رواية مرايا لا تعكس الحقيقه الفصل السابع بقلم أمل عبدالرازق
احنا كنا هنروح ضحية لعبة كبيرة قوي يا بابا…
كان إبراهيم يربّت على كتفي ابنته محاولًا تهدئتها، بينما عيناها تفيض بالخوف والخذلان. لم يفهم شيئًا بعد، لكن ارتجاف صوت تسنيم كان كافيًا ليوقظ في داخله غريزة الأب الذي يشعر بالخطر قبل أن يراه.
رفعت رأسها أخيرًا، ونطقت بكلمات متقطّعة:
_ بابا… عمر مش عمر… اسمه أنس… اأمه اسمهاااا أميرة… وكان جاي ينتقم مننا… وأنا وسيلته في الانتقام أنا كمان.
سقطت الجملة الأخيرة كالصاعقة في قلب إبراهيم. تجمّدت ملامحه، وابتلع صدمته بصعوبة. في تلك اللحظة فقط، أدرك أن شيئًا مظلمًا يتحرك حول أسرته… أقرب مما تخيّل.
ارتبك إبراهيم واحتضنها بقوة، يطلب منها أن تهدأ لتشرح ما حدث. وما إن حكت، حتى فهم أنه أنس ابن أميرة وأنها لم تكتفِ بما فعلته قديمًا، بل عادت لتكمل ما بدأته.
_ حاولي تهدي يا تسنيم واحمدي ربنا إنك سمعتيه، صدقيني كان وشه مألوف ليا، بس مش فاكر شايفه فين. الحمد لله ربنا وقف جنبنا للمرة التانية.
ربنا أنقذني أنا وأمِك منها وقتها كنتي طفلة وهو بردو كان لسه مش عارف حاجه.
يا بنتي… الشر مصيره مهزوم.
ظلت تسنيم تبكي بشدة:
_ أنا مش فاهمة حاجة يا بابا… ربنا أنقذك أنت وماما من مين؟ هي مين؟ وكانت عايزه ايه؟
_ تقريبًا هي استغلت ابنها وزرعت جواه الكره لينا ولأبوه… وراجع ياخد حقها زي ما قال...
بس مين فينا له حق عند التاني؟ أنا بقى هفهمك كل حاجة، أنا مكنتش عايز أكلمك في الموضوع دا نهائي، بس للأسف لازم تعرفي، وكمان دورك مهم جدا عشان نكشفهم.
بدأ يحكي لها ما حدث قبل ثمانية عشر عامًا… يحكي كل شيء، يسمعها التسجيلات، ويُريها الصور… خيانة تلك المرأة لصديقة عمرها والمكيدة التي أعدتها له… ثم سفرها واختفاءها. وكيف كشف زوجها الحقيقة، وفرّغ كاميرات المراقبة وسلم الأدلة. وكيف كانت لا تحتمل رؤية أحد سعيدًا، وكانت تكره الخير للجميع.
_ ولو فعلاً خايفة على امك وعليا، حاولي تكوني قوية ومتظهريش وجعك، واسمعي كلامي ونفّذيه، وحاولي تتماسكي. وبما إنها نازلة مصر… لازم أبلغ… عشان ملفها يتفتح تاني وناخد بالنا. متخافيش طول ما أنا جنبك. عمر الشر ما هينتصر يا بنتي.
_ حسبي الله ونعم الوكيل فيها، ربنا يكشفها.
يا حبيبتي يا ماما… أقرب واحدة ليكِ كسرت قلبِك. أمي صعبانه عليا اوي
عشان كدا دايمًا إياكِ تعرفي سرك او نقطة ضعفك لحد، وأوعي في تفتحي بيتك لأي واحده مهما كانت قريبة، عشان الغدر بيوجع.
مسحت دموعها وقالت:
أنا مستعدة لأي حاجة تقولها يا بابا، وموافقة تكون الخطوبة بكرا.
