رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء الثالث الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم فاطيما يوسف



رواية من نبض الوجع عشت غرامي الجزء الثالث الفصل الثاني والثلاثون بقلم فاطيما يوسف 



نعم، أُناديكَ أنتَ أيّها العاشقُ الوَلهان، أعطني النايَ وغنِّ لهواها الفتّانِ،

وارفعْ نغمَتَك حتّى ترتجفَ الأرواحُ من شدّةِ ما تحملُه من شوقٍ رنّانِ،

فإنّ قلبَكَ، يا صاحبَ الوجد، لا يعرفُ غيرَ معشوقتكَ وطنًا، ولا يرى سواها مَأوًى وأمانٍ،

هي نبضُكَ الحيُّ، وروحُكَ المخلوقةُ من همسِ اسمِها؛ فاقتربْ وارتَوِ من عشقِها بعد ظمآنِ،

فهي في فؤادِكَ ترنيمةٌ لا يخفتُ صداها، قدسيّةُ النبضِ فيها، وجلالُ الهوى من حولَها ينسابُ كالألحانِ،

وما أنتَ إلّا عاشقٌ متبتّلٌ، كلّما نطقتَ ذِكرَها ازددتَ صلابةً وقوّةً؛ فهي السّلامُ، ومنها السّلامُ، وإليها يُذعن الفؤاد باستسلام. 


شوف يا ولدي شرع الله مفيهوش كسوف وعلشان اكده أني جايك في الخير وجبت معاي إمام الجامع. 


ابتسم "عمران" بوقار ورحب بهم:

ـ على راسي من فوق يا عمي الحاج "سليمان" دي انت كنت صاحب أبوي الروح بالروح وكنت هتقعد وياه أكتر منينا ، وشيخ الجامع على راسي بردو والله ، خير إن شاء الله وأني عينيا ليكم. 


تهللت أسارير ذاك الرجل من مقدمة "عمران" لبداية حديثه، وترحابه الواسع بهم ليسهل عليه مهمة ما يريده، لينطق أخيراً بلسان ثقيل بعض الشئ:

ـ الحاج "سلطان" ألف رحمة ونور ميت اها بقى له سنة وزيادة، وأني رايد أنفذ شرع ربنا، ورايد يعني... من الاخر اكده؛ أتجوَز الحاجة "زينب" على سنة الله ورسوله. 


ارتجَّ "عمران" دهشةً من ذلك الطلب، وكأن الكلمات قد سقطت على سمعه سقوط الصاعقة، فما عاد يصدّق ما نطق به ذاك الرجل، وتبادلت "زينب" معه النظرات، وقلبُها يهبط إلى قدميها تحت وهج عينيه المتقدتين شررًا، حتى إنّ "الحاج سليمان" نفسه اضطرب واضطرب قلبه من حدّة تلك النظرات التي تشبه نصلًا يوشك أن يخرج من محجر العين، فـكانت نظرات "عمران" أشبه بليثٍ استُفِزّ من عرينه، وفجأة اقترب منه بدون وعي ولم يراعي أي شئ:

ـ كانك اتجنيت عاد يا شايب انت؟!

بقي جاي تطلب يد أمي مني من غير ما تختشي مني ؟!

دي انت طلعت راجل ناقص وخاين لصاحبك اللي كلت في بيتَه عيش وملح، جاي بعد موته بسنة تطلب يد مرتَه ؟!


كاد أن يختنق من تمسك "عمران" برقبته وهو يسعل بشدة ، فحاول الشيخ الفصل بينهم هو و"زينب" التي تقف مرتعبة خوفا من تهور ولدها وهي تردد بفزع:

ـ بعد يدك عنيه يا ولدي هيموت في يدك، بعد يا "عمران" مناقصينش بلاوي هتتحدف علينا وفضايح يا ولدي .


أما الشيخ حاول بكل قوته الفصل بينهم وبعد أن استطاع أخيراً هدر بـ"عمران" بحدة شديدة:

ـ بقى داي أصول الضيافة والناس اللي هتدخل بيتك يا جناب العمدة؟!

انت صدمتني فيك صدمة عمري.


واسترسل حديثه اللاذع له وهو يحاول تهدئة "سليمان" :

ـ هو الراجل غلط في ايه ولا عِمل ايه عاد علشان تنقض عليه بالشكل دي ولا كانه قاتـ.ـلك قتـ.ـيل عاد؟!

الراجل بيطلب شرع الله بأدب ومن المفروض والواجب والأصول ترد عليه بأدب سواء كان بالقبول أو الرفض، والله انت صدمتني فيك وفي عقلك اللصغير يا جناب العمدة ياللي هتقعد في مجالس وسط الشيوخ هتحل بلاوي مش مشاكل!


هنا نطقت "زينب" كي ترفع الحرج عن ابنها الذي يجلس يتآكل غضبا وصل عنان السماء والأرض وهو ينظر إلى ذاك الرجل نظرات نـ.ـارية تكاد تحـ.ـرق الأخضر واليابس:

ـ وهو لما يُبقى صاحب جوزي الله يرحمه وكان مهيفارقهوش وخصوصي في أيامه الأخيرة ينفع ومن الاصول ياجي يطلب يد مرَته؟!

مين قال إني رايدة جواز بعد الغالي ألف رحمة ونور تنزل عليه ؟!

وخصوصي إنه بعت لي قبل سابق مع بته وأني رفضت؟!

ليه جاي دلوك يجيبك وياجي يقرر طلبه الماسخ دي تاني؟!


وتابعت بسخط ونظرة استحقار وهي تنظر له من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه مما جعله شعر بالإهانة الشديدة وبالتحديد أمام الشيخ وولدها :

ـ غير إنه راجل عفش، ويكون في معلومك بقى أني لا هطيقك من زمان ولا هطيق سيرتك، أني هكرهك لأنك في يوم من الايام وزيت جوزي وشجعته إنه يتجَوَز علي عيلة من دور بناته، وقهرتني وكنت هتخرب بيتي وفرقت بيني وبين جوزي وخليت بيتي قايد نـ.ـار مهتنطفيش.


هنا نظر الشيخ إلى "سليمان" الذي يقف أمامهم يود أن تبتلعه الأرض من تصريحات "زينب" التي لم يتوقعها، فكان يظن أنها ستخاف تحكي لهم مجيئة ابنته لطلبها فكذلك خُيل له:

ـ هو انت بعت بتك قبل سابق يا حاج والحاجة أكدت عليها إن طلبك مرفوض؟


زاغت عينيه بخزي لينطق بتهتهة وهو يكذب عليهم:

ـ بتي ما أكدتش علي الموافقة أو الرفض، هي بلغتني إن الحاجة مردتش صريحة وعلشان اكده جيبتك وجيت أطلب حلال ربنا يا شيخنا، وحكاية جوازَه من مرت اخوه الله يرحمه اني ما ليش علاقة بيها واصل ، اكده انتِ هتظلميني يا حاجة.


هنا هدر به "عمران" بغضب شديد وهو يحاول أن يمسك يديه بعيداً عنه بأعجوبة:

ـ تصدق وتؤمن بالله انت راجل ناقص وجبت لنفسك التهزيق، يعني بعت بتك والحاجة قفلت الطريق في وشها وجاي برجليك بردو وهتفتكرني هعتبرك كيف أبوي وهقابلك بالأحضان ؟!

