السابع عشر والثامن عشر
.... الفصل السابع عشر....
النمر الجامح
ظلت "ملاك" مصدومة، سيارتها لم تعد متواجدة، تلك السيارة أول شيء قامت بشراءه من مرتبها، عاد الحارس يقول بأمر:
_ادخلي ي فندم العربية
صرخت في وجهه من التوتر الشديد:
_العربية بقولك مش موجودة إنت بتفهم ولا بتصتنع الغباء
بتلك اللحظة جاء "جبل" ووجهه لا يدل على الخير أبداً، رفع حاجبيه بغضب ثم سأل الحارس عن:
_الهانم ما ركبتش العربية ليه؟
لأجت له وبدموع كثيرة قالت:
_"جبل" عربيتي مش موجودة وأنا قفلتها كويس والمفتاح كان معايا
ببرود تام أجابها:
_كان تمرد منك استحملي العواقب
ثم وبعد أن قال هذا، أشار لها بمقلتيه حتى تركب السيارة ولكنها عادت وتمردت مرة أخرى، لم يستطيع أن يستحمل أكثر من ذلك فصرخ بها بقوة:
_اركبي ومش عاوز ولا كلمة اتحملي نتيجة تنفيذ كلامك!
بكت بشدة لا تستطيع أن تتحرك وجزء من تحقيق أحلامها ليس معها، تأفف بشدة ثم وبصرامة قال:
_طب اتفضلي اقعدي في الزفت العربية عقبال ما شوف زفت حل هنا
أومأت برأسها واستمعت لحديثه، بتلك اللحظة أمر "جبل" حارسه بـ:
_روح يا عم بلغ النيابة وهما يشوفوا العربية
سمعه صاحب المقهى مما جعله يصرخ بقوة:
_حكومة ايه يا سي الاستاذ جاي إنتي والبت اللي عاملة ضاكتورة وعاوزين تاخدوا منا معلومات وسي الاستاذ اللي هناك قال عاوزين صنف وفي الآخر مشترتوش ودلوقتي حضرتك عاوز إيه
كور "جبل" يده بانفعال، اقترب منه ثم صرخ به بعنف:
_عربية خطبتي اتسرقت في أقل من ربع ساعة وقدام عينكم
قهقه الرجل بشدة ثم تحدث باستفزاز:
_محدش هنا بيشوف حاجة ابدا كل واحد منا هنا في ميزة حلوة أوي يا سي الأستاذ لا اسمع لا اتكلم لا أرى يعني يا سي الاستاذ مافيش أي عربيات
اقترب "جبل" منه وتكلم من بين أنيابه:
_أنا بقى ممكن أخليك تسمع وتتكلم وتشوف كمان ومحدش في منطقتك دي هيعملي حاجة
عاد الآخر ليضحك بهستورية، رد عليه بعد أن دفعه بيده:
_لا راجل يالا وبعدين عربية إيه اللي هتكون أزمة مع راجل باشا زيك قول
لم يستطيع "جبل" أن يمنع نفسه من ضربه حيث لكمه بيده بشدة ثم قال بجموح:
_المشكلة مش في العربية هي لو عاوزة مية واحدة بكرا يكونوا عندها بس مش أصول نكون في منطقتك ونتسرق
اقترب منه الجميع كيف له أن يمد يده على شخص بالمنطقة، تعالت الهمهمات، صرخ بهم "جبل" بغضب وقال:
_بس منك له أنا عندي استعداد ابيتكم في القسم انهاردة
رد عليه أحدهم حيثُ قال بسخرية:
_وأنا عندي استعداد مخلكش تخرج من المنطقة إلا وإنت ميت والحلوة اللي معاك دي مستعد أخليها مدام من كل رجالة الحارة الليلة
لا يستطيع لقد طفح الكيل، كيف له أن يتجرأ ويقول هكذا على "ملاك"، لم يستطيع أن يمسك أعصابه حيثُ اقترب منه وصفعه بقوة، فعاد الآخر وضربه مما جعل حُراس"جبل" يقتربوا، بتلك اللحظة شعرت "ملاك" بأن "جبل" من الممكن أن يصيبه مكروه، نزلت من السيارة، فأمسكها الحارس الذي أمره "جبل" بحراستها، نظرت له بشزر حتى يترك يدها، تحدث بصرامة:
_سيب ايدي لو سمحت "جبل" ممكن يحصله حاجة بسببي فلو سمحت ابعد
