رواية زيغه الشيطان الحلقه السابعه عشر
"أنا الآن في أسوأ حالاتي فـ لا تخدعك ابتسامتي إنها مزيفة؛ ولا يخدعك اتزاني فـ إن كل شيء بي يميل."
- أحمد عطية
_____
في أحدي الشقق المتواجدة في المناطقة الراقية والجديدة، كانت ريما تجلس علي الفراش تبكي وبحرقة جرح كبير قد صدع في قلبها فلم تستطيع تضميد جرحها السابق، فمازالت لا تصدق ما فعله بها اعترفت بحبها له كالحمقاء..
وكانت علي وشك أن تسلم نفسها كما سلمت قلبها له من قبل، كانت بالنسبة له لحظة عابرة، رغبة لا أكثر وبالنسبة لها لحظة تمنتها معه العمر كله، ولكنه يقتل أمالها ويحطم قلبها بأبشع الطُرق مازالت في خاطرة ويريد أن يقابلها، مازالت بتول في عقله وقلبه أما هي سراب....
كانت تريد أن تموت أهون لها مما تشعر به الآن دخلت صديقتها مها وهي تحمل الطعام، ووضعته علي الطاولة وهتفت بنبرة حانية وهي تقترب منها
- اهدي يا ريما بقا، علشان خاطري انا معرفش أيه اللي حصل وانتِ من ساعة ما جيتي مش عايزة تتكلمي بس علشان خاطري بطلي عياط من ساعة ما جيتي وانتِ علي الحال ده
حاولت التوقف عن البكاء ولكن بلا جدوي، هتفت ريما وهي تلطم علي خديها بانهيار
- مش قادرة يا مها، مش عارفة ابطل أوجع في قلبي ولا عارفة أحكيلك ايه اللي حصل
قالت تلك الكلمات بتلعثم شديد وتزداد شهقاتها، أخذتها مها في أحضانها وحاول تهدئتها بقدر الإمكان، فهناك جرح كبير في قلبها لا تستطيع تفاديه ولا حتي البوح به كيف تبوح بما يحدث معها
- اهدي يا ريما، ومش عايزاكي تقولي ياستي حاجة انا مش عايزة أعرف، كفايا انك تكوني كويسة وتهدي مفيش حاجة ملهاش حل
هتفت ريما وهي تنظر لها بأعين غامضة صارخة بألم شديد
- مفيش حاجة هتعدي يا مها، انا غبية يا مها، كل مرة برخص من نفسي علشان بحبه، عايزة ابطل أحبه عايزة اكرهه يا مها، وحياة الكسرة اللي انا فيها لهطلعك يا شهاب يا فهمي من قلبي وهخرجك من حياتي كأنك مدخلتهاش
احتضنتها صديقتها أكتر محاولة محاولات تبوء بالفشل بأن تهديها، قلم تكن ريما فتاة تبكي لتلك الدرجة، نعم منذ أن عرفتها وهي حساسة للغاية وتتألم لابسط الاشياء ولكن لاول مرة يحدث شيء يصيبها بالانهيار الي تلك الدرجة...