يمين الله لولا الشيخ فاصل مابيني وبينك كان زمانك راجع لبيتك على نقالة ومهراعيش كبر سنك.

تحدثت "زينب" وهي تكذبه أمام الشيخ بثقة وقوة:

ـ وه اكنك ما ليكش صالح بجواز "سلطان" من الله يجحمها مطرح ما راحت يا راجل يا ناقص؟! "سلطان" هو اللي حكي لي بذات نفسيه عن كل حاجة من زمان قوي، وعلشان اكده ما كنتش هقابلك لما كنت هتاجي، ولا كنت حتى هقدم لك واجب الضيافة زيك زي أي حد كان هياجي يزور الحاج، وبعدين اني قايله لبتك اني ما هفكرش في الجواز واصل ولا المواضيع داي أبدا،

أني ست هعيش على ذكرى جوزي الله يرحمه، وعمري في يوم من الايام ما هقابل زيه راجل واصل، ولا رايده راجل ولا غيرَه، وبلغي ابوكي ما يكررش طلبَه الماسخ دي تاني، ما تلفش وتدور كعادتك يا راجل انت.


مط الشيخ شفتيه بأسى وهو يشعر بالحرج الذي وضعه به "سليمان" ليعتذر لـ"عمران":

ـ والله يا "عمران" ما كنت اعرِف ان هو قدم طلبه دي قبل سابق واترفض، اني سألتَه جسيت النبض ولا لاه وهو نفالي تماما وكذَّب علي، وطالما كذب يُبقى اني برة الموضوع دي، واعتبرني ولا واسطة ولا يحزنون.


وتركهم الشيخ وغادر المكان وهو ينظر إلى "سليمان" بسخط لكذبه عليه، اما "عمران" تقدم منه قبل أن يفلت وراء الشيخ وهو يمسكه من تلابيب جلبابه مرددا بفحيح وهو يحذره: 

ـ عارف يا راجل يا ناقص انت؛ ان خرجت برة الدوار دي وجبت سيرة عن الموضوع العفش دي، ولا جبت سيرة امي لأي مخلوق؛ هعتبر ما فيش بيناتنا عيش وملح وهنسفك نسف من على وش الارض، واخش فيك السجن واخد إعدام، يمين بعظيم لو كررت الموضوع دي تاني وما شلتش بيتنا دي من دماغك وما و وريتنا وشك تاني لا هكون مخربط الدنيا على راسك يا ابو جواز انت! كانك اتجنيت في عقلك ومواعيش للي انت هتعمله دي، غور من قدامي دلوك، انت راجل كَبير وكفاية عليك التهزيق دي اني مكسوف لك سلف.


ما ان تركه "عمران" حتى فر من أمامه سريعاً خوفاً من نظراته وبطش يديه كفاه ما ناله من نَهرِ "عمران" له وقلًَ من قيمته أمام الشيخ و"زينب" فهو لم يكن يتوقع أن يكون "سلطان" قد حكى لها ما حدث منه من تشجيع لزواجه من تلك الـ"وجد" لو يكن يعلم ما كان تقدم وما فعلها،


أما "زينب" بعد أن غادر ذاك الرجل حتى كادت أن تفر من أمام ولدها وهي تشعر بالخجل الشديد والارتياب في نفس الوقت من نظرات "عمران" لها إلا أنها قبل أن تتحرك ناداها بنبرة باردة جامدة:

ـ بقى اكده يا امي تحطيني في الموقف العفش دي؟َ كيف الراجل دي بعد بته قبل سابق وما هتقوليليش؟! كد اكده ما ليش عازة عِندك علشان تعرِفيني حاجة مِهمة كيف داي؟


ابتلعت "زينب" أنفاسها بصعوبة بالغة وهي لم تعرف بما تجيبه ولكن لملمت شتاتها المبعثر مما حدث ولم تكن تتوقعه لتجيبه بصدق:

ـ والله يا ولدي ما كنت رايدة أعمل شوشرة ولا افتح الموضوع العيب دي واصل، انت عارف إن الكلام دي بالنسبة لي مقفول وما كنتش عايزة اعمل لك مشاكل، ولا الموضوع يتنتور في البلد، وخصوصي انك كنت هتتفرعن وهتروح لَه والدنيا كلاتها تسمع باللي حُصل، واني ما رايداش سيرتي تُبقى على كل لسان، والله يا ولدي هو دي مقصدي. 


هنا تذكر "عمران" أمر الغريب الذي جاء منذ أشهر طويلة وجلس معها مدة من الوقت وقد حكى له "محروس" الغفير عنه وهو يشك بأمره الآن:

ـ قولي لي يا حاجة كان في غريب هيسال عني لما كنت تعبان وانتِ اللي قابلتيه و"محروس" كان هيقول انك كنتي متعصبة وانتِ قاعدة معاه والموضوع دي فات عليا ونسيت اسالك عنيه، كان عايز ايه الغريب دي وقتها؟


هنا تلبكت "زينب" ولم تكن تتوقع سؤاله ذاك بالمرة، ولكن قررت مصارحة ولدها وهي تحكي له عن أمر ذاك الـ"عماد" ورجعت بذاكرتها إلى أكثر من 40 سنة:


ـ داي قصة قديمة وحوار كَبير يا ولدي والغريب كان جاي صدفة ولما شافني افتكرني، هو من الاساس جذوره من اهنه لكن انطرد من البلد زمان وكان جاي لك في طلب ولقاني أني.

رأى " عمران" نظرات عينيها الزائغة فسألها:

ـ طيب وايه علاقته بيكِ أصلاً زمان يا حاجة؟!

ايه اللي يخليكي جزء من ماضيه اللي خلاه ينطرد برة البلد وهيقف يتحدت وياكي عنيه؟


ابتلعت حلقها بصعوبة بالغة وأخبرته بماضيها مع ذاك العماد:

ـ دي كان قاري فتحتي قبل أبوك الله يرحمه، اختارته قلت هيُبقى متعلَم علام عالي وهيرفعني اني وولادي بعلامَه، لكن مع الوقت لقيتَه هيجرني وياه لحكايات غريبة.


وتابعت بعيناي زائغة:

ـ كان هيطلب مني إني أروح لبيوت الغلابة اللي في البلد إنه عنديه شغل زين لبناتهم وكان مفهمني إنه شغل حلال وزين وهيرفع من مستواهم وهما كانو غلابة وكانو هيوافقو وخصوصي إنه كان هيدي لهم فلوس كَتير، لحد ما في بنت منيهم رجعت البلد وحكت لأهلها على الشغل اللي كان هيبعته ليهم، كان هيشغلهم في أماكن كيف الكباريهات يعرو جسمهم والرجالة تستحلوا كمان، ووقتها كان هيجرني معاه للبلاوي داي وكانو هيقولوا إني شريكته، منكرش إني كنت اتعلقت بيه وقتها، لكن أول ماعرفت سيبته قدام أهل البلد كلاتها ورميت دبلته في وشه قدامهم، ومن بعديها كترت حواراته وخصوصي لما سمعنا إنه خلى واحد غلبان يبيع كليته ومات فيها فاجتمعوا شيوخ البلد إنهم يطردوا براها ومن وقتها وأني معرفش عنيه حاجة، ومعرفش رجع ليه وكان جاي لك اهنه من الاساس ليه ؟


اندهش "عمران" مما استمع إليه ليقول:

ـ وه يا حاجة كنتي مخطوبة قبل أبوي وللعفش دي؟ طب الحوار دي مأثرش على سمعتك وقتها وخصوصي انك كنتي هتتوسطي له حدا البنات؟!


