رواية قلب السلطة الفصل الثامن والثلاثون
توقّفت "نيفين" لحظة، تراقب نبرة رائد التي تختبئ داخلها عاصفة لا يريد كشفها، ثم رفعت حاجبها قليلًا وقالت بنبرة مباشرة:
– لو هنتكلّم… يبقى قريب. لإن فيه حاجات بقت مش واضحة، وعاوزة تتوضح.
أومأ لها رائد ببطء، كمن يعطي إذنًا بالهدنة، لا بالاستسلام:
– قريب قوي… يا ماما.
تركتْه ورحلت، وصوت كعبها يتردد على الرخام كجرس إنذارٍ يعرف رائد تمامًا أنه لن يتجاهله.
ابتسامته التي علقت على شفتيه لم تكن إلا قناعًا يحاول أن يثبت به سيطرته… قناع يعرف أن نيفين قادرة على تمزيقه في اللحظة المناسبة.وعليه أن يجهز لها خدعة تالية تدفنها تحت المزيد من الصمت.
لكن تلك الابتسامة المستهزئة التي ارتسمت على وجهه لم تكن سوى ستار يخفي خلفه نيرانًا تنتظر لحظة الانفجار.
بخطوات واثقة، لم تهتز بفعل التهديد المبطن الذي أطلقته "نيفين". جلس مقابل شامل الذي كان ينظر إليه بترقبٍ هادئ يترجم آلاف الأسئلة حول مصير تلك المواجهة الخاطفة. رائد، دون أن يعطي للاشتباك الأخير أي اعتبار، بدأ الكلام بصوت هادئ، متجاهلاً سؤال شامل غير المنطوق حول نيفين وكأنه يغلق ملفاً لا أهمية له:
– نرجع لشغلنا يا شامل. بكرة الصبح، لازم الصفقة تمشي بالملّي. كل نقطة ضعف لازم نغطيها.
شامل (يهز رأسه بإذعان، لكن القلق ما زال يسيطر عليه) تمام. جاهز. بس الخطر على نيرفانا... هتصرف إزاي بكرة في طريق المدرسة؟ إنت قولت مش هتغلط مرتين.
رائد (يشعل سيجارة جديدة ببطء، ينفث دخانها في سقف الغرفة ببرود يثير الريبة) اللي بيخطف بنتي مش هيخطفها تاني بالطريقة نفسها. أنا رتبت كل حاجة. بكرة الصفقة هتم. وبكرة نيرفانا هتروح المدرسة بكاميرات مراقبة ما حدش يتخيل وجودها.
في تلك اللحظة، رن هاتف رائد بصوت مميز وغريب. اسم "مهاب" ظهر على الشاشة. تجمد الصالون في صمت، ودخان سيجارة رائد علق في الهواء، وكأن الزمن قد توقف.
رائد (صوته أصبح حاداً ومسموماً، ينظر إلى شامل نظرة تحدٍّ تحمل في طياتها بداية المعركة الحقيقية) وصلت الرسالة!
فتح رائد المكبر، ووضع الهاتف على الطاولة بينهما. لم يكن مهاب يتحدث، بل كان صوت صراخ خافت، متبوعاً بصوت تسجيل ومألوف لشامل:
وضع رائد الهاتف على الطاولة بعد سماع التسجيل والصراخ.)
رائد (بصوت يجمع بين السيطرة الغاضبة والتهديد المبطن، لم يرفع الهاتف بعد): جهز الملف الأمني بتاعه. كل ثغرة، كل خطأ من أول ما بدأ.
شامل (يهمس بذعر، وعيناه مثبتتان على الهاتف): هو... هو إزاي قدر يجيب ده؟ التسجيل ده حصل في البيت !
رائد (بحدة): مفيش حاجة بتندفن للأبد يا شامل. فيه حاجات بتستنى الفرصة عشان تطلع. دلوقتي مهمتنا ندفن اللي جايبه ده، هو واللي معاه.
شامل (متوترًا): بس ده معناه... نهاية، لو...
رائد (قاطعًا كلامه، ببرود): مفيش نهايات غير اللي أنا بكتبها. أنت هتنزل تشرف على إجراءات أمن نيرفانا بنفسك، ومش عاوز ولا غلطة. أي تأخير في صفقة بكرة هيعتبر خيانة. دلوقتي... سيبني لوحدي.
