Ads by Google X

روايه أنا والمجنونة الحلقه السادسه والخمسون


 الفصل وصل يا بنات


رواية أنا والمجنونة

الفصل السادس والخمسون:-


حدق ياسين بوالديه بضيق ثم تركهم ودخل إلى غرفته... فقالت والدته بدهشة: فيه إيه... ماله ياسين...!!

زفر والده بحده قائلاً: يعني هيكون عمل إيه يعني ما إنتِ عارفه طبعه اللي زي الزفت مع مراته.


جلست أمامه قائلة بصدمة: هوه رجع لطبعه القاسي من تاني… ده احنا ما صدقنا انه اتعدل تنهد بضيق قائلاً: أيوة يا ستي... بس المرادي نوال شكلها هيه اللي هتعلمه الأدب علشان يحرم... وأهي طردته من أولها.


كان ياسين يزرع الحجرة ذهاباً وإياباً وهو غاضب مما فعلته به زوجته... وزاده غضباً حديث والديه والذين فرحوا من أجل ذلك كأنه ليس ولدهم ونوال هي التي ابنتهم فقط.


أمسك هاتفه وكاد أن يرن عليها لكنه تراجع وألقى الهاتف على الفراش، وتمدد بجواره شارد الذهن بما يحدث.


قضت نوال ليلتها باكية بسبب ابتعادها عنه... لأول مرة بعد زواجهم، انتحبت قائلة لنفسها بلوم: يعني كان لازم تطرديه... آدي انتِ اتعودتي على حضنه ومبتعرفيش تنامي من غيره.


ثم صمتت قليلاً وعادت قائلة لنفسها باعتراض: بس بردو كده أفضل هوه فاكر يعني علشان اعترف بحبه ليه... هسلم كده على طول واسيبه يبعدني عن مهجة ويحرمني منها... لازم يعرف إنه مش هيحبسني على طول لحسابه.


في صباح مبكر في اليوم التالي وقف ياسين متردداً أمام باب منزله.... أيفتح الباب أم لا... لكنه حسم أمره وفتحه ثم دخل بهدوء مغلقاً الباب خلفه.


دخل إلى الغرفة وجدها مازالت نائمة بشعرها الطويل المبعثر على حول وجهها... وقف يتأملها بهدوء... حتى لا تستيقظ وتنزعج بسببه.


جلس بجوارها ببطء ثم تسلل لينام بجوارها في الفراش، لم تشعر به نوال فقد نامت متأخرة بسبب بكاؤها وآثار الدموع على وجهها، فهم ياسين من ذلك لماذا ما تزال نائمة بهذا العمق ولم تشعر به إلى الآن.


وفي أحد الليالي كانت نائمة شعرت بآلام صعبة في أسفل بطنها وظهرها فصرخت متألمة.


أتت تهرول على صوتها من الغرفة الأخرى صديقتها نوال التي اقتربت منها بجزع قائلة لها بلهفة: مالك يا مهجة.... تصبب جبين مهجة بالعرق، ووجهها الذي امتلأت ملامحه بالإعياء الشديد.

قائلة بألم: شكلي .... شكلي كده هولد يا نوال.... توترت أعصاب نوال قائلة بقلق شديد: إيه هتولدي... إنتِ متأكدة يا مهجة.


هزت رأسها بضعف قائلة بوجع: أيوة يا نوال متأكدة أنا تعبانة أوي، فأسرعت تقول بانزعاج: طب هتصل على الدكتورة نروحلها، أمسكت بهاتفها مسرعة... قائلة لها بلهفة: الدكتورة موجودة في حالة مستعجلة ضروري.


فأجابتها الممرضة قائلة: أيوة موجودة عندها حالة ولادة.... فقالت لها بسرعة: طب تمام  شوية وهنكون عندكم.


وصلت مهجة مستندة إلى كتف نوال إلى داخل المركز الطبي المتكامل التابع للطبيبة المتابعة لحالتها.


وفي داخل المستشفى العكسري، في إحدى الغرف كان جلال نائماً على فراشه إذ هب من نومه فزعاً بغتةً قائلاً بصوتٍ عالي: مههههجة....!!!


أتت مهرولة نحوه الممرضة المشرفة على حالته قائلة له بفزع: في إيه يا جلال بيه مالك.


أزاح الغطاء عنه بسرعة قائلاً لها بلهجة آمرة: اطلعي برة بسرعة منيش فاضيلك.