حركت رأسها بأسى وأجابته:

ـ أني البنات اللي جبتهم له في الاول كانوا هيشتغلوا في مصنع غزل ونسيج وأني رحت وشفته بنفسي، وبعد اكده اتحجج إن المصنع دي مبقاش محتاجين عمال وقال اللي في البندر لساته فاتح جَديد ومحتاج عمالة وعلشان اكده الناس كانت هتصدفني، وكمان بوي كان امام مسجد وطيب والناس كلاتها كانت هتحبه وطلع قال بتي ملهاش ذنب غير انها كانت خطيبته، وأبوي حكم علي وقتها مخرجش من البيت نهائي، وبعدها بتلت سنين بوك اتقدم لي واتجوَزنا وكان الموضوع دي اتنسى واتمحى من عقول الناس.


رفع حاجبه ساخراً وهو يسألها:

ـ طب وعرة الرجال دي حبيتي فيه إيه يا حاجة؟


مطت شفتيها بأسى وأجابته:

ـ كنت وقتها عيلة صغيرة وهو كان واخد عقلي بكلامه وعقله الكبير أتاريه كان زرع شيطاني خبيث هيأذي اي حد يقرب منيه ، حتى أمه مسلمتش من أذاه، بعد موتتها بكذا يوم، كانو هيدفنوا جثة حد قريبهم ملقوش جثة أمه مكانها، ووقتها عرفوه مهتمش انه ياجي يشوف ويستفسر عن الموضوع دي، كان كل البلد هتتحدت عنيه اللي حوصل في الوقت دي وكلاته بقى بيخاف على ميتينه، لحد مالتربي اللي كان هيخدم المقابر كان بيودع وهيموت قال إن هو اتفق وياه إنه عايز ياخد جثة أمه وخصوصي إنه مطرود وعايز يزورها في قبرها ومتعرفش عمل ايه في جثتها لما أخدها . 


ضـ.ـرب "عمران" كفا بكف لينطق بذهول من ذاك الخبيث:

ـ ايه الراجل الزرع الشيطاني دي؟!وكان جاي عايز ايه؟ لو جه تاني حتى لو مش موجود لازمن أعرِف إيه اللي رجعه تاني، اللي زييه وجوده غلط في البلد وخطر كماني . 


                  ******

مرَّ عامٌ كامل، بدا وكأنَّ الزمن قد حرص فيه على تنقية روح "فارس" كما تُنقّى المعادن النفيسة من شوائبها، كانت خطواته في ممرّ العيادة هادئة، ثابتة، لا تُشبه ارتجاف قدميه في أول جلسة ولا ذلك الالتفات الدائم الذي كان يبحث فيه عن حضورٍ غائب، اليوم كان يمشي كمن يعرف طريقه، يتقدّم بلا خوف ولا تردّد، يرفع رأسه بعينين صافيتين، وقد باتت ملامحه أكثر تماسكًا، وكأنّه استعاد نسخة من ذاته كانت تائهة منذ سنوات،

فتح باب غرفة الدكتورة "مها"، فرفعت عينيها بابتسامة دافئة فيها شيء من الفخر المكتوم، قالت بنبرة هادئة يملؤها الثبات والثقة:

ـ اتفضَّل يا "فارس"، واضح إن السنة دي ما ضيّعتش وقتها معاك، والحمدلله بقينا عال العال.


جلس أمامها، ليس بعصبيّة، ولا بتوتّر، بل براحة رجلٍ يعرف معنى الاتزان، شبك يديه فوق ركبتيه وقال بنبرة عادية، خالية من الانكسار الذي كان يحياه:

ـ والله يا دكتورة، أنا نفسي مش مصدّق إن أنا بقيت كده، يعني أنا كنت فين وبقيت فين، الحمد بقيت شايف الواقع واقع على الأقل .


مالت للأمام قليلًا، تحلل ملامحه كما اعتادت:


ـ قول لي؛ آخر مرة حسّيت فيها إنك محتاج الروبوت كانت إمتى؟


ابتسم "فارس" ابتسامة صغيرة، ليست ساخرة ولا منهزمة، بل واعية، فتلك الطبيبة عودته على الصراحة والمواجهة في جلسة علاجها معه:

ـ من حوالي ست شهور، بس كانت لحظة وعدّت، مكنتش زي زمان، ولا فضلت أدوّر عليها، لأ، كنت عارف إن ده مجرد فراغ قديم بيرجع يتحرك، وكنت عارف أتعامل .


هزّت رأسها بإعجاب وسألته:

– طب ممكن تعرِفني اتعامَلت كيف وقت احتياجك ليه ؟


أجابها بثقة دون تردد أو خوف:


ـ عملت اللي حضرتك علمتيني عليه، وقفت، خدت نفس، ورجّعت نفسي للحاضر، قلت لنفسي هي مش موجودة، ومش هترجع، وأنا لازم أعيش من غيرها وارضى بأمر ربنا وكان بيبقى صوتي عالي مع نفسي علشان أفوقها أول بأول، وبصراحة ماكنتش مصدّق إن الجملة دي في يوم من الأيام هتريحني.


سجّلت بعض الملاحظات على الورق، ثم قالت:


ـ لاه، انت مش بس اتعلمت، انت فهمت كمان ، ودي مرحلة أهم، لأن فهمك وتقديرك لحياتك وانك لازم تعيش وتكمل وتُبقى طبيعي دي أهم شئ .

توقفت لحظة، ثم أردفت بنبرة أقرب للاختبار'


– طيب، لو قلت لك دلوك إننا هنقفل ملف علاجك بعد تلت جلسات كمان، تحس بإيه؟


رفع "فارس" حاجبيه بدهشة، ثم قال بصوت منخفض:

ـ يمكن فخر بنفسي إني قدرت اتعافى وإني لازم اقوي نفسي بنفسي .

ضحك بخفوت وتابع :

– ويمكن شوية خوف من الاستمرار، بس خوف طبيعي، مش زي الأول .


أخبرته الطبيبة بمهنية:

ـ طبيعي جدًا، كلنا بنخاف بس اللي بيطمن خوفنا قربنا من ربنا، وجود حبايب جارنا هيحبونا فنقرب منهم اكتر ونطمن بيهم ومعاهم .

ثم أضافت بنبرة حادة قليلًا، فيها تحدٍّ مألوف:


ـ بس لو كان لسه جواك أي اعتماد على وهم، كنت هتتشدّ من الكلمة دي فورًا، وانت الحمد لله مااتهزّيتش، معنى اكده إن الثبات الانفعالي عِندك بقى اقوى ودي مهم جداً.


ابتسم "فارس" بثبات:

ـ لأني بقيت شايف الحقيقة، بقيت شايف إن اللي كنت بدوّر عليه مش أم، كنت بدوّر على أمان، والأمان، اتعلّمته من نفسي، مش من روبوت ، اتعلمته من ابتسامة بنتي وحضنها، من دفا مراتي ونَفَسها .


