رواية جثة المركب الفصل الثاني بقلم محمود الأمين
تحت رجلي كان في بطاقة محروقة، بس ظاهرة البيانات اللي فيها، كانت هي بطاقة سعاد.
بصيت للي كانت واقفة وسألتها:
_ إنتي مين؟
= أنا شروق، أختها التوأم. أنا مش مصدقة اللي حصل، بس اللي أعرفه إن بابا كان جاي يزورها… هو بابا حصله حاجة؟
_ والدك اتنقل على المستشفى، حالته خطرة جدًا، ادعيله.
= ربنا يقومه منها بالسلامة.
…
بعد شوية كان الطب الشرعي بيفحص الجثة، ورجالة المعمل الجنائي بتفحص المكان كويس. دكتور الطب الشرعي اسمه الدكتور ساهر، رفع وشه ناحيتي وقال:
_ التشخيص المبدئي، في شبهة جنائية في الموضوع.
= إزاي؟
_ قرب كده يا سعيد باشا، رغم إن الجسم كله مشوه، بس في آثار حبال على إيد المجني عليها، معنى كده إنها كانت مربوطة في كرسي، والكرسي قدامك أهو محروق على الأرض.
بصيت وركزت، وفعلاً الكلام مظبوط. واضح إننا قدام جريمة قتل تانية، اللي خلص من الريس شحته قرر كمان يخلص من مراته، لسبب لحد دلوقتي مش معروف.
بصيت للدكتور وقلتله:
_ هستنى التقرير النهائي لحضرتك، وساعتها هنشوف هنعمل إيه.
= تمام يا باشا.
…
رجالة المعمل الجنائي خلصت شغلها وخرجت من المكان، والجثة اتنقلت على المشرحة بعد المعاينة الأولية.
رجعت على مكتبي وكنت حاسس دماغي هتنفجر. في الوقت ده دخل معتز عليا المكتب واتكلم وقال:
_ أدخلك المتهمين يا باشا؟ هما قدام المكتب بره.
= خليهم بره شوية، أنا مش قادر… دماغي هتنفجر.
_ ألف سلامة عليك يا باشا، تحب أجيب حاجة لحضرتك للصداع؟
= لا يا معتز، أنا هبقى كويس، اطمن. بس تعرف يا معتز، أنا في حاجة غريبة ملاحظها، حاجة مش مطمناني.
_ حاجة إيه يا باشا؟
= شروق أخت المجني عليها، أختها التوأم… أنا ما أعرفش، يعني إخوات توأم غير إنهم شبه بعض في الشكل، لكن هل شبه بعض في أسلوب الكلام والصوت وكل حاجة؟
_ بصراحة ما أعرفش يا باشا، أنا زيي زي سيادتك، كل اللي أعرفه عنهم إنهم بيكونوا شبه بعض في الشكل.
…
بعد شوية طلبت من معتز يدخل المتهمين عشان أبدأ تحقيق معاهم، ودخلهم فعلاً: سالم، وعثمان، وكارم. كانوا واقفين قدامي وبدأت الكلام معاهم:
_ قبل أي حاجة، اللي أوجهله الكلام هو اللي يرد، مش عاوز دوشة.
سالم…
_ هو الريس شحته كان متعود يأكل معاكم في المركب؟
= ساعات كان بيأكل معانا، وساعات كان بيأكل في البيت، وأوقات كان بيجيب الأكل معاه من البيت.
_ طيب والشرب؟ برضه من البيت ولا من المركب؟
= شرب إيه بالظبط عشان أكون فاهم؟
_ لا دماغك ما تروحش لبعيد، قصدي يعني بعد ما بتاكلوا أكيد كنتوا بتشربوا شاي.
= على فكرة يا باشا، أنا كنت عاوز أقولك إن الريس شحته كان بيشرب كل حاجة ممكن تتخيلها، كان بيخلينا نصطاد وبيدخل جوه ويسكر طينة، ده غير المخدرات.