استغربت من سلوكه هذا فقالت لها : طب اهدى الأول لغاية ما أنادي الدكتور لحضرتك.... فقاطعها بغضب: بجولك اطلعي برة منيش محتاجك اهنه


خرجت مضطرة لذلك متجهة إلى الطبيب المعالج لحالته، أبدل جلال ثيابه بسرعة وخرج راكضاً من الحجرة إلى خارج المشفى... وكل من يعترض طريقه من قوات الأمن يصرخ بهم ويضربهم وفر هارباً منهم.


وصل إلى منزل مهجة قائلاً للسائق: استناني اهنه لغاية ما ارجع، هبط من السيارة الأجرة صاعداً إلى الأعلى حيث تقطن مهجة.


طرق عدة طرقات عنيفة ولم يجد أحداً.... هبط بالأسفل باحثاً عن حارس البناية قائلاً له باهتمام: هيه مدام مهجة فين... مش موجودة في شجتها.


اومأ الحارس برأسه متفهماً، قائلاً: المدام مهجة وصاحبتها لسه راكبين عربية من شوية علشان رايحة تولد.


انعقد حاجبي جلال قائلاً له بقلق: هتولد دلوقتي انت متأكد، فقال له : أيوة يا بيه دي كانت تعبانة أوي وهيه ماشية.


انزعج جلال بشدة وعاد إلى العربة قائلاً للسائق بلهفة: بسرعة اطلع بينا من إهنه... على العنوان اللي هجولك عليه.


فحصتها الطبيبة قائلة باهتمام: لسه قدامك يومين أو تلاتة دي كلها مقدمات ولادة بس.

شحب وجهها أكثر قائلة بألم: لسه طب والألم اللي أنا حاسة بيه هيفضل كتير كده، ابتسمت الطبيبة معتادة على ذلك.

 

قائلة بعطف:معلش اصبري دايماً أول ولادة تبقى كده وأنا هديكي حقنة دلوقتي وأكيد يعني الألم خف شوية عن الأول...لأنك لو هتولدي دلوقتي فعلاً مكنتيش قدرتي تتكلمي كده.

أغمضت عينيها بنعاس وتعب قائلة بضعف: ولسه هتوجع أكتر من كده، ربتت على يدها قائلة: ده لازم وهوه الطلق كده دايماً.... علشان تعرفي ان لقب الأم ده مش بسهولة.


أدمعت عيني نوال على صديقتها المجهدة والمتعبة وهي تراها تتألم هكذا لأول مرة، ودون أن تستطيع مساعدتها فقالت لها الطبيبة: اجمدي كده... هيه بخير اطمني.


فقالت لها نوال بتأثر: يعني... يعني هتولد وتقوم بالسلامة، فابتسمت لها قائلة: طبعاً ان شاء الله متقلقيش هيه وجنينها بخير وأنا هكتب لها طلب بحجزها هنا لغاية ما تولد وخليكِ إنتِ المرافقة ليها لغاية ما ربنا يقومها بالسلامة بإذن الله...و... 


قاطع باقي كلماتها دخوله العنيف دون استأذان قائلاً بصرامة: محدش هيكون مرافج ليها غيري...

اتسعت عيون الثلاثة بصدمةٍ كبيرة من دخول جلال المفاجئ عليهم هكذا... وبالذات مهجة فقد شعرت أنها تحلم وليس هو أمامها حقاً كما تراه الآن.


أغلقت عينيها وفتحتهما سريعاً عله ليس هو بالفعل كما ظنت.... لكن الممرضة تحدثت قائلة بضيق: مينفعش اللي حضرتك بتعمله ده... مش كل مرة.


رمقها بغضب قائلاً: مش انتِ اللي منعتيني أشوفها دلوك...!!! وقبل أن تجيبه الممرضة تدخلت الطبيبة قائلة: خلاص سيبيه هوه دخل وخلاص... روحي انتِ جهزي اوضة لمهجة.


انصرفت الممرضة تنفذ التعليمات، وهي حانقة من تصرفاته العشوائية... اقترب جلال ببطء ناحية مهجة التي تتمدد على فراش الفحص.


تلاقت العيون بحديثٍ كثير منها المذهول والمبهم التي لم يفهمه الأثنان معاً متناسيين وجود الطبيبة التي تحدق بهم بتساؤلات عجيبة.


ونوال التي تقف في مكانها دون حراك، فهي لم تراه من قبل ولكن اهتمامه الواضح وذبول وجه مهجة وشحوبه يظهر على محياها أنه هو جلال ولا أحد غيره تسمح له مهجة بأن يفعل ما يفعله الآن.


