روايه وقعت في قبضة الوحش الحلقه الثالثه والعشرون


 الفصل الثالث و عشرون من رواية:وقعت في قبضة الوحش.

بقلم/رولا هاني.


-مع الأسف فقدنا الجنين.


قالها الطبيب بإستياء واضحٍ علي ملامحه، بالإضافة إلى ذلك الخوف الذي سيطر عليه، نعم...فهو يرتجف برعبٍ خشية من رد فعل ذلك ال"زياد" و لكنه تفاجأ عندما وجده يسأله بهدوء شديدٍ:


-طب و هي؟


تنهد الطبيب بإرتباكٍ ثم هتف بتلعثمٍ:


-أنقذناها بصعوبة، هي حاليًا م.....محتاجة.... ر...... راحة لمدة أسبوع في المستشفي.


طال الصمت لعدة دقائق لينتظر الطبيب بوجلٍ، و قد توقدت نيران الإرتعاد في قلبه!....أما "زياد" فلم يستطع إيجاد كلمات مناسبة لقولها، لذلك هتف بنبرة متحشرجة و هو يحرر رابطة عنقه من فرط الإختناق، بينما الطبيب يتابعه بدهشة فهو و لأول مرة يراه بتلك الحالة:


-طب لو عايز أشوفها؟


هز الطبيب رأسه بأسفٍ ليهتف بجدية أخفي بها فضوله حول التغيير الذي طرأ علي ذلك ال"زياد":


-لا حاليًا هيبقي صعب جدًا، ممكن بكرة يبقي مسموح ب دة.


اومأ له "زياد" بتفهمٍ ثم أشار له بيده حتي يذهب، و بالفعل غادر الطبيب المكان و هو يتمتم بذهولٍ:


-أكيد زعلان عشان إبنه!


بينما "زياد" كان يخرج الهاتف من جيبه ليضغط عليه عدة ضغطات قبل أن يضعه علي أذنه.

____________________________________________

خرجت "نورسين" من المرحاض و هي تلف المنشفة علي جسدها، ثم أخذت تجفف خصلاتها القصيرة بالمنشفة الأخري، لتلاحظ هي رنين ذلك الهاتف المزعج، لذا إتجهت نحوه و هي تضغط عليه دون النظر لهوية المتصل، فأتاها صوته الجامد و هو يقول:


-أنا ممكن أتأخر إنهاردة و إحتمال كمان ماجيش.


عقدت حاجبيها بعدم فهم لتهتف بعدها مباشرةً بحيرة:


-حصل حاجة ولا إية؟


إستمعت لصوت إغلاق الخط فزفرت بضيقٍ هاتفة بسباب لاذع يوضح مدي غضبها من أفعاله الحمقاء!...ماذا إن عرف بأمر تلك المرأة التي أتت لهنا!...بالتأكيد سيعرف و لكنها لا تعرف ما الذي يجب عليها فعله،و ماذا عن والده!؟...و ماذا عن والدته!؟...تريد معرفة كل شئ، تريد معرفة كل شئ و لكن الأختلاف هو عدم وجود ذلك الفضول الأحمق، بل يوجد إهتمام!....إهتمام لمعرفة ماضيه الذي لقي منه كبدًا لليالٍ طويلة، إهتمام لتحتضن عبراته الذي باتت تراها سجينة عينيه، إهتمام لتشاركه همومه المؤلمة تلك، لا تعرف لما يراودها ذلك الشعور و لكن هناك إلحاح بداخلها لمعرفة كل شئ، ظلت تنكر ذلك الشعور و لكن الآن بات يسيطر عليها ليصبح كالعدوي التي لا تستطيع التخلص منها، زفرت بحنقٍ و هي تهز رأسها بهستيرية لتصرخ بإهتياجٍ لم تستطع السيطرة عليه:


-إنتَ إزاي بتسيطر علي تفكيري كدة!؟

____________________________________________

-يا حبيبتي يا بنتي، يا حبيبتي عملوا فيكي اية!؟....حد عملك حاجة!؟...ها...ردي يا بنتي ردي!؟


قالتها "سيدة" بتلهفٍ و هي تحتضن "نرمين" بشوقِ لتقبلها بهستيرية، بينما الصغيرة تهمس بإرتباكٍ سيطر علي نبرتها:


-و...واحد كبير يا ماما "سيدة" و خدني في مكان ضلمة و بيخوف و فضل سايبني في المكان دة، ك...كنت خايفة أوي يا ماما "سيدة".


