الفصل الثاني عشر من رواية:وقعت في قبضة الوحش.
بقلم/رولا هاني.
-مش كفاية نوم بقي!؟
قالها "زياد" بصوتٍ أجش جعلها تفتح جفنيها ببطئ لتتسائل بنبرة متحشرجة و هي ترفع رأسها قليلًا لترمقه بتعجبٍ:
-هو حصل إية؟
رأت تلك الإبتسامة الساخرة ترتسم علي ثغره ليسألها بدهاء:
-هو من المفروض إني أنا اللي أسألك السؤال دة يا قطتي.
ثم تابع بخبثٍ و هو يغمز لها بعينيه اليمني:
-بس مش مهم دلوقتي.
إنتبهت وقتها لذلك الوضع المحرج الذي كانت به، لذا إبتعدت عنه لتعتدل في جلستها قائلة بألمٍ و هي تبتلع تلك الغصة المريرة:
-ملقتش مكان أروحه غير هنا، كنت خايفة!
وجدته يعتدل في جلسته هو الأخر ليحيط وجهها بين يديه هاتفًا بثقة أدهشتها:
-أوعدك إني مش هرحم اللي خلاكي بالحالة دي.
ردت عليه بتنهيدة حارة قبل أن تنفجر في البكاء ليري هو وجودها علي حافة الإنهيار:
-و لو قولتلك إن اللي خلاني بالحالة دي يبقي أقرب حد ليا!
ثم تابعت بصراخٍ لتنتحب بحرقة و جسدها يرتجف بلا توقف:
-لو قولتلك إن اللي إتسبب في كل دة هو أبويا!
إبتعد عنها قليلًا ليرمقها و يرمق عبراتها بتوترٍ ليتسائل بنبرة مبهمة:
-يعني إية!؟
ردت عليه بنبرة مبحوحة و هي تشير بسبابتها ناحيتها:
-يعني أنا كنت محتاجاله، كنت محتاجة يكون جمبي، عارف يا "زياد"؟
نظر لها بإستفهامٍ ليحثها علي إكمال الحديث فهمست هي بقهرٍ:
-لو كان معايا مكنتش هبقي معاك هنا، مكنتش هبقي في خطر!...لو..
كادت أن تتمم جملتها و لكنه قاطعها عندما سحبها نحوه لتستند برأسها علي صدره و دموعها تتساقط علي قميصه فيتألم قلبه لتزداد حيرته!
إستخدمت كلا ذراعيها لتبعده عنها قبل أن تنهض من علي الفراش و هي تجفف عبراتها التي كانت تظهر مدي ضعفها و حزنها، ثم إلتفتت ناحيته عندما هتف بعبثٍ:
-طب إية مش هتباركيلي؟
عقدت حاجبيه بسخرية لتصيح بتهكمٍ بالرغم من نبرتها المبحوحة و هي تعقد ساعديها أمام صدرها:
-لية إتجوزت!؟
اومأ لها مؤكدُا لتشهق هي صائحة بإستنكارٍ:
-إتجوزت!؟
اومأ مجددًا ليسألها بخبثٍ و هو يرفع حاجبه الأيسر بمكرٍ:
-إية زعلتي؟
لا تعلم لما إنقبض قلبها بتلك الصورة المؤلمة لتتنفس هي بعمقٍ لتحاول التخلص من ضيقها التي إزداد عندما علمت ذلك الخبر، ثم و بنبرة ظنتها قوية هتفت ب:
-و يا تري "زياد" باشا "النويري" إتجوز مين!؟
أجابها بشرودٍ و هي يتأمل ملامحها التي أصبحت أكثر شحوبًا:
-اللي ضربتك بالنار بسببها.
سألته بعفوية و عيناها تجحظ بقلقٍ و ترقبٍ:
-اللي في بطنها يبقي إبنك!؟
رد عليها بفظاظته المعهودة و هو يتجه ناحية باب الغرفة:
-ميخصكيش.
و قبل أن يخرج صاحت بنبرة شبه عالية و هي تحرك كلا ذراعيها بتوترٍ:
-طب و موضوع إني هقتلك دة، إنتَ مفهمتنيش أنا هعمل إية بالظبط!
