال قبل أن يبتعد عنه.

_ السؤال ده تسأله للمدام مش ليا ، عن أذنكم.

سار "سيف" ورائه صارخًا بصوت اجتذب الواقفين بالممر داخل المشفى الحكومي.

_ أنت مردتش عليا ليه، ده أبني ولا مش أبني ؟

أجتذبت سمية ذراعه وهتفت به وهي تنظر حولها.

_ أنت كده بتفضح نفسك وأحنا مش ناقصين فضايح خلينا نلم الموضوع وتطلقها وترجع بلدها...

أشعلت "سمية" بحديثها قلبه الذي لم يستوعب بعد خيانتها له ، فهو رآها مُلتفة بغطاء الفراش وورائها مجموعه أخرى من رجال ونساء.

_ خلي يرد عليا، أبني ولا مش أبني ؟

رمقه أمين الشرطة الواقف والذي رافقه إلى المشفى بنظرة مُسْتَخِفة وساخطة.

_ أنت بتبصلي كده ، بتقول عليا أني راجل مغفل مش كده

صاح بها "سيف" وأندفع نحو رجل الشرطة الذي أرتفع صوته بغضب.

_ جايبين مراتك يا نن عين مامي من شقة مشبوها ومخلة للأداب لأ وإيه كانت في حضن أتنين رجاله، أبقى دور بقى في سجل المدام أو يمكن يكون طفل مشترك ما بينكم كلكم.

ألقى أمين الشرطة حديثه دفعة واحده وفجأة أنقلبت المشفى لعراك وسقطت "سمية" أرضًا وهي تصرخ بأن ينجد أحد أبنها.

_ المهزلة ديه أنا مش هسكت عليها وهجيب حق أبني.

...

أغلقت "زينة" الكتاب الذي تُراجع فيه أحد المواد التي ستُختبر بها غدًا ثم ألتقطت الهاتف الذي أضاء للمرة الثانية بـ رقم تُسجله بأسم إحدى صديقاتها.

نهضت من وراء طاولة مكتبها الصغير ثم أسرعت نحو باب الغرفة لتتأكد من غلقه.

زفرت أنفاسها ببطء قبل أن تُقرر الرد عليه وقد أعاد الأتصال للمرة الثالثة.

_مبترديش عليا ليه ؟

تساءل "هشام" بغضب فور أن أستمع إلى صوتها لترد بنبرة صوت خافتة ومُرتجفة.

_ عندي أمتحان بكره وبذاكر و خالتو الفترة ديه تركيزها معايا جامد.

خلل "هشام" أصابعه في خصلات شعره، فهو الليلة يُريدها بشدة.

تنهد تنهيدة طويلة أجتذبت أنتباه "زينة" التي عادت لجلوسها وراء طاولة مكتبها.

_ هو أنت أتضايقت!!

رد "هشام" وهو ينظر إلى الطريق أمامه.

_ عايزك تجيلي، ينفع؟

اِفتر ثغر "زينة" عن أبتسامة خفيفة وتساءلت.

_ هو مينفعش لكن ممكن أعرف أنت عايزني ليه؟

أبتسم "هشام" ،فالصغيرة تُلاعبها ولا بأس بأن يعطيها ما تُريد أن تسمعه.

_ عايزك عشان وحشتيني، هتيجي يا "زينة" بعد ما قولتها ليكي.

أطبقت زينة جفنيها بأسترخاء ثم تنهدت برقة.

_ بجد بقيت أوحشك.

تجمدت ملامح "هشام" ثم قبض بيده على الهاتف.

_ هتيجي ولا لأ...

زمّت  "زينة"شفتيها بضيق وهي تنظر إلى الكتاب المفتوح أمامها.

_ مش هينفع، عندي أمتحان.

أجابها "هشام" بـ رد سريع مُقتضب.

_ تمام.

أنهى "هشام" المكالمة زافرًا أنفاسه بضيق مُتسائلًا.