قائلة لنفسها بدهشة: ده حبيبي ياسين ميجيش جنبيه حاجه... تنهدت الطبيبة وانسحبت بهدوء.


أما نوال غادرت الغرفة هي الأخرى... فليس لها وجود الآن.... لم يشعرا بهما وهم يغادرون الحجرة... تاركون الإثنين في عالم خاص غير مسموح لأحدٍ الأقتراب منه غيرهما.


خرج جلال عن صمته بإمساكه ليدها التي تجمدت داخل قبضته... عكس قلبها الذي يرتجف كالطير الذبيح.


قائلاً بخفوت: عامله إيــه دلوك يا مهجة..؟ تطلعت إليه بشحوب قائلة بارتباك: أنا بخير... إنت ليه جيت دلوقتي.


انحنى نحوها يتمعن في وجهها طويلاً قائلاً بخفوت: مخبرش يا مهجة.... مرة واحدة اكده حسيت اني لازم أكون وياكِ اهنه... 


تمالكت مهجة أعصابها أمامه ولما طال صمتها الحائر هذا..... رمق بطنها باضطراب... ومد يده بقلق ناحيتها ثم وضع أنامله برقة على بطنها يتحسسها باهتمام زائد.


أغمضت عينيها بالرغم منها وخفقات قلبها تخنقها من شدة توترها.... متمنية أن يبتعد عنها حتى لا تضعف أمامه، ابتلع جلال ريقه بصعوبة وهو يتنقل ببصره بين بطنها وبين وجهها الباهت.


قائلاً باهتمام: هوه بخير مش اكده... اومأت برأسها ببطء قائلة له بهمس: هوه بخير اطمن.

استغربت مهجة بأنه يده ما تزال على بطنها لم يبعدها عنها كأنه يشعر بأن هناك قوةً خفية تجذبه نحو هذا الطفل الذي مازال في احشاءها، فاقترب أكثر واضعاً أذنه على بطنها يشعر بحركة الطفل تحت يده.


قائلاً بعدم تصديق: أني حاسس بحركته تحت يدي يا مهجة... شدة على قبضتيها تتمالك اعصابها التي ستنهار أمامه وتفقد صوابها بسببه.

أردف قائلاً بخفوت حزين: طفل زي اكده ولساته مشفش الدنيا.... وابوه مات مسكين جبل ما يشوفه ويملي عينيه منيه.


طفرت الدموع من عينيها بدون إستأذان قائلة بتأثر: جلال أرجوك ... قاطعها محدقاً بها بتأثر هو الآخر: صعبان عليه ابنك جوي يا مهجة لما يتولد وميلاجيش أبوه موجود جنبه.


هنا لم تعد تتحمل أعصابها أكثر فصرخت به قائلة بحزن: كفاية... بقى.... كفاية حرام عليك أنا تعبانة.... انتفض قلبه لكلماتها فاقترب منها بسرعة واحتضنها بحنان جارف.


 قائلاً لها بلهفة: خلاص مش هجول تاني اكده، آني مجصدش إني اضايجك واصل يا مهجة.


 همست بلوعة من بين شفتيها المرتجفتين قائلة: ليه رجعت تاني يا جلال منيش أد عذاب تاني حرام عليك.


ابتعد عنها قليلاً متأملاً لوجهها الباكي... والذي أحاطه بكفيه قائلاً بصوت متهدج: غصب عني مجدرتش امنع نفسي عنيكِ أكتر من اكده.


تنهدت قائلة له بألم: كان لازم تمنع نفسك وتكمل حياتك من غيري، آني خلاص اتعودت على وحدتي.


أمسك جلال أعصابه بقوة على احتضانها مرةً أخرى قائلاً لها بهدوء ظاهري: آني هبعد عنيكِ تاني بس لما اطمن عليكِ وتجومي بالسلامة بعد اكده اوعدك انك مش هتشوفيني تاني.


انتقلت مهجة إلى حجرة خاصة بها والتي قامت الممرضة بتجهيزها قائلة: يالا ارتاحي شوية وبعد كده هتقومي نمشيكي شوية بالمركز علشان الولادة.


هزت رأسها ببطء بالموافقة.... انصرفت الممرضة وتركت عبراتها تنسال على وجنتيها بغزارة.... مع دقات قلبها القوية والتي يعتصرها الألم كلما تذكرت عبارته الأخيرة لها.


دخلت عليها نوال قائلة بلهفة: مالك يا مهجة بتعيطي ليه.... انتحبت قائلة بوجع: جلال يا نوال بيوجعني أوي بكلامه، غير إني خايفة من وجوده لاضعف من تاني وأعيش نفس عذابه من جديد.