أومأ برأسه وترك يدها، انطلقت للأمام حيثُ تلك المعركة التي حدثت بسببها، نادت على "جبل" بعلو:
_"جبل" خلاص مش عاوزها مش مشكلة خلاص
بعد أن عاركهم وبعد أن سمح أحدهم بالحديث عليها، لن يفعل هكذا ولن يتنازل، بتلك اللحظة جاءت الشرطة والتي طلبتها "ملاك" حيثُ أنها هاتفت "حسام" الرائد بقسم الشرطة والذي يكون صديقها من مرحلة الثانوية العامة، ضرب "حسام" عدة طلقات نارية بالهواء، ثم أمر العساكر بأخذ الجميع فيماعدا "جبل" وحراسه، التفت لها فوجدها تبكي، تحدث بتساؤل:
_مالك يا "ملاك" إيه اللي مخليكي بتعيطي
سردت له ما حدث، هز "حسام" رأسه وبوعد قال:
_أن شاء الله العربية هتكون عندك انهاردة تمام ولا تزعلي نفسك
أشار إلى "جبل" الذي كان ينظر لهم بغضب، ردت بهدوء:
_"جبل"المنشاوي خطيبي
ثم أشارت نحو "حسام" وقالت:
_ودا يا "جبل" "حسام" صديق الثانوية العامة
ابتسم "حسام" ثم قال:
_فرصة سعيدة يا "جبل" ابقى اعزمني ع الفرحة عشان الندلة مش هتعزمني
ردت عليه بضيق مصطنع:
_كنت هعزمك بس لو تصبر على رزقك ساعتها هات مراتك معاك
هز "حسام" رأسه ثم قال بثقة:
_عربيتك هتكون عندك باذن الله همشي أنا دلوقتي
كانت سترد ولكن قاطعها "جبل" بحركته حيث مد يده وصافحه ثم قال:
_فرصة سعيدة جداً يا فندم وإن شاء الله إحنا واثقين فيك اتفضل
غادر "حسام" المكان بينما "جبل" فنظر إلى "ملاك" بغضب وقال من بين نواجذه:
_يالا يا هانم
سابقها للسيارة وهي سارت خلفه، لاتعلم كيف ستتحدث معه وكيف سيعانفها، فتح لهم الحارس السيارة، صعد بها "جبل" و "ملاك" ثم قال:
_هركب أنا وباقي الحراس في العربية التانية يا باشا عن إذنك
أومأ "جبل" برأسه ثم أمر السائق بـ:
_وإنت يا "عباس" اطلع على الفيلا
حاولت "ملاك" أن تتحدث حيثُ قالت:
_أنا.. مكننش راحة بس اتعصبت وكان لازم مخسرش شغلي طالما أنا مش عارفة كام واحدة حبيبي كان ماشي معاها
تجاهلها تماماً، ولم يتحدث معها قط، نظر في هاتفه وانشغل به، وهذا كان يكفي حتى يكون عقابها.!
.........................................................................
في منزل "أحمد" الذي مازال مصدوم من زيارتها، اقتربت "دنيا" منه وبصوت حزين قالت:
_ممكن أعرف ليه حضرتك مش بترد عليا وحتى مش متقبل لعتذاري
نظر "أحمد" لشقيقته التي تفهمت بأن التي تقف أمامه لم تكن إلا حبيبة أخيها، شعرت بالفرحة لأنه سيكمل حياته، هزت رأسها بهدوء ثم قالت بحبٍ:
_اتفضلي طيب هتتكلمي وإنتي واقفة
ابتسمت لها "دنيا" ثم قالت بحب:
_هو إنتي "رحمة" صح
أومأت "رحمة" برأسها بفرحة حيثُ أن شقيقها يتحدث عنها مع من دق قلبه لها، ردت عليها بخفوض:
_ايوا أنا المهم هدخل أعملك حاجة تشربيها
أومأت "دنيا" برأسها بينما "أحمد" فأشار لها حتى تجلس ثم قال بحنق:
_إيه اللي جابك؟
حدقت به بصدمة حيثُ أنها كانت تشعر بأنه سيفرح بقدومها، اهذا هو الترحيب الخاص بها، رفعت حاجبها باستغراب ومن ثم أجابته بـ:
_نعم قصدك إيه مش فاهمة مكنتش عاوزني أجي؟!!!
