رواية عشق ودموع الفصل السادس 6 بقلم سوسو أحمد


رواية عشق ودموع الفصل السادس بقلم سوسو أحمد 

 الاقتراب الذي لا يشبه الأمان


لم يكن الصباح مختلفًا في شكله، لكنه كان مختلفًا في وطأته. استيقظت مريم قبل أن يرنّ المنبّه، قبل أن يسبقها العالم بخطوة، وجلست على طرف السرير تحدّق في الفراغ، تشعر أن شيئًا ما داخلها انكسر بهدوء لا يُسمع، لكنه لا يُصلح. في الغرفة المجاورة كان يوسف نائمًا، يتنفّس بعمق، كأن الأمان ما زال يعرف طريقه إليه. نظرت إليه طويلًا، تلك النظرة التي لا تكون وداعًا، لكنها ليست بقاءً أيضًا. قامت ببطء وخرجت إلى الصالة.

كانت غزل مستيقظة، تجلس على الأرض تُصفّف شعر دميتها بعناية مبالغ فيها، كأنها تحاول أن تُرتّب شيئًا أكبر من لعبة. سألتها مريم بصوت منخفض لماذا استيقظت مبكرًا، فرفعت غزل رأسها ونظرت إليها نظرة ثابتة لا تشبه سنّها، وقالت بهدوء إنها لم تنم جيدًا وشعرت أن هناك شيئًا غير مطمئن. توقفت مريم، فالأطفال لا يخطئون حين يشعرون. جلست جوارها ومرّرت يدها على شعرها دون أن تجد الكلمات. في تلك اللحظة خرج مؤيّد من غرفته، يفرك عينيه، ثم ركض نحوها وهو يناديها، فتعلّق بها. احتضنته بقوّة، كأنها تحتمي به لا العكس، وأغمضت عينيها تحاول أن تحفظ رائحة طفولته قبل أن يسرقها الخوف.

رنّ الهاتف، فتجمّدت يدها. نظرت إلى الشاشة، الاسم الذي كانت تأمل ألا تراه أبدًا: آدم. لم تُجب فورًا، ولاحظت غزل ارتجاف يدها فقالت لها ببساطة موجعة ألا ترد إن لم تكن تريد. لكن مريم كانت تعرف أن بعض الأصوات لا تُغلق بتجاهلها، فأجابت. جاءها صوته هادئًا أكثر مما ينبغي، وقال إنه اشتاق لها. انقبض صدرها وسألته عمّا يريده، فضحك ضحكة قصيرة بلا دفء وقال إنه عاد ويريد أن يُكمل ما انقطع. ردّت بأن الماضي انتهى، محاولة أن تصدّق كلماتها، فصمت لحظة ثم قال إن الماضي لا ينتهي، خصوصًا حين يكون فيه أطفال. شعرت أن الدم انسحب من وجهها وطلبت منه أن يبتعد عن أولادها، فأجاب ببساطة قاتلة أن ذلك يعتمد عليها، وأضاف أن يوسف كان صديقه، لكن الأمر لم يعد كذلك، وأن من يعرف سرّها يعرف كيف يكسرها، ثم أغلق الخط.

بقي الهاتف في يدها بلا وزن، كأن الكلمات سقطت داخله لا خارجه. دخل يوسف في تلك اللحظة، ونظر إلى وجهها فعرف فورًا وسألها إن كان آدم قد اتصل. أومأت. جلس أمامها وسأل عمّا قاله، فرفعت عينيها إليه بعينين وصلتَا إلى الحافة، وأخبرته أنه هدّده وهدّد الأطفال، وأنهم ليسوا في أمان ما داموا معًا. سكت يوسف ولم يحتج وقتًا ليفهم، ثم سألها عنها هي، فابتلعت ريقها وقالت إنها أم قبل أي شيء. فهم وقال بهدوء موجع إن البُعد إن كان سيحميهم فهو موافق. نظرت إليه وقالت إنها تدمّره، فابتسم ابتسامة رجل خسر كل شيء إلا شرفه، وأخبرها أنها تنقذهم.

بعد أيام كانت الورقة بين أيديهما. لم ترتجف يد يوسف وهو يوقّع، لكن قلبه كان ينزف بصمت. أمسكت غزل يد أمها بقوة، وكان مؤيّد ينظر حوله دون فهم، يشعر فقط أن شيئًا يُسحب من روحه. وقبل أن يبتعد يوسف، قالت غزل بصوت ثابت إن أمها لم تتركه، بل تضحّي من أجلهم. انحنى يوسف وقبّل رأسها، ثم نظر إلى مريم نظرة أخيرة، نظرة رجل يعرف أن الفراق أحيانًا يكون شكلًا آخر للحب.

في طريق العودة جلست مريم بين ولديها، تشعر أن الهواء أثقل من قدرتها على التنفّس، وهمست طالبة السماح من الله لأنها فعلت أقصى ما استطاعت. لكنها لم تكن تعرف بعد أن هذا القرار لم يُنقذها من الألم، بل فتح له الباب. وفي مكان آخر كان آدم يبتسم، ليس لأنه انتصر، بل لأنه اقترب، والاقتراب الذي لا يشبه الأمان لا يأتي وحده أبدًا.


لم تنتهِ الأمور عند الورقة، ولم يكن الطلاق هو الذروة كما تخيّلت مريم. كان مجرّد بداية لانحدارٍ بطيء، صامت، لا يلفت الانتباه، لكنه يسرق الروح خطوة خطوة. عادت إلى بيتها الجديد، بيت أصغر، أضيق، لكنه كان مليئًا بأصوات ولديها، وهذا وحده كان سببًا كافيًا لتقنع نفسها أن القرار صائب. كانت تحاول أن تصنع روتينًا جديدًا، صباحات هادئة، واجبات مدرسية، وجبات سريعة، وضحكات تُستخرج قسرًا من قلبٍ متعب. كانت أمًا جيّدة، كما وعدت نفسها، لكنها لم تعد امرأة تشعر بالأمان.

آدم لم يختفِ. لم يعد يتصل كثيرًا، ولم يهدّد صراحة، لكنه كان حاضرًا كظلٍّ ثقيل. رسائل قصيرة، نظرات بعيدة في أماكن لم تتوقعه فيها، كلمة عابرة توحي بأنه يعرف أكثر مما يجب. كانت تشعر أنه يراقبها لا بعينيه فقط، بل بحياتها نفسها. وكلما حاولت أن تتجاهله، كان يظهر بطريقة مختلفة، كأن القدر يصرّ على أن يضعه في طريقها مرة أخرى.

يوسف، من جانبه، انسحب بهدوء. لم يطالب، لم يشكُ، لم يُحمّلها ذنبًا. اختفى من حياتها اليومية، لكنه لم يختفِ من قلبها. كانت تراه في تفاصيل صغيرة؛ في طريقة مؤيّد وهو يضحك، في نظرة غزل حين تصمت فجأة، في كل مرة تحتاج فيها سندًا فتتذكّر أنه اختار أن يبتعد ليحميهم. ذلك الوجع الصامت كان يؤلمها أكثر من أي صراخ.

مرّت الشهور، ثم السنوات، ومريم تحاول أن تعيش، لا أن تحلم. كانت تعرف أن حياتها معلّقة، وأن الخطر لم يبتعد، بل غيّر شكله فقط. وفي إحدى الليالي، بينما كانت تُدخل غزل ومؤيّد إلى الفراش، سألتها غزل فجأة بصوت خافت:

— ماما… هو إحنا هنبقى كويسين؟

توقفت مريم، نظرت إلى ابنتها طويلًا، ثم قالت:

— إحنا لازم نبقى كويسين.

لم تقل الحقيقة كاملة، لأن بعض الحقائق أثقل من قلب طفل.

في تلك الليلة، وبعد أن نام الولدان، جلست مريم وحدها. كانت الغرفة ساكنة، لكن داخلها كان يعجّ بالضجيج. رنّ هاتفها مرة أخرى. هذه المرة لم ترتجف. نظرت إلى الاسم، وعرفت أن الهروب لم يعد خيارًا. أجابت، فسمعت صوته هادئًا، واثقًا، كمن يملك الوقت والبدائل. لم يهدّد، لم يرفع صوته، فقط قال جملة واحدة، جملة سقطت على قلبها كحكم نهائي:

— أنا استنيت كفاية… ودلوقتي الدور عليكي تختاري.

أغلقت الهاتف ببطء. جلست مكانها طويلًا، لا تبكي، لا تتحرك، كأنها تنتظر أن يسقط شيء من السماء ويُنهي هذا الصراع. لكنها كانت تعرف الحقيقة التي تهرب منها منذ البداية: أن الاختيار هذه المرة لن يكون بينها وبين آدم، بل بينها وبين حياتها كما تعرفها. نظرت إلى باب غرفة أولادها، ثم إلى الظلام من حولها، وأدركت أن القادم لن يكون نجاة… بل ثمنًا.

وفي تلك اللحظة، فهمت مريم أن بعض الاقترابات لا تأتي لتمنح الأمان، بل لتجرّد الإنسان من كل ما كان يعتقد أنه ثابت، وأن الحب حين يُفرض بالقوة، يتحوّل إلى قيد، مهما لبس من أقنعة.لي احبه كما عشقتك يوسف لن يحدث ابدا يكفيني وجعك وكسرتك عندم طلبت من الطلاق وت قيعنا علي اوراق اوجاعنا وكسرتنا اعدك لن انساك ولات اخب غيرك حتي لو اصبحت معه اعدك حبيبي وسياتي يوما تعرف فيه حقيقه كل شيء حدث وتعذرني سياتي هذا اليوم طال ام قصر الزمان ينكون مع بعض كري اخري دون شيء يعكر علينا صفو حياتنا 

قالت مريم هذا الكلام وهي شارده في عالهما الاخر 

وفي قلب هذا الفهم، 

لأن أوجع القرارات… تلك التي نتخذها ونحن نعرف مسبقًا أننا سنخسر شيئًا من أنفسنا إلى الأبد.


الفصل السابع من هنا

 

stories
stories
تعليقات