أغلقت الدكتورة القلم، وأسندت ظهرها للكرسي:

– وأني فخورة جدًا بالمستوى اللي وصلت له يا "فارس"، عارف ليه لأنك في بداية العلاج، كنت رافض تسمع أصلًا إن في مشكلة، كنت شايف إنك بخير وإن الدنيا هي اللي غلط.


ـ ما هو ده كان حقيقي بالنسبة لي، كان لازم حد يشدّني برا الوهم، حد زي حضرتك .


ثم سكت قليلًا وكأنه يستجمع ما يريد قوله:

وبعدين "فريدة" كمان كانت ليها فضل كبير بعد ربنا، وقفت جنبي وسندتني ودعمتني بكل قوتها بدون ما تخاف مني على نفسها وبنتها.


رفعت الدكتورة حاجبًا بخفة:

ـ "فريدة" بصراحة هي البطل الأول لأنها فعلاً مهربتش.


ـ فعلاً هي جزء كبير من إني أعيش حياة طبيعية ،هي ماحاولتش تسيب لي المكان، ولا اتعاملت معايا على إني حد مكسور،

بالعكس هي ساعدتني أشوف نفسي زي ما أنا، مش زي ما الخوف بيصور لي.


ابتسمت الدكتورة "مها":

ـ علاقة صحية، دي أهم خطوة بعد العلاج، المريض اللي يتعافى، وبعدين يرجع لعلاقة غلط، بيرجع أسوأ من الأول، لكن انت اخترت صُح من البداية، ربنا يبارك لك فيها يارب.


هزّ "فارس" رأسه:

ـ هي كمان ساعدتني أصدق إن اللي راح كان لازم يروح لأنه قدر، وإن اللي جاي أحسن، وإن الحزن مش ضعف، وإن الفقد مش نهاية.


أغلقت ملفه الورقي ببطء:

ـ خلاص يا دكتور، أقدر أقول بثقة إنك مش بس اتعافيت، انت اتغيّرت للأحسن بكَتير.


تنفّس "فارس" بعمق، وكأنه يتحرر للمرة الأخيرة من ثقل قديم عاش بداخله طويلًا

ـ شكرًا جداً ،مش على العلاج بس والتعافي،

على إنك صدمْتيني في الوقت المناسب، يمكن لو ماكنتش شدّيتي عليا بكل قوتك مكنتش وصلت للنقطة دي.


وقفت الدكتورة "مها"، وقالت بنبرة فيها مزيج من القوة والثبات:

– الصدمات مش دايمًا مؤذية يا "فارس"

أوقات بتبقى العلاج الحقيقي.


وقف هو الآخر بثبات، ثم خرج من الغرفة بخطوات مختلفة تمامًا عن خطوات العام الماضي؛ خطوات رجل عاد من الغرق، ووجد اليابسة أخيرًا .


عاد إلى منزله، كانت شمس العصر تسكب ضوءًا ذهبيًّا فوق شرفة البيت، حيث جلست "فريدة" تراقب زرعها الصغير وهي تحرّك أصابعها فوق الأوراق كمن يطمئن على قلبٍ ينمو بصمت، خطوات "فارس" خلفها لم تعد مربكة كما كانت؛ صار لها إيقاع مطمئن، ناضج، يعكس روحًا هدأت بعد عاصفة طويلة، وقف خلفها قليلًا، ثم جلس إلى جوارها، مستندًا بكوعه على السور الخشبي، وعيناه تتأملان صفاء وجهها، ثم قال بابتسامة خفيفة:

– شكلك سرحانة وبتفكري في حاجات كتير ممكن أعرفها يا برنسيس " فريدة" ؟


نظرت إليه، وبدت في عينيها تلك اللمعة التي تأتي بعد رحلة طويلة من الخوف:

– بسرح في مين غيرك انت وبتنا، 

بسرح وأني مطمّنة يمكن علشان انت بقيت مطمّن، وبقيت كويس الحمد لله واتعافيت .


ضحك بخفوت:

ـ أمممم.. مطمّن؟ أنا عمري ما حسّيت براحة زي اللي حاسسها دلوقتي،

عارفة؛ بحس كإن روحي بقت خفيفة، كإن حد كان ماسكني من كتافي وسابني فجأة، وبقيت حاسس بطعم الدنيا مختلف .


وضعت يدها على يده ببطء ورددت براحة أخيرا:

ـ انت تعبت كَتير يا "فارس" ، بس الحمد كنت قوي، قوي بشكل ما كنتش متخيل إنك توصله، وأبهرتني بتجاوبك للعلاج، اللهم لك الحمد.


هزّ رأسه كأنه يسترجع ذلك العام الصعب، وردد بامتنان:

ـ الحقيقة إني ماكنتش هعرف أخطي ولا خطوة لوحدي يا "فريدة"، انتي كنتي الضهر اللي بيسندني علشان ما أقعش، والعين اللي فضلت تشوفني حتى وأنا مش شايف نفسي،

انتِ كنتي الحقيقة الوحيدة اللي قدرت توقع الوهم اللي كنت عايشه.


أطرقت قليلًا، وقد أسعدتها كلماته الرقيقة:

ـ طب وإنت؟ شايف حالك كيف دلوك بعد كل اللي عدى .


تنفّس بعمق وقال:

ـ شايف نفسي حر من الوهم والتعلق المرضي ، بس حر اتكسر وقام، تاه ولاقى روحه،اتعلّم إن الاعتماد مش ضعف، وإن الحب مش خوف، شايف بني آدم أخيرًا قادر يقف قدام نفسه من غير ما يخبّي حاجة.


سألته بصوت منخفض، كأنها تخشى الإجابة

ـ ولساتك هتخاف؟


اقترب منها أكثر حتى كادت كتفاهما تتلامسان:

ـ خايف أيوه، بس الخوف ده مش من اللي كان جوا دماغي، الخوف دلوقتي على اللي بينا، على البيت، على بنتنا، خوف راجل طبيعي مش مريض، خوف يحافظ، مش يخوِّف.


رفرف قلبها بالكلمات، وفرّت ابتسامة هادئة على شفتيها:

ـ أنا جنبك، ومش هبعد ابدا ،ولو الزمن كلاته رجّعك لأسوأ أيامك، هفضل ماسكة يدك ومهفوتكش أبدا.


ابتسم "فارس" ابتسامة حقيقية، من تلك التي تُرى في العين قبل الشفاه:

ـ وإنتِ...إنتي يا "فريدة" كنتي البطل الحقيقي اللي خلتيني أحس أول مرة في حياتي إني مش محتاج أجرّي ورا وهم علشان أرتاح، أنا بتطمن وأنا معاكي، وبنضف من جوايا وأنا معاكي، وبتغيّر علشان في حد يستاهل إني أكون أحسن .


تنهدت وهي تميل برأسها على كتفه:

ـ وأني كمان، كنت مستنية اللحظة اللي أشوفك فيها اكده ،هادي، وثابت،مش لأنك اتعالجت بس، لاه؛ لأني كنت عارفة إن جواك حد جمييل قوي يا "فارس".