احتضنتها بعطف قائلة: متخافيش يا مهجة هوه شكله مش فاكر حاجه لسه.... فقالت لها ببكاء: ماهو ده اللي قلقني أكتر يا نوال.


 تنهدت قائلة: طب اهدي انتِ تعبانة مش كده كفاية اللي انتِ فيه دلوقتي... يالا حاولي تنامي شوية ومتفكريش غير في صحتك وصحة ابنك.


في صباح اليوم التالي استيقظت مهجة فوجدته بجوارها نائماً على مقعدٍ بجوار فراشها.

تنهدت بضيق فهذا ما توقعته منه عندما أصر أمام الطبيبة بالأمس على عدم تركها إلى أن تلد ويطمئن عليها بنفسه.


افاقت نوال من نومها لا تدري أنها نائمة بين ذراعي ياسين…. إلى أن فتحت عيناها بغتةً…. فشعرت بأنفاسه الهادئة بجوار أذنها.


اختلج قلبها بعنف… غير قادرة على النطق، همست لنفسها بصدمة:- جه امته ده…. وايه اللي جابه هنا… ومعقوله محستش بيه أول ما نام جنبي… للدرجادي كنت مش دريانه بنفسي.


أبعدت رأسها ببطء عن القرب من تنفسه الهادئ هذا… تأملته بحرية لشدة نومه العميق.


كادت أن تحن إليه لكن موقفه معها بالأمس جعلها تقاوم قلبها الذي يهفو إليه بشوق كبير.


بدأ يتململ في نومه…. فأغمضت عيناها بسرعة وقلبها يرتعش من القلق.


فتح عينيه يتمعن بوجهها بحيرة مستغرباً عدم استيقاظها إلى الآن.


أمسك بخصلات شعرها وأعادها وراء أذنها منحنياً نحو… وجنتها مقبلاً لها بنعومة… أرعبت قلبها بقوة.


شاعرة بأنفاسه المضطربة بجوار أذنها… هامساً لها بعشق:- الصغنن بتاعي مش هيحن عليه بقى ويكلمني… ولا هيفضل ميكلمنيش كده على طول، وزعلان.


لم تجيبه نوال وأصرت على تجاهلها له… فأصر هو الآخر على أن تحدثه فقرر إرباكها بوضع انامله على شعرها ثم وجنتها برقة متناهيه.


شعرت بالإرتباك يعتريها عندما لمسها فابتسم لنفسه بعبث فزاد من لامساته لها.


فابتعدت عنه للوراء بغتةً ورغماً عنها فتحت عينيها قائلة بغضب:- إيه اللي جابك جنبي… ابتسم ساخراً قائلاً بخفوت: إيه جاي اوضتي وسريري… غلطان أنا كده يعني.


ابتلعت ريقها بصعوبة واحمر وجهها قائلة له بحدة:- طالما كده أنا بقى اللي هطلع منها وهسيبهالك يا ياسين.


وبالفعل قفزت من أعلى الفراش لتتخطاه… لكن ياسين كان أسرع وأذكى منها…. إذ وضع قدم واحدة أمام قدميها فسقطت نوال على بطنها.


فتأوهت صارخةً به قائلة:- ياسين إنت اتجننت…. جذبها من كتفها بقوة ناحية صدره قائلاً لها بعبث خبيث:- أكون مجنون لو سيبت القمر بتاعي يهرب بعيد عني…!!!


تأملته مهجة بحيرة لا تعرف أتغضب من تصرفاته أم تفرح لهذا الإهتمام الذي يحبه قلبها.


افاق من نومه هو الآخر فتلاقت أبصارهم بصمتٍ طويل ثم هب واقفاً واقترب منها قائلاً باهتمام:- كيفك دلوك...؟


تنهدت قائلة له بصوتٍ خفيض:- لسه تعبانة بس أخف من امبارح.


اقترب منها أكثر وانحنى ناحية وجهها قائلاً لها بأمل:- ان شاء الله هتجومي بخير… وهيكون راجلك كمان بخير.


تمعنت بوجهه قائلة له بخفوت:- وإيه اللي خلاك متأكد أوي كده.


هز رأسه بحيرة قائلاً بهمس:- لإن عندي ثقة بربنا وبيكِ إنكِ جوية وهتتحملي آلام الولادة وهتجوميلنا بالسلامة.


