![]() |
رواية الشبح العاشق الجزء الثالث اشباح المدينة ( مرناس) الفصل الخامس بقلم رباب حسين
الحب لا ينهار فجأة إنما يتآكل ببطء تحت وطأة الكلمات القاسية التي تُلقى بلا حساب فتترك ندوبًا أعمق من أي سكين..... طعنات بسيف ملتهب يتمزق أمامه العشق الساكن داخل الصدور..... البيت الذي كان يومًا مأوى للدفء والطمأنينة يتحول مع الزمن إلى جدران صامتة تحفظ صدى الجروح القديمة.... أصبح ملامح البيت مشوهة.... ممزوجة بالحزن والآسى.... وتشهد على انكسار الأرواح قبل انكسار الأبواب.... فحين يُعاد الماضي كطعنة متجددة.... تضع العقل في حيرة.... هل قسوة الكلمات السابقة لازالت تؤلمها؟..... فأنا من زرعت الأشواك بكلماتي القاسية وها أنا أحصد أشواكًا..... وحين يصبح اللسان سلاحًا والذاكرة حطبًا يشتعل الحريق من الداخل ويهدم الحب والمنزل معًا حتى الرماد..... أم أن هناك سببًا أخر يطعن حبي بقلبها؟.... رجلًا أخر استولى على تفكيرها وحل مكاني.... هل يموت الحب أمام هذا الغدر أم أطعنه أنا بسهم الشك؟.... ليت الأجابة تأتي إليّ دون أن أبحث عنها أكثر..... فأيًا كان السبب فبالنهاية سوف أخسرها.... أخسر من أحببتها منذ أن رأيتها فتاة بريئة تدخل من هذا الباب وتحمل كتبًا بين يديها وبعينيها نظرة البراءة التي احتلت بها عرش قلبي دون منازع.... أخسر حبيبتي وصديقتي وزوجتي ودرعي الذي حماني.... لا.... لن ترى غيري..... لن تعشق أحدًا مثلي.... هي لي وأنا لها مهما مر علينا من صعاب فيكفي رابط الحب العالق بين أرواحنا....
كانت تقف حائرة.... لا تعلم كيف تفوهت بهذه الكلمات.... هي حتى لم تفكر بها قط من قبل فقد نسيت ما مر بينهما قديمًا منذ أن اعتذر لها وأحبته بصدق.... تذكرت كلام رينادا.... هناك من يتحكم بالعقول.... هل تحكم أحد بعقلي دون وعي... وكيف؟!.... فتحت عينيها تنظر إلى باب غرفة جنة.... الشك يحاصر قلبها ولكن بقلب الأم الحنون تبعد هذا الشك عنها.... لا تعلم إن كان هذا التصرف نابع من عاطفة الأمومة أم رفض لواقع أنها تحمل شرًا بين ثنايا قلبها؟.... اقتربت من الباب وفتحته لترى جنة نائمة دون وعي فأغلقت الباب ونفضت الفكرة عن رأسها للمرة الثالثة..... فتحت جنة عينيها تنظر إلى الباب وعلى ثغرها ابتسامة ماكرة.... انتظرت ليان عودة وئام الذي تأخر كثيرًا.... لم تستطع النوم وهي تعلم مدى قسوة كلماتها التي ألقتها عليه.... عاد وئام لتقف ليان أمامه وهي تنظر إليه في خجل فنظر لها نظرة عتاب ممزوجة بألم وإرهاق من كثرة التفكير... اقتربت منه ووضعت كلتا يديها على وجهه وتلاشت صورته من أمامها من كثرة الدموع التي ملئت مقلتيها ثم قالت : حقك عليا حبيبي.... مقصدش أي كلمة من اللي قولتها ومعرفش قولتها إزاي.... كأن عقلي مكنش فيا.... سامحني عشان خاطري
وئام : ليه قولتي إنك نسيتي الكلام القديم كله؟.... ليه كدبتي عليا؟
ليان : أنا فعلًا نسيته من زمان.... معرفش إيه اللي خلاني أقوله تاني.... معلش حبيبي أنا كنت متضايقة وفيه ضغط عليا حاليًا.... معلش استحملني
مرر وئام أنامله داخل خصلات شعرها ونظر لها داخل مقلتيها وقال : استحملك العمر كله.... ده إنتي روحي اللي عايشة جوايا.... فداكي كل حاجة.... وحقك عليا من اللي حصل النهاردة