وتابع إبراهيم شرح خطته لكشف آميرة وصبحي … وأنس الذي غيّر اسمه… ليعود بوجه جديد لا يحمل إلا الانتقام.
وبينما كانت تسنيم تختبئ في حضن والدها، يقف في مكانٍ آخر، يبحث عنها بعينين مضطربتين… يدرك لأول مرة أن خطته تتهاوى، وأن الفتاة التي لم يكن ذنب لها، أصبحت نقطة ضعفه الوحيدة.
____________
يوم الخِطبة
كانت تسنيم ترتدي فستانًا رقيقًا، تشبه فراشة بيضاء هبطت من نورٍ صافٍ. لم يدعُ إبراهيم أحدًا إلى الخطوبة سوى فريد، الذي لم يكن يعلم شيئًا بعد عن أنس… ولا عن أميرة.
وقبل أن تخرج تسنيم من غرفتها، جلس إبراهيم مع أسماء، وأخبرها بكل شيء حتى لا تُفاجأ ولا تُرهق.
عندما سمعت الحقيقة، بكت خوفًا على ابنتها، وخشيت أن تمتد يد أميرة إليها. لكن إبراهيم طمأنها، وشرح لها خطتهم، طالبًا منها أن تقف مع تسنيم وتشدّ على قلبها.
___________
حين خرجت تسنيم، أضاء وجهها المكان.
عمر — أو أنس — ابتسم سريعًا، وارتسم الرضا على ملامحه؛ خطّته تسير كما يريد…
إلى أن فتح الباب، ودخل فريد.
تبدّلت ملامح عمر فورًا؛ اختفت ابتسامته، وحلّ محلّها غضبٌ مباغت لم يستطع إخفاءه.
لاحظ إبراهيم تغيره، لكنه لم يُعلِّق، واتجه ليعرّف فريد عليه.
أشار إليه مبتسمًا:
_ أعرّفك على الدكتور عمر… خطيب بنتي الوحيدة.
ابتسم فريد بحرارة:
_ ألف مبروك يا دكتور… ربنا يتمّم لكم على خير. بس… أنا حاسس إني شفتك قبل كده. ملامحك مألوفة جدًا. وبعدين… فين أهلك؟ ليه جيت لوحدك؟
هو مافيش معازيم غيري ولا إيه يا أستاذ إبراهيم؟
ردّ إبراهيم قبل عمر:
_ سبحان الله… كلّنا قلنا نفس الكلام أول ما شفناه. وشه مألوف فعلًا. عمر دارس في لندن، وعاش هناك من صغره يا فريد.
اهتزّ قلب فريد عندما سمع اسم البلد، وتنهد بحرقة:
_ أنا كمان… ابني في لندن. ومش عارف أوصله، يمكن بقى في نفس سنّك يا دكتور عمر.
مال عمر برأسه قليلًا، يحاول التحكم في تعابيره:
_ ممكن… مش بعيد تشوفه قريب. ربنا يسهل.
ابتسم إبراهيم بخبثٍ لم يلحظه سوى أسماء:
_ عندك حق يا عمر… ممكن يشوفه قريب فعلًا.
المهم أنا عاملك مفاجأة بسيطة.
عد في سرّك من واحد لتلاتة… وبُصّ للشاشة.
أدار عمر رأسه نحو الشاشة.
وفي لحظة… تجمّدت أنفاسه.
صورة لأمّه ظهرت أولًا.
ثم أخرى…
ومعها رجلٌ غريب يحيطها بذراعه.
ارتفع الهواء في صدره، كأنه ابتلع نارًا.
وقبل أن ينطق، دار الفيديو المسجّل لأميرة وإبراهيم… الصوت الذي سجله إبراهيم فركّبه على الفيديو بذكاء.
اهتزّ وجه عمر.
تراجع إلى الخلف، وسقط على الكرسي، كأن الأرض فقدت ثقلها تحته.
لم يفهم… لم يستوعب… لم يجد كلمة واحدة.