_ أنت أتعلقت بيها يا "هشام" ، طلعت ذكية وعرفت تخليك عايز ست في حياتك، أنتِ السبب يا " لبنى" قولتلك أنا محتاجك الفترة ديه أوي لكن حضرتك عايشه ليا دور الكآبة والأحزان من ساعت ما جوزنا "أشرقت" وكأنها هجرت بلد تانية وكل اللي على لسانك بنتنا متجوزتش جوازه تليق بينا ورجعلي بنتي...

نظرت "زينة" نحو الهاتف بصدمة لا تُصدق أنه أنهى حديثهم بتلك السهولة.

_ هو زعل مني يعني ممكن يرجع يبعد عني تاني...
 
وفي نفس اللحظة التي قرر فيها "هشام" الأنطلاق بالسيارة والذهاب لمنزله والعودة إلى أحضان "لبنى" ربما يجد معها الليلة ما يُريده وصارت تحرمه منه بحجة أن عليهم التركيز في حياة أولادهم والتمتع بأشياء أخرى.

صدح رنين هاتفه فجأة ليتوقف بالسيارة التي تحركت مسافة قصيرة وأجاب بحاجبين معقودين.

_ مش لازم تيجي ، أنا هروح خلاص وأنتِ ذاكري عشان
أمتحانك..

هزت" زينة" رأسها سريعًا وكأنه يقف أمامها ويرى ردة فعلها.

_ لأ أنا خلاص قررت أجي لأن أنت كمان وحشتني.

أتسعت أبتسامة "هشام" وخفق قلبه ، فهي لا تخجل من إظهار مشاعرها له.

_ هبعتلك العنوان وأستناكي...

أحتضنت "زينة" هاتفها بعد أن أنتهت من مكالمتها السريعة معه ثم تنهدت وسرعان ما أحتل الوجوم ملامحها.

_ لو قدرت أقنع خالتو إني أروح أبات عند "نيفين" مش هخلص بكره من أسئلة "نيفين" لو خالتو اتصلت بيها ، أعمل إيه أنا دلوقتي.

...

أمتقع وجه "أشرقت" عندما أقتربت من مكان جلوس "سيلين" التي أستدعتها بأن تتناول معها القهوة و يتحدثون عن الحفل الذي سيُقاوم بعد غد في الفيلا.

تجاهلت "سيلين" نظرتها إليه وأبتسمت ثم نهضت من مقعدها وهتفت بدهاء.

_ طب أنتِ بتكرهي العيلة هنا وحقك لكن أنا ذنبي إيه ؟

رفعت "أشرقت"أحد حاجبيها ورمقت "سيلين" بنظرة ثاقبة ، فهي لا تستلطف هذه المرأة وتشعر بيقين تام إنها تُبادلها نفس الشعور.

_ أنا عارفه إننا أول لقاء قبل حتى جوازك من "مراد" مافيش أستلطاف بينا لكن أعذريني ، أنا و "مراد" مبنطقش بعض وطبيعي هكرهك..

عقدت "أشرقت" حاجبيها ثم تمتمت وهي تسحب المقعد وتجلس عليه.

_ هو مين أصلًا ممكن يطيقه...

تجلجلت ضحكات "سيلين" وقررت السير على هذا الدور الذي تعلم إنه ربما يخلق بينهن حديث لن ينقطع.

_ لا يُطاق بجد وكنت فرحانه إنه هيعيش في فيلا تانية ويبعد عن هنا..

ألتوت شفتي  "أشرقت"بعبوس وتنهدت بقوة.

_ أنتِ كنتي عايزاني في إيه لأني مش فاضية ومش بحب الرغي الكتير.

أبتسمت "سيلين" أبتسامة عريضة أظهرت صفوف أسنانها البيضاء وفي داخلها أزدادت رغبتها بالأنتقام.

_ ما أنا قولتلك عايزين نتكلم عن الحفلة، وديه أول حفلة هتحضري فيها وأنتِ مرات "مراد الهتيمي".

تجهم وجه "أشرقت" بتهكم ،فأسرعت "سيلين" بأستكمال حديثها.

_ لازم تحافظي على صورتك بين أهلك لأن كلهم أكيد هيكونوا مدعوين ولا أنتِ عايزة صورتك تتهز قدامهم ويشكوا.

أسبلت "أشرقت" جفنيها وتنهدت بعمق وهي تفكر في صورتها أمام عائلتها وعدم مسامحة والدتها لها.

_ أنا عارفه إنك لحد الآن أنتِ شيفاني عدوة ليكي وأنا زيك شيفاكي خصم ليا لكن أنا وأنتِ مشتركين لكرهنا للعيلة ديه.

قطبت "أشرقت" جبينها ، فهذه المرأة تدور بها هنا وهناك ولا تفهم منها، ماذا تُريد؟

_ أنا برضو مش فاهمة أنتِ عايزة توصلي بكلامك لأية رغم إنك لحد دلوقتي متكلمتيش عن حاجة تخص ترتيبات الحفلة.

تجمدت ملامح "سيلين" وهي تجد "أشرقت" تنهض من أمامها.

_ عايزة نحط أيدينا في أيد بعض وننتقهم من "مراد" وأبوه.

قبضت "أشرقت" بيديها على المقعد الذي عادت للجلوس عليه مرة أخرى وحدقت نحو "سيلين" التي أشارت نحو فنجان القهوة.

_ أنا أخدت بالي إنك بتحبي تشربي القهوة باردة ،فأشربي قهوتك وخلينا نتكلم...

....

أستندت "ليلى" بذقنها على قبضة يدها ثم زفرت أنفاسها بفتور ونظرت إلى العم "سعيد".

_  تفتكر في حاجة وحشة حصلت ليهم يا عم "سعيد".

حدقها العم "سعيد" بنظرة حائرة ثم نظر إلى هاتفه وهاتفها.

_ هو البيه لما قفل معاكي وأنتِ بتكلميه قالك في مكالمة جياله من الأستاذ "شريف" المحامي..

هزت "ليلى" رأسها وأعادت نفس الرد عليه.

_ أيوة يا عم "سعيد". 
أجفلها العم "سعيد" بنهوضه ودفعه للمقعد ثم أخذ يدور حول نفسه.

_ قلبي بيقولي في حاجة فعلًا وحشه حصلت، ما هو أختفائهم ومحدش راضي يرد علينا منهم، لأ وكمان المحامي بيكلم "عزيز" بيه وهو بره مصر يبقى الموضوع ميطمنش، قلبي عندك يا بيه، شايل ديمًا الهم... أنا الفترة ديه وضع البيت مش عجبني وكأن صبتنا لعنة.

جحظت عينين "ليلى" وبدأت تربط كل شئ ببعضه إلى أن هتفت بآخر طريق أمامهم.

_ بقولك إيه يا عم "سعيد" ما تكلم مدام سمية أسألها عن  "سيف"و "كارولين ".

قوس العم "سعيد" شفتيه ثم مطهما بأستياء.

_ أنا على آخر الزمن أكلم الحرباية لا يمكن ده يحصل...

وبالنهاية رضخ العم "سعيد" نحو هذا القرار بعد أن وجد أن لا طريق أمامهم إلا هي بعدما يأسوا من رد "عزيز" عليهم.

_ أهو شوفتي مبتردش عليا ، أنا عارفها تطيق العما ولا تطقني..

ورغم البؤس الذي يحيطهم إلا أن "ليلى" ضحكت وهي تضرب كفوفها ببعضهما.

....

ترقبت "زينة" وجه خالتها وهي تُحادث والدها ، رمقتها "إلهام" بنظرة فاحصة.