________
«في صباح اليوم التالي»
-في بيت عائلة الشيمي-
أغلقت صفية الهاتف بغضب شديد وكانت تقف بجانبها سعاد، تلك المرأة التي تعمل منذ سنوات في بيتها؛ وتعتبر صديقة لها أيضًا
فهتفت سعاد بتساؤل حينما لاحظت ملامح صفية التي تحولت تمامًا، فكانت تتحدث مع أمجد فحينما استيقظوا من النوم لم يجدوه في المنزل
- في ايه يا ست صفية أمجد بيه فين
- هيكون فين عاد رايح عند المحروسة، جال عنده حاجات مهمة وكان لازم يمشي وطبعا ابني بيكدب رايح لبتول اللي كلت عجله وبعدته عن عيلته وناسه
تنهدت بانزعاج ثم استكملت حديثها بسخرية
- وواكله عجله دلوجت أكتر من أي وجت تاني علشان حبلة يا سعاد
- الحمدلله انه بخير بدل ما قلبنا اتخلع
قالتها سعاد بهدوء شديد وحاولت أن تقوم بتهدئتها ليحدث ما يعكس ما تريده، ففي نفس الوقت كان أكرم يهبط من علي الدرج وهو يجر حقيبة سفره
فهتفت صفية بحنق شديد وكأنها تشكو له
- شوفت اخوك يا اكرم، راح القاهرة
هتف أكرم بلا مبالاة مجيبًا عليها فهي حتي لم تهتم لحقيبة سفرة سيظل أمجد هو الأهم
- ايه الجديد كان عندك أمل انه يسيب مكتبه وشغله ومراته ويقعد معاكي
صاحت صفية بغضب شديد وهي كادت أن تنهض من مكانها سوي جسد سعاد الذي منعها
- ما تتكلم زين يا واد أنتَ
- انا قولت الحقيقة يعني هو من امته كان قعد، وبعدين مش ده امجد اللي بيجي يصلح كل حاجة وبيعمل اللي محدش بيعمله
قال كلماته بغضب شديد فحاولت أن تهدأ حتي لا تغضبه أكثر مدركة غيرة أكرم من أمجد منذ الصغر، فهتفت بانزعاج وهي تري تلك الحقيبة
- وايه ده انتَ رايح فين ان شاء الله
فهتف اكرم وهو يجر حقيبته
- كويس أنك اخدتي بالك اخيرا..رايح بورسعيد عن عمتو هقعد شوية واجي، لو في حاجة كلميني
خرج بعد أن قال كلماته من البيت بأكمله، فهتفت صفية بغضب عقب خروجه
- شوفتي يا سعاد، واحد متعلق بعمته وقاعدلي عندها علطول والتاني ماشي ورا مراته
أردفت سعاد بخفوت حتي تخفف من انزعاجها
- اهدي يا ست صفية هي دي أول مرة هما دي عادتهم والشباب كلهم كده صيتهم من دماغهم
انطلقت ضحكة ساخرة منها، ثم هتفت بغضب حينما تذكرت نوم رقية حتي الان
- اهو كلام، وبعدين اطلعي شوفي الهانم التالتة منزلتش ليه علشان الفطار، وله يعني هي جت عليها يمكن تكون هي كمان ناوية تسيب البيت وتمشي هو انا بقا ليا لزمة عند حد فيهم...
_________
-داخل حجرة راضية-
صدح رنين هاتفها منبهًا إياها عن موعد استيقاظها وميعاد عملها... رفعت يديها مغلقة إياه، فهى لم تغفو مثل البشر فقد كان نومها متقطعًا... كيف يغلبها النوم وتنام بطريقة طبيعية وهى من تجبر على الزواج... وشقيقتها تحمل في احشاءها طفل أيمن الذي اذا علم والدها به سيقوم بقتلها لا محال
فهي كانت دائمًا رافضة للزواج فهى تلك المرأة الطموحة التي تريد بأن تعليم وعمل المرأة أهم شيء في حياتها..
رفضت زيجات عديدة لأسباب واهية.. وها هى توضع أمام الأمر الواقع..عليها القبول لإنقاذ أختها..
نهضت من على الفراش والجة دورة المياة..
وقفت أمام المرآة القابعة فوق حوض الأغتسال...
فتحت صنبور المياة وضمت كلتا يديها جامعه بعض المياة، ثم نثرتها على وجهها عدة مرات...
انتهت مغلقة المياة ملتقطة المنشفة من جوارها وهى تطلع في انعكاسها بالمرآة، متحدثة بينها وبين نفسها:
-لازم توافقي يا راضية مقدمكيش حل تاني، لو موافقتيش ابوكي مش هيتمم جوازة ياسمين وايمن الا بعد سنتين وساعتها اختك هتنكشف وهيقتولها، هى غلطت بس أنتِ مش هتتحملي تخسريها ولا أن ابوكي ونجم رأسهم تنزل
تنهدت بقوة، ثم تركت المنشفة متخذة ذلك القرار والموافقة على تلك الزيجة واخبار والدها قبل الذهاب الي المستشفي..