رد عليها و هو يوليها ظهره و نبرته كالعادة غامضة و غير مفهومة جعلتها تتشنج بحركات عصبية و هي ترمق ظهره بغيظٍ:
-في موضوع في دماغي لو حصل يبقي ملهوش لازمة اللي كنا هنعمله دة.
و لم يعطها فرصة لإكمال حديثها ليتركها فريسة لحيرتها المزعجة!
____________________________________________
-يعني إية معرفتيش تعرفي أي حاجة عنها!؟
همس بها "أسامة" و وجهه محتقن بالدماء من شده غضبه، لترد عليه وقتها "سهيلة" بنبرة مستهزئة و هي لا تكترث لغضبه:
-يعني معرفتش و مش هعرف و لا عايزة أعرف و سيبني بقي و إنساني، انا خلاص مش هفيدك بحاجة تاني.
وجدته يومئ لها بصورة جعلتها ترتجف رعبًا ثم وجدته يخرج ذلك السكين من خلفه قائلًا بنبرة تشبه فحيح الأفعي:
-فعلًا إنتِ مش هتفيديني بحاجة تانية، و عشان كدة.
رمقته بترقبٍ و هي تهز رأسها نافية بإرتعابٍ، و بخلال لحظات غرز ذلك السكين برقبتها و لم يعطها أي فرصة للمقاومة هامسًا بنبرة شيطانية:
-عشان كدة لازم أخلص منك.
جحظت عيناها لتتراجع بجسدها للخلف و هي تري تلك الدماء تغمر ملابسها فعلمت وقتها إن النهاية قادمة، و لا هروب منها، ثم وقعت أرضًا لتصبح جثة هامدة فارقتها الحياة بينما هو يتابعها ببرودٍ شديدٍ، ثم و بعد عدة دقائق غادر المكان و هو يبتسم بتهكمٍ قائلاً بدهاء:
-و بكدة يكون "زياد النويري" هو المسئول عن موتها.
____________________________________________
إنتشر خبر ترك "أسامة الصياد" لإبنته لتكون فريسة الحياة بسرعة غير متوقعة، ليصبح حديث الناس خلال ساعات، و لم يتواني أيضًا أي صحفيون عن النشر عن ذلك الموضوع بعناوين مثيرة للجدل مثل ("أسامة الصياد" رجل أعمال كما نعرف عنه أم للحقيقة رأي أخر!؟)، ("أسامة الصياد" لديه زوجة و إبنة!؟)، ("نرمين أسامة الصياد"، تلك المفاجأة التي وضحها رجل الأعمال الشهير "زياد النويري")!
و قد وصل لها الخبر من خلال تلك الجريدة التي بيدها و فجأة خرجت الصغيرة أمامها من تلك الغرفة و هي تركض بمرحٍ فشهقت هي بإرتعادٍ قائلة بإستنكارٍ:
-إنتِ!؟
توقفت الصغيرة عن الركض لترمقها بفضولٍ قائلة ببراءة:
-إنتِ مين؟
كادت "نورسين" أن ترد عليها و لكنها وجدت تلك المرأة البغيضة تخرج من نفس الغرفة قائلة بحدة طفيفة و هي ترمقها بنظراتٍ قاتمة:
-"نرمين" يلا بينا عشان نمشي.
تلاحقت أنفاسها ما إن رأتها لتتذكر ما فعلته بها، لذا و بكل غلٍ إندفعت "نورسين" ناحية "سيدة" لتقبض علي خصلاتها البنية صارخة بحقدٍ واضحٍ:
-مش هسيبك يا بنت ال***.