رد عليها بهدوء:
_اه إنني متعرفش حاجة هنا منطقة شعبية زي دي ممكن تسبب لك اذى أي خناقة ممكن تجبلك انهيار عصبي بيئتي غير بيئتك
انكمش حاجبها باستغراب، كيف له أن يتحدث هكذا، ردت عليه بهدوء:
_من يوم ما عرفتك وأنا مكتوبة على اسمك عيلتك وحياتك حياتي فبعد اذنك متقولش كدا
صرخ بها بعد انهاء حديثها:
_وأنا واعد نفسي يا "دنيا" ان أنا اللي هتنقل لبيئتك بموجهودي مش العكس وبعدين ماينفعش أصلاً تيجي بيت شاب عازب
ردت عليها بتلقائية:
_بس إنت حبيبي
_لو حبيبك دا قاعد لوحده الشيطان ممكن يخليكوا تتجبروا على حاجة وحشة لو حبيبك دا مش كويس ممكن يعمل فيكي حاجة وحشة أنا عاوزك تاخدي بالك من نفسك أكتر ما أنا هخاف عليكي
هذا ما قاله لها، لا تعلم اتفرح لما يقول أم تحزن من تفكيره، ردت عليه بنفاذ صبر:
_بس أنا بحبك وأنا واثقة إنك عمرك ما تعمل حاجة وحشة إنت بتحميني من كل الدنيا
حاول أن يتجاهلها، فجلس على الأريكة ثم صرخ باسم شقيقته بعلو:
_يا "رحمة" عاوز آكل خليني انزل اشوف مصالحي
اقتربت منه وبكل رجاء قالت:
_عارفة إن إنت غيران من دخول "مالك" أوضي بس هو أخويا اللي بيخاف عليا وبيراعيني
حدق بها بشزر وصمت، بتلك اللحظةخرجت شقيقته من الغرفة ومعها كوب من العصير لـ "دنيا" وضعته أمامها ثم قالت بهدوء:
_عشر دقايق والآكل يجهز يا حبيبي وإنتي يا "دودو" أشربي العصير عقبال ما أعمل الآكل.
ابتسمت "دنيا" بحزن ثم قالت بستئذان:
_لا عشان اتاخرت وأنا مش قايلة لحد بوجودي عن إذنكم
رفع حاجبيه بضيق ثم قال:
_استني هوصلك!
استدارت له محاولةٍ أن تزيل الدموع التي تساقطت من جفافه معها برغم من أنها لا تذنب قط، تنهدت بقوةٍ قبل أن تجيبه بهدوء:
_شكراً السواق مستنيني على الطريق مش مستهلة تتعب نفسك وإنت جعان ووراك مشاغل
لم يسمع منها أبداً، أشار للباب بعينه ثم قال بأمر:
_يالا هوصلك لحد العربية
سارت أمامه بدون جدال منها، حاولت ألا تنفعل حتى لا تبكي أمامه، بينما "رحمة" فنظرت لشقيقها بغضب، تحدثت برجاء:
_طب خليها تقعد شوية طيب
حملق بها بانفعال ثم قال بغضب مكتوم:
_هي لازم تروح عشرة دقايق وأكون هنا يكون الأكل جاهز
كانت "دنيا" تحملق به غير مستوعبة أن هذا "أحمد" رأت الحب والحنينة منه ولكن ولأول مرة ترى جانب العصبية منه، سابقته ونزلت فأسرع ورأها، حاولت ألا تسير بجانبه ولكنه وبعد أن جذ على أنيابه قال:
_أمشي جنبي متحاوليش تسابقي ماشي
لم ترد عليه وفعلت كما قال، شعرت بالندم الشديد لأنها جاءت، وصلت إلى السيارة وبدون أن تقول شيء صعدت بها وأمرت السائق بالإنطلاق، بينما هو فشعر بالحزن لحزنها هذا ولكنه غاضب منها......
........................................................................