_____
-في فيلا أمجد الشيمي-
ولج أمجد البيت بعد أن فتحت له الخادمة بترحاب شديد، وأخبرها بأن يذهب احدهما لأخد الحقائب من سيارته، حينما دخل وجد داليا تجلس وأمامها كوب من الشاي وبعض المعجنات التي تتناولها هي وبتول في الصباح وتتصفح أحدي المواقع علي هاتفها، فأردف امجد بابتسامة هادئة وهو يظهر له أسنانه
- ايه النور ده؛ داليا هانم مرة واحدة هنا
نظرت له داليا منتبه لذلك الصوت الذي يكفي لأن يصيبها بأنزعاج شديد، ليستكمل أمجد حديثه
- صباح النور يا حماتي عاملة ايه
أجابته علي مضض وهي تجز أسنانها أمام ابتسامته الواسعة فهي لم تتوقع أبدًا مجيئه الآن وبتلك السرعة
- صباح الخير يا أمجد، جيت يعني مكنتش اعرف أنك راجع بسرعة أوي كده
- اهو علشان يبقي ليا نصيب أشوفك مش يمكن لو عرفتي كنتي تمشي ؟؟
ليضحك بمرح، ثم هتف بنبرة هادئة مستكملاً حديثه وهو يلعب علي استفزازها علي أكمل وجه
- كفايا مشاكل يا حماتي، لو مش حبًا فيا فيكون علشان خاطر بتول واللي في بطنها انا مستني أبني وانتِ مستنية حفيدك احنا الاتنين مجبرين نحترم بعض علشان خاطر بتول واحنا الاتنين مصلحتنا واحدة
هتفت داليا بسخرية مجيبة إياه
- للاسف الشديد..كان يوم اسود يوم ما اتجبرت اتحملك
- بتول فين علشان وحشاني أوي واوعي يا حماتي تمشي علشان انا جيت، مش برضو لو بتول شافتنا كلنا بناكل وقاعدين في هدوء نفسيتها هتكون أحلي
قال كلماته بنبرة هادئة، فأجابت داليا عليه بسخرية
- اه بتحب الخير اوي انتَ يا أمجد بتول في أوضتها
- ماشي، حماتي خدي دي
ليرسل لها أمجد قبلة في الهواء بمرح شديد، ثم ذهب ليصعد علي الدرج بحماس شديد، فهتفت داليا بحنق وخفوت محدثة نفسها
- يا تناحة أمك يا شيخ
فقد أفسد مخططها لن تستطيع بتول مقابلة شهاب وفي نفس الوقت مجبرة أنها ستعود إلي منزلها وتترك أبنتها معه، ستتناول الطعام معهما حتي تتحسن أبنتها فهي مدركة ما يُصيبها ثم تذهب.
-في الأعلي-
كانت بتول تجلس علي فراشها فهي لم تنم منذ استيقاظها من ذلك الكابوس تنتظر مجيئه كما وعدها، وبمجرد أن فتح أمجد الباب ورأته، نهضت فورًا راكضه له قائلة بسعادة وكأنها كانت تخشي عدم رؤيته مرة أخرى فأصابها ذلك المنام بالذعر...
كان أمجد يغلق الباب لتأتي محتضنه أياه وبشدة أنفاسها عالية ولاهثة وخائفة، احتضنها أمجد بعمق شديد دافنًا وجهه في عنقها، يشم رائحتها فتقتله ببعادها وهجرها له...
