رواية حبل الوريد الفصل السابع والعشرون بقلم ياسمين عادل
_ وصلتها رسالة إلكترونية تُفيد بأن '' سامح '' قد أنهى مُهمتهُ في شُقة قُصي .. فـ أرادت على الفور أن تتهرب من موعد الغداء الذي أتفقا عليه ..
كانت تجلس في سيارتهُ بالمقعد الأمامي عندما وصلتها تلك الرسالة وبدأت تفكر في طريقة للتخلص منه ..
فلم تجد سوى الإدعاء الكاذب بإنها مازالت مريضة وتود العودة لقصرها من جديد ..
أمسكت برأسها وتعمدت إظهار الألم وهي تتأوه بخفوت :
- آآه!
_ أنتبه قُصي لها فنظر إليها بقلق بيّن وهو يردد :
- كارمن ! إنتي كويسة ؟
كارمن وهي تهز رأسها بالسلب : لأ ، عندي صداع هيموتني.. حاولت أتحمله لكن مفيش فايدة ، بيزيد .. آآه
_ صف سيارتهُ جانبًا وحلّ عنهُ حزام الأمان .. ثم التفت ليتحسس بشرتها وهو يقول :
- أوديكي المستشفى طيب؟
كارمن وهي تبعد بكفهُ عنها : لأ ، رجعني القصر .. مش هقدر أجي معاك النهاردة
قُصي وهو يذم شفتيهُ بإنزعاج : حاضر
_ أخرج أقراصًا علاجية مسكنة للآلام من ( تابلوه) السيارة ، ثم مد يده لها وهو يقول :
- خدي المسكن ده طيب عقبال ما أوصلك .. هيريحك
كارمن وهي تهز رأسها بالنفي : لأ مش عايزة ، لما اروح هاخد الدوا بتاعي وانام
قُصي وهو يتمعن النظر الدقيق لها : اللي يريحك ياكوكي
_ قام بتوصيلها لمحيط القصر .. وأصر على مرافقتها للداخل ليطمئن عليها عقب حالة الألم التي أظهرتها له ..
حاولت منعهُ من ذلك ولكنها فشلت أمام إصرارهُ ، فرضخت أخيرًا لرغبتهُ وصحبها للداخل ..
وما أن خطت بقدميها داخل القصر ، حتى نادت بصوت مرتفع على المربية خاصتها و....
- دادة لطيفة ، يادادة !
لطيفة وهي تحضر من غرفتها الخاصة مسرعة : أيوة ياكارمن ! إنتي لحقتي تيجي يابنتي ؟
كارمن وهي تضغط على رأسها بقوة : شوفيلي مسكن وأعمليلي حاجة سخنة اشربها بسرعة ، أحسن حاسة إني هتعب تاني
لطيفة وهي تهز رأسها بموافقة : حالًا ياحببتي
_ ألتفتت له وهي تنظر نحوهُ بنظرات مُضطربة ، ثم هتفت بجدية :
- أنا هطلع أوضتي عشان أرتاح ، تصبح على خير
قُصي وهو ينظر لساعة يدهُ مشدوهًا : هتنامي الساعة سبعة !
كارمن : آه ، تعبانة جدًا .. عن أذنك
_ تحركت مسرعة من أمامهُ قبيل أن يكشف كذبها .. وصعدت الدرج بخطوات شبه راكضة .. حتى أختفت داخل حجرتها ، بينما راقبها هو بإستغراب .. فرك طرف ذقنهُ بتفكير وهو يهمس لحالهُ بخفوت :
- هي مالها !؟ معقولة تكون بتتهرب مني !
_ فكر قليلًا ثم عاود التحدث لحاله :
- طب ليه ! إذا كانت هي بنفسها اللي حددت المعاد ؟
_قوس شفتيه بعدم فهم لما حدث .. وفشل في إيجاد تحليل مناسب لتصرفها الأهوج ، ثم رفع بصره لينظر لأعلى وهو يقول إصرار :
- براحتك ياكوكي ، بكرة مش هتقدري تهربي
_ صفقت الباب بهدوء ووقفت خلفهُ تتنفس بصعوبة ..جال بمخيلتها إنه كشف أمرها ، فـ أرتبكت أكثر وهي تغمغم :
- معقول فقس الموضوع ؟ لأ لأ ، مش ممكن !
_ سحبت شهيقًا عميقًا لصدرها ، ثم زفرتهُ ببطء وهي تحاول السيطرة على حالها .. ومن ثم تابعت :
- أهدي ياكارمن ، أنتي أقوى من كدا .. خليكي ثابتة .. صحيح أنا ماليش في شغل المطاردات ده ، بس عشان خاطر بابا أعمل أي حاجة !
أثبتي .. قُصي ميقدرش يأذيكي
_ نزعت معطفها وجلست على الأريكة تفكر في الطرق والأساليب البديلة التي ستستخدمها في حين فشل خطتها الأولى .. شعرت بتخبط رأسها ، ولم تستطع التركيز في الأمر .. فـ كل ما يشغل بالها الآن هو '' ريـان ''
أفتقدت وجوده لجوارها ، وحنانهُ عليها عندما كانت تشكو إليه .. تمنت لو أن كل ذلك لم يحدث ، وكانت الآن تهنأ بحياة طبيعية مع من أحبت .. ولكنها حُصرت بين ذكريات أب قُتل وحبيب راودتها الشكوك حولهُ يومًا ما .. حتى وإن كان بريئًا طاهرًا من دنس هذا الأمر ، ولكنهُ بالفعل حاول قتلهُ يومًا أمام عينيها ..
هذه هي النقطة السوداء التي لوثت ورقتهُ البيضاء الناصعة لديها ..
..................................................................
_ تأفف بضجر عقب أن فاتحتهُ مايسة في هذا الأمر مجددًا .. وهو يرفض في كل مرة متشبثًا برأيه ، ولكنها لم تسئم وتفاتحهُ بإستمرار علها تستطع التأثير عليه ، وإيمانًا منها بمقولة ('' الزن على الودان أمر من السحر '') ..
وقف عن جلستهُ بإنفعال خفيف ثم ردد بلهجة قاطعة :
- مش هتجــــوز ياعمتي ، مش هتجوز .. شيلي الموضوع ده من دماغك بقى
مايسة وهي تشبك أصابع كفيها سويًا : أنت لسه بتفكر فيها ياريان ؟
_ أبتعد ببصرهُ عنها ولم يجيب حتى يتحاشى نظراتها التي تتخلل حجرات عقلهُ .. بينما تابعت هي :
- يابني اللي باعك بيعهُ
ريان وهو يتلوى بشفتيه غير مقتنعًا : حاضر
_ نهضت مايسة وراحت تقف أمامهُ ، مسحت على ظهرهُ بعاطفة أم .. ثم قالت بصوت رخيم :
- طالما لسه بتحبها الحب ده كله ، روح ليها .. دلوقتي الوضع أختلف واللي كان رافض راح للي خلقهُ
ريان وهو يبتسم من زاوية فمهُ بسخرية : وانسى عادي كدا ! مش مهم إنها اتهمتني في موت أبوها ؟ ولا مهم إنها خدتني عدو ليها وكانت عايزة تضيع سنين عمري في السجن ؟ عادي جدًا .. ومش مهم برضو إنها فكرت توهب حياتها لشخص تاني وتاخدهُ زوج ليها ؟ عادي كدا ببساطة بتقوليلي روح؟
مايسة وهي تلكزهُ في ذراعهُ : دي بتغيظك ياعبيط !
ريان وهو يلتفت ليرمقها بعدم تصديق : ولما شهدت عليا في النيابة وبعدها المحكمة كانت بتغيظني برضو !!
مايسة : ............
ريان وهو يعقد ساعديهُ سويًا : ما تردي ياعمتي !
كارمن اتغيرت .. مبقتش حببتي اللي اخترتها من بين كل البنات ، بحبها ، بحبها جدًا .. لكن بحب كرامتي كمان ، خيالها وصوتها وضحكتها مش مفارقيني
_ أغمض عينيه ونطق من بين أسنانهُ وهو يضغط عليها بغلّ شديد :
- بضعف وهي قدامي وبنسى أي حاجة حصلت بينا ! ودي المصيبة .. خايف في مرة أنهار قدامها واطلب منها نرجع !
مايسة وهي تربت على كتفهُ بحنو : سيب قلبك ياريان ، فُك حبسهُ يابني وسيبه يتحرك بحرية
ريان : لو سيبته هيوديني في داهية
_ أنتبه لمرور الوقت سريعًا .. فنظر لساعته وتنحنح ليزيل عن نبرتهُ غبار الحزن والألم ، ثم نطق بصوت رجولي خشن :
- أنا خارج ، عندي مشوار مهم شوية وهرجع .. سلام ياعمتي
مايسة وهي تطالعهُ بضيق : مع ألف سلامة يابني ، ربنا يرضي قلبك يارب
....................................................................
_ جعلتهُ '' كريم '' ينوب عنها اليوم في إجتماعات الشركة ومقابلة العُملاء الجُدد ..
حتى لا تنكشف لـ قُصي حقيقة إدعائها الباطل بالمرض ، ومازال '' سامح '' مراقبًا حريصًا وجيدًا على متابعة خطوات قُصي وتحركاتهُ وإبلاغ كارمن بها ..
كانت عيني سامح مسلطة على بوابة البناية الكبيرة وهو يأكل الشطائر بنهم وشراهة ..حتى تفاجئ بنزول قُصي وتوجههُ نحو سيارتهُ .. فترك الطعام وأتصل بها ليبلغها و.....
- أيوة ياهانم ، قُصي باشا لسه نازل من شقتهُ حالًا أهو
كارمن وهي تعتدل في جلستها بتحفز : خليك وراه ياسامح ، بس أوعى يلاحظك
_ فرك سامح بصيلات ذقنهُ النابتة ، ثم قال بشئ من التردد :
- بس في حاجة كدا لسه واخد بالي منها !
كارمن وقد تنغض جبينها : إيه هي ؟
سامح وهو يدقق أبصارهُ على تلك السيارة التي تبعدهُ بعدة أمتار : ريان بيه ، واقف بعربيتهُ بعيد !
كارمن : إيــه ؟
_ هبت واقفة من مكانها عقب أن تلقت هذا الخبر .. ثم قالت بإرتباك :
- متأكد إنه هو !
سامح : طبعًا ياهانم ، هو انا هخفى عنهُ !
_ فكرت سريعًا وهي تتحرك بتوتر .. ثم قالت بصوت متعلثم :
- طب آ... ، متروحش ورا قُصي ، خليك مكانك وشوف هيحصل إيه ! أوعى عينك تغفل عنه
سامح : حاضر
_ أغلقت هاتفها وبدأت تفكر بتشوش .. عجزت عن الإستنتاج أو التخمين ، وضربت كفيها سويًا وهي تردد بـ تذمز :
- أوف ، شكلك هتبوظلي كل حاجة ياريان!
_ أتصلت به مجددًا ولم تقوَ على الإنتظار ، وعندما جائها صوته نطقت :
- ها !
سامح وهو يدقق النظر نحو سيارة ريان : مفيش جديد
_ ترجل ريان عن سيارتهُ ، وترجل رجلهُ '' رجب '' أيضًا .. فتابعهم سامح بعينيه وهو يقول :
- نزل من العربية هو وراجل تاني معاه ، وشكلهم كدا طالعين شقة قُصي باشا
كارمن وقد أضطربت معدتها على أثر التوتر : لأ كدا مينفعش أنا مش هقدر أصبر .. خليك عندك وانا جاية حالًا
سامح : حاضر ياهانم
_ ألقت بهاتفها وانتقلت نحو الخزانة الكبيرة لترتدي ثيابها .. وبعجالة شديدة ، تأففت بإنزعاج شديد وهي تتمتم :
- ياالله ! عايز إيه ياريان ؟ عايز إيه ؟
...................................................................
_ نظر رجب يمينًا ويسارًا قبل أن يبدأ بمحاولة فتح باب الشُقة .. بينما راقبهُ ريان وهو يهمس بخفوت :
- أوعى يبان حاجة يارجب ! أو تسيب وراك أثر
رجب : متقلقش سعاتك ، ده انا حرامي قديم بس ربنا تاب عليا
_ وأخيرًا أنفتح باب الشُقة .. فـ أتسع مبسمهُ بتفاخر وهو يقول :
- أهو ، شوفت يابيه ؟
ريان وهو يربت على كتفهُ بتشجيع : جدع يارجب ، أنت هتنزل تحت دلوقتي .. ولو الـ *** ده رجع نبهني على طول
رجب : عنيا ياهندسة
_ هبط رجب وتركهُ .. بينما ولج ريان للداخل وتأمل شُقة قُصي الفاخرة بدقة وإمعان قبل أن يبدأ بمهمة تفتيش الشُقة .. الأثاث الحديث والتحف الباهظة والنادرة ، بدا لهُ وكأنه قصر مُصغر ، حجمهُ كبير وتفاصيلهُ كثيرة .. دخل أحد الغرف فوجدها تتمثل في حجرة معيشة مُجهزة بكل الوسائل الترفيهية .. فخرج منها ودخل أخرى ليجد حجرة النوم ، أرتدى ريان قُفازات أحتياطية حتى لا يترك أثرًا خلفهُ ، وبدأ في تفحص الكومود والأدراج ..
ثم دخل لحجرة الثياب الصغيرة الموجودة في زاوية الحجرة والتي تكونت من خزانات مفتوحة ومتعددة الأرفف أكتظت بالثياب والملابس والأحذية .. رابطات العنق والمعاطف الشتوية ..
لم يجد شيئًا يستحق الإهتمام ، فخرج من الحجرة وبحث عن القسم الأهم ( حجرة المكتب ) ..
وعندما وجدها تحمس داخلهُ وهو يبحث بعينيه ، حتى وقع بصرهُ على مالا يحبذ رؤيتهُ مُطلقًا ..
صورة لـ كارمن ..
أطار ثُنائي يجمع بين صورتها وهي طفلة ذات عشر سنوات وصورة وهي شابة يانعة شديدة الجمال ..
توهج صدرهُ واشتعل غيرة وغيظ ، أمسك بالإطار وكاد يفتكهُ بين يديه .. ولكنه تحكم بإنفعالاتهُ لئلا يفسد الأمر بآخر لحظة ، تأملها بتمعن وهو يضغط على فكيه ضغطًا عنيفًا اهتز لهُ صدغيه ..
ثم تركها كما كانت وهو يهمس :
- أستغفر الله العظيم .. يارب قويني على نفسي وقلبي
_ لمح الخزينة على الأرضية بجانب المكتب فانحنى ليحاول فتحها واختراق أرقامها السرية علها تكون صحيحة .
_ بنفس التوقيت .. كانت كارمن تسارع بسيارتها وتشق الطرق مسرعة لتلحق به قبيل أن يكشف قُصي أمره فيحدث مالا يُحمد عُقباه ..
تنهدت بسخط وهي تقول :
- هلحقه ، إن شاء الله هلحقه .. أوووف ، مجنون ومتسرع طول عمره ومش هيتغير
_ فشل ريان في فتح الخزينة .. ضرب بقبضته عليها ولعن حظهُ العثر وهو يهتف :
- يادي الحظ الهباب ، ياترى هيكون إيه يعني؟
_ لمعت عيناه واتسعت عقب هذه الفكرة التي راودتهُ .. وأخفض بصره وهو يفكر مليًا ، ثم قرر تجربة هذا الرقم الذي حضر برأسه الآن ..
ضغط بأصابعهُ على الأرقام التي تمثل تاريخ ميلاد كارمن..
وصدق حدسهُ ، فقد أنفتحت الخزينة بنفس التوقيت التي حملقت فيه عينيه بحقد شديد ..
بدأ يفحص هذه الأوراق والمستندات بعد أن جلس على طرف المقعد الخشبي .. ورقة تليها أخرى ومستند يليه آخر، حتى وقع بيده مستند خطير ..
ومن هول صدمتهُ شهق بصوت مسموع وهو ينطق غير مصدقًا :
- إزاي ده ! يابن اللعيبة ؟
وقدرت تخبي كل ده يا **** .. دي كدا اللعبة سخنت على الآخر ، ياترى كارمن هانم هتقول إيه بعد الكلام ده !
كارمن : كلام إيه ياريان ؟؟
_ رفع بصره فجأة ليتفاجئ بها حقًا أمامهُ .. ليست شبحًا ، إنما هي .. تقف بصلابة ، حدق فيها قليلًا وهو يهمس :
- كـ .....ـارمـن ! ...................
..............................................................