(يخرج شامل مسرعًا. يجلس رائد لبرهة صامتًا ينظر إلى السيجارة المشتعلة، ثم يتناول هاتفه. لا يتصل بـ "مهاب" للرد، بل يفتح تطبيق المراسلة ويدخل على اسم "يقين").
يُرسل رائد رسالة سريعة إلى يقين (التي كانت تتابع نيفين).
رائد: (لـ يقين) نيفين وصلت فين بالظبط؟ مش عاوزها تروح بعيد قبل ما أخلص كلامي معاها.
(بعد ثوانٍ، تأتي الإجابة. يقين تؤكد أنها ما زالت تراقبها، وأن نيفين في طريقها للمغادرة.)
(يتصل رائد بـ يقين، صوته هادئ لكنه يحمل تركيزًا قاتلًا.)
رائد (بصوت منخفض): اسمعي يا يقين. أنا مش عاوزها ترجع البيت دلوقتي. عاوز نيفين تحس إنها عندها مفتاح اللعبة. هتبعتي لها رسالة دلوقتي بالظبط زي ما هقولك، وباسمك أنتِ.
يقين (في الطرف الآخر، بخفوت): أمرك يا رائد .
رائد: اكتبي لها: "ماما نيفين، رائد اتعصب قوي لما عرف إنك عرفتي اللي عمله في ليلي . متقوليش اني قلتلك حاجة دلوقتي لحد ما يهدأ، عشان ليلى متتأذيش".
يقين (مندهشة): هي عرفت باللي عملته في ليلي ؟ بس هي...
رائد (قاطعًا، بحدة باردة): مش مهم عرفت ولا لأ. المهم إنها تفتكر إني عرفت، وتصدق إن ده السبب اللي هيخليني اعنل حاجه تانية في ليل قريب. ده هيخليها تسكت و تسكت مهاب .
يقين (بإذعان): حاضر. هبعتها دلوقتي.
(أنهى رائد المكالمة. ابتسامة خبيثة ارتسمت على شفتيه. لقد زرع فخًا مزدوجًا: ورقة نيفين أصبحت الآن مرتبطة بخط مهاب. أوهام المعرفة ستجعل نيفين تصمت ، وخلال هذا الوقت، سيكون رائد قد حسم معركته مع "مهاب" و "شامل" وأصبح مستعدًا لإلقاء "القنبلة" في وجه نيفين وليلى في الوقت الذي يختاره هو.)
قلب السلطة 🔥
بقلمي مروه البطراوى 💜
جلس رائد في الصالون الملبد بالتوتر، وحده، يحدق في الهاتف الذي ما زال يعرض اسم "مهاب" ومكالمته المنتهية. الآن وقد أمن صمت شامل المؤقت وخدع نيفين لتصمت، كان عليه أن يفك شفرة هذا التهديد.
لم يكن الصوت الذي تلا الصراخ تسجيلاً عشوائيًا، بل كان اعترافًا موجزًا، مُحرَّفًا بعض الشيء أن هناك جاسوسا بينهم ، صوت شامل بلا شك.
لأن هناك صوت تسجيل اخر أتاه مضمونه
"...خلاص يا ليلى! رائد اتجنن .هيقتل ابنه .حازم ابن عشيقته علشان نيرفانا تبقي الوريث الوحيد.
كان هذا التسجيل عمره ساعات ، يعود إلى الليلة التي قرر فيها شامل تصفية ماضيه المظلم بالدم، مُعتقداً أنه حرق كل الأدلة. والأهم، أن التسجيل تم داخل هذا البيت، كما أشار شامل بوضوح، ما يعني أن مهاب يملك نقاط وصول لا يتخيلها رائد. و لذلك كان وسيطا هادئا في معركتهم الأخيرة .
تنهد رائد بعمق، ينفث دخان سيجارته على عجل. الأمر ليس مجرد ابتزاز عادي.
رائد (يحدث نفسه، بصوت شبه مسموع): مهاب مابيطلبش فلوس... مهاب بيطلبني أنا.
نهض رائد ببطء، وتوجه نحو حائط خشبي فاخر خلفه مكتبته الضخمة. ضغط على زر خفي في إطار لوحة قديمة، فانفتح جزء من الحائط ليكشف عن خزنة فولاذية. أخرج منها شريحة ذاكرة صغيرة، وعاد إلى مقعده.
أعاد رائد الاتصال بـ "مهاب". لم يرد مهاب هذه المرة، لكنه أرسل رسالة نصية وحيدة على الفور:
مهاب: "سيبني لحد بكرة الصبح... مش طالب غير إن الصفقة متتمش. لو الصفقة دي تمت، التسجيل هيروح لكل القنوات. والصوت اللي سمعته... هيبقي أخر صوت هتسمعه بنتك."