رفع أياها حاملا أياها في أحضانه لحظات صمت عجيبة أصابتهما، ليتجه ناحية الفراش ليجلسها عليه، ويجلس هو جاثيًا علي ركبتيه أمامها قائلا وهو يمرر اصابعه علي شعرها
- مالك يا بتول، مكالمتك كانت قلقاني اوي مش عايز أقولك انا جاي طول الطريق اعصابي عاملة ازاي، كلمة واحدة بس هي اللي كانت مصبراني هو انك مشتاقالي وعايزاني جنبك
- خوفت يا أمجد خوفت رغم زعلي منك خوفت.. حلمت بكابوس وحش أوي، عارفة اني زعلانة وعارفة كل حاجة بس كنت هموت لو مشوفتكش
كانت تتحدث والدموع تنهمر منها ويقوم هو بدزره بمسحها
- بعد الشر عليكي يا بتول انا مقدرش أعيش من غيرك
قال كلماته بحنو شديد، فامسك يدها الباردة، يقبلها وهو ينظر الي داخل عيناها وما تحمله من خوف وحب له مهما أنكرت
- اسف يا قلب أمجد لو كنت زعلتك وتنقطع ايدي يا بتول لو اتمدت عليكي تاني انا ساعة غضبي مش بتحكم في نفسي بس انتِ عارفة أني بحبك، متزعليش مني يا حبيبتي
قال كلماته وهو يرتفع قليلا مقبلًا ذقنها ليرتفع أكثر مقبلا وجنتيها، ثم قبل جبهتها
فهتفت بتول بهمس وهي تنظر الي عيناه التي تعشقها وتقع أسيرتها لا تدري أي تعويذة قام بفعلها لها حتي تعشفه هكذا
- مش زعلانة يا أمجد كفايا أنك قدامي وبخير دلوقتي
- انا بعشقك يا بتول..انا مهووس بيكي
قال تلك الكلمات وهو يهمس أمام شفتيها مائلًا عليها، أخذًا شفتيها في قبلة قوية يعبر لها عن مدي شوقه لها؛ وكيف جرحت كرامته وألمته حينما رفضته لتبادله مجبرة فهي بالفعل تشعر بالتخبط..
فهي غاضبة وحانقة عليه ولكنها تخشي فقدانه مازالت تشعر بالقلق؛ بادلته شغفه ليبتعد عنها فاتحًا أزرار قميصه بلهفة شديدة وهو ينظر لها فلمس منها القبول بسكونها ومبادلتها له ليخلع قميصه قاذفًا أياها بعيدًا ويعود مرة أخري لتقبيلها وبادلته بحب وعشق شديد وكأنها تناست كل شيء بمجرد رؤيته، وحاوطت عنقه تناسوا العالم لدقائق وتناسوا ما حدث
حتي دق الباب دقات خفيفة فابتعد عنها هاتفًا بسخرية مرح وخفوت
- واضح اني اندمجت شوية ونسيت أن أمك هنا
لتضحك بتول رغمًا عنها، فصاح أمجد قائلا ليسمعه من في الخارج
- ايه
جاءهم صوت الخادمة قائلة بنبرة عملية بعض الشيء
- الفطار جاهز يا أمجد بيه، مدام داليا خلتنا نحضره علشان حضرتك لسه واصل
- ماشي قوليلها جايين
قال أمجد كلماته علي مضض لتذهب الخادمة فأردف بانزعاج وهو يجز أسنانه
- أحلي حاجة في حماتي خوفها عليا خلتهم يحضروا الفطار ليا مخصوص قد أيه بتفكر فيا ....
____________
في المزرعة...في الصعيد
وبعدما انتقت غرام فرسًا ابيض اللون...كي تمطيه بمفردها...كانت تقف بجواره..تفكر في طريقة لاستقلاله...
بينما امتطى نجم الفرس الخاص به والذي كان يتسم بسواد اللون مشابهًا عتمة الليل... فقرر أن يكفائها بسبب تقربها من ابنته في الفترة الاخيرة فخالفت توقعاته
صدح صوته الرجولي المحب إليها متمتم:
-يا مسهل الحال يارب...ما تركبي يا بنتي مش هتفضلي اليوم بحاله بتركبي في حصان...ده حصان...مش فيل...
لوت فمها وتمتمت بسرها:
-والله ما في فيل غيرك....
ثم هتفت بصوت عالي:
-بقولك ايه انا مش عايزة اركب..أنا غيرت رأيي...
ارتفع حاجبيه وصاح وهو يهبط من أعلى حصانه:
-لعب عيال ولا إيه...
انتهى مقتربًا منها حاملًا إياها واضعًا إياها جبرًا فوق الحصان... صرخت غرام مرددة بخوف محاولة النزول:
-لا لا...مش عايزة..والله اصوت..والم عليك كل اللي في المزرعة...نزلني...
التفت نجم حوله وردد بغلاظة متعمدة:
-هما فين اللي في المزرعة دول...ده مفيش غيري انا وأنتِ...انهاردة إجازة العمال...
ابتلعت ريقها مدركة صدق كلماته فقالت مترجية شاعرة بالرهبة الشديدة:
-ورحمة حسناء يا نجم لتنزلني...نزلني...