حدقت به بعينين متأثرين قائلة بخفوت:- جلال… إن جرالي حاجه لا قدر الله اتولى انتَ رباية ابني...و…


قاطعها جلال سريعاً بوضع إصبعه على شفتيها قائلاً لها بلهفة:- إوعاكِ تجولي اكده يا مهجة…. محدش هيربي ولدك غيرك انتِ بإذن الله.


طفرت الدموع بعينيها فجأة فقال لها بتساؤل:- آني وجعتك جوي اكده ومخبرش….!!!

همست بألم:- لأ الطلق…. الطلق جه تاني يا جلال… تعبانة أووي.


ارتبك جلال للحظات لا يعرف كيف يتصرف قائلاً لها باهتمام:- فين مكان الألم دلوك.


استغربت من سؤاله هذا فصرخت به قائلة بضيق:- في بطني الألم ارتحت كده بسرعة اتصرف تعبانة.


أسرع في الخروج من الغرفة فأتت الممرضة معه عندما رأته قلقاً.


اقتربت منها الممرضة قائلة لها بتساؤل:- الوجع زاد عليكِ ولا إيه يا مهجة…!!!


هزت رأسها بضعف قائلة:- حاسه بألم شديد في بطني وضهري… تنهدت الممرضة  قائلة لجلال:- اتفضل انت برة دلوقتي وانا هبقى أناديلك بعدين.


هز رأسه رافضاً فأردفت قائلة:- متقلقش عليها دي كام دقيقة وهتدخلها تاني.


صرخت مهجة بوجع فجعله يستمع إلى كلماتها ويغادر الغرفة.


تأملته نوال التي تجلس بالخارج قائلة لنفسها بحيرة:- معقولة كل الاهتمام ده وفاقد الذاكرة… أومال لو متذكرها كان اتصرف إزاي معاها… معقول يكون بيمثل عليها كل ده انه فاقدها… لكن لأ ده مش شكل واحد بيمثل أبداً.


ما أن خرجت الممرضة من الحجرة… ركض جلال ناحيتها قائلاً بلهفة:- ها طمنيني عاملة إيه دلوك…


فقالت له بهدوء: اطمن هيه لسه قدامها وقت لبكرة ان شاء الله بالكتير وهتولد.


لم يجيبها إنما تركها… ودخل إليها يتأملها باهتمام قائلاً:- بجيتي بخير دلوك…. أغمضت عينيها بألم قائلة: الحمد لله راح الطلق دلوقتي… بس أكيد شوية وهيرجع تاني.


ضم يدها بين كفيه بحنان قائلاً بلهفة:- متجلجيش آني دعيلك كتير جوي النهاردة انك تكوني بخير إنتِ وولدك…. وآني على يجين بالله انه هيجومك بالسلامة.


تأملته بصمتٍ كبير مبهم… ولم يتركها جلال ويبتعد عنها أبداً… دخلت عليهم نوال آتيه بكوباً من القرفة الساخنة.


رفضت مهجة شربها… فقالت لها:- لازم تشربيها الدكتورة موصية بكده.


اقترب منها جلال وأخذها منها قائلاً لها:- هاتيها عنيكِ انتِ واني هخليها تشربها.


ناولته الكوب وتركته معها وغادرت الغرفة… اقترب منها قائلاً بتحذير:- هتشربيها بالراحة اكده… ولا أشربهالك آني وبطريجتي الخاصة.


جاءت لتعترض أمسك جلال بفكها ليحسم الأمر… وقرب الكوب من فمها وشربتها رغماً عنها.

مع نظراتها الغاضبة فقال بمكر:- أيوة اكده ناس تخاف متختشيش.


هتفت به وهي تدفعه بعيداً عنها قائلة بعصبية: إياك تكون ارتحت دلوقتي... ابعد عني بقى منيش طايقة نفسي.


ضحك جلال من فعلتها… ولم يغضب قائلاً بمزاح:- شكلي اكده هجبلك شفشج جرفة علشان تشربيها تاني ومن يدي.


فقالت له بغيظ:- قلتلك ابعد عني…. فصرخت مقاطعة لجملتها متأوهه من الألم من جديد…. انزعج جلال من تعبها هذا وأقترب منها وأمسك بيدها مشجعاً قائلاً لها:- دي أكيد طلجة اكده وهتروح تاني دلوك.


ظل جلال بجوارها باقي اليوم….  تصرخ مرة… تبكي مرة.


 إلى أن حل المساء… وأسدل الليل استاره في الأجواء وانطلقت صرخات أقوى من مهجة…. ظلت هكذا متعبة إلى الصباح الباكر…


وبجوارها جلال المتمسك بيدها طيلة الوقت بسبب المشاعر الغريبة الذي تعتري قلبه…. فقد كان قلقاً عليها وبشدة…. 