تجمد الدم في عروق رائد للحظة. نيرفانا. التهديد هذه المرة لم يكن مجرد إدانة لشامل، بل ربط مباشر بين حياة ابنته وعمله.
رائد (بصوت يزلزل الصالون، يضغط على أسنانه): إنت بتلعب بالنار يا مهاب!
أعاد رائد النظر في شريحة الذاكرة التي أخرجها. لم يكن هذا الملف سلاحه ضد مهاب، بل كان سلاحه ضد شامل نفسه. كان الملف يحتوي على التسجيلات الأصلية الكاملة، الذي لم يعلم شامل انها مع رائد بعد. التسجيل الذي يثبت أن شامل متواطء ضده .
رائد (ابتسامة باردة): أنت مفكرني ماجهزتش نفسي لليوم ده يا شامل؟ أنت ورقة، وأنا اللي بمسك خيوطها.
أرسل رائد رسالة مشفرة إلى مدير أمنه الخاص خارج المنزل.
رائد: "مهاب عرف كل حاجه من شامل. أمن الأبواب الخلفية وإلغاء صفقة بكرة غير مطروح. اتبع خطة الضربة المضادة .
في تلك اللحظة، تأكد رائد أن اللعبة دخلت مرحلة الإقصاء. مهاب يريد إلغاء الصفقة لتدمير رائد ماليًا وإخراجه من المعادلة. لكن رائد لن يتنازل عن سلطته.
أطفأ رائد سيجارته المشتعلة بضغط قوي.
الآن، لا يحتاج رائد فقط لتأمين ابنته، بل يحتاج لإجبار شامل على الوقوف بجانبه في مواجهة مهاب، وإلا فسينشر التسجيل الأصلي الذي يورط شامل في جريمة لم يرتكبها وحده.
لقد زرع رائد الخدعة لنيفين، وأطلق خطة التصفية لمهاب، وشد الخناق على شامل. كل شيء بات مُرتباً، لكن الخطر الأكبر لا يزال يتربص على بعد ساعات: صباح الغد، حيث الصفقة وحياة نيرفانا.
.
💖 قلب السلطة 💖
بقلمي مروه البطراوى 💜
أعادها اوس من المدرسة عندما علم أن شامل تركها
زفر "أوس" زفرة طويلة كأنها تحمل أنين قلبه، ثم التفت إلى "نيرفانا" بنظرة يغمرها العتاب، وقد تألق في عينيه بريق الحب والقلق، وقال بصوت خفيض يحاول أن يتماسك:
حبيبتي، مش قولنا قبل كده ناخد بالنا قدّام بابا؟!.. مش وقته دلوقتي والله!
ربّت "أوس" على شعرها بحنان، وهمس:
بموت فيكي يا عمري. وحقك هاخده بإيدي. بس أسيبني أقعد مع أبوكي، أفهم منه إيه اللي حصل. لازم يحكيلي، ولازم أقتنع قبل ما أتحرك.. الموضوع ده كبير، ونفسي أعرف الحقيقة من جذرها.
سكنت لحظة، ثم رفعت "نيرفانا" رأسها وهي تقول بتردد:
تفتكر هيوافق يقعد معاك؟!
ابتسم "أوس" بثقةٍ تحمل عناد العاشقين:
هيقعد.. لو ماقعدش بكيفه، هخليه يقعد غصب عنه. أنا مش جايله عشان آخذ إذن، أنا جايله عشان آخد حقك.. وحقك ده مش هيسيبه لحد.
وقبل أن يتفوه بكلمة أخرى، سمعا وقع خطوات على الدرج، فتباعدا بسرعة كأن بينهما جرمًا خفيًا.
وفي أعلى الدرج، كانت "يقين" عمة نيرفانا تقف. لم تكن نظرتها تخلو من دهشة مصطنعة، فالواقع أنها كانت تبحث عن "شامل" بأوامر من رائد لتنفيذ جزء من الخطة لكنها وجدت أوس ونيرفانا بدلاً منهما.