قبلتها "سيدة" مجددًا ثم صاحت بإمتنان و هي ترمق "زياد" بفرحٍ:


-أنا مش عارفة أشكرك إزاي يا "زياد".


نهضت من علي المقعد الخشبي بتلك الحديقة لتقترب منه هامسة بتساؤلٍ:


-إزاي عرفت تجيبها؟ 


رد عليها بإقتضابٍ و هو ينفث دخان سيجارته:


-الغبي كان خاطفها في مخزن قديم عنده. 


اومأت له عدة مرات، ثم تسائلت بتوجسٍ ظهر من خلال نبرتها المرتبكة:


-هو إنتَ غيبت الساعتين دول و روحت فين؟ 


ألقي بسيجارته إرضًا ثم دهسها بقدمه قائلًا بجمودٍ:


-"روضة" سقطت. 


شهقت "سيدة" بصدمة واضعة كفها علي فمها بعدم تصديق، لذا صاحت بإستفهامٍ و هي تهز رأسها بعدم فهم:


-هي اللي سقطت نفسها!


اومأ لها عدة مرات، ليستمع لما تقوله بقلبٍ منفطرٍ فهو كان يعرف جيدًا بأمر ركضه خلف سراب لا وجود له و لكنه حاول إقناع نفسه بغير ذلك:


-إنتَ عارف إنه مكانش إبنك مش كدة؟ 


اومأ لها مجددًا، ثم سألها بحيرة شديدة ظهرت علي قسمات وجهه التي تقلصت بألمٍ:


-تفتكري واحدة زيها تستاهل القتل؟ 


تنهدت "سيدة" بعمقٍ لتجيبه بعد صمت دام لعدة دقائق:


-هي زيها زيك يا "زياد". 


قلب نظراته بالمكان ليجد حراسه مبتعدين عن المكان، لذا حرر عبراته الحارة بدون تردد قائلاً بتلك النبرة المختنقة:


-ما هو دة اللي هيجنني. 


هز رأسه عدة مرات ليصرخ بعدها بتحشرجٍ ضاربًا الأرض بقدمه بعنفٍ:


-لية كل حاجة بقت صعبة كدة!؟ 


أطرقت "سيدة" رأسها بقلة حيلة لتصيح بعدها بتأففٍ:


-ما أنا قولتلك إبعد و إنتَ مرضيتش!...قولتلك إتجوز و كون أسرة و يبقي عندك أولاد و تبقي طبيعي لكن إنتَ مرضيتش!...و كأن دور الضحية حابب تبقي محبوس فيه طول عمرك! 


رفعت رأسها لتجده يرمقها بلومٍ هاتفًا بعتابٍ، و دموعه لا تتوقف عن الإنهمار:


-حتي إنتِ مبقتيش فاهماني!؟ 


إنهار صارخًا بعنفٍ، لتبكي هي معه بسبب رؤيتها لتلك الحالة العجيبة التي سيطرت عليه، بينما هو ينتحب لتحترق روحه التي لم ينتبه أحد لصراخها طوال تلك السنوات:


-كله بيقول إني السبب، صدقيني حاولت أصدقكوا بس أنا السبب إزاي!؟....أنا السبب في إني أمي ماتت منغير ما أشوفها،أنا السبب في إن أبويا كان تاجر مخدرات، أنا السبب في إني أشتغل معاه من و أنا طفل، دة حتي تعليمي كملته من وراه و بالعافية،أنا السبب في إن محدش كان بيعرف يدافع عني حتي مرات أبويا، أنا السبب في إن بعد ما أبويا مات إضطريت أشتغل بداله، أنا السبب في كل حاجة. 