اقترب إبراهيم ببطء، ثم قال بصوتٍ محمّل بتعب كل السنين:
_ زمان أمّك كانت عايزة تخرب حياتي.
ودلوقتي… أنت جاي عايش كذبة كبيرة وعايز تإذيني في بنتي، بس انا امحيك انت وأمك من على الأرض ولا تمس شعرايه واحده بس منها.
شوف واسمع كويس؟ دِ حقيقة الست اللي جاي تنتقم من أجلها.
صبحي اللي معاها دا كان صاحب أبوك وعاشقها، الاتنين خاينين، متخيل أبوك اتوجع ازاي بسببها، غير كل دا خدتك وهربت ومحدش عرفلكم طريق.
الراجل اللي مش معترف إنه أبوك وجاي تنتقم منه… عايش على أمل يشوفك، وشاف الذل والوجع من أمّك.
نيجي لأسماء اللي انت كسرتلها ضهرها
قاطعته أسماء وقالت:
أكيد فاكر يا أنس كنت بعاملك إزاي، فاكر لما كنت بأكلك وألعب معاك انت وتسنيم، كنت بتشيلها وتجري بيها وكنت بتحبها، جاي عايز تإذيها؟
ليه يا ابني كدا؟
فاكر لما وقعتني على الأرض وتعبت ومحدش قالك كلمة ضايقتك وحضنتك وقتها وقولتلك انت معلش، كنت بجيبلك ألعاب كتير.
أمك دي أنا كنت بحبها أوي وكان نفسي أشوفها مرتاحة وكانت صاحبتي الوحيدة وعملت عشانها حاجات كتير أوي، لكن زي ما انت شايف في الفيديو كدا حاولت تاخد جوزي وعايزاه يغضب ربنا زي ما هي بتعمل، هو حد فينا ضامن عمره عشان يرتكب المحرمات، دي الدنيا أيام معدودة بتجري وإحنا في غفلة، هل هي مستاهلة لكل الكره والقرف دا.
انت اتربيت على الكُره والغل وأكيد كانت بترويك بيهم كل السنين اللي فاتت، بس مافيش مرة لاخظت سلوكها وقُلت لنفسك يعني معقول كل الناس وحشه حتى أبويا وهي اللي صح؟
جاي عايز مننا تاني كفايه بقى، مصممين تندموني على الخير اللي عملته ليه؟!
_ مصدوم ليه؟ زي ما انت شايف أمك كانت عايزاني أبيع مراتي… وأشتريها هي.
حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم.
كان فريد واقفًا خلفهما، ووجهه يتحوّل ببطء…
وعيناه تتّسعان.
ثم همس بصوتٍ مخنوق:
_ثانية واحدة حد يفهمني…
يعني… اللي قاعد قدّامي دا…
أنـــــــــس؟
أنس ابني؟
التفت إليه إبراهيم بهدوء مؤلم:
_ هو أنس ابنك يا فريد.
وجاي بعد السنين دِ بهوية تانيه عشان ينتقم منك، ومني ومن أسماء، ومن بنتي اللي متعرفش أي حاجه عن الموضوع وكانت طفلة وقتها.
لأن أميرة اللي خدعتنا كلنا كانت بتمثل دور البريئة وإحنا الوحوش
انهار فريد في لحظة.
كسرته السنين، وجمعته الصدفة.
أسرع نحو أنس واحتضنه بقوة، كأنّه يخشى أن يتبخّر بين ذراعيه.
_ يااااه يا أنس…
أنا مش مصدّق…
مش مصدّق إنّي عشت لليوم اللي أشوفك فيه قدّامي!
انتقم مني زي ما أنت عايز…
بس بالله عليك…
ما تبعدش عني تاني.
غيابك قهرني…
كنت كل يوم أقول: اللهم كما رددت يوسف إلى يعقوب… ردّ إليّ ابني.
وربنا… رجّعك ليا بعد العمر دا كله.
