رواية حبل الوريد الفصل الثامن عشر بقلم ياسمين عادل
_ لقد أضرمت النيران من حولها .. تشعر وكأن جهنم فتحت أبوابها لإستقبالها ، براكين محمومة تتقافذ شظاياها بداخلها .. ذهب عنها وتركها وحيدة ، أبت حتى أن تتنفس .. ولولا أن قتل النفس خطيئة لفعلت دون تردد..
حبست حالها بحجرة والدها الراحل ، رفضت قبول التعازي ولم تحضرهُ أيضًا .. فقط ظلت حبيسة هذه الحجرة التي تبقت منه ، جلست في منتصف الفراش وهي تضم ساقيها لصدرها .. فتذكرت عندما كانت في الرابعة من عمرها ، حين كانت تتوسط والديها وتشاركهم في مضجعهم ..
لم تنقطع عنها الدموع ، حتى أن ثيابها تندت بقطراتها..
حاولن رفيقاتها الوصول إليها ولكن عجزن عن ذلك ..
بينما بقى كريم واقفًا في سرداب العزاء ، لا يشعر بقيمة الوقت ، تمر الوجوه من أمامه لتقديم خالص التعازي وهو لا يشعر بهم .. يحس بأنفاس والدهُ تحوم حوله ، فيقشعر بدنهُ ويرتجف .. لاحظ قُصي هذه الحالة عليه ، فراوده الشك بأنه قد أُصيب بأعياء .. أقترب من أذنه وهو يهمس :
- كريم ، أستريح انت وانا موجود
كريم :......
قُصي وهو يتفحص معالم وجهه : كريم ؟ أنت سامعني ؟
_ لم يكن مستمعًا له .. عالقًا ببصره على نقطة ما بالفراغ ، حتى أنتبه لإنتهاء الشيخ من التلاوة وهو يختم قائلًا :
- (( صدق الله العظيم ))
_ رفع كريم بصره نحو الشيخ ، ثم بدأت الوفود تخرج عن السرداب لتعزيه .. صافحهم بكف ميت ، ولم يعقب أو يرد على أيًا منهم ، حتى أنتهى العزاء وجلس متهدل الأكتاف .. ربت قُصي على كتفهُ وهو يقول :
- كريم ، مينفعش تسيب نفسك للحالة دي .. كارمن محتاجاك جمبها
كريم :.........
قُصي وهو يزفر أنفاسهُ المختنقة : أنا هروح أشوفها ، يمكن تفتحلي
_ تركه ليلج داخل القصر .. بينما بقى هو وحيدًا .. ترك دموعه تنسال بصمت من بين جفنيه ، الآن يشعر بمدى وحشة الحياة بدونه .. دفن وجهه بين راحتيه وراح يجهش ببكاء عميق ، حتى وجد كفًا يأخذ محلهُ على كتفه .. فتوقف عن النحيب ورفع رأسه ليصطدم برؤيتها '' تاج '' ..
أرتدت ثوبًا أسودًا ولملمت شعرها للخلف ، كانت عيناها مغرورقتان بالدموع .. وتألم قلبها أكثر عند رؤيته في هذه الحالة ، تحركت أمامه لتجلس بجواره ثم همست بخفوت :
- البقاء لله
- أنتو السبب ، كنا عايشين مرتاحين .. كل حاجة راحت لما أخوكي دخل حياة أختي
تاج وهي تعض على شفتيها بضيق : أنا مش هلومك على أي حاجة تقولها دلوقتي
كريم بلهجة ساخرة : لأ لومي ، مش فارقة
_ألتفت بجسده ناحيتها ، ولأول مرة ترى كل هذا الحقد في عين بشرية .. أرتعشت عضلات وجهه وهو يهدد بصدق :
- بس ورحمة أبويا ما هسيب أخوكي ، لو أتثبتلي إن هو اللي ورا الحادثة دي
تاج وهي تهز رأسها بإنفعال رافضة قوله : محصلش ، والله والله ما حصل .. ريان عمره ما يعمل كدا
كريم وهو يصيح فيها بشكل أفزعها وجعلها تنتفض بمحلها : كان هيعملها وجات في أختي ، ضرب نار عشان يموته وكارمن هي اللي خدت الرصاصة
_ أرتعشت ورمشت بعينيها عدة مرات وهي تقول بخوف :
- والله ما هو ، أنا عارفة أخويا كويس
_ كانت نظراته مخيفة بجانب هذه الإضاءة المنخفضة ، أبتلعت ريقها وهي تجفل بصرها عنه .. ثم تمتمت :
- متبصليش كدا
_ أشاح بصره عنها .. أطبق على جفنيه وهو ينطق :
- أمشي من هنا
تاج وقد أصابها الحرج : ماشي ياكريم ، I, m sorry
_نهضت لتتركه بمفرده .. ونهض هو أيضًا ، سار كل منهم في إتجاه معاكس ، كانت تلتفت بين الحين والآخر لتراه .. بينما كان هو في عالمهُ الوحيد ، شعرت بالشفقة حياله ولذلك لم تهتم بحديثه.. فقد كان فقدهُ قويًا ..