إرتجف بقوة لتتابعه "سيدة" بشفقة و هو يتابع بحسرة و قهرٍ:


-دة أنا حتي مبعرفش أعبر عن اللي حاسس بيه، كل يوم بموت ألف مرة و محدش حاسس بيا، طفولتي ضاعت و ماعيشتهاش و أدي شبابي بيضيع!


جففت "سيدة" عبراتها الحارة لتصيح بعدها بتلك النبرة القوية لتحاول تهدأته من ذلك الإنهيار الذي سيطر عليه:


-بس مش دة "زياد" اللي أنا أعرفه، "زياد" اللي أنا أعرفه مبينهارش كدة!....مش "زياد" اللي يبقي مكسور كدة! 


قهقه بسخرية واضحة علي قسمات وجهه ليهتف بعدها بأسي:


-"زياد" تعب من التمثيل يا "سيدة"! 


و بتلك اللحظة لم يعطيها فرصة للرد بل غادر المكان و هو يكفكف عبراته الغزيرة، ليتجه بعدها ناحية سيارته لينطلق عائدًا إلي تلك المنطقة الشعبية فهو لن يستطيع الذهاب لشركته لمباشرة عمله في ذلك الوقت. 

____________________________________________

-إستمع لي أيها الحقير، "جاك" لن ينتظر كثيرًا، إن لم تحضر لنا تلك الفتاه أنتَ تعرف جيدًا كم المصائب الهائلة التي ستحل فوق رأسك. 


قالها ذلك الرجل بلهجة إنكليزية، و نبرته حادة و متوعدة ليرد عليه "هلال" برعبٍ بائن علي تعابير وجهه بنفس اللهجة:


-"روبرت" أنتَ تعلم مدي صعوبة الأمر، تعلم إن "زياد" رجل لا يُستهان به!


رد عليه "روبرت" بتلك النبرة الباردة و هو ينفث دخان سيجارته الفاخرة:


-أنا لا يعنيني ما تقوله، أستمع لي "هلال" أنتَ تعلم جيدًا إننا نريد بديل ل" صخر"، لذا أثبت جدارتك حتي تكون ذلك البديل.


تنهد "هلال" بعمقٍ، ثم هتف بطاعة:


-حسنًا "روبرت" سأحاول مجددًا.


اومأ "روبرت" بتفهمٍ ثم نهض من علي ذلك الكرسي الخشبي ليخرج من ذلك المقهي و هو يتمتم بإشمئزازٍ:


-غبي!....يظن نفسه بنفس جدارة "صخر" حتي يكون البديل!

____________________________________________

أخرج المفتاح ليضعه بمكانه ثم أداره و هو يدلف الشقة ليلاحظ هو صوت التلفاز العالي، فزفر هو بضيقٍ عندما ظنها مستيقظة، و لكن خاب ظنه عندما وجدها نائمة علي الأريكة بتلك المنامة القصيرة، لذا إزدرد ريقه بصعوبة و هو يلتقط ذلك الغطاء من علي ذلك الكرسي الخشبي ليستر به جسدها، ثم إرتسم علي ثغره إبتسامة جانبية ساخرة فهو إشتري تلك الملابس الفاضحة ليغيطها و لكنه هو من إغتاظ بالنهاية!...توجه ناحيتها ليضع ذراعه خلف ظهرها و الأخر خلف ركبتيها ليحملها و هو يرمقها بسخطٍ إختفي خلال ثوان عندما رأي ملامحها البريئة و هي نائمة، و لكن كيف!؟...."نورسين" و ملامح بريئة!...لم يصدق و لأول مرة يراها بذلك الهدوء، لأول مرة يراها بلا غضب، بلا إهتياج، و بلا تهديد، لأول مرة يراها ساكنة هكذا بين يديه فإستطاب هو ذلك الشعور و لم يهتم لصياح عقله حتي يفيق لما يفعله، إتجه ناحية تلك الغرفة ليضعها علي الفراش ببطئ و هو لا يستطيع التوقف عن تأمل ملامحها، لا يستطيع التوقف عن النظر الي وجهها الذي كان متألق بصورة تصيب المرء بالجنون!.....ظلت تضرب الغطاء بقدميها حتي أزاحته من عليها لتظهر تلك المنامة القصيرة حد الركبة، فإزدرد هو ريقه مجددًا ليبتعد عنها واضعًا ذلك الغطاء عليها، ثم إستدار ليخرج من الغرفة هامسًا بعدم تصديق:


-شكلك هتقع يا "زياد"!

____________________________________________

صباح يوم جديد.


فتحت جفنيها ببطئ لتهشق بصدمة، هي لم تكن بتلك الغرفة بالإمس!....و من الذي دثرها بذلك الغطاء!؟....وضعت كفها علي رأسها تحاول تذكر أي شئ و لكنها لم تستطع، و فجأة مر هو ببالها لتجحظ عيناها بصدمة و هي ترمق حالها!.....أرأها بتلك الهيئة!؟....أرأها بتلك المنامة؟...تشبثت بالغطاء جيدًا، ثم شهقت بهلعٍ عندما وجدته يدلف للغرفة بدون إستئذان فصرخت هي بتلقائية و هي تضرب الفراش بيديها:


-إنتَ إزاي تدخل منغير ما تستأذن!؟ 


إرتسم علي ثغره إبتسامة جانبية، ثم تقدم ناحيتها و هو يصيح بصوتٍ أجش:


-دة علي أساس إن البيت بيتك!


زفرت بنزقٍ، ثم صاحت بسخطٍ و هي تهز رأسها بإستفسارٍ:


-إنتَ جيبتني هنا؟


رد عليها بتهكمٍ و هو يجلس أمامها علي الفراش:


-لا إنتِ بتمشي و انتِ نايمة.


جحظت عيناها لتصرخ بإهتياجٍ و هي تنهض واقفة علي الفراش ليقع ذلك الغطاء من عليها:


-بطل الأسلوب دة معايا.


تنهد بتمهلٍ قبل أن يهتف ببراءة مزيفة و هو يشير ناحية منامتها الحمراء:


-شكلك زي الطفلة بيها.


عقدت حاجبيها بعدم فهم، ثم أخفضت نظراتها لتجده يشير ناحية منامتها، لذا شهقت بخجلٍ و هي تلتقط ذلك الغطاء لتستر جسدها به صارخة بغضبٍ و هي تهبط  من علي الفراش:


-و إية اللبس اللي جايبهولي دة إنتَ إتجننت!؟


عقد حاجبيه بعدم فهم مصطنع، ثم هتف بتلك النبرة المستفزة:


-ماله بس اللبس يا قطتي!....دة حتي حلو عليكي!


وضعت كفها علي رأسها لتجز علي أسنانها بعنفٍ هاتفة ب:


-طب...ط..طب بلاش اللبس، إ...إنتَ مش شايف إنه ميصحش نقعد هنا إحنا الإتنين في بيت واحد لوحدنا!؟ 


عقد حاجبيه بقسوة، ثم نهض ليقترب منها و هو يصيح بحدة:


-مين بقي اللي قالك الكلمتين دول؟


إزدردت ريقها بتوترٍ واضحٍ، ثم أجابته بتلعثمٍ:


-ي...يعني إية!؟


وجدته يقبض علي عنقها بعنفٍ ليدفعها ناحية الحائط بقوة، فإصطدم جسدها به لتصرخ بألمٍ مرتجفة برعبٍ و هي تستمع لنبرته الجحيمية و هو يصرخ ب:


-يعني لية مسمعتيش الكلام و فتحتي الباب للست اللي كانت بتخبط!؟

.............................................................................. 



    الحلقه الرابعه والعشرون من هنا

تعليقات



×