في منزل "لميس"
ظلت "فوقية" تقرأ ما كتبته "ملاك" عن ابنها، كيف كافح بدون مال أبيه، شعرت بالفخر، ظلت تنظر عليه، فانتبهت إلى الصورة التي نزلت للتو، صورة تجمع الجميع وهناك مقطع بالصوت والصورة خاص بالعائلة تتحدث فيه فتاة شابة تشبها، تيقنت بأنها "مرام"، بدأت تسمع صوتها الذي كان بمثابة نغمة موسيقية رقيقة، كانت تقول بحب وهي تشير على" ملاك" التي كانت غاضبة:
_طيب دي بقى الفرد الجديد في العيلة هي شكلها زعلان اكيد ربنا يعينها على حالها مع "جبل"
ثم أشارت نحو "مالك" وقالت بضيق مصطنع:
_وأنا والرخم دا هنتجوز
بدأ الشجار بينهم في المقطع المصور، ابتسمت "فوقية" ثم سألت "لميس" عنـ:
_هما ليه بيصورا كدا مش المفروض الحاجات دي أسرار
هزت "لميس" رأسها بلا ثم قالت:
_لا يا طنط هما مشهورين جداً "جبل" إنسان بيحلم بيه كل البنات فالكل متابعة عيلتهم على الانستا وأكيد "مرام" نزلت دا استوري والاستوري اتاخد ونزل على جوجل وصفحات الفيس بوك و الأخبار كترت
أومأ برأسها حيثُ أنها فهمت ما يحدث، لقد تقدمت التكنولوجيا، كانت تعلم أن العالم أصبح متقدم، تمنت لو كانت تعلم عن هذا التقدم لكانت تحدثت مع أولادها عبر التواصل الإجتماعي، تنهدت بقوة حيثُ أنها تذكرت تلك السنين التي فارقتها عن فلذة كبدها، عن حياتها، همست بصوت غير مسموع:
_حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا
.........................................................................
في فيلا "جبل"
مازال "مالك" يجلس مع "مرام" والقلق حليفهم:
_ربنا يستر وأخوكي ما يقتلش البت
أومأت "مرام" برأسها وكأنها تعلم بأن شقيقها بالفعل سيفعل هكذا، تحدثت بتوتر:
_يعني كان لازم دادة "سامية" تتصل تقوله إنها مسمعتش كلامه وراحت المنطقة الشعبية
قهقه "مالك" بشدة على ساذجتها مما جعلها تستغرب وتقول بحد:
_بتضحك ليه بقى؟
أجابها بثقة:
_لان أخوكي أكيد أكيد يا حلوتي كان باعت ورأها حد عشان حوار "مايا" فكان هيعرف فكدا أفضل
هزت رأسها وبحركة من فمها خرجت هكذا:
_اها
وكأنها فهمت ما يحدث، بتلك اللحظة جاءت "سامية" والتي كانت تهرول بشدة وبخوف، مما جعلهم يشعرون بالقلق، اقترب منها "مالك" ثم سألها بهلعٍ:
_في إيه يا دادة إيه اللي جايبك مخضوضة كدا
ابتلعت ما في حلقها بصعوبة، لتتنفس قليلاً ثم أجابته بـ:
_"جبل" بيه كلمني وقال لي أجي على هنا بأسرع وقت وربنا يستر هو خلاص على وصول مع "ملاك"
أخرجت "مرام" زفيرها براحة وردت عليها بهدوء:
_طب وإيه اللي مخوفك بقى خلاص الحمدلله إنهم بخير
لا تعلم أهو خير أم شر، صوتهم لا يوحي بالخير، جلست على الأريكة تنتظرهم، كانت شاردة ولكن صوت قهقهت "مرام" جعلها تنتبه لها حيث كان "مالك" وجهه أحمر من شدة الغضب، حدقت بهم باستغراب وحاولت أن تفهم ما بينهم، فوجدت "مرام" تقول:
_والله هقبل صداقته على الفيس أصله قمور وبعتلي طلب الصداقة مش أنا اللي بعت
لم يستطيع أن يستحمل حيث قال بغضب:
_هولع فيكي وفي موبيل وفي المز اللي بتقولي على مز والفيس وفي الكل كليلة
كانت تبتسم بقوة مما جعل "سامية" تقول بخفوض:
_ربنا يفرح قلبكم يا ولاد يارب وميحرمكمش من بعض
بتلك اللحظة دلفت سيارة "جبل" نزل منها هو "ملاك" التي أسرعت حتى تحضنها، ملست على شعرها بهدوء وقالت بتساؤل:
_بس يا حبيبتي إيه اللي حصل؟
صرخت ببكاء:
_عربيتي اتسرقت يا دادة
أغمضت "سامية" عينها بحزن حيثُ أنها تعلم أن تلك السيارة تعني الكثير لها...