رفع يدها وقبّلها قبلة رقيقة بطيئة، فيها امتنان قبل أن تكون حبًا وهو يطمئنها بصدق وتأكيد:

ـ وعد عمري ما هرجع أهرب لحد غيرك ،ولا هستند على شيء مزيف، ولا هسيب نفسي تايهة تاني.


ـ وأني وعد هفضل سندك، وأول حد يجري عليك، وإني عمري ما أسيبك ابدا مهما حُصل.


وقفت لتسقي الزرع، بينما وقف هو خلفها، يلف ذراعه حولها في هدوء رجل وجد أخيرًا بيته الحقيقي ولم يكن بينهما سوى صمت دافئ، لا يصنعه الخوف، بل يصنعه الاطمئنان بعد أزمات شديدة مرت به وكان العشق بينهم بطل الحكاية، والمنقذ لقصة الفارس وفريدته ، 


بعد مرور عدة أيام، كان يجري وراء ابنته في حديقة المنزل يلعب معها بقلب متفتح للحياة كأي إنسان طبيعي عاد للحياة السوية، بعد فترة من التعب النفسي الشديد، وإذا به يسمع صوت هاتفه يعلن عن وصول رسالة، فترك ابنته وهو يقبلها من وجنتها، والتقط هاتفه ليرى من المرسل؟ وبعد أن فتح الرسالة إذا به ينصدم، ويشهق بشدة وعينيه تبرقان بذهول شديد مما رآه، إذ كان مرسل له مقطع فيديو لأبيه من رقم مجهول الهوية، ورأى فيه أباه في حالة لم يكن يتخيلها يوماً من الأيام، حتى أنه لم يستطيع تكملة الفيديو من بشاعته ووقع الهاتف من يده، وجلس على الكرسي يضع وجهه بين يديه وجسده بدا يرتعش من هول ما رآه، حتى أن "فريدة" رأته من بعيد حينما كانت تتابع المشاوي فانصدمت هي الأخرى وعلى الفور سحبت ابنتها في أحضانها وجرت إليه وهي تسأله برعب نظراً لحالته:

ـ مالك يا "فارس" ؛ حُصل ايه مالك يا حبيبي جسمك هيرتعش اكده ليه لما مسكت الموبايل؟

لم يجيبها بل ظل جسده يرتعش وحالته يرثى لها حتى انخفضت بجسدها والتقطت الهاتف كي ترى ما به وما جعله بتلك الحالة المذرية، وإذا بها هي الأخرى تفتح فاهها على وسعيه، صدمة مما رأت، فما شاهدته لا يتحمله عقل بشر بالمرة، فقد كان مقطعاً لـ"عماد" أبيه وهو على تخت الموت، وجسده هيكلاً عظمياً ويبدو أن جميع أعضائه قد أخذت بالكامل حتى عينيه وكل شيء، فرمت الهاتف بعيداً وهي تشعر بالخوف الشديد من ذاك المشهد المرعب الذي رأته، ولكن حاولت لملمت شتاتها المبعثر بسرعة، حتى لا تخاف ابنتهما مما رأوه كلتاهما وحاولت تهدئة حالها بكل الطرق، فلابد عليها أن تكون قوية، فتلك النهاية هي الحتمية لذاك الشر الذي رحل، فالجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان، ولكن الآن لم تعرف كيف تتعامل مع "فارس" ؟

تجمدت في مكانها لثوانٍ، وعقلها يركض في دوائر لا نهائية، تبحث عن طريقة واحدة فقط تنقذ بها ما تبقّى من توازن "فارس" بعد عامٍ كامل من العلاج، والهواجس داخلها تردد؛ هل سيعود؟ هل سينتكس مرة أخرى؟

كان ينحني فوق ركبتيه، يداه تتشبثان بشعره، وأنفاسه تتلاحق كأنه يُسحب إلى هاوية مظلمة يعرفها جيدًا ونجا منها بالكاد، اقتربت منه ببطء، تخشى أن تلمسه فينهار أكثر، ثم قالت بصوت مرتعش

ـ يا "فارس" اسمعني زين، أني جنبك، ركّز معاي أني وبس.

لكنّه لم يسمعها، كان مأخوذًا إلى مكان آخر، مكانٍ ينهض فيه الماضي كوحشٍ من تحت التراب،

ارتجفت "فريدة" وهي تحمل ابنتها على كتفها، وأشارت إلى المقعد الآخر كي تجلس الصغيرة بعيدًا، ثم أمسكت الهاتف واتصلت بالدكتورة فورًا، كانت كلماتها تتساقط متقطعة

ـ دَكتورة… أني… أني مش عارفة أتصرف كيف؟ "فارس" انهار فجأة واتصدم بفيديو لأبوه ،الفيديو وحِش، وأني خايفه عليه يرجع لورا.

وقصت عليها ما رأته في الفيديو وحالة زوجها ،أتى صوت الدكتورة ثابتًا، واضحًا، فيه حزم يشبه يدًا تُمسك بذراع غريق:

ـ اسمعيني زين ، أول حاجة ما تسيبيهش لوحده ابدا ،

تاني حاجة؛ لازم أعرِف حالته بالظبط؟


نظرت "فريدة" إلى "فارس" الذي كان يهتز وكأن البرودة تخترق عظامه:

ـ قاعد محني، ووشه في يده وبيتنفس بصعوبة ومش بيرد علي.

جاء رد الدكتورة بسرعة:

ـ ده رد صدمة طبيعي، بس مهم جدًا نمنع عقله من إنه يرجّع الحدث لمرض الانفصال ويرجع يفتكر حالة والدته تاني ،

اسمعيني، قربي منه بهدوء والمسي كتفه، وقولي له اسمه بصوت واضح، عايزاه يحس بوجود حد واقعي حواليه.


تحركت "فريدة" ببطء نحوه كأنها تخشى أن ينهار لو اقتربت بسرعة، وضعت يدها على كتفه ومرّرت أناملها ببطء شديد:

ـ "فارس" بصلي بس، بصلي يا حبيبي أني اهنه، ركّز معابي.

تحرك كتفه قليلًا فتابعت الدكتورة:

ـ ممتاز، دلوقتي خليه يتنفّس معاكي، شيلي يده من على وشّه لو قدرتي، قولي له ياخد نفس شهيق وزفير .


فعلت "فريدة" ذلك، فبدأ "فارس" يرفع وجهه تدريجيًا، عيناه مغرورقتان وذهنه مشوش لينطق بذهول:

ـ أني تعبت، شفته وهو بيتعمل فيه كيف ماكان بيعمل.

قاطعته الدكتورة عبر الهاتف وهي تعلمه بوجودها فهو يثق بها بشدة:

ـ ما تحكيش حاجة أبداً ولا تحاول تفتكر، انت مليكش صالح باللي حُصل ، دي تدابير القدر،

عايزاك دلوك تركز بس في "فريدة"، في بتك، 

في ريحة البيت حواليك وإنت كنت هتلعب ويا بتك.


انفجر "فارس" ببكاء مكتوم يشبه خروج ألم قديم دفن طويلًا، فاحتضنته "فريدة" بكل قوتها، تثبّت رأسه إلى صدرها وتهمس:

ـ يا روحي، ياقلبي، بسم الله على قلبك حتى يهدأ، بسم الله ، أني اهنه، ومش هسيبك واصل، ومش هنرجع ورا تاني، فاهم ؟ وبعدين اللي حُصل لازم يقويك إن ربنا خد حق مامتك الله يرحمها منه ومن اللي عِمله فيها.