ضمها إليه وهدأ الصراع الذي نشب داخل صدره وأخذها بين ذراعيه وناما.... في الصباح تجمعت الأسرة على الطاولة.... رأت جنة نظرات الحب داخل أعينيهما لم تتبدد ولم تتغير مما جعل مالوس يشعر بالغضب فوقف في غضب ولحق به صادق وقال : هتعمل إيه؟
مالوس : لازم أفصل وئام عن ليان بكل الطرق
صادق : ليه طيب فهمني إيه اللي في دماغك؟
مالوس : عشان وئام لو فضل جنب ليان وعرف إن جنة هي اللي بتعمل كل ده هيدمر كل حاجة.... وئام يقدر يسحب الشر منها وياخده جواه.... لأن هو الأصل.... هو اللي إداها قوة الشر حتى لو ليان حبسته جوا البلورة لو خرج ممكن القوة تختار وئام تاني وساعتها مرناس كل قواها هتنتهي.... وأنا مش عايز وئام.... أنا عايز مرناس.... مرناس ملهاش نقطة ضعف ودلوقتي هي تحت إيدي ومسيطر عليها.... ليان لو عرفت باللي بعمله هتحمي وئام كالعادة.... وئام لازم يبعد عنهم نهائي.... لازم الجواز ده ينتهي
صادق : مفيش غير الخيانة.... معندكش حل تاني
مالوس : جربت قبل كده وميناس جرب كمان وفشلنا.... وئام بيثق فيها جدًا.... بيثق في حبها ليه والرابط بينهم قوي بيرجعهم تاني
صادق : لو شاف بعينه هيصدق.... لازم تسيطر على ليان.... خلي جنة تسيطر عليها وساعتها هنقدر نوقع بينهم
نظر مالوس أمامه يفكر وفي أثناء ذلك ذهبت جنة إلى المدرسة.... كان هناك حزن يخيم على الطلاب والمدرسين.... فقدان طفلة بعمر الست سنوات كان صدمة كبيرة على كل من شهد هذا الموقف المهول.... وقفت جنة تنظر إليهم في ثبات.... منهم من يبكي ومنهم من يضع الزهور مكان سقوطها ومنهم من يحمل صورتها أما هي فكانت ساكنة كسكون الليل.... كانت نظرات نورا وسيلا إليها تحمل الشك والخوف.... كانت رينادا تتحدث معهما وفجأة تبدل حالها.... لم يتوقفا عن هذا الأمر ويصمتا بل قصا ما حدث إلى والديهما مما أنشأ حديث بين أولياء الأمور ووصل هذا الحديث إلى نادر الذي بدأ أن يصدق ما قاله إياد.... انقضى اليوم وعادت جنة إلى المنزل أما ليان فلحقت بها بعد وقت قصير.... كان صادق يراقب وئام من بعيد حسب أوامر مالوس.... بعد وقت أمسكت جنة بمرآة صغيرة داخل غرفتها وبدأت تتحكم في عقل ليان وهي في المطبخ فتركت الطعام وخرجت لتتصل بنادر
ليان : أيوة يا أستاذ نادر.... كان فيه موضوع مهم عايزة أتكلم مع حضرتك فيه
نادر : اتفضلي يا دكتورة
ليان : تقدر حضرتك تيجي البيت عندنا؟
نادر : مفيش مشكلة..... أنا كمان فيه موضوع برده عايز اتكلم مع حضرتك فيه.... ممكن بس تبعتيلي اللوكيشن
ليان : هقفل مع حضرتك وابعته حالًا
أنهت ليان المكالمة وجلست تنتظر دون إرادة منها فقط تحت تحكم جنة أو مالوس..... قبل وصول نادر إلى المنزل بوقت قصير اتصلت جنة بوئام وتحدثت في صوت هامس : أيوة يا بابي
وئام : مالك يا حبيبتي بتتكلمي كده ليه؟
جنة : خايفة مامي تسمعني.... الراجل اللي اسمه نادر ده قاعد برا مع ماما بقاله فترة ومنعتني أخرج من الأوضة وسمعاهم بيضحكو كتير.... مين ده يا بابي وبيعمل إيه هنا؟
فتح وئام عينيه في صدمة.... لم يصدق ما قالته ابنته للتو.... ترك المشفى وركض إلى المنزل على الفور.... وصل نادر ودخل المنزل وجلس بالبهو ثم جلست ليان أمامه وقالت : فيه حاجة غريبة بتحصل في المدرسة زي ما حضرتك بتقول
نادر : والله يا دكتورة مش أنا لوحدي اللي بقول.... سيلا ونورا بيقولو نفس الكلام اللي قاله إياد ابني
ليان : تقصد إيه؟!