ولج للقصر فأنقبض قلبه وتسارعت أنفاسه .. كيف سيعيش بهذا القصر بعد اليوم! ، تقدم بخطواته حتى وصل لباحة القصر .. فوقعت عينيه على مقعد والده المتأرجح وكان فارغًا ، تخيل إنه قابعًا هناك يقرأ أحد الصحف الإخبارية أو يتطلع لكتاب سياسي مهم .. فرك عينيه بإنهاك والتفت ليترك الباحة سريعًا ، صعد مسرعًا للأعلى .. فوجد قُصي مازال واقفًا أمام باب حجرة والده ، يرجوها بأن تفتح ..
فانتقل نحوه وهو يردد :
- سيبها ياقُصي ، مش هتفتحلك مهما عملت
قُصي بنفاذ صبر : انا قلقان يكون جرالها حاجة أو عملت في نفسها حاجة
كريم : متقلقش ، كارمن مستحيل تعمل كدا ، أنا عارف إنها قوية .. تقدر انت تمشي
_ تردد قُصي بين الإنصراف أو البقاء ، ولكن وجوده الآن غير مُجدي .. ففضل الإنصراف على أن يحضر في الباكر ، عله يستطيع رؤيتها
...............................................................
_ يبدو إنه يُحلم .. لا يصدق إنه الآن يجلس بين جدران زنزانة بالسجن ، عقب أن صرح الطبيب بإمكانية خروجهُ من المشفى تم القبض عليه لمتابعة التحقيقات .. عقب أن صرحت كارمن وبـملئ فمها إنه الفاعل الوحيد ، وإنه قاتل والدها ..
ليس وجوده في هذا المكان التعيس هو المعضلة ، ولكن الكارثة هو إتهامها له .. هو الآن موجودًا بهذا المكان بفضلها ، لم يقبل عقلهُ أو قلبهُ التصديق .. وقد أجتمع الأثنين على إن ما حدث كذبة كبيرة ، سيفيق منها قريبًا ليعود إلى حبيبتهُ ..
خرج من الزنزانة بصحبة العسكري ليتوجه إلى حجرة وكيل النيابة .. فوجد عمتهُ وشقيقتهُ ووالده الذي خرج حديثًا من السجن عقب أن لفق التهمة لأحد الإبرياء بدلًا منه ..
تفحصهم وهو يقول :
- عرفتو توصلو لكارمن ؟
تاج وهي تطأطئ رأسها : لأ ، حتى العزا لما روحت مكنتش موجودة وعرفت إنها قافلة على نفسها من ساعتها
طاهر بنبرة قاسية : شوفت اللي وقفت قصادي عشانها عملت فيك إيه ! ودتك في داهية
ريان وهو يهز رأسه غير مصدقًا : في حاجة غلط ، مستحيل كارمن تتهمني انا بتهمة زي دي
العسكري وهو يسحبه بفظاظة : يلا يامتهم
مايسة وهي توبخ العسكري : حاسب عليه ، أنت مش أيده مكسورة إزاي !
_ ولج ريان بصحبة العسكري ولحق به مُحامي العائلة .. بدأ وكيل النيابة بتقديم التساؤلات وهو يجيب عنها بصبر نافذ ...
- يعني يوم الحادث مشوفتش المجني عليه ؟
- لأ مشوفتوش
_ أخرج وكيل النيابة ورقة من المستند الموجود أمامه ، ثم أعطاها له وهو يردد :
- ده سجل المكالمات بتاعك يوم الحادث ، كل الأرقام اللي تواصلت معاها أرقام عادية ماعدا رقم واحد بس .. أتصلت بيه ٣ مرات على مدار اليوم ، آخر مرة فيهم كانت قبل الحادث بساعة .. رقم مين ده ؟
ريان وهو يفرك جبهتهُ بإنفعال : ده رقم سنتر كبير خاص بالهدايا وأدوات التجميل .. كنت بتواصل بالعامل عشان يوصل هدية
- لمين ؟
ريان وهو يطبق على جفنيه بسئم : لـ كارمن
وكيل النيابة وقد أرتفع حاجبيه بإستغراب : اللي أتهمتك بقتل والدها ؟
ريان وقد أغاظهُ هذا التعبير : في لبس في الموضوع ، البنت دي أنا أتقدمت لوالدها عشان أطلبها للجواز ، لكن آ.....
وكيل النيابة وقد تقوست شفتيه بإستنكار : ولما موافقش قتلته ؟
ريان وقد جحظت عينيه بصدمة : محصلش ، أنا اتفاجئت باللي حصل ، وعملت حادث في نفس اليوم ونفس التوقيت تقريبًا
_ طرق العسكري باب الحجرة قبل أن يدلف ليقول :
- المدعوة كارمن جلال برا سعاتك
_ خفق قلبهُ وأستدار سريعًا لينظر نحو الباب .. أراد أن يستقبلها بعينيه ، وعندما وقعت أبصارهُ عليها أختنق صدره وضاق .. حالتها سيئة للغاية ، وجهها الشاحب وعينيها المنفوختين ، وهذا السواد الذي يحيط عينيها ..
أراد أن يشاطرها أحزانها ، ولكن قطع تركيزه صوت وكيل النيابة وهو يقول :
- أتفضلي أرتاحي
_ جلست على طرف المقعد .. حتى الآن لم تنظر نحوه بينما هو مسلطًا ناظريه عليها .. كان يتأمل وجهها الذي برزت فيه العظام ، وهذا اللون الأسود البغيض الذي ترتديه .. وفجأة ، قطع شروده وأنتبه لحديث وكيل النيابة وهو يردد :
- يعني أنتي قصدك تقولي إن كان في عداء بين طاهر أبوزيد والمرحوم والدك
كارمن : أيوة ، وريان هدد بابا بالقتل ورفع في وشه السلاح
ريان وقد أتسعت عينيه عن آخرها : كـارمـن !
_ رفعت بصرها نحوه أخيرًا .. حدجته بنظرات قاسية وهي تتابع بلهجة حادة :
- مش دي الحقيقة ؟
ريان وهو يهز رأسه رافضًا قولها : لأ ، الحقيقة إني مكنتش واعي لحظة ما هددته .. لكن عمري ما فكرت في التنفيذ
كارمن وقد بدأت الدموع تعرف طريقها إليه : كداب ، حاولت ومحاولتك فشلت .. أكيد لما معرفتش تقتله في بيته حاولت تتخلص منه بطريقة تانية
وكيل النيابة وهو يحك طرف ذقنهُ : ولو مكنتش ناوي بيه شر ، ليه كنت محتفظ بسلاحك وقتها؟
ريان وهو يبعث لها بنظرات حانقة : لأني تعرضت لمحاولة قتل قبل مواجهتي مع باباها بيوم ، وأثبت ده في محضر رسمي
كارمن وهي ترمقهُ بإستهجان : أنت اللي قتلت أبويا
ريان وما زالت الصدمة مسيطرة على حواسهُ : أنا مش مصدقك ! إزاي فكرتي فيا كدا ؟
وكيل النيابة وهو يقطع حديثهم : في شهود على الكلام ده ياآنسة كارمن ؟
كارمن : لطيفة المربية بتاعتي ، كانت موجودة وقتها
_ حدجته بتوعد .. ومن بين دموعها لمح طيف والدها الذي أصبح خياله بينهم ، وتابعت بعدائية أكبر :
- وانا بتهم ريان إنه دبر لقتل والدي
ريان : ............
وكيل النيابة وهو ينظر للكاتب : أكتب عندك ، أمرنا نحن .. بإستدعاء الشاهدة لطيفة لأخذ أقوالها ، وحبس المتهم أربعة أيام على ذمة التحقيق .. ويراعى التجديد في المعاد
_ ليست هي ! ليست هذه هي الفتاة التي أحبها واستعد أن يهبها عمرهُ إن تطلب الأمر .. يعي جيدًا حجم الفاجعة التي وقعت هي ضحيتها ، بخسارتها أغلى إنسان على قلبها ، ولكن ما ذنبهُ ! هل هذا جزاء عشقهُ ؟
ما زالت السحب تحجب عنها الرؤية ، ولم تجد غيره عقب أن هدد والدها أمام عينيها مباشرة وحاول قتلهُ .. ولكنه لم يكن عاقد النية لذلك البتة ..
نهضت كارمن لتخرج عن الحجرة ، ولكنه قبض على رسغها ونطق بصوت خشن :
- عمري ما هسامحك
كارمن وهي تهز رأسها بالسلب : أنا اللي مش مسامحاك على اللي عملته ، ياريتني ما عرفتك
_ جذبت رسغها بعنف وانطلقت للخارج .. فـ التقت بأسرته ، حدجتهم واحدًا تلو الآخر قبيل أن تقول :
- هدمر عيلتكم ، زي ما دمرتو أبويا وأمي
تاج : أنتي بتقولي إيه ؟
كارمن وهي تشير نحو طاهر : همحي أسمك ، صدقني
_ سارت بعيدًا عنهم ، ولم يتعرض أحدهم لها بكلمة .. فالجميع يعلم حجم ما تعانيه .. خرج ريان مكبلًا ، وعلى وجهه تعابير غامضة ، بينما قال المحامي الخاص به :
- حبس ٤ أيام
طاهر بلهجة مستنكرة : إزاي يارفعت ! إزاي
رفعت وهو يذم على شفتيه بيأس : شهادة بنت المجني عليه مكنتش في صالحنا أبدًا ، لكن إن شاء الله نقدر نثبت البراءة
مايسة : ابني هيروح مني !
طاهر وهو يعنفها : بس يامايسة ، ريان مفيش ضده أي دليل ، وان شاء الله يطلع منها
....................................................................
_ كان يضرب كفيه سويًا وهو يجوب المكان ذهابًا وإيابًا .. نظر لساعة يده بتوتر ثم نطق :
- مش ممكن اللي بتعمليه فيا ده ياكارمن ! هتكون راحت فين من بدري كدا ؟
قُصي وهو يمسك بهاتفهُ ليطلب أحدهم : ألو ، طمني عرفت حاجة؟
_ نهض قُصي عن جلسته ثم تابع :
- خلاص انا هتصرف
كريم وهو يقترب منه : عرفت هي فين !
قُصي وقد غزا القلق ملامحه : لأ ، أنا هخرج أدور عليها بنفسي
_ وقبل أن يتحرك قُصي ، لمحو ظلًا يقترب من باب القصر .. فركض قُصي وفتح الباب سريعًا ليجدها تقف أمامهُ بهيئتها المثيرة للقلق ، فالتقط كفها سريعًا عقب أن شعر إنها ستسقط .. بينما أنتقل شقيقها نحوها بشئ من الراحة وهو يردد :
- حرام عليكي ياكارمن ، كنتي فين من الصبح خضيتيني عليكي
كارمن بصوت ضعيف : كنت في النيابة ، بياخدو أقوالي
قُصي وقد تبدلت تعابير وجهه للوجوم : وبعدين !!
كارمن : ......
_ صمتت قليلًا قبل أن تتابع مرة أخرى :
- أتهمت ريان ، بقتل بابي
كريم وقد أتسعت عينيه بذهول : كارمن ! إزاي تعملي كدا من غير ما ترجعيلي!؟ .. وبعدين إحنا لسه متأكدناش
قُصي وهو يسحبها بهدوء للداخل : مش وقته ياكريم
_ أجلسها على الأريكة التي تتوسط حجرة المعيشة ، ثم جلس جوارها وهو يهتف :
- أخلي لطيفة تعملك حاجة تشربيها؟
كارمن وقد تجمعت الدموع في عينيها : لأ ، عايزة أزور بابا
كريم وهو يمسح على وجهه بحزن : لما تروقي هابقى أخدك هناك ياكارمن
كارمن وهي تنظر حيال قُصي : قُصي ، لازم تساعدني
قُصي وقد أنشرح صدره : أنتي تؤمريني !
كارمن وقد أنعقد حاجبيها بحقد : عايزة حق أبويا ، أكيد تعرف بابي شايل الورق ده فين .. أنا عايزاه
قُصي : مبقاش للورق أي لازمة ، طاهر لبس القضية لواحد من رجالته
كارمن : والأرض !
قُصي وقد أنتبه لشئ ما : عايزة تعملي إيه ؟
كارمن وهي ترفع رأسها بغرور : هرجعها
.......................................................................
_ توالت التحقيقات ، وأصبح شاغل كارمن هو إثبات جريمة القتل عليه .. إنتقامًا منه ، بينما سعى مراد للإستحواذ على النفوذ بداخل الشركة ، ولكنه عجز عن ذلك في حضور والدهُ .. كما كانت مجموعة النعماني بأكملها على حافة الإنهيار عقب إنتشار تفاصيل ما حدث وتسربها لوسائل الإعلام والصحافة .. فأنحدرت الأسهم حتى تساوت بالأرض تقريبًا ، كانت كارمن تعاني معاناة قاسية ، لم تعتاد على العيش بدونه .. تدليله لها وحديثه معها وعنها ، ضحكته وحزنهُ وفرحهُ وألمه ، أشتاقت له كثيرًا .. كانت تذهب بشكل يومي لقبرهُ فتتحدث معه كثيرًا ، ولم يختلف حال كريم عنها .. فقط كان أخف منها في النسبة ، حيث أقنع حاله بضرورة الوقوف والمثابرة لئلا يضيع كل ما بناه والده الراحل ...
واليوم .. كان موعد تحديد الحكم على ريان ، فقد أستمعت المحكمة لشهادة الشهود .. وأعادت كارمن سرد تفاصيل هذه الليلة على مسامع هيئة المحكمة لتدعم موقفها ، بدأت بذرة البغض تنمو بداخله نحوها .. فمقت رؤيتها ، كان يستمع لحديثها في ساحة المحكمة وكأنها عدوًا له ولم تكن يومًا حبيبتهُ .. هل لهذه الدرجة كرهتهُ ؟
في حين كانت تاج تنظر لشقيقها تارة ، ونحو كريم تارة أخرى .. شعر هو بنظراتها ، أراد أن يكسر هذا الحاجز الذي بُني بينهما ، فقد مر وقتًا كثيرًا على أخر مرة رآها بها ..
- تم تأجيل النطق بالحكم لجلسة ١٠ سبتمبر ، رفعت الجلسة
_ كانت أول الذين نهضوا '' كارمن '' ، حيث تركت ساحة المحكمة سريعًا .. وكانت عينيه الغاضبة تلحق بها ، يود لو يصفعها صفعة مميتة فتشعر بما فعلته به كل تلك الفترة التي قضاها بين أسوار السجن ..
بينما خرجت تاج من المحكمة لتجد '' كريم '' أمامها ، أجفلت بصرها عنهُ وكادت تنصرف من أمامه ولكنه وقف أمامها وهو يقول :
- متمشيش
تاج : آآ....
كريم : وحشتيني ياتاج
تاج : .....
كريم وهو يزفر أنفاسه بإختناق : أنا محتاجك أوي ، أوي
...................................................................
(( عودة للوقت الحالي ))
_ أستيقظ ريان من غفوته .. فتح عينيه ليجد هذا الواقع المرير ، أجل .. لقد تم الحكم عليه بالبراءة لعدم ثبوت الأدلة ضده ، ولكنه ظل سجين حُبها وذكرياتها ..
مازالت دموعهُ تنهمر رغمًا عنه ولا يقوَ على التحكم فيها ، أعتدل في جلسته ليتفاجئ بأن ياقة قميصه قد تشبعت بالدموع .. يبدو إنه أذرف الكثير منها ، نظر أمامه فوجد صورتها ، وهناك وهنا وفي كل مكان .. وإن هرب من صورتها ، لن تهرب هي من ذهنه ..
نهض عن المقعد وهو ينزح دموعهُ ، وقف أمام أحد الصور وحدثها وكأنها أمامه ، رمقها بغضب جاش به صدره ..
هتف بخشونة :
- إزاي كل ده حصل ؟
أنتي مين ؟ مش انتي اللي حبيتها ! .. رجعيلي حببتي ، أو موتي من جوايا .. انا مش عايز أفتكر حاجة تخصك
_ غرز أصابعه بفروة رأسه ، ثم أستدار ليغادر هذه البقعة التي تفوح منها رائحتها .. عله ينسى ، وربما لن ينـسـًـى !