مما جعله يصرخ بوجه الممرضة مطالباً إياها… بالرغم منها أن تظل بجوارها إلى أن تضع وليدها…. فتساءلت الممرضة بدهشة ما سر هذا الاهتمام الواضح وبجلاء أمام الجميع.


وحانت اللحظة الحرجة وأدخلوها إلى غرفة عمليات خاصة بالولادة.


كان يود لو دخل معها إلى الغرفة لكن الطبيبة رفضت ذلك… قائلة له: حضرتك أعصابك تعبانة من يومين ومش هينفع تدخل وده ممكن يضرها هيه… لو شافتك بالوضع ده.


لم يعترض لمصلحة مهجة ووقف خارج الغرفة بخطواته القلقة أمام الباب.


وعلى مقربةٍ منه تجلس نوال… تراقبه بصمت والقلق ينهش قلبها هي الأخرى.


مر وقتٍ ليس بطويل عليهم ووجد جلال الممرضة تخرج من الغرفة… ركض جلال ناحيتها قائلاً بلهفة وقلق:- كيفها مهجة دلوك.


ابتسمت له قائلة:- جابت ولد زي القمر وشوية كده وهتخرج وهتطمن عليها بنفسك.


زاغ بصره على الممرضة وعلى باب الغرفة قائلاً لها:- طب والولد بخير…. اومأت برأسها قائلة: اطمن هوه كمان بخير. 


انتفض قلب نوال من القلق… بسبب نظرات زوجها لها… وأنفاسه الحارة على وجهها… قاومته قليلا… لكنها لم تعد قادرة على التصدي له.


قائلاً بعبث:- مال الجميل مبينطقش ليه… ولا مبقاش قادر يقاوم خلاص واستسلم.


ابتسمت بسخرية قائلة بغيظ:- إيه الغرور اللي انت فيه ده.


ضمها إليه برفق قائلاً لها بتأكيد هامس:- ده مش غرور دي ثقة…. بإن قلبك مش ههون عليه يبعدني عنه تاني.


حاولت تمالك أعصابها قائلة له بهدوء ظاهري:- لا هتهون يا ياسين… وسيبني بقى…. قاطعها مقترباً من شفتيها:- بقى بذمتك عرفتي تنامي من غيري امبارح…. وبعيد عن حضن حبيبك ياسين.


ارتبكت للحظة وقلبها يقرع كالطبل قائلة بضيق:- انت مش جيت ولقيتني نايمة… ابتسم متهكماً وقال باستخفاف:- طب وعينيك الوارمين دول من إيه.


لم تجيبه وفضلت الصمت… فاقترب منها أكثر هامساً:- شايفة بقى إنك معرفتيش تنامي بعيد عني.


ارتجفت شفتيها وحاولت أن تبتعد لتنفي كلامه لها…. لكنها لم تستطع، فقد كان يسجنها بين ذراعيه.


ولم يستطع مقاومة انجذابه نحوها… فقبلها برقة ونعومة جعلتها تضرب بكل عنادها بعرض الحائط وتستسلم لقلبها من جديد.


ابتعد عنها قليلاً واستند بجبهته فوق جبهته متأملاً عيناها قائلاً بخفوت : نوال أنا خلاص حجزت ومسافر بعد يومين… وعارف إنه بعد كل اللي عملته فيكِ قبل كده ودلوقتي، لازم متسامحنيش ومعاكِ حق، بس كل اللي أعرفه اني بعشقك بجد، وعايزك تسامحيني من كل قلبك قبل ما أسافر.


اتسعت عيناها بصدمة قوية، فهي لم تكن تظن يوماً ما أنه سيتسلم بهذه السهولة… وأنه أعترف أخيراً بكل ما فعله بها وبعشقه لها أيضاً.


قرأت عيناها ما لم يتحدث به في نظراته لها التي أسرتها عندما رأته… 


طال الصمت كثيراً بينهما بينما عيناهم وقلوبهم لم تكن صامتة أبداً.


تمدد ياسين في فراشه بعد أن أفاق من شروده هذا على صوت زميله… الذي يعمل معه في شركة واحدة.


قائلاً له:- مالك يا ياسين من ساعة ما جيت من مصر من شهرين وانت متغير… تنهد قائلاً له:- أبداً ساعات بس ببقى قلقان على مراتي.