وسقطت دموعه على كتف أنس…
____________
داخل الطائرة قبل الهبوط بدقائق
قال صبحي وهو يرتعش:
أنا خايف أوي يا أميرة… الموضوع كبر مننا.
نظرت له بحدة:
صبحي… انت مش بتفهم؟ شكلك عايز تفضحنا؟
اهدى بقى واخرس شويه.
قولتلك تناديني دانا هانم. واقعد بقى ساكت، كلها دقايق ونوصل مطار القاهرة.
زمان أنس دلوقتي البت اللي اسمها تسنيم، وخلاص هندخل في الجد.
افهم إبراهيم معندوش أغلى من بنته وعشان يحميها مستعد يتنازل عن كل ثروته.
صبحي بقلق حقيقي:
أنا خايف يعرفوا إن الورق دا كله مزوّر… وإن أسامينا الحقيقية عندهم. انا كنت عايز أفضل هناك، كنا في أمان.
أميرة متضايقة:
انت أصلاً في الطيارة… يعني مافيش رجوع. وبتتكلم كتير ليه؟ ماحدش هيعرف حاجة، عدينا من هناك وزي الفل.
ولو حد عرف… هيكون بسببك انت!
ياريت تسكت… خلاص وصلنا. وبقولك مش عايزة اسمع اسم "ميرة تاني يا عماد.
صبحي مذهول:
عماد مين؟!
أميرة بضيق شديد:
يا نهار مش فايت… انت عماد يا صبحي! اسمك في الباسبور عماد، بقالك ١٨ سنه مش عارف تحفظه، الله يخرب بيتك ركّز بقى… هنروح في داهية بسبب غبائك.
______________ *لا حول ولا قوة إلا بالله*
لم يتحرّك أنس.
ظلّ واقفًا بين ذراعي أبيه، كأنه طفل عاد فجأة إلى حضنٍ لم يتذكره يومًا… حضنٍ يشعر به لأول مرة، لكن شيئًا عميقًا داخله كان يعرفه… يحنّ إليه… يخشاه.
ارتعشت يده وهو يبعد فريد قليلًا، لا يجرؤ على النظر في عينيه، يخشى أن تنهار الصورة التي ظلّت أمّه ترسمها له طوال السنين.
لكن فريد أمسك وجهه براحتيه، يجبره أن ينظر إليه:
_ يا ابني… أنا ماليش غيرك.
أنا ماعشتش بعدك يوم واحد، كنت جسد بلا روح.
لم يجد أنس كلمة…
ولا مبررًا…
ولا حتى حجة من تلك التي زرعتها أمُّه في صدره كأشواكٍ سوداء.
نظر إلى تسنيم…
كانت واقفة خلف والدها، ترتجف… لكنها ثابتة.
لم يكن يريد أن يؤذيها… لم يكن يعرف أنه يستطيع أساسًا أن يؤذيها.
في تلك اللحظة…
الشاشة ما زالت تعرض الخيانة…
والبيت يضجّ بصدى الحقائق التي خرجت من مخابئها.
أسماء مسحت دموعها، واقتربت من أنس، بصوتٍ مكسور لكنه واضح:
_ حتى لو أمّك أذتنا… حتى لو انا اتظلمت… أنت كنت زي ابني...
ومهما حصل… ما فيش أمٍّ حقيقية ترضى ولادها يعيشوا في الضلمة دي.
فوق بقى… فوق لنفسك.
أغلق أنس عينيه…
وكأنه يسمع لأول مرة.
وكأن العالم الذي بنته له أمُّه ينهار قطعة قطعة…
ينكشف… ويتبدد.
اقترب إبراهيم، ووضع يده على كتفه بثقلٍ أبويّ صارم:
_ اللعبة خلصت يا أنس.
وأنا عمري ما هأذيك… لكن هوقف الشر اللي اتزرع فيك.
اعتقد الحقيقة كلها وضحت.