أرادت "نيرفانا" أن تشرح، أن تبرر، أن تختلق مخرجًا، لكن "أوس" تقدم بثبات، وانحنى بأدب قائلًا:
مساء الخير يا طنط.. أنا آسف لو شُفتوا حاجة مش مفروض تتشاف، بس أنا وِعدت بنت اخو حضرتك إني هقف جنبها مهما حصل. وحضرتك أكيد عارفة اللي حصل ليها.. وقلبي مش هيهدى غير لما أعرف مين اللي أذاها!
نظرت إليه "يقين" للحظات صامتة، قبل أن تقول بصرامة أمٍّ ترى الألم ولا تفصح، لكن نبرتها كانت تحمل أيضًا رغبة خفية في معرفة المزيد من نوايا أوس:
الكلام ده مايتقالش في البهو.. البيت كله دلوقتي فيه حاجة غريبة... اتفضل معايا على الصالون، نشرب شاي ونتكلم.
نظر إلى "نيرفانا" التي رمقته بعينين دامعتين، فربّت على كفها، ثم تبع "يقين" وقد أدرك أن المعركة قد بدأت الآن... لكنه لم يعد وحده.
قلب السلطة 🔥
بقلمي مروه البطراوى 💜
كان رائد ما يزال واقفًا أمام المكتب، يحدّق في شاشة هاتفه التي انطفأت منذ لحظة، لكن كلمات مهاب وتهديده بحياة نيرفانا كانت تصرخ في رأسه كرصاص متتابع.
كانت أصابعه ترتجف فوق فنجان القهوة البارد، حين سمع خطوات مألوفة تقترب.
ظهر شامل عند مدخل الصالون، بوجهٍ هادئ أكثر مما ينبغي، وكأنما يخبّئ ارتجاف قلبه خلف ابتسامة مصنوعة.
نظر إلى ساعته، ثم قال بخفة مصطنعة:
– طيب يا رائد… الوقت كده تأخر. أروح أنام بدري.
رفع رائد عينيه إليه…
عينيه اللتين كانتا قبل دقائق فقط تستجوبانه كقاضٍ يعري المتهم دون رحمة.
– خليك شوية كمان… اتعشّى معانا.
كانت نبرة رائد ناعمة… لكنها تحمل معنى آخر.
معنى فهمه شامل فورًا:
“لسه هتكلم معاك… ما تهربش.”
ارتفع قلب شامل في صدره.
هو يعرف أن التسجيل الذي يملكه رائد — الذي ظن أنه أحرقه — قد يكون الآن في يد أحد اخر إن لم تنفذ الخطة .
ربّت شامل على كتف صديقه بخفة مبالغ فيها، وقال بابتسامة مُتعَبَة:
– معلش… عشان أصحى بدري وأجيلك بكرة زي ما طلبت.
وبعدين… إنت عارفني، أكل الليل بيتعبني.
لم يتحرك جفن رائد.
ظل يحدّق فيه نظرة طويلة… ثابتة… كأنه يقيس الصدق والهرب في كل نفس يأخذه شامل.
ثم قال باستسلام منخفض:
– براحتك يا شامل.
صافحه شامل وربّت على ظهره، لكن كفّه كانت باردة… تتعرّق من الخوف أكثر من التعب.
– أشوفك بكرة على الفطار، يا صاحبي.
هزّ رائد رأسه، يراقب خطواته وهو يبتعد.
خطوات كانت أسرع قليلًا من الطبيعي…
ومترددة قليلًا أكثر من اللازم.
وحين اختفى شامل عند آخر الممر، عاد الهدوء الكثيف ليهبط على الصالون.
هدوء لا يشبه السكينة… بل يشبه صمت ما قبل الانفجار.
جلس رائد ببطء، أمسك فنجان القهوة البارد، وارتشف منه كمن يتذوق فكرة قاتمة تتخمّر في صدره.
بعد لحظات، أطلت يقين بخفة واستغراب، وقد لمحت الفراغ الذي خلّفه خروج شامل:
– الله! هو فين شامل يا رائد؟!
رفع رائد رأسه إليها، لكن صوته كان أثقل من أن يخفي التوتر:
– ماشي. من شوية.
– ماشي؟! طب ما اتعشّاش معانا ليه؟!
رمش رائد رمشة واحدة… رمشة رجل يعرف الجواب، لكنه يختار ألا يقوله.
اكتفى ببرود محسوب:
– قولتله… مارضيش.
بس هييجي بكرة يفطر معانا.
قالها ثم وضع الفنجان أرضًا وقد تجمعت الأفكار في رأسه كعاصفة مكبوتة.
وقفت يقين لحظة تراقبه…
شيء في وجه أخيها لم يكن طبيعيًا.
شيء لم تعد تراه منذ سنوات، أيام معارك العائلة القديمة.
خفض رائد صوته فجأة:
– ليلى لما قعدت مع أمها كنتي معاهم ؟
فهمت يقين فورًا.
هو لا يسأل عن ليلى…
هو يسأل عن الوضع كله.
– أيوه… متقلقش. كله تمام.
أومأ رائد إيماءة واحدة، لكن وجهه لم يتغير.
نهض وهو يطوي كم قميصه، وقال:
– العشا جاهز؟ أنا جوعت.
ابتسمت يقين بخفة رغم قلقها:
– جاهز يا حبيبي.
ثم أشار لها قبل أن يتحرك خطوة:
– نادي نيرفانا وأوس أن عرفت أنه هنا …
و قعدتي معاهم شوية.
توقفت يقين… تستوعب.
نيرفانا؟ وأوس؟
رائد لم يقلها من قبل بهذه الطريقة… لا كتلطف أبوي… ولا كتهديد.
– قصدك إيه؟
تنفس رائد ببطء… نظرة قصيرة إلى الأرض… أخرى إلى الفراغ… ثم قال بنبرة تحمل شيئًا لا يشبهه:
– معرفش… بس حسّيت إن في كلام متأجل منك .
قالها ومشى.
وتركها تقف في آخر الصالون، تنظر نحو الممر المؤدي لغرفة نيرفانا.
ابتسمت يقين ابتسامة صغيرة… لكنها ابتسامة ممزوجة بقلقٍ ثقيل:
هناك شيء يتحرك الليلة…
شيء لا يعود بعده شيء كما كان.
---
قلب السلطة 🔥
بقلمي مروه البطراوى 💜
بعد أن هدأت العاصفة، كانت ليلى تشعر أن البيت ما عاد ملكها وحدها، وكأنما كل شيء حولها تغير.
نهضت من سريرها بعد لحظات قصيرة من نوم مضطرب، لكنها وجدت نفسها في مكان آخر… بيت شبيه ببيتهم، لكنه ليس هو.
الأرض مبلّلة، السقف غائب، والسماء أقرب مما يجب.
الماء ينساب كضوء القمر، هادئ ولامع، كأن العاصفة التي مزّقت السماء لم تكن سوى وهم.
غرفت ليلى الماء بكفّها، لكنه لم يكن ماءً… بل شيء أزرق ناعم، كأنها تغرف من نسيانها.
سمعت وقع خطوات… لم تعرف مصدره، ثم جاء الصوت… مألوف ومربك، قلبها يعرفه:
> "ليلى... انتي هنا؟"
التفتت، فوجدته واقفًا أمامها. رائد، لكنه ليس هو.
وجهه باهت، عيناه تلمعان كأنهما من زجاج، لا ظل له.
قالت له من أعماق روحها:
> "إنت اتأخرت... الدنيا كلها غرقت قبل ما توصل."
اقترب منها، يخطو على الأرض بلا صوت، كأنه من آخر العالم:
> "كنت بجري... بس الطريق كان بيتحوّل... كل خطوة كنت بأمشيها كانت بترجعني ورا."
نظرت إليه، ثم إلى الماء الذي في كفيها.
غرفته مرة أخرى، فوجدت فيه صورتها وهي تضحك… ثم تتحطم الضحكة وتذوب.
> "أنا تعبت يا رائد... قلبي اتخرم، ونفسي اتكسرت، والحلم اللي كنت شايفاه بعيني... طفى."
مد يده نحوها، لكنها شعرت أنها تمرّ من خلالها كالهواء.
> "سامحيني... رجّعيني تاني."
> "ترجع فين؟ ما احنا ما بقيناش حتى إحنا."
نظرت مرة أخرى إلى الحوض، فلم تجد ماءً.
بدلاً منه، وجدت الرسائل… كل رسالة مطوية ومحترقة من طرفها.
واحدة منها كتب عليها:
> "لما تحبني، ماتتأخرش."
أغمضت عينيها، وهمست بين الصحو والنوم:
> "أنا مش عايزة منك رد… أنا بس كان نفسي تحس."
ثم رجع صوت الرعد فجأة، والسماء انفتحت… نزل نور قوي جدًا.
رائد اختفى، والمكان بدأ ينهار كالرمل المنثور.
وهي؟ كانت ماسكة الماء… لكنه تحول إلى نار.
ثم فجأة استيقظت ليلى.