ابتسم له قائلاً: يا سيدي متقلقش منا كمان سايب مراتي وولادي الاتنين وسايبها على الله….تنفس بعمق قائلاً له: ونعم بالله ربنا يستر…


أُخرجت مهجة إلى غرفتها المخصصة وما زالت تحت تأثير المخدر… ومعها الممرضة تحمل طفلها…. الذي ما إن رآها جلال حتى هرع بسرعة…. ناحية مهجة.


وعينيه زائغه على مهجة وطفلها الذي استمع لصوته الباكي… فارتجف قلبه لا يدري لماذا ،يشعر بشعور غريب مبهم يقربه للطفل.


قاطعت طريقه الممرضة… بإعطائه الطفل قائلة بهدوء:- مش عايز تشيل الولد…. حدق به بعقل مشوش وهو يحمله بين ذراعيه.


وضمه بحنان جارف ناحية صدره، متمعناً بوجهه بصمت مطبق… وقرب شفتيه ببطء من  وجنته مقبلاً لها.


قائلاً بخفوتٍ حزين:- آني زعلان عليك جوي إنك تتولد اكده ومتلاجيش أبوك جدامك يا مسكين… خابر ان ده جدرك ونصيبك في الحياة… بس عايزك متخافيش لإن ربنا مش هيسيبك واصل ولا هيتخلى عنيك…. وعايزك كمان ما تجلجش إنت هتبجى زين الرجال مادام ربنا وياك.


أمسك بيد الطفل يتأمله باهتمام… لا يريد تركه لنوال التي اقتربت منه قائلة بتردد: تسمح تديني الولد في دكتورة أطفال هتفحصه كويس.


ناولها إياه وعينيه تريده ألا يبتعد عنه… لكن صوت ومنظر مهجة المتعب جعله يتركه لها بسرعة ويركض ناحيتها.


كانت ممدة على الفراش… تصرخ من الألم بعد ذهاب آثار المخدر.


قائلة بألم:- تعبانة أووي حرام عليكم… ليه فوقوتني من البنج بسرعة كده.


انحنى جلال فوق وجهها قائلاً لها بقلق:- مهجة… معلش اتحملي شوية اكده وآني هخليهم يدلوك مسكن للألم.


صرخت به وأمسكته من مقدمة قميصه قائلة بلهفة:- وآني لسه هصبر لما تجبهالي… هاتها بسرعة.


اضطرب جلال لا يعرف كيفية التحدث التعامل معها… لكنه فوجئ تتشبث به بيدها الأخرى أيضاً بضيق قائلة:- انت السبب في اللي أنا فيه دلوقتي… انت السبب… استغرب لما تقول له ذلك.


لكنها قاطعة دهشته قائلة له بتعب مفزع:- ابني فين…. ابني ودتوه فين.. اتكلم.


أمسك بكفيها بين قبضتيه قائلا لها بعطف:- متجلجيش ابنك بخير الدكتورة بتفحصه وهتجيبه تاني اهنه.


مر ثلاثة أسابيع وتحسنت صحة مهجة كثيراً… وقررت السفر بالطفل إلى جده في الصعيد والذي أبلغته بقدومها إليه في اليوم التالي.


قالت لها نوال:- هتوحشيني أوي يا مهجة… ابتسمت لها قائلة:- ده كلهم كام يوم وهتلاقيني هنا… ابتسمت لها قائلة:- بردو هتوحشيني إنت وعم يحيى الصغنن ده… خلاص اتعودت عليكم.


ابتسمت لها قائلة:- معلش هنريحك منا كام يوم إنت حامل جديد ومحتاجه للراحة.


تنهدت قائلة لها: بس أنا كويسة متقلقيش عليه…. احتضنتها مهجة قائلة لها:- يالا بقى كده سلمي على يحيى وامشي من غير مطرود بدل ما ياسين ينزلك مخصوص بسببي.


زفرت نوال قائلة: متخافيش لسه مقلتلوش اني حامل.


استعجبت قائلة:- انتِ مش من يومين قولتيلي هبلغه… مقولتلوش ليه.


تنهدت قائلة له:- لسه مجاش الوقت المناسب… ضحكت مهجة قائلة:- قوليله بدل ما أبلغه أنا.


فقالت لها بلهفة: لا خلاص هبلغه أنا بس اوعي تقوليله انتِ…. هزت رأسها قائلة:- خلاص موافقة ولما أشوف.


كانت نور واقفة في نافذة حجرتها فلمحت من بعيد… سيارة تقترب من باب الدار من الخارج فتهلل وجهها.


وركضت إلى حيث يجلس والديها قائلة بسعادة:- مهجة جات يا ابوي… ومعاها يحيى الصغير.