_ طيب أنا أعرف إن في بينك وبينه خلاف بسبب إنه أكل عليك حقك، وإنت رحت اشتكيته لشيخ الصيادين. حصل الكلام ده ولا لأ؟
= حصل، بس ده كلام قديم، وبعدها اتصالحنا وبقينا زي الفل.
_ يعني إنت كنت صافي من ناحيته؟ ما فكرتش تنتقم منه مثلاً؟
= لا خالص يا باشا، الموضوع بالنسبالي خلص وانتهى من زمان.
…
كارم…
_ أنا عارف إنك كنت بتكره الريس شحته، التحريات اللي عملتها بتقول إن شحته رفض يسلفك الفلوس يوم تعب بنتك الله يرحمها.
= أنا مش بكره حد يا باشا، وربنا يعلم إني بريء من دمه، والراجل ما كانش معاه فلوس وقتها، وأكيد يعني مش هخليه يتصرف بالعافية في موضوع ما يخصهوش من الأساس.
_ إيه العقل ده؟! رغم إنك وقتها اتخانقت معاه وحصلت خناقة كبيرة.
= ساعة شيطان يا باشا، وبعدين مصارين البطن بتتخانق.
_ كارم، إنت ما اتخانقتش معاه بس، إنت هددته بالقتل.
= ما أنا بقول لسيادتك يا باشا كانت ساعة شيطان، بس بعد كده رجعنا واشتغلنا مع بعض والدنيا مشيت. ليه بقى هفتح في القديم؟ وبعدين مش جايز يا باشا تكون مراته العقربة اللي اسمها سعاد دي هي اللي سمته؟
_ هو أنا ما قلتلكمش؟ سعاد ماتت، أو بمعنى أصح اتقتلت في بيتها، ودلوقتي إحنا مستنيين تقرير الطب الشرعي عشان نعرف مين اللي قتلها.
= لا حول ولا قوة إلا بالله… يعني الراجل ومراته، ربنا يجازيهم ولاد الحرام.
…
ما كنتش مرتاح لكارم. بصيت لعثمان وبدأت الكلام معاه:
_ إيه يا عم الملاك البريء؟ إنت مالكش مشاكل خالص مع الراجل… ده إنت يا راجل ما تذكرتش أصلًا في التحريات.
= يا باشا، أنا جاي البلد دي آكل عيش. أنا من الجيزة أصلًا مش من هنا، ومن أول ما جيت المكان ده وأنا في حالي، مش عايز أعمل مشاكل مع حد ولا عاوز حوارات مع حد. كنت بقول حاضر ونعم، وبصراحة كده أنا ما كنتش حمل الريس شحته، فحبيت أعيشها في حالي.
_ لا، عاقل يا عثمان، وعندك حق. إنت جاي تأكل عيش مش تعمل مشاكل، وهو ده اللي خلاك مستبعد من دايرة الشك. بس ما تفرحش، جايز تظهر حاجة مستخبية ترجعك تاني للدايرة.
= ما فيش حاجة مستخبية يا باشا، ما تقلقش.
_ عمومًا، إنتوا هترجعوا الحجز دلوقتي لحد ما تخلص التحقيقات.
…...
رجّعتهم الحجز تاني، وفي الوقت ده كنت استدعيت واحد ومراته كانوا جيران الست سعاد، والراجل ده أنا أعرفه معرفة شخصية.
اسمه الأستاذ بلال، مدرس، وكان ممسوك قبل كده في قضية كان متهم فيها إنه تحرش بمدرسة، بس طلعت في الآخر بتتبلى عليه وخرج منها.
المهم إنه وصل المكتب عندي هو ومراته، وقعدت أدردش معاهم شوية. واتكلمت الست اللي كان اسمها عواطف وقالت:
_ شحته ده كان راجل مش كويس، كل يوم كان بيضرب مراته ويهنها، وأبوها كان راجل غلبان على قد حاله وكان بيخاف من شحته. تعرف إن وصلت في مرة إنه مد إيده عليها في الشارع قدام الناس؟ آه والله، والناس في الشارع هي اللي شالته عنها.
