رواية عشق لا يضاهي الفصل الثلاثمائة والثالث والعشرون
ابتسمت **سيرين** بسخرية حادة حين سمعت تهديد سارة…. صحيح أنها والدتها، لكن ذلك لم يمنع سارة من أن تتمنى لو أنها تستطيع محو حضورها من حياتها تمامًا.
قالت سيرين بنبرة ثابتة لا ترتجف:
“لقد جمعتُ هذا المال بعملي وجهدي… إن كنتِ ترغبين به… فاكسبيه بيديكِ وتوقّفي عن محاولة إخافتي.”
ثم أنهت الاتصال دون تردد وبعدها مباشرة حاولت الاتصال بـ **ماثيو** لكن الهاتف كان مغلقًا… غاب صوته وغاب معه أي احتمال للشرح أو التوضيح لذا بدا واضحًا أمامها أن عليها العودة إلى المدينة لتضع حدًّا لهذه الفوضى.
نهضت سيرين مسرعة واتجهت إلى **فاطمة** لتطمئن عليها… كانت فاطمة قد استيقظت للتو وما إن سمعت بما جرى في الليلة الماضية حتى ارتسم الذهول على وجهها.
“هل تغيّر ظافر فعلًا؟” سألت فاطمة بدهشة.
ردّت سيرين بضيقٍ واضح:
“لا أعلم… أنا نفسي لست متأكدة… ارتاحي الآن ودعي بقية الأمور جانبًا.”
أومأت فاطمة متفهمة:
“بالطبع.”
ثم أخبرتها سيرين أن أحد أصدقائها يمرّ بمأزق وعليها الذهاب لمعالجة الأمر فابتسمت فاطمة بطمأنينة تحاول بها رفع العبء عنها:
“اذهبي ولا تقلقي عليّ… أستطيع الاعت.ناء بنفسي.”
لكن سيرين لم ترغب بتركها دون دعم فقالت:
“سأستأجر مُربية لتكون معكِ.”
ولأن فاطمة تعرف مدى حرص سيرين وافقت دون نقاش:
“كما تشائين.”
عندما نزلت سيرين إلى الطابق السفلي وجدت الإفطار مُعدًّا بعناية على المائدة وإلى جواره ورقة تحمل بخط ظافر الأنيق كلمات مختصرة:
**”سأ.خضع لفحصٍ في المستشفى.”**
لكن الحقيقة كانت أبعد ما تكون عن ذلك…
فبدلًا من المستشفى كان ظافر قد طلب من **ماهر** أن يعيده إلى قصره بعد أن أبلغه بوجود وثائق سرّية تنتظره هناك… وثائق لم يشأ أن يطّلع عليها أحد سواه.
…………..
في تلك اللحظة، كانت **سارة** تجلس في قصرٍ فخم إلى جانب **دينا** وقد تغيّرت ملامح حياتها تغيّرًا كاملًا… لم تعد تلك المرأة البائسة التي خرجت من عائلة ثرية ثم وجدت نفسها على الهامش؛ فالقدر فتح لها بابًا آخر منذ خمس سنوات يوم هربت مع ابنها **تامر** إلى بلدٍ بعيد ونسجت بخيوطٍ خفية طريقها إلى قلب رجل نافذ ثم تزوّجته.
كان زوجها **لورانس** أحد المتحكمين في صناعة الترفيه ولذلك أصبحت سارة محط أنظار النساء الثريات وكلٌّ منهن يسعى إلى كسب ودّها—ودينا لم تكن استثناءً.
سألت دينا بفضولٍ يلمع في عينيها:
“هل وافقت سيرين على إعادة الأموال؟”
قهقهت سارة بسخرية حادة وقالت بازدراء:
“تلك الفتاة جاحدة… لن تُعيد شيئًا من تلقاء نفسها.”
حاولت دينا تهدئتها مستعينة بأسلوبها اللطيف الذي يخفي خبثًا متقنًا:
“لا تغضبي ستضرين نفسك… دعيني أتحدث معها… سيرين عنيدة، نعم… لكنها لا تعرف كم تغيّرتِ… وإذا علمت بما وصلتِ إليه اليوم ستعيد لك المال بلا تردد.”
غير أن سارة رفعت يدها لتوقفها وارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة:
“لا… لا تخبريها بشيء… لست بحاجة إلى ابنةٍ مثلها.”
تفاجأت دينا من قسوة كلماتها؛ فمهما حدث تبقى سيرين ابنتها البيولوجية لكن يبدو أن قلب سارة كان قد أُغلق منذ زمن… وأُغلق بإحكام.
أجابت **دينا** بهدوء:
“أفهم.”
ثم لفت نظرها إطارٌ صغير على الطاولة… كانت الصورة لراقصة باليه تقف على أطراف أصابعها كجوهرة مضيئة فوق خشبة المسرح ملامحها تحمل شبهًا خفيفًا بسيرين لكن فيها أيضًا أناقة لا تخطئها العين.
قالت دينا بإعجاب:
“زوي تشبهك أكثر… تبدو كالبجعة البيضاء.”
وما إن ذُكر اسم **زوي لورانس** حتى تلألأت عينا سارة بفخرٍ صريح ومن ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة قميئة وقالت:
“زوي هي حياتي. لولاها لما تجاوزت تلك السنوات القاسية.”
لم تكن دينا تعرف الكثير عن زوي لكن الغيرة لمعت في داخلها للحظة… فزوي ليست جميلة فحسب؛ بل تحظى بقوةٍ تحميها وأب نافذ يقف وراءها بل وتمكنت من أن تجعل امرأة صلبة القلب مثل سارة تذوب حبًّا لها.
وحين غادرت دينا القصر سارعت **لورا** مديرة أعمالها لحمل المظلة فوق رأسها.
“إلى أين سنتوجه الآن، سيدتي دينا؟”
حدّقت دينا في الثلج المتساقط وكأنها تفكر في خطوة محسوبة:
“إلى قصر **ظافر**.”
فهي تعرف جيدًا أن ظافر لم يكن أعمى خلال اجتماع المساهمين الأخير ورغم ما تلقّته من دعمٍ مالي من سارة فإن جرأتها على الظهور في الساحة لن لتحدث إلا بموافقة ظافر… أو على الأقل صمته.
