رواية مع وقف التنفيذ الفصل الخامس


 الفصل الخامس

 

كانت عزة تعد الطعام فى المطبخ بصحبة عبير أختها وهما يتضاحكان ويمزحان حين دخلت والدتهما وقالت:

- أعملوا شاى يا بنات لخالتكوا أم فارس

قالت عزة بهمة :

- هعملوا انا يا ماما حاضر ..ثوانى

ضحكت عبير وهى تقول :

- النشاط حل عليكى دلوقتى

نظرت لها عزة بارتباك وهى تضع براد المياة على الشعلة , أقتربت والدتها منهما وهى تقول بتردد :

- فارس هيخطب يوم الخميس اللى جاى

أرتعشت يدها وسقطت المياة على الشعلة فأطفأتها

على الفور أقتربت منها أختها بلهفة وهى تنظر ليدها وتقول:

- الحمد لله المية كانت باردة لسه

زاغت نظرات عزة وهى تشعر بحريق حقيقى , حرارة مرتفعة ليست بيدها وانما بقلبها , حرارة مرتفعة ستطفىء فى النهاية النبتة التى كانت تنبت بداخلها من مشاعر يتيمة من طرف واحد , قاومت دمعة كانت ستقفز من عينيها وقالت بأنفاس متقطعة :

- معلش يا ماما هعمل غيرها حالاً

أخذت عبير براد المياة من يدها وقالت بشفقة :

- أستنى يا عزة انا هعمل الشاى

جاهدت عزة لترسم ابتسامة مصطنعة وهى تقول:

- أنا نسيت اصلى العصر هروح اصلى

توجت إلى الحمام , دخلت بسرعة وأغلقت الباب خلفها, توضأت فاختلطت الدموع بماء الوضوء , خرجت وتوجهت لغرفتها وبدأت فى الصلاة , وقفت وركعت وسجدت بغير هدى لم تنتظرها العبرات للسماح لها بالقفزعلى وجنتيها  بل انسابت بانهمار وبهدوء لا يشعر بها أحد ولا تستطيع أن توقفها  كلمات العزاء و المواساة.

 كانت تعلم أنها ستسمع هذا الخبر إن آجلا أو عاجلاً , ولكنها كانت تمنى نفسها بأنه لن يحدث , بل كان الأمل لديها يزداد كلما تذكرت شخصية دنيا المختلفة تماما عن فارس , لماذا تمنيت ونسجت خيوط الأمل حول أمنية بعيدة لا يراها سواى , ألقى قلبى فى بحر الأحلام فأستيقظ لأجد نفسى وقد غرقت قدماى فى لجة مظلمة  , أصرخ فلا يسمعنى أحد, أستغيث ولا مغيث لى إلا الله , أمن الممكن أن يكون عقابا من الله ؟!.. هل ملك علي قلبى أكثر مما يجب ونسيت ربى , قفزت المزيد من العبرات على وجنتيها ولكن هذه المرة كانت دموع من نوع آخر لها مذاق آخر.. مذاق محبب

***

وقف فارس أمام المرآة يتأنق ويتألق فى حلته السوداء وهو لا يصدق نفسه ,أخيراً سيزين أصبعها بخاتم الخطبة , ألتفت ليجد والدته تقف على باب غرفته مبتسمة فى حنان وهى تقول:

- ماشاء الله زى القمر ... ياما كان نفسى أشوف اليوم ده من زمان

 وبدموع الأمهات الحاضرة دائما اختلطت ابتسامتها بدموع سعادتها به , توجه فارس إليها مسرعاً وقال بلهفة وضم رأسها وهو يقبله فى حب قائلا:

- ربنا يخليكى ليا يا ست الكل

أبعدها عنه برفق وهو يقول ببهجة:

-  الواد عمرو جه ولا لسه

أنتبهت فجأه وكأنها قد نسيته فى خضم مشاعرها المختلطة وقالت:

- صحيح والله ده انا نسيته.. ده بره مستنيك

خرج فارس ليجد عمرو جالسا أمام التلفاز يقلب قنواته واضعاً ساقاً فوق الأخرى فهتف به وهو يضربه على كتفه:

- أيه يابنى انت قاعد على القهوة.. يلا اتأخرنا

ضحك عمرو وهو ينظر لوالدة فارس:

- مستعجل أوى على أيه .. بكره تندم يا جميل

ضربه فارس على كتفه وقال:

- طب بكره نتفرج عليك يوم خطوبتك يا أمور

 ثم تابع بمكر :

- اه صحيح ساعتها مش هتبقى مستعجل.. ده البيت لزق فى البيت

ضحكت أم فارس بينما لكزة عمرو فى يده وهو يقول :

- خفيف أوى ياخويا

وما أن فتح الباب وكأنه قد فتح شلال ضرب وجوههم فجأة , أندفعت مُهرة تجاههم تدفعهم تارة وتختبأ خلف فارس تارة أخرى وتتعلق  بقدمه حتى كاد أن يسقط وهى تصيح:

-  ماليش دعوة هاجى معاكوا الفرح

ووالدتها تجرى خلفها مسرعة وهى ممسكة بعصا صغيرة وتهتف بها بغضب:

- والله هتضربى يا مُهرة  لو ابوكى عرف بعمايلك دى هيكسر عضمك

وضع فارس يديه بين مُهرة والدتها وهو يقول :

- فى أيه بس أيه الحكاية

قالت أم يحي بأحراج شديد :

- البت دى مش عارفة مالها كده.. مجننانى من يومها معلش متزعلش انا هقول لابوها

صرخت مُهرة من خلف فارس :

- أنا معملتش حاجة .. انا عاوزه اروح الفرح بس

تدخلت والدة فارس قائلة بحنان:

- خلاص علشان خاطرى يا ام يحيى متضربيهاش .. خليها تيجى معانا مفيهاش حاجة

قالت أم يحيى بخجل من مظهر ابنتها:

- مينفعش ام فارس مش شايفة منظرها

ألتفت عمرو وفارس ووالدته ليروها بوضوح لأول مرة منذ دخولها عليهم كالعاصفة , هى كما هى بشعرها الأشعث دائما وغرتها المبعثرة على جبينها بغير هدى ولكن زاد عليها شىء واحد جعلهم يضحكون بغير توقف , كانت تضع أحمر شفاه على شفاهها بطريقة جعلتها كمهرجين السيرك , وقفت تضع يديها فى خصرها وتقول بحنق:

- بتضحكوا على ايه

قال عمرو وهو مازال يضحك:

- ايه اللى انتِ حاطاه على بؤك ده

تلمست مُهرة أحمر الشفاه بزهو وهى تقول بثقة كبيرة فى مظهرها:

- ده روش .. أنت متعرفش المكياش ولا أيه

ضحك الجميع وهم ينظرون إلى بعضهم البعض وقال فارس لعمرو :

- كسفتنا يا جاهل .. فى حد ميعرفش المكياش

هجمت والدتها عليها وأخذت بشعرها وجذبتها منه وهى تقول :

- والله ما هسيبك يا مُهرة لازم تضربى النهاردة

أبعدتها أم فارس عنها وخلصت شعر مُهرة من بين يدى والدتها وقالت بحسم:

- والله لتسبيها انا حلفت بالله .. وأيه رأيك بقى هتيجى معانا.. يالا خديها ولبسيها حاجة كويسة وسرحيلها شعرها

هتفت مُهرة بسعادة وهى تحتضن أرجل أم فارس, حاولت والدتها الإعتراض ولكن أم فارس حسمت الإمر بالقسم  , خرجت أم يحيى بصحبة مُهرة لتبدل لها ملابسها بينما نظرعمرو إلى فارس مداعبا وقال:

- بقولك ايه احنا ممكن نهرب من مُهرة ولا دى محدش بيعرف يروح منها فين

ضحكت أم فارس وقالت:

- طب والله البنت دى زى العسل محدش يعرفها أدى.. أنا هدخل اعملكوا شاى لحد ما تنزل

جلس فارس أمام التلفاز وهو يقول :

- وادى قاعدة ..منك لله يا مُهرة هتبقى السبب فى طلاقى فى يوم من الايام

ضحك عمرو وهو يقلب قنوات التلفاز فقال له فارس هامساً:

- مش ناوى بقى تتقدم انت كمان ولا ايه يا عم المهندس انت

جلس عمرو وظهرت علامات الشرود على وجهه قائلا:

- مش عارف يا فارس .. أولاً لسه فاضلى سنة فى الكلية ..ثانيًا مش متأكد منها .. خايف ترفضنى

ربت فارس على كتفه وقال بابتسامة :

- خلاص كلها السنة دى وتتخرج وهتبقى مهندس قد الدنيا وبعدين احنا جيران ومحدش يعرف عنك غير كل طيب هترفضك ليه بقى

زفر عمرو بضيق وهو يقول:

- مش عارف يا فارس قلقان بس مش أكتر

هتف فارس مداعباً:

- أنت هتعملى فيها بقى عندك دم وبتحب وكده

قفز عمرو من مكانه ووضع يده على فم فارس ليسكته قائلا:

- اسكت يابنى انت ..انت ايه عاوز تسيحلى وخلاص

خرجت أم فارس من المطبخ تحمل أكواب الشاى فتصنع عمرو انه يهندم ملابس فارس قائلا:

- لالا مظبوط متقلقش

بعد نصف ساعة كانت مُهرة تطرق باب الشقة بقوة وأزعاج أنتفض فارس ليفتح الباب وهو يقول:

- ايه يا بنتى ده.. ده انتِ خبطتك ولا خبطت المخبر

نظرت أم فارس لها بأعجاب وهى تقول :

- ماشاء الله.. أيه الفستان الحلو ده وايه الشعر الحلو ده

دارت مُهرة حول نفسها بأعجاب ليدور معها ذيل فستانها الوردى الرقيق وهى تقول:

- ده فستان العيد يا طنطى

 وأشارت إلى حذائها بشغف وهى تقول:

- ودى جزمة العيد

قاطعها عمرو مداعبا :

- وطبعا ده شعر العيد مش كده

ضحك فارس ووالدته التى قالت :

- أخيرا شفتك مسرحة شعرك يا مُهرة ..

هتفت مُهرة بصياح:

- يلا بينا بقى أتأخرنا على الفرح

ثنى فارس ركبتيه بمرح  وهو يمد يده إليها قائلا :

- يلا بينا يا عروستى

ضحكت بسعادة وهى تضع يدها فى يده بيد وتمسك بطرف فستانها باليد الأخرى وتقول:

- يلا يا عريسى

كان حفل الخطبة صغيرة وبسيطة وكأنها مقابلة عادية باستثناء صخب الموسيقى المرتفعة فى البيت وبعض باقات الورود فى أركان المنزل, ودنيا بفستانها الزهرى وزينتها الكاملة مما جعل فارس يشعر بالحرج بسبب وجود عمرو ورؤيته لها بهذا الشكل, كان فارس يجلس فى المنتصف بين والد دنيا ومُهرة وكان يلتفت إلى والد دنيا ويتحدث معه باهتمام بينما نهضت دنيا وجلست بجوار مُهرة وقالت بابتسامة صفراء:

-  قومى يا حبيبتى اقعدى جنب ماما

رفعت مُهرة رأسها ونظرت لدنيا وهزت رأسها نفياً ولم ترد , حاولت دنيا كتم غيظها وهى تعيد أمرها مرة أخرى:

- بقولك قومى يا شاطرة

هذه المرة لم تنظر لها مُهرة من الأصل وقالت ببرود:

- مسميش شاطرة

شعرت دنيا بالدماء تغلى فى رأسها وصاحت بعصبية:

- بقولك قومى

ألتفت فارس على صوت دنيا وقال بتساؤل:

- فى ايه يا دنيا

قالت بعصبية :

- البنت دى بتعند معايا ومبتسمعش الكلام  انا كنت فاكراها مؤدبة زى ما كنت بتقول عنها

صاحت مُهرة بصوت يشبه البكاء :

- انا مؤدبة والشتيمه حرام.. واللى بيشتم الكلمة بتلف تلف وترجعله

والتفتت إلى فارس وهتفت به :

- مش انت قولتلى كده يا فارس

لف فارس ذراعه حول كتف مُهرة وهو يقول:

- ايوا يا حبيبتى صح بس وطى صوتك شوية.. ممكن؟

صاحت دنيا :

- أنت بتنصرها عليا يا فارس وكمان بتستأذنها

نظرت أم دنيا لمُهرة بحدة وقالت بغضب:

- أسمعى الكلام يا بنت

فركت مُهرة عينيها وهى تصيح :

- كده حرام.. ماما قالتلى عيب نشخط فى الضيوف

نهضت أم فارس وأخذت بيد مُهرة وهى تقول لدنيا:

- معلش يا دنيا هى متقصدش

ونظرت لمُهرة وهى تجذبها إليها بلطف قائلة:

- تعالى يا مُهرة اقعدى جنبى يا حبيبتى

تشبثت مُهرة بذراع فارس وقالت ببكاء :

- عاوزه اقعد جنب فارس

نهض والد دنيا ليحل المشكلة ويفض النزاع وأخذ بيد ابنته قائلا:

- تعالى اقعدى مكانى يا دنيا

جلست دنيا بجوار فارس على الجهة الأخرى وهى ترمق مُهرة بنظرات نارية

نهض عمرو وجلس بجوار مُهرة وانحنى على أذنها قائلا:

- تيجى نتفرج من البلكونة شوية

حركت كتفيها برفض وهى تمد شفتاها بغضب وتتشبث بذراع فارس أكثر فأمسك فارس بأصبعها المحطية بيده وبدأ فى تدليكها لتسترخى وتطمأن , ظلت على هذا الوضع فترة من الوقت ومن الحين للآخر يربط فارس على شعرها أو يدها حتى وضعت رأسها على ذراعه المتشبثة بها وأغمضت عينيها ونامت.

***

حدث أول تنازل منه ووافق على طلب دنيا التى هاتفته وطلبت منه التنزه سويا قليلا , رفض فى البداية ولكنه لم يستطع مقاومة ألحاحها المتكرر وحزنها الذى ظهر فى كلماتها وهى تتهمه بالتقصير تجاهها وعدم سعادته بارتباطهما أخيراً

ألتقى بها فى أحدى المتنزهات التى أعتادا اللقاء فيها وجلسا على المقعد المعتاد لهما أمام النيل مباشرة , ألتفتت إليه وهى مبتسمة وقالت برقة:

- متقدرش تتصور وحشتنى ازاى

أبتلع ريقه وهو يتذكر كلمات بلال , حاول السيطرة على مشاعره  وهو يقول :

- علشان كده يا دنيا كنت عاوز أكتب الكتاب علشان اعرف اعبرلك عن مشاعرى براحتى

نظرت إليه بجرأة وتفحصت ملامحه التى تحبها وكأنها لم تسمعه وقالت برقة وهى تتلمس ذراعه بأطراف أصابعها :

- يعنى انا موحشتكش

أختلج قلبه للمستها وشعر بحراره تسرى فى جسده, غلبه شيطانه وهواه وهو يستمع لكلماتها الرقيقة التى تلقيها بدلال :

- ياه لمستك وحشتنى أوى

قالت عبارتها الأخيرة بطريقة لم يتحملها, أنهار معها كما تنهار أبواب السدود لتغمر الأرض العطشة بالمياة ونسي كل ما كان يحذره منه بلال,  كان محقاً , هو بشري وقدرته على الأحتمال محدودة , فكانت النتيجة الحتمية هى التنازل واتباع هواه.

أمسك كفيها ببطء وهو ينظر لعينيها وتعانقت أصابعهما بعضها ببعض وذابت ما بقى بداخله من مقاومة... ومـر عــام

 

الفصل السادس من هنا         

 

 

 

 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1