ــــــــــــــــــــــــــــــ *بقلم الكاتبة أمل عبدالرازق*
في صالة استلام الحقائب — لحظة السقوط
ما إن خرجت أميرة من باب الطائرة، وتحركت بخطوات واثقة نحو سير الحقائب، حتى التفّ حولهما رجال الشرطة من كل جانب.
تقدّم الضابط، وقف أمامها، وبصوت ساخر قال:
الضابط:
_ أقولّك دانا… ولا أميرة؟
رفعت حاجبها بتصنّع:
_ مش فاهمة حضرتك تقصد إيه. أنا دانا هانم… كنت مسافرة ورجعت مصر النهارده.
ضحك الضابط ضحكة قصيرة:
_ أيوه حمدالله على السلامه ما إحنا مستنيين رجوعِك بقالنا ١٨ سنة.
أخيرًا نورتي مصر.
إزيك يا صبحي؟
رجعت بس… على السجن المرة دِ.
انهار صبحي فور سماع اسمه الحقيقي:
أنا ماليش دعوة والله! أميرة… هي السبب في كل حاجة! هي اللي خططت… وهي اللي قالتلي اسمي معاد ولا عماد! مش عارف ماله صبحي مضايقها ليه!
أنا بريء يا باشا… قلتلك يا أميرة نفضل هناك… منك لله!
ضحك الضابط بسخرية وهو يومي عليه بإيده:
_ ماهو مهما هربتو هيتقبض عليكم في الآخر، عمليات نصب وخيانه وقلة أدب.
وهوب! رجعتوا برجليكم.
وكل الفلوس اللي جمعتوها؟ هتطير.
لسه مصمّمة إنك دانا هانم؟ شريكك فضح كل حاجة… من غير حتى ما ياخد أول قلم.
مالت أميرة برأسها، واصفر وجهها من الصدمة:
كنت عارفة… كنت عارفة إنه هو اللي هيضيّعنا…
اقترب الضابط خطوة:
حسابك تقيل أوي يا أميرة.
وكمان عرفنا شغلكم في الممنوعات، إيه البعيدة مبتحسش خالص.
ولسه التحقيقات هتكشف كل المصايب.
يلا يا ابني… خدهم على البوكس.
وبين صرخات صبحي… وصمت أميرة المتكبّر المنهار…
اتقفلت الصفحة اللي بدأت بخيانة… وانتهت بعدلٍ لم يتخيلوه.
ـــــــــــــــــــــــــــ *استغفروا*
سادت لحظة صمت ثقيل بعد انكشاف الحقيقة، وكان إبراهيم أوّل من قطع هذا الصمت بصوت ثابت:
قال إبراهيم بنبرة حازمة:
أنا وصلتني معلومة إن الست اللي كانت سبب خراب البيوت زمان… راجعة مصر النهارده.
واتحرّكت فورًا، وبلّغت الشرطة.
وزمانها دلوقتي اتقبض عليها هي وشريكها
لم يكد يُكمل حتى هتف فريد بغضب مكبوت، واقترب خطوة من ابنه:
_ إزاي كل دا يحصل؟ ليه يا ابني تعمل كدا؟ كنت تعالى واجهني الأول واسمع مني...
مهما حصل… اوعى تسيب حد يحرّضك على الغلط، مش كل كلمة تتسمع تتصدق.
تزلزل قلب أنس، وانكسرت صلابته التي أخفت سنين من الوجع، وانهمرت دموعه.
لم يحتمل أنس الضغط أكثر، فانهار وصوته يرتجف كالطفل:
علفكرة انت وحشتني… وحشتني أوي.
كنت محتاج حضنك… ومكنتش لاقيه.
كل ما أسأل عليك… كنت بتعاقب وبتحر.ق بالنا.ر، كنت بتضرب لحد ما كرهتك، وكرهت الدنيا كلها.
ليه سبتني معاها وأنا صغير؟
ليه سيبتني لوحدي؟
مافيش اي عذر هسمعه منك، انت المفروض ابويا اللي يحميني، انا عانيت كتير واتقهرت...
