رواية مروة المنياوي الفصل السابع بقلم مصطفى محسن
ريهام اتراجعت خطوة لورا، والبنت قالت بصوت مرعب:
"الدكتور ممدوح سلّمِك لِها... دلوقتي دورِك."
ريهام جريت على أوضتها وقفلت الباب عليها.
بس أول ما بدأت تحس بأمان... شافت ظل ست واقف وراها في المراية.
الست دي كانت بنت، وقالت بصوت بارد:
"مساء الوجع... يا ريهام.
أنا مروة المنياوي."
ريهام كانت بتترعش.
مروة بتلف حواليها كأنها دخان أسود بيتسلل جوّا الأوضة.
الدكتورة ريهام قالتلها:
ـ "إنتِ عاوزة إيه مني؟!"
مروة قالتلها:
ـ "مش أنا اللي عاوزة يا حبيبتي... الكائن هو اللي اختارك."
مروة رفعت إيدها، والهوى برد فجأة.
الأنوار بدأت ترمش بسرعة،
وظهر الكائن نفس اللي ظهر للدكتور ممدوح، بس المرة دي ملامحه أوضح:
وشّ غامق، عيونه حمراء، وبيتنفس كأنه نار.
مروة قالت له بصوت هادي:
"خدها بهدوء... دي بتسمع وجع الناس، خليني أسمع وجعها."
وضحكت ضحكة هزّت المستشفى.
الكائن قرب منها، مد إيده ناحية راسها،
وريهام وقعت على الأرض، بدأت تصرخ...
جسمها بيتشنج، والعرق نازل منها كأنها بتغرق في خوفها.
كل صوت في المستشفى اتنقل جواها... وجع وصرخات.
في نفس الوقت، الدكتور ممدوح كان في بيته، حاسس بصداع رهيب.
كل ما يمسك راسه، يسمع أصوات ناس بتصرخ.
صوت أحمد... وصوت ريهام بتقول:
"ساعدني يا دكتور... هي جوايا!"
الدكتور ممدوح اتصل على ريهام، مردّتش.
اتصل على تليفون البيت، أخوها رد عليه.
الدكتور ممدوح قاله:
ـ "الدكتورة ريهام فين؟"
أخوها قاله:
ـ "عندها شغل بالليل في المستشفى النهارده."
ممدوح قفل المكالمة،
لبس البالطو بسرعة وجرى على المستشفى اللي بتشتغل فيها ريهام.
دخل وهو بيكتم نفسه من الرعب.
شاف النور في طرقة المستشفى بينوّر ويطفي لوحده.
لاقى غرفة مكتوب عليها:
غرفة الاستراحة.
فتح الباب... وشاف ريهام قاعدة على السرير، هادية ومبتسمة.
الدكتور ممدوح قالها:
ـ "ريهام؟"
ريهام قالتله:
ـ "أهلاً يا دكتور... استنيتك من بدري."
ممدوح قالها:
ـ "إنتِ بخير؟"
ابتسمت وقالت بصوت اتغيّر:
ـ "إنت عارف أنا مين... أنا مروة."
وشّها بدأ يتغير قدامه... نفس ابتسامة مروة، نفس العينين السودة.
وقالتله:
ـ "يا دكتور... إنت كده بدأت تلعب معايا."
ممدوح وقع على الأرض، عيونه متسعة.
مروة قربت منه وقالتله:
ـ "احنا لسه مخلصناش... لسه فيه وجع كتير، وأنا بحب الوجع."
الأنوار اتفصلت،
وآخر حاجة اتسمعت كانت ضحكة أنثوية طالعة من جوّا المستشفى...
ضحكة مروة، ومعاها صوت الكائن بيهمس:
"الدور الجاي... على سالم."
بعدها الممرضة نزلت غرفة الاستراحة عشان تقول للدكتورة ريهام إن في متابعة حالة دلوقتي.
الممرضة فضلت تكلمها، بس ريهام ما ردّتش.
ريهام قامت تمشي في الطرقات وهي بتقول:
"هو لسه هنا... هو لسه هنا جوّا دماغي..."
الممرضة قربت منها بخوف وقالت:
ـ "دكتورة ريهام؟ حضرتك كويسة؟"
ريهام بصتلها فجأة بعين مجنونة وقالت بصوت مش صوتها:
ـ "إنتي كمان هتشوفيه..."
بعدها صرخت صرخة هزّت المستشفى كلها،
ووقعت على الأرض وهي بتضحك ضحكة هستيرية، والدموع نازلة من عنيها.
الدكاترة حاولوا يمسكوها، لكنها كانت بتتكلم بكلام مش مفهوم...
كأنها بتكلم حد محدش شايفه غيرها.
ممدوح فتح عينيه فجأة...
لقى نفسه قاعد في عيادته!
كان عرقان، أنفاسه متقطعة، مش فاكر إزاي جه هنا.
قام بسرعة وبص حواليه بخوف وقال بصوت عالي:
ـ "أنا... أنا مش كنت في المستشفى؟! إزاي أنا جيت هنا؟!"
سمع ضحكة... ضحكة مرعبة.
بص ناحية الباب... كانت مروة واقفة هناك.
ابتسمت بخبث وقالتله:
ـ "ريهام؟ خلاص... عقلها طار.
خلصنا منها يا دكتور.
دلوقتي بقى... دور سالم."
ممدوح وقف لأول مرة ونبرته كانت حادة وغاضبة وقالها:
ـ "إنتي ليه بتعملي كده؟
ليه بتتلذذي في عذاب الناس؟
إنتي مش بتسيبي حد في حاله!"
مروة ضحكت ضحكة تقشعر الجلد وقالت:
ـ "زي ما إنت بتستمتع بالخيانة...
أوعى تفتكر نفسك نضيف من جواك يا ممدوح.
أنا اخترتك عشان فيك شبه مننا."
ممدوح صرخ فيها وقالها:
ـ "أنا عمري ما هكون شبهكم!"
وفجأة الجو اتغير...
الهواء بقى تقيل،
وظهر الكائن من ورا مروة — نفس الكائن اللي بيدخل في أجساد الناس.
رفع ممدوح في الهوا بإيد واحدة...
بدأ يخنقه.
ممدوح صوته بيتقطع، بيحاول يتنفس، بيخبط في الهوا برجليه.
مروة كانت بتتفرج عليه ببرود،
ولما شافت عينيه بتتقلب قالت بهدوء:
ـ "سيبه."
وقع ممدوح على الأرض، بيكح ويحاول ياخد نفسه.
مروة قربت منه بخطوات بطيئة، ركعت جنبه وقالتله بصوت واطي:
ـ "إنت مينفعش تكون مننا...
عشان إنت خاين.
واحنا كشياطين... ما فيناش خونة.
إنت مجرد أداة يا ممدوح، بنستخدمك."
ممدوح رفع راسه بالعافية وقالها بصوت متكسر:
ـ "أنا... هعملك كل حاجة تطلبيها... بس سبيني في حالي."
مروة ابتسمت ابتسامة كلها ظلام،
وفجأة وشّها اتغير قدامه...
عينيها بقت سودا بالكامل، جلدها بدأ يتشقق، وصوتها بقى تخين وعميق كأنه طالع من باطن الأرض وقالت:
