الفصل الخامس و عشرون من رواية:وقعت في قبضة الوحش.
بقلم/رولا هاني.
-خمسة مليون و دة أخر كلام، ها قولت إية؟
صاح بها "هلال" و هو ينفث دخان سيجارته الفاخرة، ليبتسم بخبثٍ عندما رأي عيني "إيهاب" التي تلتمع بوميض الإعجاب، ثم و بعد صمت دام لعدة دقائق هتف "إيهاب" بتوترٍ و هو يزدرد ريقه بصعوبة:
-ب...بس دة "زياد النويري" و أنا كدة هتأذي.
تنهد "هلال" بحنقٍ، ثم صاح بضيقٍ و هو ينظر ل" إيهاب" شزرًا:
-هخليهم سبعة مليون، ها قولت إية؟
إبتسم "إيهاب" بمكرٍ، ثم صاح بتلك النبرة الشيطانية التي لا تبشر بالخير:
-إذا كان كدة، موافق يا باشا.
____________________________________________
-أتجوزك!....إنتَ إتجننت يا "زياد"!؟
صرخت بها "نورسين" و هي تنهض هي الأخري من علي الفراش لتقف أمامه مباشرةً و علي وجهها علامات مصدومة واضحة فرد هو عليها بجدية:
-صدقيني هو دة الحل الوحيد، الناس هنا لو إتكلمت كتير مكانا هيتعرف، إحنا بس هنتجوز علي الورق و هنعلن دة، بعدها هخلص من اللي عايزين يأذونا و...
ردت عليه بإستفهامٍ بعدما طال صمته لعدة ثوان هكذا:
-و إية!؟
أجابها و هو يطرق رأسه برفضٍ لتلك الفكرة:
-بعدها هطلقك و كل واحد يرجع لحياته الطبيعية.
وجدها ترفع حاجبيها لتسأله بتلهفٍ و فيروزتيها تتابع تعابير وجهه المبهمة:
-طب مش هتبطل شغلك دة!؟
عض علي شفتيه يحاول السيطرة علي كلماته، و لكنه لم يستطع ليرد عليها بحيرة حقيقية:
-مش هعرف، الشغل دة اللي بيدخله مبيخرجش منه إلا و هو ميت.
عقدت حاجبيها لتومئ له عدة مرات هاتفة بلا وعي:
-زي باباك.
حجظت عيناه بتلك الصورة المرعبة لتستطيع وقتها إستيعاب ما قالته، فأرادت وقتها أن تبرر ما قالته بأي شئ و لكنه قاطعها عندما قبض علي فكها هامسًا بنبرة قاتمة و الشر يتطاير من عينيه:
-و إنتِ عرفتي منين؟
وجدها تزدرد ريقها بصعوبة لتهمس بعدها بتلك النبرة الضعيفة التي جعلته ينفجر بالضحك:
-من ساعة ما قولتي متصرفش بغباء و أنا بعمل العكس!
ترك فكها و هو يحاول السيطرة علي ضحكاته بالرغم من صعوبة الموقف، بينما هي ترمقه بتعجبٍ حقيقي، فهي و لأول مرة تراه يضحك هكذا!...كم كانت ضحكته جذابة!؟....كم كانت إبتسامته ساحرة!؟....ربما هناك شئ ما خلف ذلك الوحش!...ربما هناك طفل تم سلب طفولته منه، ربما هناك رجل أخر خلف ذلك القناع، ربما يوجد أمل!...ربما توجد فرصة، ربما قلب ال "نورسين" يزدهر بداخله عشق ما!...عشق لا يُقاوم، عشق ليس علي المرء سوي الإستسلام أمامه!...حمحم بخشونة عندما وجدها شاردة بوجهه و بملامحه هكذا، لذا إستغل الموقف و صاح مجددًا بعبثٍ:
-تتجوزيني يا قطتي؟
اومأت له عدة مرات فأمرها هو بجدية:
-عايز أسمعها منك يا "نورسين".
اومأت بعدها هاتفة بنبرة عالية بعض الشئ، و قد أقنعت نفسها بإنها ستتركه بالفعل بعدما يتخلص من هؤلاء الناس الذين يريدون إيذاءهم و لم تكن تعرف إنها تخطو أولي خطواتها بطريق العشق:
-موافقة.
____________________________________________
-إن ساعدتنا سنعطيك ما تريد..!
قالها "روبرت" و هو يضع ساقًا فوق الأخري، بينما "إسماعيل" يرمقه بترددٍ، و بعد عدة دقائق من الصمت هتف هو بلهجة إنكليزية متقنة:
-و لكن "هايدي" لن تخون صديقتها مهما حدث!
و بتلك اللحظة رد عليه "روبرت" و هو يرتشف عدة رشفات من كأس الخمر الذي بين يديه:
-و لكنها تثق بك.
نظر له "إسماعيل" بتوترٍ، ثم هتف بفضولٍ لم يستطع إخفائه:
-و إن فشلت؟
إرتسم علي ثغر "روبرت" تلك الإبتسامة القاسية التي جعلت "إسماعيل" ينتفض ذعرًا خاصة عندما رد عليه "روبرت" بتلك النبرة الشيطانية:
-"إسماعيل" أنتَ رجل ذكي، بالتأكيد تعرف ردود أفعالنا إن فشلت.
و لم يعطه" روبرت" فرصة للرد بل تابع بدهاء و هو يضع ذلك الكأس الفارغ علي تلك المنضدة:
-ربما لا تفكر بعائلتك الصغيرة!
إزدرد "إسماعيل" ريقه و هو يتابع "روبرت" الذي يكمل بتلك النبرة الخبيثة:
-زوجتك و أطفالك، ربما هم في خطرٍ أنت غير منتبه له.
____________________________________________
أغلقت باب المرحاض جيدًا، ثم رفعت الهاتف قليلًا لتضغط عليه عدة ضغطات قبل أن تضعه علي أذنها هامسة بتلك النبرة الخافتة:
-"هايدي".
أتاها رد "هايدي" بتلهفٍ خلال ثوان:
-"نورسين" إنتِ كويسة!؟
تنهدت "نورسين" و لم تستطع السيطرة علي ساقيها فوقعت علي الأرضية الباردة و هي تهمس بنبرة منخفضة:
-أنا حياتي هتتغير اليومين الجايين دول يا "هايدي"، مش عارفة هرجع تاني "نورسين" بتاعة زمان ولا لا!
لم تفهم "هايدي" ما قالته "نورسين" فتسائلت بعدها مباشرةً بإستهجان:
-مال صوتك يا "نورسين"!؟....إنتِ كويسة؟
ردت عليها "نورسين" بتلعثمٍ و هي تمرر كفها علي خصلاتها القصيرة بعنفٍ شديدٍ:
-كل اللي عايزة أقولهولك متتصدميش من أي خبر هينزل اليومين الجايين، دة غير إنك مش هتشوفيني الفترة الجاية، و إياكي يا "هايدي"، إياكي تعملي أي حاجة من دماغك، فاهمة!؟
إستمعت "نورسين" لتنهيدات "هايدي" الرافضة بتوترٍ، و لكنها تنهدت بإرتياحٍ عندما وجدتها ترد عليها بتأففٍ:
-ماشي يا "نورسين" مش هعمل أي حاجة.
إنتفضت "نورسين" وقتها برعبٍ عندما إستمعت لتلك الطرقات التي تعالت علي الباب الذي كانت تستند عليه فأغلقت الخط سريعًا هاتفة بنبرة مهتزة:
-أيوة، ثانية واحدة.
نهضت من مكانها لتضع الهاتف خلف مرآة المرحاض، ثم غسلت وجهها جيدًا عندما شحب بتلك الصورة الواضحة، و إتجهت ناحية الباب لتفتحه بيدٍ مرتجفة فوجدته أمامها بتعابير وجهه الصارمة الغير مفهومة يقول بشكٍ بائن بنبرته الحادة:
-إتأخرتي كدة لية!؟
هزت رأسها عدة مرات لتهتف بثباتٍ و هي تعقد ساعديها أمام صدرها حتي تخفي إرتباكها:
-عادي.