محدش يلومني، انا اكتر واحد اتظلم فيكم وكنت ضحية.
محدش حضني ولا حد طبطب عليا، محدش قالي معلش، بقيت مشوه نفسيًا...
ارتعش صوت فريد، لكن أنس أكمل وهو مازال منهارًا:
أنا كبرت وأنا شايفكم وحوش.
اتعلمت أكرهكم واحد واحد.
كانت بتوريني صوركم… وتخليني أحفظ الحكايات اللي اخترعتها وتقولّي:
فاكر دا عمل فيّ إيه؟ وأنا اسمعلها كإنه درس بحفظه.
وأنا بردو طفل كنت بصدّق.
كبرت وأنا شايل كره مالوش آخر لدرجة إنّي ذاكرت ومرحمتش نفسي وجيت هنا مخصوص… علشان أأذيكم.
بلع ريقه بصعوبة وقال:
انا مش زعلان الا على وجودي هنا عشان أضر ناس هما اللي مضرورين أصلًا...
دخلت بيت الراجل دا وأنا كنت ناوي أدمّر بنته.
تسنيم… اللي عمرها ما آذَت حد، كنت بحبها فاكرها وهي طفلة بريئة وبسأل نفسي ذنبها إيه؟
ذنبها إنها بنتكم، يمكن لو كنت في ظروف غير دي كنت حبيتها من قلبي وحافظت عليها حتى من نفسي، انا مش بكرهها بالعكس كنت بكذب على نفسي واجبرها واقولها حق أمي لازم يرجع، انا متخلقتش للحب.
وأمها اللي شالت وجع السنين بسبب اللي حصل زمان.
كنت مخطط هعملها فضيحة زي اللي حصلت مع أمي…!
أنا… أنا طلعت غلط.
غلط في كل حاجة.
عيشتني في كذبة…
عمري كله مافيش فيه يوم حلو، لا ام حنينه ولا اب يضمني ليه ويربيني صح، واللي عرفته كمان ان بقى عنده أولاد وحياة وولاده مستقرين وعايشين حياة هادية وسوية، طب ما أنا بردو ابنك ومن حقي اعيش مرتاح....
شهقت أسماء من شدّة الوجع:
_ يا ابني… كل دا جواك؟ حسبي الله ونعم الوكيل فيها، دي حرقت حياتك.
أمسك أنس بأنفاسه، ونظر نحو تسنيم التي كانت تستمع بصمت مرتجف:
_ انتِ… انتِ كنتي النور الوحيد اللي شوفته، أول ما سمعت اسمك، افتكرت كل ذكرياتي الحلوة.
أنا حبيتك… بجد.
أيوه كنت ناوي أأذيكِ… بس والله ما كنت هعرف… لأن كل مرة أبصّلك… أنسى الحقد والكره، لما كنت بشوف ضحكتك كنت بنسى كل اللي أنا جاي عشانه، كنت بقعد مع نفسي وأقولها تفوق، لكن تعرفي اول ما جيت اتقدملك ولمحتك اتمنيت ان كل الوجع اللي جوايا يزول، وإن الناس دي تكون ناس تانيه بعيده عن المشاكل كلها، انا مش عارف انا بقول إيه...
بس يا تسنيم أنا فعلا اتمنيت ان إحنا نكون مش ولادهم ونخرج عن دايرة الصراعات وأعيش معاكِ في حب وهدوء، انا عرفت يعني إيه قلب بينبض لما شوفتك.
سامحيني على أي لحظة خوف سببتها ليكِ.
انتو كمان سامحوني على القلق اللي سببته لحضراتكم.
ربت فريد على كتفه، وقال بصوت منكسر:
_ أنا آسف يا أنس. آسف يا ابني، انت أكتر واحد اتظلم، سامحني يا أنس.
أنا يا أنس عملت كل دا عشان اخدك منها وأحميك، كنت بخطط ومرقابها وخلاص كنت هوصلك وهتبقى في حضني خدتك وهربت في غمضة عين، انا آسف يا ابني.