بس أرجع وأقولك إنها هي كانت ست مش سهلة. تعرف القضية اللي كان هيلبسها شحته يا باشا بتاعة المخدرات؟ هي اللي بلغت عنه، بس هو ما عرفش.
= طيب وإنتِ عرفتي منين؟
_ هي اللي حكتلي، ولما عرضتها في اللي عملته بطلت تتكلم معايا خالص.
…
كلام كان مهم، معنى كده إن سعاد فعلًا كان في نيتها تخلص من شحته، يعني مش بعيد تكون هي اللي قتلته فعلًا.
خلصوا كلامهم وقاموا عشان يمشوا، لكن في اللحظة دي العسكري استأذن إن في واحدة عايزة تقابلني، ودخلت شروق أخت سعاد.
لكن الست عواطف أول ما شافتها قالت:
_ سلامًا قولًا من رب رحيم… إنتِ لسه عايشة؟
ردت عليها شروق وقالت:
= أنا مش سعاد يا ست عواطف، أنا شروق أختها التوأم.
_ هو أنا هتوه عنك؟ إنتِ سعاد مش شروق.
= وإنتِ هتعرفيني أكتر من نفسي؟
…
الحوار اللي كان داير قدامي كان بيأكد شكوكي، إن اللي عايشة سعاد، وإن اللي اتقتلت هي شروق.
لكن اتدخل الأستاذ بلال وطلب من مراته تسكت، وأخدها ومشي.
طلبت من شروق تقعد واتكلمت، وقالت:
_ أنا لسه جاية من عند بابا في المستشفى، والدكتور قال إنه بدأ يستعيد وعيه. لما الدكتور عرف إني جاية عند حضرتك، طلب مني أبلغك بده عشان لو هتروح تستجوبه.
= تمام، أنا هتحرك دلوقتي على هناك، بس محتاج حضرتك تيجي معايا.
_ ليه يا فندم؟ ما أنا بقول لحضرتك، أنا لسه جاية من هناك.
= معلش، محتاج أدردش معاكي شوية.
…
وقبل ما أمشي طلبت من الرائد معتز يروح ويفتش البيت اللي اتحرق تاني. سألني عن السبب؟
وبصراحة أنا ما كانش عندي سبب… مجرد إحساس إني هلاقي حاجة، وفي نفس الوقت أنا عايز أروح أسمع الراجل، أصل طالما طلبني يبقى في حاجة عايز يقولها.
واتحركت أنا وشروق على المستشفى. أول ما وصلت قابلت الدكتور، وقال إن الراجل بدأ يستعيد وعيه. دخلت على الراجل الأوضة، بس الراجل كانت حالته صعبة أوي. أول ما شافني رفع إيده ناحيتي.
والدكتور كان واقف جنبي وبيتكلم وبيقول:
_ هو أول ما فاق كان بيخرف، وكان عمال يقول: النور كان قاطع، الولاعة، البيت اتحرق… بس لما استعاد كامل وعيه فضل ساكت وما نطقش ولا حرف.
قربت من الراجل عشان أعرف عايز يقول إيه، كان بيدمع وعايز يقول حاجة مهمة.
لكن في اللحظة دي تليفوني رن، وكان اللي بيتصل معتز. رجعت خطوتين وطلعت التليفون ورديت، واتكلم معتز وقال:
_ كان عندك حق يا باشا في موضوع تفتيش البيت تاني. أنا لقيت حاجة مهمة… لا، حاجة مهمة إيه، أنا عرفت مين هو القاتل يا باشا.
= مين يا معتز؟
وقبل ما ينطق… سمعت صوت أنا عارفه كويس.
كان صوت…