اومأ لها عدة مرات، ثم إقترب منها ليهمس بجانب أذنها و هو يضرب كتفها عدة ضربات عنيفة:
-بعد كدة لما تعوزي تكلمي صاحبتك إبقي إديني خبر.
جحظت عيناها بصدمة و فغرت شفاتها بخوفٍ، و فجأة إنتفضت برعبٍ عندما صرخ بوجهها قائلًا:
-طلعي التليفون يا "نورسين".
تلاحقت أنفاسها لتصيح بإرتعابٍ و هي تشير للداخل:
-ورا المرايا.
ولج لداخل المرحاض ليأخذ الهاتف من خلف المرآة، ليستمع لنبرتها التي تعاتبه بقسوة:
-إنتَ عمرك ما هتتغير، حتي حبك اللي إعترفت بيه قبل كدة أنا متأكدة إنه كان كدب.
أغلق الهاتف ثم إستدار لها، ليصيح بهدوء مزيفٍ و هو يقترب منها:
-الأيام هتثبتلك إن كان كدب ولا لا.
رمقته بضيقٍ بينما هو يتابع تعابير وجهها بإهتمامٍ و هو يقول بروية:
-و يلا عشان المأذون برا.
إتسعت حدقتا عيناها هامسة بداخلها و هي تتراجع عدة خطوات للخلف:
-بالسرعة دي!
____________________________________________
-إية مبتسأليش يعني!؟
قالها "إسماعيل" بنبرة واثقة و هو يضع الهاتف علي أذنه ليأتيه رد "هايدي" ب:
-معلش إنتَ عارف اللي حصل ل "نورسين" شاغل بالي جدًا و خصوصًا الفترة دي.
تنهد بعمقٍ قبل أن يسألها بهدوء مصطنع حتي لا تشك به:
-طب و هي فين دلوقت!؟
ردت عليه بتلقائية ليتنهد هو براحة، ف"هايدي" تثق به، بالإضافة إلي شخصيتها الساذجة التي ستساعده كثيرًا:
-مش عارفة بس هي مختفية اليومين دول، و طمنتني عليها دة أنا حتي لسة كنت بكلمها.
حك "إسماعيل" مقدمة رأسه ثم صاح بلؤمٍ و هو يشدد قبضته علي الهاتف بترقبٍ:
-إسمعي يا "هايدي"، أنا حاليًا بقي معايا دليل يثبت إن "زياد النويري" تاجر مخدرات، عشان كدة عايزك تعرفيلي مكان "نورسين" لإن دة هيساعدني في اللي هعمله.
عقدت حاجبيها لتحاول إستيعاب ما قاله و فجأة تذكرت كلمات صديقتها التحذيرية بأن لا تفعل أي شئ أحمق، و لكنها لم تستطع مقاومة تفكيرها الساذج و هتفت بحماسٍ جعل تلك الإبتسامة الماكرة ترتسم علي ثغر "إسماعيل":
-تمام يا "إسماعيل"، أنا هعرفلك هي فين.
____________________________________________
-(بارك الله لكما و بارك عليكما و جمع بينكما في خير)
قالها المأذون بعدما تم بالفعل عقد قرآنهما، لتتنهد هي بعدم إستيعاب!...أصبحت زوجته!....أصبحت زوجة تاجر مخدرات!....ربما ذلك كابوس يراودها!...ربما بالفعل كابوس يطبق علي عنقها بلا رحمة!...."زياد النويري" غير مفهوم و مبهم بصورة كبيرة، ربما تخاف منه و تخشي ردود أفعاله الغير متوقعة، ربما لا تفهمه و لا تعرفه!...رفعت كفها الأيسر أمام عينيها لتري تلك الحلقة التي تزين أصبعها بعدم تصديق، هي حتي لم تتأكد إن كان يحبها بصدقٍ أم إن ذلك فخ جديد منصوب لها! ...هي لا تعرف إجابة أي سؤال يراود رأسها و أكثر سؤال أصاب رأسها بالألم هو(أتحب هي ذلك ال"زياد" أم ذلك ما هو إلا فضول لمعرفة ماضيه المجهول!؟)....إنتفضت بخفة عندما وجدته يضع الهاتف علي أذنه ليصيح بجمودٍ معهودٍ:
-إعلن خبر جواز رجل الأعمال "زياد النويري" من "نورسين الشربيني" يا "إيهاب".
عادت مجددًا لشرودها و لم تنتبه لإغلاقه للخط ولا حتي لمغادرة الجميع للمكان، هي فقط شاردة بمستقبلها المجهول مع ذلك الرجل!....شهقت بخفة عندما لفحت أنفاسه الحارة وجهها خاصة عندما صاح بتلك النبرة الدافئة:
-مالك!؟
هزت رأسها عدة مرات لتصيح بإستهجان و هي تنهض من علي الأريكة:
-مالي، بتسألني مالي و أنا حاليًا متجوزة تاجر مخدرات!
إبتسم بإستهزاء، ثم صاح بإستخفافٍ و هي يجلس علي تلك الأريكة ببرودٍ يصيب المرء بالإنفعالٍ:
-لا فعلًا إنتِ لازم تتعصبي، أصل أنا كنت مفهمك إني دكتور قبل ما نتجوز.
تلاحقت أنفاسها ثم ركضت ناحيته لتنحني بجذعها للأمام قابضة علي مقدمة قميصه، لتصرخ بإهتياجٍ:
-إنتَ لازم تبطل شغلك دة، شغلك دة هو مخلينا في خطر.
طوق خصرها ليجذبها نحوه فوقعت هي جالسة علي ساقيه بصدمة، و حاولت النهوض بحركاتها العشوائية أكثر من مرة و بالطبع لم تستطع، و ما زاد الطين بلة إقتراب وجهه من وجهها بتلك الصورة المحرجة، ليهمس هو بصوتٍ أجش:
-قريب يا "نورسين"، قريب أوي بس الصبر.
ضربت صدره بقبضتها لتهتف بنزقٍ و هي ترمقه بسخطٍ:
-إنتَ كداب.
هز رأسه نافيًا ثم وضح لها قائلًا:
-أنا عمري ما كنت صادق غير دلوقت يا "نورسين".
تلاحقت أنفاسها مجددًا لتهمس بنبرة عالية و الدموع تلتمع بعينيها لتوضح مدي رعبها:
-و لو إتأذيت بسببك!
هز رأسه نافيًا، ثم صاح بصرامة و هو يسحب رأسها ناحيته ليحتضنها بحنان:
-مش هيحصل يا "نورسين"، عشان أنا عمري ما هسمح لحد إنه يأذيكي.
إستطابت ذلك الشعور و هي بين أحضانه، فإستكانت بين ذراعيه لتنسي كل شئ و لو لعدة دقائق، لتنسي والدها و هي بين يديه، لتنسي عملها و هي معه، لتنسي حياتها بأكملها و هي بأحضانه، لتنعم بقربه الذي بات محبب لها، لتبتسم بإطمئنان و هو يربت علي ظهرها بتلك الصورة الحنونة، بالرغم من قسوته البائنة إلا إن هناك طفل سجين بداخله، طفل عزمت هي إخراجه من ذلك السجن الذي بات يشكل عائقًا واضحًا بينها و بينه!...و خلال عدة ثوان أطبقت جفنيها لتغوص بسبات عميق غير مهتمة لأي شئ، كل ما يهمها الآن هو شعورها بالأمان بين يديه!
بينما هو يشعر بسكونها بين أحضانه فأبعدها قليلًا ليراها نائمة بتلك الصورة التي تعزف علي أوتار قلبه الذي أصبح هائم خلال عدة أيام، نهض من علي الأريكة ليتجه بها ناحية تلك الغرفة، ثم وضعها علي ذلك الفراش بهدوء حتي لا تستيقظ، ثم ترك قبلة رقيقة علي شفتيها قبل أن يهمس بثقة:
-هحاول يا "نورسين"، هحاول أكون الأحسن عشانك!
..............................................................................