ثم ظلت تضربها بكلا ذراعيها بقوة لا تعرف من أين أتت بها، حتي "سيدة" لم تستطع المقاومة بسبب شدة الضربات التي وجهتها "نورسين" لوجهها فوقعت هي أرضًا لتحاول حماية وجهها من بطش تلك التي تركلها بشراسة، بينما "نرمين" تصرخ باكية بصوتٍ عالٍ هز أرجاء المكان ليخرج وقتها "زياد" علي أثره صائحًا بذهولٍ:
-إية اللي بيحصل هنا!؟
و ما إن رأي "نورسين" التي جثت علي ركبتيها لتضرب "سيدة" بقوة أكبر بالرغم من ذلك الألم الذي شعرت به بسبب جرحها ركض نحوها بتلهفٍ هاتفًا بصوتٍ عالٍ ليسحبها من فوق تلك المسكينة:
-بتعملي إية يا مجنونة!؟
زحفت "سيدة" الي الخلف بإستخدام ذراعيها فركضت الصغيرة نحوها لتحتضنها بخوفٍ صائحة ب:
-ماما "سيدة" إنتِ كويسة؟
ظل يهزها بقوة قابضًا علي معصمها و قبل أن يوبخها صرخت هي بإهتياجٍ قائلة:
-متعودتش أسيب حقي.
قبض علي فكها ليهمس بنبرة تحذيرية، و لكنها لم تتأثر بل ظلت ترمقه بإحتقارٍ واضحٍ بفيروزتيها:
-إياكي تفكري تعملي كدة تاني، مش هسمحلك تقربي من أي حد يخصني خصوصًا لو بنت عمي.
و بالرغم من تلك المفاجأة التي ألقاها بعدم إكتراث إلا إنها لم تهتم بل صاحت بإزدراء و هي تلهث من فرط العصبية ليرخي هو قبضته عن فكها بذهولٍ:
-بنت عمك، بنت خالتك ميهمنيش، اللي يهمني إني خدت حقي و خلاص.
كاد أن يرد عليها و بنبرته الحادة و لكن صراخ الصغيرة أفزعهما فنظرا تجاه "سيدة" ليجدا مقدمة رأسها تنزف، فركض نحوها "زياد" صارخًا بخوفٍ بائن علي قسمات وجهه بينما "نورسين" تتابع لهفته عليها و هناك شعور غريب يجتاحها، شعور غير مفهوم، ربما غيرة تنبهها لشئ ما:
-"سيدة" حصلك إية!؟
وقتها أجابت الصغيرة بنبرة طفولية و هي تشير ناحية "نورسين" التي تكاد تحترق من فرط الغيظ:
-الست الوحشة دي هي اللي ضربتها برجلها في راسها ، أنا شوفتها.
رمقها شزرًا فهربت هي من نظراته، أما هو فوجه نظراته مجددًا ناحية "سيدة" هاتفًا بأسفٍ و هو يتفحص ذلك الجرح السطحي برأسها:
-متزعليش يا "سيدة".
اومأت له و هي تخرج منديل ورقي من جيبها لتجفف به تلك الدماء قائلة بعدم إهتمام:
-محصلش حاجة، هي كانت عايزة تاخد حقها و خدته.
ثم نهضت لتسحب الصغيرة "نرمين" خلفها لتغادر المكان، بينما "نورسين" ترمقه بقلقٍ هاتفة بإرتباكٍ و هي تزدرد ريقها بصعوبة من فرط التوتر:
-إية في إية!؟
و بدون مقدمات وجدته ينحني ليحملها كشوال البطاطس علي ظهره فصرخت هي شاهقة بخوفٍ قائلة بغيظٍ و هي تضرب ظهره بقوة:
-نزلني يا "زياد" نزلني.
ضغط علي شفتيه بأسنانه ليحاول كظم غضبه و هو يتجه لداخل غرفته، ثم و برفقٍ عجيبٍ وضعها علي الفراش صائحًا بحنقٍ و هو يرمقها بإنزعاجٍ:
-لتاني مرة تخرجي عن إتفاقنا يا "نورسين".
هتفت وقتها برقة مصطنعة، و هي تطبق جفنيها بخوف مزيفٍ:
-بس أنا كنت باخد حقي مش أكتر!
زفر بضيقٍ و هو يشعر بالضعف الغريب تجاه خوفها، و إنتابه شعور عجيب يحثه علي إحتضانها لبث شعور الأمان لقلبها، و لكنه و فجأة نفض رأسه بعنفٍ ليزيل تلك الأفكار الجنونية التي تراوده منذ أمس، ثم هتف بإصرارٍ عندما تذكر ما حدث و كيفية هروبها ليستشيط غيظًا من فعلتها الحمقاء:
-فهميني حصل إية إمبارح.
فتحت عينيها لترمق بنيتيه بروية فعلمت وقتها مدي جدية الأمر،لذا هتفت و هي متكدرة تعلم إن لا هروب من إخباره بالحقيقة:
-ب...بابا زمان سابني أنا و أمي و راح إتجوز واحدة تانية إسمها "رفيف"، ه....هي كانت صاحبة ماما و...و كانت متجوزة و عندها ولد بس جوزها مات و بعدها إتجوزت بابا، بعدها ا....ا..ا..
رأي كلماتها التي تخرج بصعوبة بالغة من بين شفتيها، لذا جلس بجانبها هامسًا بنبرة دافئة تطمئنها:
-متخافيش يا "نورسين"، متخافيش و كملي.
اومأت له ثم أخذت تتابع قص ما حدث و هي تفرك كلا كفيها بتوترٍ ملحوظٍ:
-لما كنت في المستشفي بابا جالي، بس كان عايزني أنفذله حاجة أنا لحد دلوقتي معرفهاش، و لإني مكنتش عايزة أنفذله الحاجة اللي هو عايزها منغير حتي ما أعرفها ضربني و كان هيقتلني، بس..
توقفت عن الحديث مجددًا لترمق تعابير وجهه المحتقنة بالدماء بإرتباكٍ فحثها هو علي إكمال الحديث قائلًا بنزقٍ:
-كملي يا "نورسين".
صاحت بقلقٍ من رد فعله الغير متوقع:
-بس وقتها دخل إبن "رفيف"، "سالم" و ضربه قبل ما يقتلني و خدني و هربني من المستشفي و كنت فكراه هيساعدني لكن تاني يوم لقيته بيتكلم مع حد إكتشفت إنه متفق مع مامته و بابا عليا!
توعد لهم بنفسه لتتابعه هي بحيرة و فجأة باغتها بهتافه ب:
-إسمعي يا "نورسين" عشان اللي هقوله دة مهم جدًا.
اومأت له ثم نظرت له بفضولٍ، بينما هو أخذ يقص عليها ما يخطط له في القادم، و هي تسمعه بذهولٍ تارة و بإستنكارٍ تارة!
____________________________________________
ثمة نيران إندلعت بالمكان من شدة غضبه الذي جعله يصرخ بوجه كل من يقف أمامه، و لم يكتفي بذلك بل كان يحطم أي شئ يراه أمامه صارخًا بسباب لاذع و صراخه لا يتوقف، ثم و بعد أن أصبح المكان بفوضي غير موصوفة صاح بحارسه الشخصي و جسده يهتز من فرط العصبية:
-قدامك لغاية الصبح و تجيبلي "نرمين"، و إلا هقتلك يا *** فاهم.
اومأ له حارسه و هو خائف من بطشه الذي سينال منه بلا شك، ثم همس بإحترامٍ و هو يغادر المكان سريعًا هروبًا من غضبه المرعب:
-أوامرك يا "أسامة" باشا.
____________________________________________
كانت تضع الطعام بالصحون بينما "نرمين" تنظر لرأسها بإهتمامٍ فهتفت هي للمرة الخامسة بنفس الساعة:
-"نرمين" يا حبيبتي انا كويسة و راسي مفيهاش حاجة متخافيش.
هزت الصغيرة رأسها نافية لتهتف ببراءة و هي تعقد ساعديها بغضبٍ طفولي:
-لا يا ماما "سيدة" الست الوحشة دي ضربت راسك جامد انا شوفتها.
كادت "سيدة" أن ترد عليها لتجعلها تتخلص من حالة الإهتياج تلك التي لم تتخلص منها بعد و لكن قاطعها صوت رنين الهاتف، لذا إلتقطت "سيدة" الهاتف لتضعه علي أذنها بعدما ضغطت عليه قائلة بإستفهامٍ و شعور القلق يراودها بسبب تأخر الوقت الذي جاء به تلك المكالمة:
-حصل إية!؟
أستمعت لما قاله ذلك الحارس الذي كان يهاتفها ليقع الهاتف من كفها بينما "نرمين" تهزها بخفة لتفهم ما أصابها، ثم همست بصوتٍ يكاد يكون مسموع و حدقتيها تتسع بصدمة:
-"سهيلة" ماتت!
..............................................................................