ردت الدكتورة بعد أن سمعت تنفسه يهدأ قليلًا:

ـ أول ما يهدى خالص، عرفيني واوصفي لي حالته، وإياكي تسيبيه يفكر لوحده

انتِ دلوك مرساه الوحيد، وأمانه اللي بيرسي سفينته اللي معرضة للغرق في وقت وانتِ منقذه.


أغلقت "فريدة" الهاتف وهي تضم "فارس" بين ذراعيها، كمن يحمي قلبًا عاد ليخفق على حافة خوفٍ قديم، لكنها كانت مستعدة أن تقف بينه وبين أي ظلام مهما كان.


                   *******


وأخيرًا جاءت اللحظة المنتظرة؛ لحظة فرح "مكرمي" و"نور" التي طال صبرها طويلًا بعد وفاة "سلطان"، وكان أقلّ ما يليق بهذا الاحتفال أن تمضي شهور كثيرة حتى يتهيّأ كلّ من حولهما ليفرح لهما من قلبه. وكانت "نور" في غرفة "سكون"، وقد حضرت "رحمة" أيضًا وبطنها قد كبرت فهي على وشك الوضع، فوقفن حولها يشاركنها الفرح ويغنين لها كأنهنّ أخواتها، بل لعلّهن أقرب، وفي الجهة الأخرى كان "مكرمي" يرتدي زيًّا صعيديًا صنعه له "عمران" خصيصًا، جلبابًا متقنًا وعمامة تزيّن رأسه، وبما أنّ جسده رياضي طويل فقد بدا كأنّه صعيديّ أصيل، يفيض هيبةً وجمالًا،


كانت أجواء الفرح منظّمة، فللرجال صوانهم وللنساء مجلسهنّ، تجلو فيه العروس فرحتها بين النساء، ويحتفل العريس بين الرجال وشيوخ البلد، نزل كلٌّ من "مكرمي" و"نور" إلى مكانه، وبدأت الاحتفالات، فهتفت الأغاني الصعيدية واهتزّ الفلكلور بين أركان القرية، وكان "عمران" قد دعا عددًا كبيرًا من أهل البلد، فهم قد تعرفو على"مكرمي" منذ زمن، وعرفوا زوجته، وفرحوا لهما بصدق، وازداد فرحهم حين علمو حكاية "مكرمي" وتعبه، بل إن أغلبهم عرفه كحارس مرمى مشهور، وقد عاد إلى الملعب أقوى مما كان الآن،


وبدأت أهم فقرة من فقرات الأفراح الصعيدية؛ رقصة العصا، فشدّ "عمران" يد "مكرمي" ودفع إليه العصا، وأخذا يرقصان متقابلين، والمصابيح والهواتف تلتقط صور المشهد المبهج، أما عند النساء، فكنّ يرقصن رقصتهنّ الموروثة، والفرحة تلمع على وجوههنّ بلا ضغينة ولا غيرة، فرحة صافية صادقة، وأمسكت "رحمة" بيد "سكون" تصرّ عليها أن ترقص، إذ تعرف جمال رقصة "سكون"، وشجّعتها "زينب" وهي تهزّ رأسها معها، ورغم تحذير "عمران" ألا ترقص خارج غرفتهما، لم تستطع مقاومة الإلحاح، فتمايلت على أنغام المزمار بخفّة فراشة،


كانت أجواء الفرح جميلة حدّ البهجة الغامرة، حتى شعر الجميع أنّ "نور" و"مكرمي" فردان من بيوتهم، وليس ضيفين عابرين، وكأنّ الفرح نافذة يطلّون منها على الحياة بعد عامٍ شهدوا فيه الكثير من التيهة والوجع، وظلّت أجواء السعادة بين النساء والرجال تتردّد حتى انتهى الفرح، واجتمع العريس بعروسه، وقد أعدّ "عمران" لهما استراحة كاملة، وجهّز لهما عشاءً فاخرًا كما تصنع أفراح الصعيد بالضبط، فغمرهما بكرمه،


وما إن أُغلِق الباب عليهما، حتى اقترب "مكرمي" من "نور" وهو غير مصدّق أنّ الله قد جمعهما أخيرًا تحت سقف واحد؛ كأنّ القدر فتح لهما بابًا كان موصدًا بيد الغيم، وكأنّ قلبيهما يلتقيان الآن كما تلتقي نسمتان ضلّتا الطريق فعادتا تعرّفان بعضهما في حضن الريح وهو يسحبها إلى أحضانه بيديه القويتين وصدره العريض وهو يردد بشوق جارف:


ـ وحشني حضنك قووي يا "نور"، واحشني بطريقة متتخيلهاش، وحشني همسك ولمساتك النعمة اللي كانت بتدوبني، مبروك علينا النهاردة فرحتنا الحقيقة يا روحي . 


لم تخجل منه فهو كان زوجها قبل سابقاً لسنوات ومعتادة منه على ذاك الغزل وعلى تلك النظرات، لترتمي في أحضانه بل وتتشبس بها بشدة وهي تتحسس صدره العريض بأناملها الرقيقة:

ـ وانت كمان يا "مكرمي" انت واحشني أكتر منك بكتير، أصل انت متعرفش انا بحبك قد إيه؟ إنت روحي ونبض قلبي وكل حاجة حلوة في حياتي، وأي نور شفته في طريقي كنت إنت ضياؤه ياضي عيني . 


رفع وجهها إليه وقبلها من جانب شفتيها تارة ومن عينيها تارة أخرى وقال:

ـ ما تتصوريش الفرح بتاعنا هنا كان جميل قوي، بجد الناس دي ربنا وقعنا في طريقهم علشان عارف ان انا وانت اتظلمنا كتير بجد عملوا معانا الواجب وزياده والعمده والله العظيم اخ ما جابتهوش امي مش عارف اشكرهم ازاي على كل حاجه عملوها علشاننا بجد الناس دي جميلها على راسنا من فوق. 


ابتسمت براحة أخيراً ووافقته الرأي:

ـ ما تتصورش انت هم كانوا بيعاملوني ازاي قبل ما توصل وتجيلي هنا ولما عرفوا قصتي كانوا واقفين جنبي والحاجه زينب كانها امي عمرها ما كشرت في وشي ولا عمرها شافتني اذى ليهم بجد الناس دي حاجه ما كنتش مصدقه انهم موجودين اصلا في الحياه بجدعنتهم الشديده وطيبتهم دي وعلشان كده مهما نعمل عمرنا ما نقدر نوفي جميلهم علينا غير اننا نفضل نشكرهم العمر كله ومش هيوفيهم حقهم . 


وظلّا يتحدّثان طويلًا عن وجودهما في هذا المكان، وعن أزمتهما، وعن الناس الذين أحاطوهما برعاية صادقة، يشكران الله أن ساق إليهما من أهل الخير من كان سندًا حتى بلّغهما برّ الأمان. ثم احتضنها "مكرمي" أخيرًا بعد رحلة شاقة ومريرة، ينهل من قربها العذب نهل زوجٍ وجد راحته بعد طول تعب، وهي كذلك ما إن صدّقت أنّهما أخيرًا تحت سقف واحد حتى أغدقت عليه عشقها وشوقها فارتوى وزاد، وهكذا، انتهت حكايتهما إلى طمأنينة وسلام بعد أن أنهكهما العناء وأضنتهما الدروب.

                   *******

أمّا في غرفة "عمران" و"سكون"، العاشقان اللذان أنهكهما التعب، وابتُلي حبهما بالشوك، حتى استقرت حياتهما أخيرًا على هدوء يليق بقلبيهما، وحين علم "عمران" أنّها رقصت في الفرح، استعر الغضب في صدره؛ فقد كان قد حذّرها ألّا ترقص خارج حجرتهم أبدًا، ولو أمام النساء فحسب،

وما إن دخلا الغرفة، بعد أن استقرّ الأطفال في مخادعهم وناموا، حتى جذبها من يدها بقوة، وأغلق الباب خلفهما، ثم حاصرها بذراعيه بين صدره والباب، يحدّق في وجهها بحدّة تكاد تشقّ الهواء من شدة غيرته، حتى ارتجفت "سكون" رعبًا من النظرة، بينما سألها بصوت حادّ يحمل في طيّاته غضب رجل اشتعل قلبه غيرةً عليها وهو يشمر ساعديه:

ـ هو أني منبه عليكي قبل سابق وقايل لك ايه يا هانم ؟

زاغت عينيها رعباً من نظراته المستشاطة وساعديه الذي شمر عنهما وهي تنظر إليه بخوف شديد وسألته بفم مرتعش:


ـ هو أني عمِلت ايه لبصاتك والنـ.ــار اللي هتطق من عينيك داي يا "عمران" ؟!

دي حتى إحنا كان عِندينا فرح وكنا مبسوطين والدنيا زينة، ليه هترعبني اكده؟


أجابها وهو ما زال يستشيط غيظا منها وقرص وجنتيها قرصة آلامتها بل وتأوهت منها وجعلتها تضـ.ــربه في صدره فتمسك بيديها يفركهما بين يديه مما آلامها أيضاً ونطق بما جعل لعابها يسيل:

ـ هو أني مش منبه عليكي قبل سابق رقص برة أوضة نومك ممنوع منعاً باتاً؟!

ومنبه عليكي إن الرقص دي يكون لجوزك بس يا هانم ؟!

هترقصي قدام الحريم عادي اكده وكاني ممنبهش عليكي قبل سابق ؟!


ابتلعت أنفاسها بصعوبة بالغة وهي تحرك رأسها يميناً ويساراً بتوتر شديد من شدته معها، ولم تعرف بم تجيبه فقد هرب الكلام من حلقها، فحاولت استدعاء الهدوء وعللت ماحدث منها :

ـ والله أني مكنتش رايدة أرقص ولا أتحرك من مكاني، بس "رحمة" اللي أكيد فتنت علي وعرفتك هي اللي شدتني للرقص وقالت لي؛ داي ضيفتك لازمن توجبي معاها، وكمان ملهاش خوات وهتعتبرنا خواتها وهي ماكنتش هتقدر ترقص علشان بطنها على آخرها.


نزع حجابها من على رأسها وتمسك بخصلاته بين يديه وردد ساخراً من جوابها:

ـ اممم... ايوة "رحمة" هي اللي قالَت لك، وشجعتك! وفي نفس الوقت هتقول انك كنتي هتطيري وسط الحريم اللي عيونهم كانَت هتاكلك وانتي بتتمايلي وسطيهم.


وتابع بعيناي ساخطة:

ـ وبعدين هي "رحمة" دلوك اللي هتديكي أوامر ونصايح تخالف جوزك يا هانم ؟


مطت شفتيها بغيظ من مقالب تلك الـ"رحمة" بها، فهي قد سلمتها لـ"عمران" تسليم أهالي لتتوعد لها أمامه:

ـ ماشي يا "رحمة" إن ما وريتك مبقاش أني "سكون" يا فتانة .


كان "عمران" بداخله يود أن يضحك عليها بشدة ولكن أكمل بنفس نبرته الساخطة عليها:

ـ ودي مش مشكلتي بردو يا هانم، ردي دلوك كيف تعملي حاجة منبه عليكي متعمليهاش يا أم الشباب، ولادك دلوك بقو في تانية ابتدائي يعني قربوا يبقوا طولك، مكبرتيش انتِ على الرقص وسط الحريم والمسخرة داي ؟


رفعت شفتيها الأعلى باستنكار لما قال ورددت بنبرة معترضة بشدة:

ـ كبرت! كبرت مين داي يا حبيبي؟

أني لساتي صغيرة وحلوة وقمر وهرقص كيف الفراشات، وهتمايل بخفة ولا بنت العشرين، وأدوب كمان اللي يشوفني وأني هرقص .


ـ تدوبي آااه! ... نطقها وهو يعـ.ـض على شفتيه السفلى بغضب جحيمي وتابع :

ـ وايه تاني يا حظي، اشجيني، وسمعيني تاني اكده هتقولي ايه عاد ؟


حاولت أن تفلت يديها من كلتا يديه ولكنها لم تفلح وهي تود أن تقص لسانها من هرائه أمامه لتنطق :

ـ لاااه مهقصدش اللي فهمته عاد يا "ابو سَليم"، وبعدين هو الرقص دلوك مسخرة! خلاص مهرقصش تاني ولا برة ولا جوة علشان متزعِلش حالك .


كانت كلمتها الأخيرة قد خرجت مرتعشة، بخوف من نظراته،

لكن هذه الجملة، بدل أن تُطفئ ناره، زادت الجمر اشتعالًا في صدره؛ إذ رأى فيها تبريرًا لا يهدّئ رجولته الحارّة، بل يثيرها أكثر، اقترب منها خطوة أخرى، حتى كادت المسافة بين أنفاسهما تختفي، وراح صوته يخرج خافتًا، لكن بنبرة رجولية تقطر غيرةً لا تخطئها أذن:


ـ متزعلش؟! أني مش زعلان يا "سكون" أني مـ.ــولّع منك، على الآخر ، وبعدين رقص ايه اللي هتبطليه عاد! اظبطي الأداء وكلامك معاي يا "سكون" وممنوع منعا باتا رقص برة الأوضة داي فهمتي ولا أفهمك بطريقة تانية هتزعلك ؟


اتسعت عيناها بفزع صغير ممزوج بارتباك لما نطق به، بينما تابع هو وقد أحكم قبضته على رسغيها، يجرّها نحوه حتى التصق ظهرها بالباب وارتفع صدره الضخم يلامس أنفاسها:


ـ انتي فاكرة إن الكلام اللي قولتيه يطفي النـ.ـار اللي جواي ؟ولا فاكرة إن اعتذارك هيخلي قلبي يروق؟

أني طول الليل والنهار مرسوم في عينيّ صورتِك، وما أحبّش حد يشوف منك حتى طرف جلابيتك.


لم تستطع الرد، فقد أخذ قلبها يدق بقوة حتى شعرت أنّه سيسمعه، فراحت تحدّق في وجهه الواقف أمامها كجبل اشتعل من تحته بركان، وفي محاولة بائسة لتخفيف حدّته، همست:


ـ "عمران"… أني بس كنت هوجب مع البنية وفي دوارنا ووسط الحريم عاد! ايه الغلط في اكده واصل؟!


قاطعها، صوته هذه المرة أكثر انخفاضًا وأكثر خطورة، وكأن الغيرة صارت عِرقًا نابضًا في حنجرته:


ـ متزوديهاش عاد بتبريرات لاتسمن ولا تغني من جوع ، اسمعي الكلام وخليكي زينة عاد.


اقترب أكثر، حتى صار صوته على بشرتها، وهمس بغلٍ مكتوم ورجولة حارقة:


ـ انتي قدرتي من شوي ترقصي وسط الحريم،

وقدّامي أني مقدراش حتى ترفعي عينيك في عيني من الخوف علشان عارفة زين انك غلطتي.


ارتجفت شفتاها، لا خوفًا منه، بل من حرارة قربه، ومن تلك النظرة التي تخترقها كأنها تُعرّي روحها، فقالت بصوت يكاد لا يُسمع:


ـ لاه والله يا عمراني مش دي السبب ، لأني هحبّك، وهخاف تزعل مني، ولعلمك كلامك سيف على رقبتي، حقك علي يا "ابو سَليم" ، وهات راسك كماني أبوسها.


ما إن نطقت، حتى خفّ ميزان الغضب في صدره قليلًا،لم يترك رسغيها، لكن قبضته تحولت من شدّة إلى امتلاك، راح يرفع يدها ببطء، ينظر إليها نظرة رجل يرى في امرأته كل نساء الدنيا، وكل غيرته بسببها وحدها:


ـ هحبّك؟ يا نبض قلبي، ياكل حاجة حلوة في حياتي، أني معارفش هوصل لحبك فين يا سكوني .

همست بنبرة عاشقة متيمة هي الأخرى وعينيها هائمتين برجولته المتمثلة في تملكها:


ـ وأني كمان هحبك قووي يا "عمران" .


قبَّل باطل يديها بوله وهمس برجاء:

ـ قوليها تاني،قوليها قدّامي وانتي بصّة في عيوني.


رفعت عينيها إليه بهيام، كمن تعود للبحر بعد غرق طويل، وقالت وهي تتنفس بشدة:


ـ هحبّك، يا "عمراني" يا قلب قلبي من جوة 


لم يتحمّل بعد كل ذاك الدلال والرقة ، كأن الجملة التي قالتها كسرت آخر ما تبقّى من مقاومته أمامها، فرفع يدها إلى صدره، ليضع كفّها فوق نبضه المشتعل، وقال بصوت ثقيل، ممزوج بولهٍ واشتياقٍ ولهفة رجل عاش عمره كله على حرمة امرأة واحدة:


ـ شوفي دلوك، دي نبضك، يا ترى حساه ويدك هتقيس مقدار دقات قلبي في قربك؟

تعرِفي كماني ، والله لو أقدر أخبّيكي في عيني كنت عِملتها.


ثم أطلق يدها ليضع كفه خلف رأسها، يقرّبها إليه بلا رحمة، ويهمس في أذنها بغيرة محمومة، رجولية آسرة لقلبها وروحها :


ـ انتي فاهمة يعني إيه إني هغير عليكي؟

فاهمة يعني إيه قلبي وعيني عايزين يحاوطوكي من نظرات ستات ورجالة؟

فاهمة يعني إيه أشوفك قدامي اكده وكل مرة هبقى متلهف لقربك كأنها اول مرة؟

دي عشق وصل لمنتهاه، ما يعرفوش إلا راجل يحب مرته بالجامد كيف ما أني هحبّك.


لم تستطع الوقوف، كأن قدميها فقدتا كل قوة أمام كلماته وهيبته وقربه، فمالت عليه بعض الشيء دون إرادة منها، لكنّه لم يضمّها فورًا، بل ترك الهواء مسافة أصغر من أن تكون راحة، وأكبر من أن تكون اقترابًا، نظرة تتلهف، وتشتاق، وتملك،

رفعت يدها إلى صدره بخجل وحاجة وارتباك، بينما همست بصوت يذوب:


ـ طيب بالراحة علي مش كدك أني يا عمراني.


نظر إليها نظرة رجل فقد صبره، وصبر رجولته على النيل من شهد رحيقها المقرب ، ثم قال:


ـ بالراحة ايه وازاي؟ الليلة لازمن تُبقى ليلة مفيش زييها ابدا ، ليلة صداها وحلاوتها تبقى نغم نتذكره العمر كلاتَه ، وانتي بين ايدي ومالكة قلبي.


ثم أخيرًا ولأن قلبه لم يعد يحتمل، ولأن النـ.ــار إن لم تُطفأ ستحـ.ـرقهما معًا بلهيب عشقهم وشوقهم، فتح ذراعيه لها كما لو أنه يفتح أبواب صدر عمره كله، ولم تنتظر

سقطت بين ذراعيه سقوط مَن يعود إلى وطنه، وتقابلا العاشقان في ليلة مميزة من ليالي عشق العمران للسكون، ليلة شهد فيها القمر والنجوم والكواكب بل شهدت السماء بأكملها على قلبين أذابهما لهيب الشوق والغرام والقرب،


بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أسابيع شعرت "سكون" بدوار شديد وانتابها قيئ متكرر ، فشعرت بالقلق الشديد، وصار عقلها يصول ويجول فتلك الأعراض تعرفها جيداً، فداهمت معدتها وجعاً جعلها كادت أن تبكي إن ما ظنت به الآن وما تشعر به من أعراض منذ يومين، 

وبالفعل بعد مدة ليست بقليلة جلبت ذاك الاختبار وقامت بإجرائه بيدان ترتعش ومعدة مقلوبة، وبعد قليل ظهرت النتيجة الصادمة، فكان الاختبار يعلن عن حملها فتمغظت بطنها بشدة ولم تعرف كيف ستخبر "عمران" بذاك الخبر، وأصبحت بين قاب قوسين أو أدنى، ولكن لامفر إن خبأت سيعرف عاجلاً أم آجلا، 


وبعد مرور بعض الوقت أخبرت "زينب" كي تستشيرها في أمر ذاك الجنين وأنها لم تكن مستعدة لوجوده الآن كي تنقذها، ولكنها ما إن استمعت إلى ما قالته حتى هللت فرحا بقدوم حفيد رابع لها من وحيدها وصارت تهلل كما لو كان أول مرة، حتى أتى "عمران" من الخارج على تهليلها وما إن لمحته "سكون" حتى هوى قلبها بين قدميها إن علم بذلك الأمر، وهو يسأل والدته بوجه بشوش ومبتسم لسعادتها وتهليلها:


ـ ما تفرحينا معاكِ يا حاجة، ايه سبب التهليل والسعادة داي كلاتها يا ست الكل ؟


اندهشت معالم وجهها وسألته بتعجب:

ـ وه كانك متعرِفش عاد يا ولدي، هي "سكون" مافرحتكش؟


واسترسلت بسعادة وما زالت تهلل وهي تخبره:

ـ مرتك حبلة وهتجيب لنا الحفيد الرابع، وهيملى علينا الدوار كيف خواته.


برقت عينيه بذهول ودهشة وكأن الخبر نزل كصاعقة على قلبه وعقله ليردد بصدمة:


ـ حامل!.....

الخاتمه من هنا


stories
stories
تعليقات