بحكي لإخواتك عنك ونفسهم يشفوك أوي، تعرف كل شويه أوريهم صورك وأنت صغير.
كان اختياري لأميرة من الأول غلط، مقدرتش أغيرها، طماعه وغدارة، انا اللي هتحمل المسؤولية كلها، بس سامح أبوك، انا كنت عطشان طول السنين دي يا أنس وأول ما شوفتك ارتويت، تعالى في حضني اشم ريحتك قبل ما أمو.ت.
انت مش شبهها… انت ابني… وابني رجعلي.
وأوعدك هحاول أعوضك عن السنين اللي ضاعت وأنت بعيد عني...
انهمرت دموع أنس وهو يلقى بنفسه في حضن أبيه الذي غاب عنه عمرًا:
_ انا اكتر حاجه محتاجها إني أتعرض على طبيب نفسي، لأني مش بخير، سامحني يا أستاذإبراهيم، سامحيني يا مدام أسماء أنا كنت بعتبرك زي أمي وانصدمت بعد اللي سمتعه لأني كنت بحترمك أوي وفاكر حنيتك وعطفك عليا، أتمنى تسامحيني
تأثرت أسماء ولم تتماسك وانهمرت دموعها:
_ مسامحاك يا أنس، اللي انت مريت بيه مش سهل، انت كنت ضحية أم استغلاليه، ربنا يعافيك وترجع أحسن من الأول.
_ انا محتاج اعرف أثق في الناس تاني، محتاج حد يحس بالدوشة اللي جوايا ويفهمها، انا محتاج أحاول اتخطى الماضي والأذى....ان شاء الله لازم أشوف دكتور كويس، انا بعتذر تاني، سامحيني يا تسنيم، بعد اذنكم
ضمه فريد بقوة:
_ استنى يا أنس...
طبعًا عندك حق، وأنا عارف دكتور كويس وإن شاء الله بإرادتك هتبقى أحسن من أي حد.
صمت للحظة ثم أكمل...
تسنيم يا بنتي ابني بيحبك وعايزك وهو عايز يتغير
إبراهيم…
أنا بطلب إيد بنتك لابني...
تنفس إبراهيم ببطء، ثم نظر إلى ابنته التي كانت ترتجف في صمت والدموع تنهمر من عينيها:
_ كل حاجة حصلت قدامها… لو هي تقدر تسامح… لو هي تقدر تسامح، القرار قرارها وأنا واثق ان أنس هيتغير.
وواثق إنه عمره ما يفكر يإذيها. دموعه كانت صادقة، وموضوع الدكتور النفسي دا أساسي.
وضعت أسماء يدها على يد ابنتها:
_ اوعي تتسرعي… دا هيبقى شريك حياتك. اختاري بعقلك مش بقلبك، أوعي اللي حصل يأثر على قرارك.
رفع أنس رأسه نحوها، وصوته مبحوح:
_ لو في أمل تكوني ليا… دا هيبقى عَوَض ربنا لقلبي.
أنا مش عايز غيرك.
ابتلعت تسنيم غصّتها، ثم رفعت وجهها بخجل وشجاعة:
_ موافقة…
موافقة وأنا عاقلة ومركّزة…
لأني عارفة إنك كنت ضحية… وإحنا الاتنين كنا ممكن نضيع.
ومش هاخدك بذنب حد… احنا هنكون في فترة خطوبة لحد ما أخلص الكلية، فاضلي سنة غير دي، وكمان انا مشوفتش منك حاجه وحشه بالعكس شوفت كل خير، اظن الحقيقة وضحت وعارفه انك هتفضل متأثر وكمان بعد ما امك اتحبست، بس أكيد انت بقيت ناضج كفايه عشان تعرف ان كل اللي بيغلط لازم يتعاقب ولو مش في الدنيا في الآخرة، وهي هتاخد جزائها.
أتمنى تكون عند حسن ظني.
فرح فريد وتمسكت يداه ببعضها بامتنان:
_ هاقولت ايه يا إبراهيم… موافق؟
احتضن إبراهيم ابنته، وقال بصوت يفيض دعاءً:
_ موافق… وربنا يسعدك يا بنتي… ويحفظك.
وانت يا أنس… اتمنى تكون قد الثقة، وخلاص نخلي الخطوبة الشهر الجاي.
وقف أنس ممسحًا دموعه:
_ أوعدك يا عمي، هي عِندي بالدنيا، وربنا يعلم قد ايه أنا بكن ليها احترام وتقدير… مش هنسى دعمكم واحتوائكم عمري ما هنسى الجميل دا.
قالت أسماء بابتسامة دافئة:
_ من النهارده… انت واحد من العيلة. ومش هناخدك بذنب أي حد يا أنس.
أضاف فريد وهو يربت على كتفه بحنان الأب الذي اشتاق لابنه عمرًا كاملًا:
_ أحلى حاجة حصلت بعد اللي عشناه… إننا عرفنا ناس طيبين زيكم.
ان شاء الله هنعمل الخطوبة الشهر الجاي عشان ناخد نفسنا من اللي حصل، وهيجي أنس مع أهله وعزوته وناسه.
وانت يا ابني تعالى معايا عشان اخواتك بيحلموا باليوم اللي يشفوك فيه.
_ راجع تاني يا تسنيم بس شايلك المرة دِ كل الحب اللي في العالم كله.
الحمد لله ان ربنا بيجبرنا مهما اشتد الوجع والكرب.
قالت أسماء بتأثر:
"في آخر الحكاية… مابقاش في حد زي ما كان.
الوجوه نفسها، لكن القلوب اتغيّر شكلها، والأيام كشفت ما بين السطور أكتر ما كشفت في الكلام.
عرفنا إن الشر مهما لفّ ودَار… نهايته يتعرّى، ولو بعد سنين. وإن الكُره اللي بيتربّى جوا بني آدم… بياكل صاحبه قبل ما يمسّ حد.
وإحنا؟
كنّا خلاص هنروح ضحية لعبة حدّ تاني، لعبة معمولة بإيدين ست ماعرفتش يعني إيه محبة، ولا يعني إيه بيت، ولا يعني إيه ربنا يحاسب.
لكن ربنا…
بيردّ الحق بطريقته، وبيكشف الحقيقة لمَّا يحين وقتها، وبيفضح الظلم مهما استخبى وراء وشوش بريئة، وأسماء جديدة، وخطط مرسومة بسواد.
في اللحظة اللي انهارت فيها كل الأكاذيب… اتولد نور جديد.
نور الفهم… نور الستر… نور الرجوع للصح.
عرَّف كل واحد فينا إنه ماينفعش يعيش عمره مربوط بخيوط حد تاني، ولا يسيب غرور الماضي يسوق مصيره.
وبعد كل الوجع دا…
اكتشفنا إن أقوى انتصار مش إنك تردّ الإساءة… لكن إنك تنجو من أثرها.
وإن البيوت اللي ربنا حافظها… محدّش يقدر يهدمها، ولا حتى لو رجع بعد سنين بخطة محطوطة بإحكام."
________
"وفي آخر الصفحة…
فهمنا الرسالة:
إن اللي عاش على الخيانة… هيموت لوحده في ظلامها.
واللي عاش على العدل… ربنا بيوقف الدنيا علشانه.
وده كان ختام الحكاية…
حكاية ناس اتكسرت، وناس اتصلّحت، وقلوب اتبدّلت، وحق اتردّ بعد طول غياب.
حكاية انتهت…
لكن أثرها هيفضل جوا كل واحد فينا… شاهد على إن الرحمة أقوى من الغضب، وإن ربنا ما بيسيبش حد."
انتهت احداث الرواية نتمني أن تكون نالت اعجابكم وبانتظار آراءكم في التعليقات شكرا لزيارتكم عالم روايات سكير هوم
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم
