رواية جريمة الجزار كامله جميع الفصول بقلم محمود الأمين
كنت قاعد في مكتبي زهقان، لحد ما تليفون المكتب رن، والمتصل كان أدهم
رديت عليه:
_ ألو، أيوه يا أدهم؟
= فتحي باشا، في إشارة جاتلنا ومحتاجين حضرتك معانا.
_ ربنا يستر والله، انت ما بتجيب غير المصايب وأنا عارف.
= حبيبي يا باشا، أنا تلميذك.
_ طيب يا عم التلميذ.. أنا جاي أهو.
---
نزلت من مكتبي وأخدت القوة واتحركت على مكان الإشارة. كان طريق صحراوي، وعلى جنب الطريق كان واقف شاب وساند على عربية.
والمنظر قدامي كان كالآتي:
جثة لشاب ملفوفة في بطانية، وشه عليه علامات ضرب كتير، ومن الواضح إنه اتعرض للضرب المبرح قبل وفاته.
طلبت المعمل الجنائي بسرعة، اللي جه وبدأ يشوف شغله. وجت الإسعاف عشان تشيل جثة الولد.
وأنا قربت من الشخص اللي ساند على العربية وسلم عليا وقال:
_ أنا سامي، صحفي في جريدة الأمل. أنا كنت مروح بس لقيت الطريق الرئيسي مقفول، وعشان كده دخلت من الطريق ده ولمحت الجثة على جنب الطريق، وعلى طول بلغت.
= أنا بشكرك جدًا يا أستاذ سامي. وأحب أعرفك بنفسي.. فتحي ثابت وكيل نيابة
_ أهلا يا فندم، تشرفت بحضرتك.
= معلش يعني كنت عايز أسألك كام سؤال.
_ أكيد طبعًا، اتفضل يا فندم.
= هو حضرتك عديت من الطريق ده قبل كده ولا دي أول مرة؟
_ لا يا فندم دي أول مرة. صديق ليا اسمه سعيد هو اللي عرفني على الطريق ده وقال عليه مختصر، بس أنا مش بحب أمشي منه عشان هو صحراوي يعني.
= تمام. طيب لما وصلت كان في أي حد قريب من الجثة؟ لمحت أي حد في المنطقة حواليك يعني؟
_ لا يا فندم خالص. أنا كنت سايق العربية، وحضرتك شايف إن في عمدان نور على الطريق، فلفتت انتباهي البطانية وقربت وشوفت الجثة وعشان كده بلغت.
= تمام. عمومًا لو احتجتك هستدعيك عشان تدلي بأقوالك في محضر رسمي.
_ تمام يا فندم، تحت أمرك.
---
كنت لسه مخلص كلام مع سامي قبل ما أسمع صوت عالي جاي من ناحية أفراد الإسعاف. قربت وأنا بسألهم:
_ في إيه؟
والصدمة كانت إن الجثة مقسومة نصين! كنت واقف مذهول قدام المنظر، ومع كشف الجثة بشكل كامل، بانت عدد طعنات كتير جدًا في جسمها. واضح إن اللي قتل ده قتل بغرض الانتقام.
ده طبعًا مش يقين، ده استنتاج من شكل الجثة اللي قدامي.
اتنقلت الجثة في عربية الإسعاف. وبصيت لقيت سامي لسه واقف، فقلتله:
_ أستاذ سامي، يا ريت مفيش حرف يتنشر عن اللي انت شوفته. أنا مراعي إنك انت اللي بلغت، بس أي نشر دلوقتي هيكون مجرد تحذير للقاتل، واحنا مش عاوزينه يهرب، فيا ريت نكتم على الموضوع لحد بس ما نشوف هنوصل لإيه.
= حاضر يا فندم، تحت أمرك.
---
رجعت على مكتبي بعد ما عرفت إن الجثة اتنقلت على المشرحة. وعرفت إنه أثناء تفتيش لبس الجثة، لقوا محفظة وفيها بطاقة المجني عليه، واللي كانت صدمة بالنسبالي لما شفت اسمه:
مراد سعد كامل.
ابن الدكتور سعد كامل.
الدكتور ده معرفة شخصية، وده من أكبر الدكاترة في مصر.
اتأكدت إنه ابنه فعلًا، قبل ما أتصل بيه.
رد عليا وهو باين عليه الحزن، واتكلم وقال:
_ فتحي بيه، أنا كنت لسه هكلم سيادتك، ابني مختفي بقاله كام يوم، وأنا مش عارف مكانه فين.
= هو أنا في الحقيقة كنت مكلمك عشان كده.
_ حضرتك لقيت ابني؟ لقيته صح؟ هو فين؟ طمني عليه؟
= بصراحة كان نفسي أطمنك يا دكتور، بس أنا طالب منك تيجيلي دلوقتي، عشان الموضوع كبير مش صغير.
_ طيب هو عمل حاجة يعني؟ أكيد حضرتك مسكته بيشرب، صح؟
= دكتور سعد، يا ريت حضرتك تيجي دلوقتي، أرجوك. ولما تيجي هوريك كل حاجة.
...
بعد ساعة واحدة الدكتور سعد كان عندي في المكتب. كان بيترجاني أقوله أي حاجة.
أخدته ورحت بيه على المشرحة. الراجل أول ما وصل وشاف كلمة "المشرحة" رجليه مبقتش شايلاه. كان بيترعش وخايف.
مسكت إيده ودخلته المشرحة وطلبت من الدكتور يكشف الجثة. وبمجرد ما كشفها، صرخ الدكتور سعد وهو بيقول:
_ ابني!
ووقع على الأرض.
وبسرعة اتنقل على المستشفى. الدكتور سعد اتصاب بصدمة عصبية حادة. مبقاش بيتكلم، قاعد مكانه والدموع بتنزل من عينيه بس.
لحد ما مراته وصلت المستشفى.. مدام سوزي.
كانت منهارة من العياط. طلبت تشوف ابنها بس أنا رفضت، وفهمتها إن جثة ابنها في حالة صعبة. لكن طلبت منها إننا لازم نتكلم يمكن تعرف تساعدني.
رجعت على مكتبي وكانت معايا مدام سوزي. قعدت وهي بتاخد نفسها بالعافية. طلبت منها تهدى عشان نعرف مين اللي قتل ابنها.
سألتها:
_ مدام سوزي، شدي حيلك، البقاء لله. أنا بس عاوز أسألك على كام حاجة كده.. بس عاوزك تساعديني.
الست كانت منهارة من العياط. حاولت أهديها لحد ما اتكلمت وقالت:
= أنا السبب في اللي حصل لابني. سعد حذرني كتير إن ابني بيعمل حاجات غلط وأنا دايمًا كنت بقف في صف ابني. مراد كان بيسهر بره لوش الفجر، ولما بيرجع كان بيقول إنه كان سهران مع أصحابه. كان فاشل في الدراسة ومش بس كده، ده كان بيشرب ممنوعات، وكذا مرة وديناه مصحة عشان يتعالج. لكن كل مرة كان بيرجع ينتكس تاني.
وقبل ما يختفي كان باباه طارده من البيت بسبب موضوع كده عمله.
_ موضوع إيه؟ ممكن حضرتك تحكيلي؟
= ليلتها مراد اتأخر لساعة 3 الفجر، وسعد كان متعصب جدًا. لكن لما مراد رجع، مرجعش لوحده، ده رجع ومعاه واحدة كان شكلها مش محترم خالص. ومراد كان شارب وسكران ومش عارف هو بيقول إيه.
كان بيقول وقتها:
"الحلوة دي هتبات معايا النهارده.. في حد عنده اعتراض؟"
وقتها سعد قام وضرب مراد بالقلم عشان يفوقه، لكن سعد اتفاجئ بمراد بيزقه. وقتها سعد مسك مراد ورماه بره البيت هو والبنت الزبالة اللي معاه، وقاله: "مش عايز أشوف وشك تاني".
ومن يومها ومراد مختفي.
_ الكلام ده كان يوم كام في الشهر؟
= يوم 27.
_ كان صابح 27 ولا 28؟
= لا، كان صابح 28.
_ معناه كده إن ابنك متغيب بقاله 3 أيام.. مفكرتوش تعملوا محضر تغيب؟
= بصراحة لا، لأن إحنا كنا واخدين على كده. مراد ساعات كان بيختفي بالأيام، بس كان بيرجع في الآخر.
_ تمام يا مدام سوزي، وآسف لو كنت طولت عليكي.
---
مشيت مدام سوزي من قدامي، لحد ما باب مكتبي خبط. واللي دخل كان أدهم.
اتكلم وقال:
_ ده تقرير المعمل الجنائي. مراد اتقتل بـ20 طعنة، وتم استخدام آلة حادة في الغالب ساطور... لقسم الجثة
= وريني كده التقرير؟.. أممم تمام. وأخبار التحريات إيه؟
_ ده ملف التحريات يا فندم. مراد كان ليه 2 أصحاب مقربين جدًا: سليم وشادي، ويمكن أغلب الخروجات كانت معاهم. لكن من ناحية العلاقات النسائية.. متعدش كتير جدًا. بس في حاجة لفتت الانتباه: مراد كان بيتردد كتير على حي السيدة زينب. كان بيروح هناك بعربيته كتير.
= طيب وإيه المشكلة؟ جايز ليه حد هناك؟
_ ما هي دي المشكلة يا فندم. مراد كان بيقابل بنت اسمها ندى. ولما اتحرينا عنها، لقينا حاجة هتقربنا شوية من القاتل.
= حاجة إيه يا أدهم؟ ماتتكلم على طول!
_ ندى بنت جزار اسمه المعلم حسني.. ومراد اتقتل بساطور؟
= هي معلومة بس مش لازم يعني يكون اتقتل بساطور جزار. هما الجزارين بس يعني اللي معاهم الساطور ده؟
_ لا يا فندم أكيد في ناس تانية معاها. بس اللي خلاني قلت كده إن المعلم حسني مسك ندى بنته مع مراد في العربية، وهدده قدام الناس كلها إنه هيقتله ويشرب من دمه.
= ومستني إيه يا أدهم؟ اعمل ضبط وإحضار حالًا للمعلم حسني ده.
_ تمام يا فندم حالًا.
---
طلعت سيجارة من العلبة، وكنت لسه هولعها، لكن أدهم رجع دخل المكتب تاني وقالى... يتبع الجزء الثاني