شهقة حادة خرجت من صدرها، قطرات العرق على جبينها، وقلبها ينبض في ضلوعها.
نظرت حولها… كانت في سريرها، الماء مفقود، والصوت غائب، ورائد لا أثر له.
همست لنفسها، بين الصحو والنوم:
> "ده كان حلم…؟ ولا رسالة؟"
نهضت، وسارت ببطء إلى النافذة، فتحتها…
السماء هادئة، القمر مكتمل، والماء يلمع فوق الشجر.
لكن… يدها كانت مبتلّة.
---
قلب السلطة 🔥
بقلمي مروه البطراوى 💜
في هدوءٍ ثقيلٍ يشبه صدى كل ما حدث بالأمس، اندفعت "يقين" نحو الغرفة، وعيناها تقدحان شرراً مكتوماً، وقلبها يخفق بنبضٍ غاضبٍ لا يهدأ.
دفعت الباب كأنها تزيل عن روحها حملاً ثقيلاً، واقتربت من السرير حيث كان "رائد" محتضنًا "نيرفانا"، كأن العالم كله خارج هذا الحضن لا يعنيه في شيء.
هزّت كتفه بعنف، وصوتها الغاضب الممزوج بالقلق يهتز في أرجاء الغرفة:
"رائد! رائد! رائد!"
تمتم رائد بتأفف، وفتح جفنيه بتثاقل:
"إيـه... إيـه في إيـه يا يقين؟!"
هتفت "يقين" بعنف لا يكتمه أي خوف:
"قوم يا باشا! نايم هنا مع نيرفانا وسايب مراتك الحامل التعبانة لوحدها؟!"
تمطّى "رائد" بكسل مستفز، دون أن يحرّك ذراعه الملفوف حول ابنته، وقال بسخرية لاذعة:
"يعني العفاريت هتاكلها؟! وبعدين بنتي وحشتني، وكنت عايز آخدها في حضني طول الليل… أجرمت كده أنا؟!"
شهقت "يقين" شهقة ملتاعة، ثم نطقت باستهجان:
"طول الليل؟! إنت عايز تفهمني إنك نايم هنا طول الليل وسايب مراتك؟ تصدق إنك ما عندكش قلب؟!"
ضحك "رائد" ضحكة قصيرة، حادة، كأنها صفعة لما تبقى من إنسانيته:
"وهي دي حاجة جديدة؟ أول مرة تعرفيها يا يقين؟!"
وفي اللحظة التي ارتفع فيها التوتر، جاء صوت ناعم متحشرج من حضن أبيها:
"دآادي؟" قالتها "نيرفانا" برقة، وعينيها تلمعان بالدهشة والخوف معًا.
التفت إليها رائد فورًا، وابتسم ابتسامة أراد بها طمأنتها:
"صباح الفل يا ست الكل. صباح الورد على عيونك يا أجمل نيرفانا في الدنيا."
ثم حنى رأسه برقة وطبع قبلة على خدها.
سألت نيرفانا بصوت متردد:
"هو في حاجة ولا إيه؟"
هزّ رائد رأسه بلطف مُبالغ:
"لأ خالص، مفيش. عمتك بس جت تصحينا علشان مدرستك. يلا قومي جهّزي نفسك كده، وحا تلحقيني على تحت نفطر سوا قبل ما تمشي."
ابتسمت نيرفانا ابتسامتها الصغيرة، كالنسيم، وقالت:
"أوك."
ربّت رائد على شعرها بحنوٍّ مصطنع، ثم نهض نحو باب الغرفة وهو يمسك بـ"يقين" من معصمها.
لكنها انتزعت يدها بعنف، وقالت بعصبية:
"يا أخي إوعى كده! سيبني!"
استدار إليها فجأة، والغضب يطفح في عينيه:
"جَرَى إيه يا يقين؟! ظبّطي لسانك معايا... عايزة إيه؟!"
نظرت إليه بعينين تغليان بالخذلان، وقالت بصوت حانق يكتم وجعًا قديمًا:
"مش عايزة منك حاجة! إنت براحتك، اعمل اللي شايفه، صح ولا غلط مش هتفرق… ولا هيفرق!"
ثم استدارت تغادر، تستطرد مع نفسها بصوت خافت:
"عليه العوض فيك… ده إنت بقيت لا تُطاق بجد! حاجة… أستغفر الله العظيم!"
وقف رائد في مكانه، يحدّق في ظهرها بدهشة صامتة، وتمتم وهو يومئ برأسه:
"إيه ده؟! اتجننت دي… ولا إيه؟!"
هزّ كتفيه ببرود، كأن شيئًا لم يحدث، ومضى في اتجاه جناحه بخطوات هادئة، تنبع من لامبالاة مطبقة، لكن قلبه كان مازال مشدودًا… بين الخطر القادم من مهاب، وهمسات نيفين وليلى، وبين حبه لنيرفانا، الذي أصبح وحيدًا في صراع السلطة.
---
بقلمي مروه البطراوى 💜
بعد أن غادرت "يقين" الغرفة، ساد صمتٌ ثقيل في أرجاء الفيلا، كأن كل الجدران تشهد على كل كلمة، وكل شعور.
سار "رائد" بخطوات هادئة في الممرات، لكنه لم يكن يمشي فقط بين الجدران، بل كان يمشي بين صدى صوته الداخلي، ذلك الصوت الذي يعرفه لكنه يكرهه أحيانًا.
"يمكن هي عندها حق؟" همس صوتٌ ضعيف في رأسه، كأنه ينظر إليه من زاوية لم تطأها عيناه من قبل.
"يمكن فعلاً أنا سايب كل حاجة… بس يعني أعمل إيه؟"
ثم جاء الصوت الآخر، أكثر قسوة، أقسى من كل من حوله:
"بني آدم؟! ولا إنت كمان نسيت؟ أنت اخترت تبقى كده."
توقف رائد أمام باب جناحه، فتحه ببطء، ودخل، وأغلقه خلفه.
في الظلام، واجه مرآته.
لم يكن وجهه مطمئنًا، لم يعد هناك بسمة استعلائية، ولا برود مستفز. كان هناك انعكاس شخصٍ يوزع عليه اللوم، على كل خطأ وكل ضعف، على كل لحظة ضعف أمام الحب، أمام السلطة، أمام نفسه.
تنهد، وحنى رأسه، كأنه يحاول إيجاد بصيص في هذا الظلام الداخلي، لكنه لم يجده بعد.
في تلك اللحظة، كان يعرف: المعركة الحقيقية لن تكون مع مهاب، ولا شامل، ولا حتى مع أوس أو يقين… المعركة مع نفسه، ومع كل من أحبهم ولم يستطع حمايتهم بالكامل.
رفع عينيه مرة أخرى إلى المرآة، وابتسم ابتسامة باردة، لكنها لم تصل إلى عينيه:
"تمام… خلاص، أنا قدها… مهما حصل."
لكن حتى وهو يقولها، كان يعرف أن الليل طويل، وأن الصباح لن يأتِ إلا بعد أن يواجه كل شيء… أو يخسره.
---
بقلمي مروه البطراوى 💜
كانت الغرفة مظلمة إلا من ضوء خافت يتسلل من الستائر، لكن الظلام لم يكن كافيًا ليحمي قلب "ليلى" من الحلم الذي بدأ يتشكل أمامها.
ميتتُها في الكابوس كانت قاسية، بشعة بطريقة تجعل الروح ترتجف، لا الدماء وحدها، بل كرامتها، كل جزء من وجودها كان يُسحل على الأرض قبل أن يلتقط جسدها آخر أنفاسه.
ثم، فجأة، ظهر هو في الحلم، لكن ليس كما عرفته، بل ظلّ قاتم، صامت، عيناه كمرآتين زجاجيتين تعكسان كل خوفها، وصوته همسٌ أكثر فظاعة من الصراخ:
"ما تفكّريش… مش هتقدري تهربي مني!"
ارتجف قلبها، وركن جسدها للخوف، لكنها لم تصرخ.
لم تحاول المقاومة، كل ما في قلبها كان صمت استسلام، إقرار بلا جدوى من الهروب، إغلاق كل الأبواب أمامها.
هو قرأ خوفها جيدًا، كعادته، لم يكن يحتاج إلى كلمات، عينيه وحدهما كفيلتان بفك شفراتها.
ثم خرج صوته مجددًا، واثقًا، مخيفًا:
"دلوقتي حالًا… كل اللي بينا هينتهي. إنتي نفسك… مش هيبقالك وجود!"
ابتسامته لم تكن بشرية، كانت شيئًا آخر، يلتذ بالخوف، يلتهمه ويصنع منه قوة.
وقبل أن تفهم "ليلى" ما يحدث، شعر جسدها بالانهيار، ثم ارتفعت الظلال فوقها، قفز فوقها شيء لا يُوصف إلا بالرعب نفسه.