أخفضت "زينة" رأسها بحزن وقد تأكدت من رفض والدها.

_ ما أنا قولتلك يا "عدنان" هتروح عند "نيفين" صاحبتها ما أنت عارفاها وعارف أهلها ، والله أنا مش بتدخل في قراراتك ديه لتيجي بعدين تلومني وتقولي أني لغياك من حياتها مع إنك مش موجود أصلًا.

أحتدت ملامح "عدنان" وغادر الملهى الليلي الذي كان سيقضي فيه سهرته.

_ خليها تروح وأعملي حسابك هبات معاكي النهاردة...

أخفت "إلهام" توترها سريعًا وأبعدت الهاتف عن أذنها قائلة :

_ تمام يا حببتي روحي، بس خلي بالك وأنتِ سايقه عربيتك.

قفزت "زينة" بحماس و أندفعت إليها تقبلها على كلا خديها.

_ حببتي يا خالتو.

ضمتها إلهام إليها بأحد ذراعيها وهتفت بتحذير.

_ عايزه تقدير حلو عشان أغير ليكي العربية.

حركت "زينة" لها برأسها ثم وضعت قبلة أخرى على خدها وأتجهت بخطوات سريعة نحو غرفتها.

_ "عدنان" متجيش ليا ، أنا ماليش مزاج.

أشار "عدنان" نحو أحد الرجال الذين يتولون حراسته بأن يبتعد عنه وصاح بغضب.

_هو أنا كل مره أطلب بحقي فيكي تقوليلي ماليش مزاج، "إلهام" أتعدلي معايا بدل ما أنتِ عارفاني...

ألتقطت "إلهام" جهاز التحكم الخاص بالتلفاز حتى ترفع صوت البرنامج الذي تُشاهده.

_ هي "سيلين" مبقتش تنفع ولا إيه، ما تغيرها وتغيرني يا "عدنان". 

توقفت "زينة" مكانها ولم تشعر بالصدمة من علاقة خالتها بوالدها ثم عادت أدراجها إلى غرفتها وتناست أمر أخبار خالتها ألا تنتظر عودتها بالصباح لأنها ستذهب مع "نيفين" إلى الجامعة حتى تلحق محاضرتها الباكرة.

...

أستمر "هشام" بالتحرك عند باب الشقة إلى أن أرتفع رنين جرس الباب ليُسرع في فتحه.

أبتسمت "زينة" بتوتر ودلفت وهي تنظر حولها.

_ اتأخرت عليك...

تناول منها "هشام" حقيبة الظهر التي تضعها على كتفها قائلًا:

_ يعني شوية، أنا جهزت لينا العشا... هتدخلي تغيري ولا هتقعدي كده.

تلاقت عيناها بعينيه ثم أشاحتهما بعيدًا وهمست بخفوت.

_ لأ هدخل أغير هدومي الأول.

برقت عينايّ "هشام" وأشار إليها بأن تتحرك معه جهة إلى أحدى الغرف.

_ أدخلي هنا وأنا هستناكي بره عشان نتعشا لأني جعان أوي.

لم تفهم "زينة" كلمته إلا عندما غادرت الغرفة بذلك الرداء القصير الذي أرتدته وكشف عن جسدها بسخاء.

تعالت أنفاس "هشام" بوتيرة غير منتظمة وهو يفحصها بنظراته الجائعة لمفاتنها.

سارت "زينة" نحوه وهي تفرك يديها ببعضهما ثم أقتربت من طاولة الطعام ونظرت إلى ما أحضره.

_ أحطلك إيه في طبقك؟

ألتقط "هشام" منها الطبق ونظر إليها وهو يبتلع لعابه.

_ مش جعان للأكل يا "زينة" ، أنتِ خلتيني جعان لحاجة تانية...

والحدود التي حاول وضعها بينهم أزالها بنفسه وسقط فيها ولم يبقى في عقله إلا الهوس بهذه الصغيرة الفاتنة. 

...

فتحت "سما" عينيها بعدما أستمرت بالتحرك على الفراش ثم تُلقي بالوسادة التي جانبها أرضًا.

_ ما أنا قلبي ميتحرقش لواحدي ولازم أخد حقي منكم كلكم ....

وسقطت دموعها التي أخفتها عن أنظار جدها عندما عادت من لقائها مع زوجة عمها.

_ حاضر يا "لبنى" هانم هفشكل كل حاجة يوم الفرح عشان تكون فضيحة حلوة للعيلة الكريمة وأهو ماما كمان تفرح وتتبسط.

... 
ألقى "شاكر" القلم الذي بيده ثم أخذ ينقل أنظاره بين "حورية" و "صفوان".

_ شايفين أهمال البيه ، قولتلكم بلغوه إن الاجتماع ده مهم ولازم يحضر لكن نقول إيه بقى مهوس بالجري ورا الهانم...

وأردف "شاكر" بوجه ممتقع.

_ قال كنت فاكر إن ده هيكون وريثي...

أطلقت "حورية" زفرة عميقة ، فـ حدقها "شاكر" بنظرة مُستاءة.

_ معجبة أوي بشخصية مرات أبنك يا دكتورة ومشجعاها على السرمحة هنا وهناك...

أحتقن وجه "حورية" من شدة الغضب ليُسرع "صفوان" بالوقوف بينهم.

_ بابا قولتلك "صالح" بلغني إنه هيكون موجود على الأجتماع وكفايه كلام بقى لأحسن يدخل علينا فجأة.

زمّ "شاكر"شفتيه بمقت وأشاح بوجهه عنهم.

_ وحفلة "عدنان الهتيمي" هيحضرها إزاي النهاردة هو والمدام.

أغلق "صفوان"عينيه بسأم ، فتولت "حورية" الرد الذي لم يعجبه.

_ مش لازم يحضر هو و "زينب"، أنا و "صفوان" كفايه وجودنا...

اِستشاط "شاكر" غضبًا و اِستدار بجسده مُتجهًا نحو مقعد طاولة مكتبه.

_ الدكتورة كلامها بقى يعصبني يا" صفوان"...

زفرت "حورية" أنفاسها وازدادت ملامح وجهها أحتقانًا ثم غادرت الغرفة.

_ هخرج أقعد مع السكرتيرة بره...

...

وقف"صالح" عند المصعد قبل الدلوف إليه ثم ألتف نحو الصوت الذي يعرفه ولم يندهش من وجود صاحبته.

_ "صالح".

أقتربت "رغد" منه وعلى شفتيها أبتسامة ألتقطها ذلك الذي يسير نحوهم ولم يكن غير "ساري" شريكهم الجديد.

حرك "صالح" رأسه بسخرية ثم أبتسم أبتسامة يقصد بها من يقترب منهم.

_ جدي طلع شاطر وخلاكي في صفه يا "رغد"، أهلا بيكي في الشركة. 
...

أسرعت "ليلى" بهبوط الدرج حتى تبحث عن العم "سعيد" وتُخبره بما أخبرها به "عزيز" وأصراره عليها أن لا تمكث في الفيلا حتى يعود غدًا وإذا ظهر "سيف" ألا تحتك به.

صدمتها فيما أخبرها به جعلها لا تنتبه على درجات الدرج التي كادت أن تتعرقل عليه.

خرجت صيحتها ثم أستندت بيدها على أحد جانبيّ الدرج وعندما رفعت رأسها وجدت "سيف" أمامها بمظهر مُشــعث وكدمات على وجهه ويده ملفوفه برباط ضاغط.

_ "سيف".

هتفت اسمه وفي عينيها نظرة حزن عليه تحولت فجأة إلى الذعر عندما رآته يتحرك نحوها بوجه مُكْفهرّ ونظرته إليها تحمل الخواء....

تعليقات