بتلك اللحظة تحدث "جبل" بعلو:
_نفذتي اللي في دماغك وكل دا ليه عشان واحدة ليها علاقه بيا وإنتي عارفة بيها والعلاقة انتهت كان ممكن يحصلك إيه ردي؟
لم ترد عليه قط، مما جعله يشعر بالنرفزة ، عاد يكمل حديثه:
_ماشي يا "ملاك" إنتي النهاردة هتكوني مراتي وكتب كتابنا النهاردة
شعر الجميع بالصدمة مما دفع "ملاك" أن تقول:.....................................................................................................................................................................................
يتبع....
بقلمي أميرة أنور
الفصل الثامن عشر:_
(النمر الجامح)
_استحالة!!!
اقترب منها "جبل" وبهدوء تام قال:
_لا إيه اللي هيخليه مستحيل ها إحنا كدا كدا مخطوبين إيه بقى اللي هيمنعوا
حدقت بالجميع باستغراب، فوجدتهم مصدومين، ولكنهم صامتون جميعاً، تكلمت بصوت به القليل من الأمل:
_جماعة حد يفهمه إن مش هينفع!
لم يستطيع أن يتحمل سماع صوتها فصرخ بعلو:
_اسكتي خالص وبعدين مين "حسام" اللي أول ما جى جريتي عليه وقال إيه عربيتي اتسرقت وفي ثواني بقيتي تهزري معاه وأنا أحلى كيس جوافة واقف
جذت على أنيابها ولم تتحدث قط بينما "سامية" فقالت بهدوء:
_بس يا بني إنت مش قولت بعد شهر وبعدين الحاجات دي بتكون عاوزة ناس إنتوا الانتين مشاهير ولازم تعملوا حفلة وبعدين مجهزتوش نفسكم
لم يرد عليها وابقى كما هو وكأنها لا تتكلم، حدقت "سامية" بـ "مرام" لعلها تقنعه ولكنها قالت بتوتر:
_بتبصي لي كدا ليه طالما حط حاجة في دماغه هينذها يعني هينفذها بلاش تبصي عليا
_محدش يدخل في الموضوع بعد إذنكم كدا أنا و "جبل" هنحلها حالاً
هذا ما قالته "ملاك" بنبرة منخفضة نوعٍ ما لا هي بمسموعة ولا هي بمرتفعة، مما جعل الجميع يصمت ويجلس بعيدًا عنهم..
اقتربت "ملاك" من "جبل" قليلاً ولكنه استدار بظهره، وقال بجفاف:
_بعد إذنك متقربيش ومهما قولتي أنا مش هوافق عشان تبقى حاطة في دماغك
لم تعد تتحمله، نعم تحب ولكن لا أحد عملها بتلك الطريقة غيره، الشعور بالغضب انتابها، تعلم بأنها ارتكبت خطاءً بذهبها لتلك المنطقة ولكن الخطاء الأكبر كان عليه، لا تعلم لما اشتعلت النيران بقلبها حين جاءت "مايا"، نعم تحب عملها ولكن كان من الممكن ألا تذهب وبرغم من اعتذارها لمديرها الذي لم يوافق عليه إلا أنها كانت قادرة على اقنعاه ولكنها أحبت أن تعاقب " جبل" بهذا الشيء، لذلك هو لا يحق له أن يعاقبها هكذا، فهي تسمع كل ما يقول، يجب أن يلتمس لها الإعتذار فهي إمراة لا تحب أن يشاركها أحد بحبيبها حتى وإن انتهت علقته بهؤلاء النساء، تحدثت بعد أن جذت على أنيابها بغضب:
_هو إيه اللي مقربش يا "جبل" هو إنت أما تقول حاجة لأزم تتنفذ قولتلك اتعصبت كنت غيرانة خلاص فين بقى الغلط في كدا
استدار لها وبانفعال شديد قال:
_هو إنتي بتفهمي؟
ما هذا السؤال الذي يقوله لها، نعم تفهم، انكمش حاجبيها باستغراب ومن ثم أومأت برأسها وقالت بهدوء:
_أكيد بفهم!!
تنهد بقوة ومن ثم قال ببرود:
_يبقى تمام هنتجوز يالا الشيخ جاي حالاً
.........................................................................