هبطت مهجة من السيارة حاملة ولدها بين ذراعيها… فوجدت أناس من أهل البلد يستقبلونها بترحاب حافل عند السيارة… 


فابتسمت لهم بحنين فقالت لها إحدى السيدات:- نورتينا يا ست مهجة من تاني…. حمد لله على السلامة.


أجابت كل من أراد الإطمئنان عليها وعلى ولدها الصغير… كان باستقبالها بالداخل كل من والدي جلال… وابتسمت والدته عندما رأتها واحتضنتها بحب قائلة:- حمدلله على سلامتك يا بتي إنتِ وولدي الصغير يحيى.


بادلتها الابتسامة قائلة:- آني بخير يا اماي طول ما إنتِ بخير…  


حدقت فاطمة بحفيدها بقلب مرتجف قائلة لها:- ولدي يحيى الصغير بخير مش اكده….


ناولتها الطفل  فحملته بلهفة والدموع تنسال من مقلتيها…. فقبلته وعِبراتها تهبط على وجنتي الصغير قائلة بسعادةً حزينة: يا غيبة أبوك يا ولدي….!!!


 رمقتها مهجة بقلبٍ يعتصره الألم فتدخل الحاج اسماعيل  عندما رآها حزينة قائلاً:- الله انتِ هتشليه لوحديكِ ولا إيه يا حاجه فاطمة.


ناولته إياه ومسحت مهجة لها دموعها قائلة بحنان:- متعيطيش اكده تاني واصل…. اللي خَلِف مماتش يا اماي…. يحيى ولدي هيكبر بإذن الله وهيبجى زين الرجال كيف ابوه.


تنهدت قائلة بحزن: إن شاء الله يا بتي تعالي ندخل جوه.


قرر والد جلال إقامة عقيقة لحفيده وحفل زواج ولده يحيى بعد شهرين في نفس اليوم… بعد أن رفضت اقامة العقيقة على الفور… لانتهاءها من أشياء تخصها بالقاهرة….


شعر يحيى بالضيق قائلاً:- بس ده ظلم ليه يا ابوي… تنهد وهو يربت على يده قائلاً:- معلش يا ولدي غصب عنيها… ظروفها اكده وفات الكتير ما بجى الا الجليل.


زفر يحيى قائلاً بضيق: ماشي يا ابوي عن إذنك آني دلوك رايح المستشفى.


علمت مريم بهذه الأخبار… فحزنت هي الأخرى فقد تأخل زواجها لثاني مرة


ابتسم لها يحيى قائلاً:- خلاص بجى متزعليش… ده حتى الكام يوم دول هيبجوا أحلى أيام… هنطلع كتير سوا علشان نشتري كل حاجاتنا وانتِ وياي.


احمر وجهها قائلة:- خلاص مبجتش زعلانه طالما انتِ معاي… بس كنت عايزة اتحدت وياك اكده في موضوع…


رمقها بتساؤل قائلاً باهتمام:- موضوع إيه خير…. تلعثمت قائلة بتردد:- آني اتعرض عليه شغل... من أسبوع، وفكرت كتير جوي… جبل ما أجولك... وآني بصراحة اكده موافجه.


مر شهر ونصف آخر وكان اللواء في مكتبه… عندما دخل عليه… جلال فابتسم الأول له قائلا بسعادة:- حمدلله على السلامة يا سيادة المقدم… فرحت بعودتك لينا من تاني.... ده الشغل كان وحش من غيرك…


كانت مهجة قد انتهت من إعداد طعام الغداء على المائدة بعد أن نام ولدها بعدما ارضعته.


جلست لتناوله وشعورها القوي بالجوع… فلم تأكل شيئاً منذ الصباح…


بدأت في إلتقاط الخبز بيدها واستمعت إلى صوت فتح باب منزلها بالمفتاح… فنبض قلبها بقوة من الخوف متسائلة من هذا الذي يفتح عليها باب المنزل هكذا… وهي التي تسكن بمفردها مع ولدها ولم تعطي مفتاحها لإحد أو سُرق منها… من قبل.


هبت من مكانها على الفور مذعورة… عندما استمعت إلى صوت أقدام ثابتة مُقبلةً نحوها ويضع صاحبها قبضتيه في جيب بنطاله قائلاً بسخرية: شكلك اكده خابره إني جاي دلوك… وعامله وكل كتير علشاني كمان.


اتمنى تكون عجبتكم 


بقلم

يمنى عبدالمنعم 

الحلقه السابعه والخمسون من هنا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-