شهقت فجأة، وفتحت عينيها على اتساعهما.
كانت في سريرها، الغرفة هادئة، الظلام المعتاد حولها.
لكن قلبها كان يركض، العرق يتصبب من جبينها، الأنفاس تتلاحق، واليدين ترتجفان.
نظرت حولها، الماء من الحلم؟ لم يكن موجودًا، الصوت؟ اختفى، والرعب؟ مازال يتسلّل في أطراف روحها.
نهضت ببطء، خطاها مترددة، فتحت نافذتها،
السماء هادئة، القمر مكتمل، الشجر يلمع في ضوء الليل…
لكن يدها، كانت مبتلّة.
ابتسمت ابتسامة مُرهقة، تدرك أن الحلم لم يكن مجرد حلم، بل تحذيرٌ من قلبها، من روحها، ومن كل ما سيأتي.
---
بقلمي مروه البطراوى 💜
شهقت "ليلى" فجأة، كأن صاعقة صارت في قلبها، واستيقظت على أنفاس متقطعة، والعرق يقطر على جبينها، والقلب يدق بعنفٍ ينسى معه الوقت.
لكن الصوت القريب باغتها قبل أن تُلملم نفسها:
"ده إيه الخضة دي كلها؟!"
كان "رائد" واقفًا عند الباب، صوته يمزج بين السخرية والقلق الخفي، وكأنّه يحاول فهم ما خفي وراء الفزع الذي ارتسم على وجهها.
التفتت نحوه بعنف، عينيها ما زالت مشتعلة بذعر الكابوس، والارتجافة تسري في أطرافها كما لو أن الحلم نفسه ترافقه إلى الواقع.
همست بصوت مشروخ، خشن من أثر الصدمة:
"إنت… بتعمل إيه هنا؟!"
ابتسم "رائد" بسخرية خفيفة، رفع حاجبه وكأن نظراته تسألها عن السذاجة:
"نسيتي إن ده جناحي؟ وده بيتي؟ على العموم، أنا جيت أستحمي وأغيّر هدومي. لو حابة تدخلي الحمام، قومي أنا خلاص خلصت."
ألقى المنشفة على الفراش بلا اكتراث، بينما شعرت "ليلى" بالخجل يتصاعد، وعينيها تجتاحها حرقة الارتباك بسبب جسده المغطى بروب الاستحمام، وخصلات شعره اللاصقة برقبته.
أدارت وجهها بعيدًا، تبتلع ما تبقى من رهبتها، بينما مضى "رائد" بخطوات واثقة نحو غرفة الملابس، كأن شيئًا لم يزعجه.
خرج بعد دقائق، يرتدي زيًا منزليًا أبيض بالكامل، بياض يبرز سُمرة بشرته، وقوة ملامحه القاتمة، وشعره الأسود الكثيف، وقف أمام المرآة يعدّل ساعته، ثم التفت نحوها، نظراته كأنها خليط من التحدي والسخرية:
"هبعتلك الفطار مع داده غالية… إلا إذا حابة تفطري معانا تحت؟ أنا عندي استعداد أتبرع وأشيلك لغاية أوضة السفرة. ها، إيه رأيك؟"
نظرت إليه باحتقار، كأنها تصرخ بالكلمات من غير أن تنطقها:
"لأ، شكرًا. أنا ممكن أطيق أي حاجة دلوقتي… إلا إنك تلمسني أو تقرّب مني."
ابتسم "رائد" ابتسامة حادّة، وعيناه تتوهجان بلعبة جديدة:
"يعني متخيلة بالكلمتين دول، أنا ممكن أريحك وأعمل اللي إنتي عايزاه؟! حظك بس إني صاحي ومزاجي رايق، وماليّش نفس ألعب معاكي دلوقتي. ممكن أفوّت عليكي كمان شوية… أكون فوقتلك."
ارتفعت حرارة غضب "ليلى"، واصطبغت وجنتاها بالأحمر، لكن صوته ظل يلسعها وهو يبتعد:
"ما تفتكريش عشان حامل ومتصابية، مش هاجي جمبك… لأ، أنا سايبك بكيفي. ولما أعوزك… هاجيلك بردو بكيفي."
ثم أغلق الباب خلفه، تاركًا "ليلى" بين الخوف، الغضب، والرغبة في السيطرة على قلبها الذي لا يزال يترنح بين الكابوس والواقع.
---