عاد منزله وهو يفكر بها، يخاف عليها كثيراً، يرأها ابنته وليست حبيبته فقط، لا يردها أن ترأ عالمه هذا، جلس بالأريكة متأففًا بقوةٍ، يعلم كمية الدموع التي ستنزلق بغزارة من عيناها الجميلتان، انتبه بتلك اللحظة لصوت "رحمة" الغاضب والتي كانت تقول بحد:
_أنا نفسي أعرف من أمتى وإنت معندكش ذوق؟
حملق بها بضيق، لن تشعر به، كيف له أن يشرح لها بأنه يخشى عليها كثيراً، رد عليها بكل برود:
_من النهاردة وبعدين أنا مش عاوزها تشوف السوق والحارة والبيت شايفة البيت عامل إزاي تحبي تشفي هي عايشة فين!
استغربت "رحمة" من حديث شقيقها وإلى نبرة صوته وكأنه يقول لها أننا لا نعني للمجتمع شيء، وكأنه يخبرها بأن المجتمع لا يريدهم، صرخت في وجهه بانفعال:
_البيت دا ربانا يا "أحمد" الحارة دي اللي عشنا فيها أجمل أيام حياتنا الناس الراقية ليهم معارف آه بس للمصالح قليل أوي أما تلاقي حد منهم بيجري على مصيبة التاني لكن هنا الشارع من أوله لآخره هيفرح لفرحك ويحزن لحزنك
يعلم ذلك ولكنه يعلم أكثر بأن حبيبته لن تتحمل هذا الوضع، مساحة غرفتها أكبر من مساحة شقتهم، لا يتوقع بأنها ستقاوم وستعيش معه في هذا المكان، تنهد بشدة ومن ثم ابتسم بسخرية ليجيبها بـ:
_أنا عمري ما أكره الحارة بس فكري بنت الناس دي لو جت تعيش هنا هتقدر تعيش المروحة اللي بنام عليها هتقدر تنام عليها بدل المكيف أنا عاوز يوم ما أتجوزها أعيشها في نفس العيشة عاوز أثبت للعالم إني بحبها لذاتها مش لفلوس عيلتها..!
صفقت له بيديها وبغضب شديد ردت عليه:
_الواحدة مننا لو بتحب حد هتعيش معاه لو في صحراء مفهاش حتى نقطة ماية تفكرنا غير تفكركم البت بتحبك وجتلك وكانت مبسوطة وكأنها مننا
رد عليها بيقين:
_أنا عارفة دا بس خايف من إحساسي بالذنب لو منعتها من الرفاهية اللي بتحصل عليها عند أهلها يا "رحمة"
جلست "رحمة" بجانبه ووضعت يدها على كتفه وبنبرة حنونة تحدثت:
_الفقر مش عيب وهي هتستغنى عن كل حاجة عشان بس العيب إنك تعملها وحش بعد كل التضحية اللي هتعملها عشان وعملتها أنا حاسة إنها ليها سبب في شغلك في الشركة بكرا ربنا هيكرمك وتتجوزوا
وضع يده على يدها بعد أن قبلها ثم قال بنبرة جادة:
_طب ماشي يا حبيبتي أنا مش عاوز أجبرها تقعد مع أخوتنا وتراعيهم لأزم أكون غني وابني نفسي عشان أطمن إنكم معايا وإنها في حياتي
.........................................................................
عادت للفيلا قابلت والدتها والتي كانت تنهرها بشدة ولكنها غير مستوعبة لما يحدث، تفكر به هو فقط، لم ترد عليها، وسارت نحو غرفتها ولكنها اوقفتها حين أمسكتها من يدها بعنف وقالت:
_'صباح" اتصلت وقالت إن "جبل" عاوز يكتب كتابه
حملقت بها "دنيا" بغضب شديد ولا تعلم كيف صرخت بقوة هكذا:
_كفاية بقى إرحميني أنا تعبت والله وزهقت يا ماما ما يتجوز أنا بعتبره أخويا وهو كذلك فارحميني
انكمش حاجبي "عبير" بصدمة، فكيف لها أن تتحدث معها هكذا، رفعت يدها للأعلى ثم صفعتها بقوة على وجهها مما دفعها أن تصرخ بشدة من الألم الذي انتابها، نظرت لها بصدمة ثم قالت:
_إنتي بتضربيني هو أنا قولت لك إيه عشان تضربيني عاووة أفهم ليه عاوزة تجوزيني "جبل" عشان الفلوس ها فلوسنا كتير عشان علاقتنا مع عيلتهم "مالك" هيتجوز "مرام"
كيف لها أن تفهماها بأنها ورقتها الرابحة، بتلك اللحظة أسرعت "ريناد" والتي شاهدت المشهد كامل، أمسكت يد شقيقتها والتي تبكي بهسترية ثم قالت بانفعال لوالدتها:
_مامي إنتي اللي غلطانة مش هي أنا غلطانة إني قولتلك البسي خلينا نروح زي ما "مالك" طلب بس لا حضرتك مش هتيجي
تركتهم ورحلت من أمامهم، حدقت "ريناد" بشقيقتها ومن ثم قالت بهدوء:
_حبيبتي هي مكنتش تقصد
ابتسمت "دنيا" بحزن ثم قالت بسخرية:
_لا عادي ما هو اليوم كله مقفول اللية دي هروح أنام
أمسكتها "ريناد" من معصمها ثم قال بتساؤل:
_إنتي مش هتيجي؟ زمان كتب الكتاب بدأ وبعدين أبيه "مالك" كان بيسأل عليكي
توترت كثيراً فحين خرجت كان لا يعلم بذهبها، كانت سترفض ولكن تراجعت حيثُ سيسألها الجميع عن السبب
أومأت برأسها ثم قالت بهدوء:
_طيب يالا يا حبيبتي
.........................................................................
في القسم
كان "جلال" يجوب المكان ذهابًا وايابًا، لا يستطيع أن ينعم بالنوم على الأرض أو حتى الجلوس، الجميع بتلك الغرفة ملابسهم متسخة تماماً، المكان مليئ بالمجرمين، كل منهم يجلس في أرضية مقاسها جسده فقط، من ينام يغفل في جلسته، تنهد بقوة ثم همس بحد لـ "محمد":
_يعني عجبك اللي إحنا فيه دا؟ كله بسببك
لاحت بسمة السخرية على وجه" محمد" ثم تحول فجأة وانتابه الغضب الذي تشعب في جسده بقوة وكأن هذا الغضب نيران تنهش بقوة بداخله، صرخ به بعلو:
_هو مافيش غيري اللي بتحط عليه الغلط إنت كمان وثقت فيها لا وقولت عليها ذكية بلاش توهم نفسك كتير بقى أنا زي زيك بل كمان إنت السبب في سجني دا
لم يتحمل "جلال" حديثه مما جعله يلكمه بشدة على خده الأيمن، وكأنه بفعلته هذه أشعل الحرب على نفسه ولكن المحارب ليس "محمد" حيثُ قام أحد المتعاقبين من الدولة وأقترب منه ليهمس من بين نواجذه المتسخة والتي جعلت كل منهم يشعر بالقرف:
_إنت إزاي تمد إيدك عليه وهو في مملكتي ياااااض
ابتلع "جلال" ما في عنقه بخوف ولكن ما جاء على وجهه جعله يغضب حيثُ كانت المياة تخرج من فم الآخر مع كل كلمة يقولها، صرخ "جلال" به بعلو:
_بس كفااية يا غبي بتف عليا وإنت بتتكلم وبعدين إنت مالك أضربه ولا لاء شيء ما يخصكش خالص
قهقه بعلو مما جعل الجميع يفعلون مثله، جذ على أنيابه بجموح ومن ثم تحدث بنبرة منخفضة:
_أنا غبي الغبي دا ممكن يعمل فيك اللي عمرك ما شوفته أبداً
حاول "جلال" أن يعلم ما يزعجه فقال بنفاذ صبر:
_إيه اللي مزعلك طيب يا اللي مش غبي...!!!
الحنق، الغيظ، الغضب انتابه حيثُ أن "جلال" قدر أن يستفزه، رد عليه بقسوةٍ:
_إنت بتتريق عليا؟؟
هز رأسه بلا ثم قال بهلعٍ:
_لا بس أنا معرفش اسمك إيه؟
_"حنفي"!