نادر : بيقولو إن رينادا كانت واقفة معاهم عادي جدًا وفجأة جنة بصتلها ولقو البنت طلعت فوق السطح ورمت نفسها بدون مقدمات.... ديه حاجة غريبة شوية
ليان : وحاجة ملهاش علاقة بجنة أكيد.... البنت كانت قاعدة بتاكل تحت ورينادا طلعت من نفسها ورمت نفسها.... إيه دخل جنة بموتها؟
نادر : يعني كلام غريب إنها زي ما تكون كانت بتحركها من بعيد بريموت كنترول
ليان : وده معقول برده.... ده كلام عقل؟
صمت نادر ولم يتحدث..... فإن ما يقال منافي للعقل تمامًا ولا يصدقه أحد.... اقترب وئام من المنزل وقام صادق بإبلاغ مالوس فنظرت ليان إلى نادر وقالت : أنا أسفة مقدمتش لحضرتك حاجة.... تشرب قهوة معايا
نادر : تمام شكرًا
نهضت ليان لتدخل المطبخ وأعدت القهوة وقبل دخول وئام بلحظات خرجت ليان لتضع القهوة على الطاولة أمام نادر فاختل توازنها عمدًا وسقطت على ساقي نادر ونظرت له عن قرب ولم يكن بين وجهيهما سوى بضع سنتيمترات ودخل وئام من الباب فجأة ليرى هذا المشهد فتجمدت الدماء في عروقه وفتح عينيه في صدمة شلت حركته ونظر نادر إليه ثم دفع ليان من على ساقيه سريعًا ووقف في ارتباك شديد متلعثمًا في الحديث لا يعلم كيف يصلح هذا الموقف أمام زوجها فقال : والله حضرتك فاهم غلط.... المدام.... الدكتورة كانت بتحط القهوة.... ووقعت.... وقعت غلط يعني أنا معرفش وقعت إزاي.... بس بس وقعت
لاحظ نادر نظرات الصدمة والغضب على وجهه فحاول أن يخرج من المنزل ليمسك به وئام في غضب وتعالت اصواتهما وهو يسب نادر بأبشع الألفاظ ونادر يحاول أن يحتوي الموقف ويهدأ من روعه ولكن دون جدوى فوقفت ليان بينهما ودفعت بنادر ليخرج من المنزل وأغلقت الباب ووقفت أمام وئام في هدوء غير اعتيادي وقالت : إنت إيه اللي إنت بتعمله ده؟.... إيه الهمجية ديه؟
صفعها وئام بقوة وقال : إنتي جبتي البجاحة ديه منين؟.... إنتي ليكي عين تقفي وتتكلمي كده قدامي؟
ليان : ليه يعني ميبقاش ليا عين؟!.... هو أنا عملت إيه؟
كاد وئام أن يفقد صوابه فقال في غضب : إنتي جايبة راجل غريب في بيتي وقاعدة على حجره يا هانم.... مش مستحية حتى من بنتك اللي قاعدة جوا وحبساها في أوضتها عشان متشفش قذارتك
ليان : وخلاص عرفت إني على علاقة بواحد تاني.... ارتحت.... عايز إيه بقى مني؟... ما تسيبني في حالي بقى
وضع وئام كلتا يديه على رقبتها وحاول أن يقتلها بيديه وهو يقول في غضب : أنا هقتلك.... إنتي خاينة.... واللي زيك لازم يموت
خرجت جنة تركض إلى الخارج في ذعر وصاحت به : لا يا بابي.... لا متقتلش مامي عشان خاطري
تركها وئام وهو ينظر إلى جنة.... تمالك أعصابه إلى أقصى حد حتى لا يخسر ابنته أيضًا ثم نظر إلى ليان وقال : عملتي كده ليه؟!.... قصرت معاكي في إيه؟.... ده أنا حبيتك أكتر من نفسي.... عمري ما فكرت في يوم أزعلك.... ولا عمري جرحتك بكلمة.... كنت بعاملك زي بنتي مش مراتي.... ليه عملتي فيا كده؟.... ليه تحطيني في موقف زي ده قدام بنتي؟.... ليه خونتيني؟
ليان : عشان بطلت أحبك..... عشان بقيت حاسة إنك مش كفاية وإني استاهل واحد أحسن منك.... إنت مش عارف إنت متجوز مين.... أنا ليان.... المعجزة.... تطلع مين إنت عشان أفضل معاك وأضيع عمري في البيت ده خدامة ليك ولبنتك؟!
نظر لها وئام في غضب وقال : كفاية لحد كده.... الكلام معاكي هيوصلنا لمكان صعب نرجع منه زي ما أحنا.... أنا هبقى قاتل وإنتي هتبقى جثة قدام عين بنتك.... إنتي طالق
دخل وئام ليأخذ ثيابه وبعد وقت خرج من الغرفة ووقف أمام جنة وقال : جنة حبيبتي.... رقمي معاكي كلميني في أي وقت وأنا هبقى أجي أشوفك في المدرسة أو في النادي.... خلي بالك من نفسك يا حبيبتي
ضمها إليه وهي تنظر إليه في جمود على عكس النيران التي تشتعل داخل صدرها.... ترى ما تفعل ولا تستطيع منعه.... تعلم أنها من دفعت ليان لتفعل ذلك وأيضًا لتقول هذا الكلام الجارح.... هي السبب في طلاقهما.... هي من هدمت هذا البيت.... هي ليست الضحية بل هي الجاني.... ترك وئام المنزل وأمسكت جنة بيد ليان لترفع ليان سأشباح المدينة (مرناس)