قال اسمه بصوت عالٍ، ساد الصمت قليلاً، مما جعل "جلال" يفكر بأن هذا الرجل سيبتعد عنه، ولكن قرب منه فخيب ظنه تحدث بتحذير:
_أنا هنا اللي بضرب مش حد تاني
انهى حديثه وبدأ يتفحصه من أعلى رأسه لأخمص أقدامه، رفع حاجبه وعاد يتحدث ولكن نبرته كانت مليئة بالطمع:
_بس إيه دا هدومك ولبسك حلوين تصدق أنا طول عمري نفسي البس بدلة اقلع ياض
ابتلع "جلال" ما في حلقه بتوتر ثم قال بتلعثم:
_هدوم إيه اللي اقلعها أنا... أنا
ملس "حنفي" على شعره وبطريقة مثيرة قال:
_يالا يا حلو من غير ما تقول أنا وآه أوعى تعترض عشان ممكن أعمل الأسخن أصل الرجالة دول يعيني مفتقدين نسوانهم فممكن أخليك انهاردة واحدة ست
الخوف انتابه بشدة، رفع يده بتحذير ثم قال بتوتر:
_إنت عارف بتكلم مين إنت ممكن تندم على اللي بيحصل دا أنا لو طلعت من هنا مش هيحصلك خير فخدمني أحسن
قهقه "حنفي" بقوة، ثم حدق بالجميع وبنبرة أمرة قال:
_قلعوا هنبدل لبسه بلبسي
ابتسم "محمد" بتلك اللحظة، شعر بأن حقه رد له ولكن سرعان ما شعر بالخوف حين صرخ به "حنفي":
_وإنت بتضحك على إيه إنت كمان هتقلع عشان دراعي اليمين يلبس نضيف
صرخ" محمد" بشدة، بينما "جلال" فكان يقول بهلع:
_هكتبلك شيك بمية ألف جنية بس ابعد عني
_يا حبيبي أنا قاعد في السجن كتير ولو عاوز أعمل مليون جنيه في يوم هعمل فبلاش تتكلم كتير
قال "حنفي" هذا بعد أن انتبه إلى حديث "جلال"، بدأ في التخلص من ملابسه ليصبح عاري الجسد، القى بملابسه نحو" جلال" ثم قال بغضب:
_اخلص عشان لو قلعوك هيطمعوا في جمالك يا حلو
..................................................................
شعر "مالك" بالملل فمازال "جبل" مصر على الجواز و "ملاك" لا تريد، من سيعقد قرانهما جاء من نصف ساعة ولازال جالس، بتلك اللحظة تحدث "مالك" بصراخ:
_خلاص يا جماعة الشيخ خلاص زهق وربنا وعاوز يمشي
ردت عليه "ملاك" بتمرد:
_أنا مش هتجوز خالص اعتبر إن الخطوبة اتفسخت يالا يا دادة عشان نمشي
بالفعل جاءت حتى ترحل من أمامهم، وقفت "سامية" لتنفذ أوامرها ولكنه أمسكها من معصمها وقال بحد:
_هتتجوزي انهاردة يعني هتتجوزي انهاردة خلصي
صرخت بعلو:
_مش عاوزة!
أومأ برأسه ثم تحدث بخفوتِ:
_تمام يا حبيبتي!!!
شعرت بالإرتياح أخيراً، ولكن تفاجئت حين قال بتهديد:
_بس هموت الشيخ وهدخل السجن وهتبقى مرات المسجون
لم تستطيع منع ابتسامتها، اقتربت منها "مرام" وقالت برجاء:
_يالا بقى مجنون ويعملها
كان هناك من يشاهدهم ويشعر بالغضب، وضعت "ريناد" يدها على كتفها وقالت بغضب:
_مامي إيه اللي جابك وإنتي مش حابها روحي طالما مش هتتمني ليهم السعادة
لا تعلم هل ابنتها طفلة أم فتاة كبيرة تتحدث باسلوب أعلى منها، تأففت بقوة ثم اقتربت من الجميع وقالت بهدوء:
_لا يا "مرام" أنا مع "ملاك" لازم نعمل حفلة كبيرة و "جلال" يكون موجود كمان
أشارت "ملاك" باصبعها نحوها ثم قالت بهدوء:
_دا اللي أنا بقوله
حملق "جبل" بـ عبير بغضب ومن ثم قال بانفعال:
_متدخليش بعد إذنك وبابا هيحضر كل حاجة وحفلة كتب الكتاب هتحصل والفرح هيحصل بس وهي مراتي
بتلك اللحظة انتبه الجميع لصوت الشيخ الذي قال بغضب:
_يا ابنتي ويا ابني في كتب كتاب ولا أروح
فقدت الأمل فقالت:
_تمام يالا اكتب الكتاب!
تنهد الجميع برأحة، فاخيراً وافقت، تم جوازهم تحت أجواء صعبة كثيراً، كانت "دنيا" بعيدة وصامتة غير الجميع، تمت المباركات ولكن ما قاله "جبل" كان صدمة للجميع حيثُ قال....
…………………………………………………………………………
يتبع...
بقلمي أميرة أنور