هنا وتبدلت قسماته ولاحت بذهنه بل تكررت أمام عيناه ذكرى شعر بأنه يعايشها من الجديد...
فلاحظت غرام حزنه...وصدمت من مساعدته إياها على الهبوط..
مخبرًا إياها بتراجعه عن الذهاب بجوله:
-يلا خلينا نرچع الدوار....
_____
-في المساء-
-شوفت يا فهمي شهاب حكالك على اللي بتول ناوية عليه..بنتي خلاص اتجننت.. أمجد واكل دماغها ولعب في عقلها...مش كفاية انها وقفت قدامي وعندت معانا واتجوزته غصب عنا لا كمان ع
كادت تسترسل تلقى كلماتها الحادة العنيفة التي تبين مدى كرهها وبغضها تجاه زوج ابنتها فتركتهم بعد الغداء وقامت بمهاتفة فهمي علي الفور .. هتف فهمي مجيبًا عليها بتلك الكلمات التي لم تلقي أعجابها:
-كفاية يا داليا..كرهك لـ امجد عميكي ومخليكي بدمري في بنتك وتجرحيها ومش بس كدة لا..أنتِ كمان بدمري حياة ابني ومراته...بسبب مكالمتك لـ شهاب حصل خلاف بين ريما وشهاب..
لانت ملامحها وتبدلت لأخرى مصدومة...فلم تتوقع أن تخرج تلك الكلمات من فوه هو..!!
من تولى رعاية ابنتها..واملاكهم...وكان أمينًا وخير اختيار من زوجها محمد..الذي تركهم أمانة لديه قبل وفاته...
انتبه فهمي لتلك الصدمة التي تليح على قسماتها فعاد مبررًا وشيء من الندم يتغلله:
-أنا اسف يا داليا لو كلامي جرحك..بس لازم حد يفوقك..وتعرفي أن اللي بتعمله ده غلط..بنتك خلاص اتجوزت..ومبسوطة...سبيها بقى..وكمان شهاب..عايزك تخرجيه من حساباتك..لأن شهاب شال بتول من دماغه ومن قلبه...شهاب بيحب ريما يا داليا..يعني هو وبتول ملهمش اي فرصة مع بعض...
عضت على شفتيها واراحت ظهرها على الاريكة كابحة حزنها الدفين..فلا يشعر أحد بها ؟؟
رفعت بصرها تطالعه وبعد ثوانِ من التفكير هتفت بحسم:
-حاضر يا فهمي مش هدخل شهاب في أي حاجة تخص بتول تاني...بس مقابل ده عايزاك تساعدني..
أنزوى ما بين حاجبيه وردد بترحيب:
-قوليلي اقدر اساعدك في ايه ؟
اخذت نفسًا عميقًا ثم صرحت:
-عايزة واحد يدور ورا امجد.. أنا متأكدة اني هلاقي وراه مصايب...
نفخ فهمي بنفاذ صبر فمن الواضح أن حديثه لم يؤثر بها...فصاح معتذرًا:
-أنا اسف يا داليا بس
قاطعته بحدة:
-مفيش آسف يا فهمي...بتول بنت اقرب صاحب ليك وسابها أمانه عندك ومن واجبك ناحيتها انك تساعدني..أنا متأكدة أننا هنعرف عنه بلاوي.....والبلاوي دي هى اللي هتخلي بتول تسيبه...
-حاضر يا داليا..هدورلك وراه..بس مش عشان أنا معاكي..لا عشان اوريكي واثبتلك انك ظلماه...
_________
-ما كفايا يا شهاب انتَ قربت تخلص الازازه الله يخربيتك
قال ساهر تلك الكلمات وهو يجلس بحانب شهاب في أحدي الملاهي الليلية التي كان يتعود الجلوس فيها مع صديقه، كان ساهر مستغرب من حالته فمنذ أشهر قد ترك تلك العادة وشرب الخمور، فما الذي جري له؟!!
هتف شهاب بنبرة حاول جعلها هادئة
- بقولك ايه انا جاي علشان اقعد لوحدي وقرفان من كل حاجة..وانتَ بسبب اصرارك قولتلك انا فين فمتقعدش تقرفني .. انا مش عيل اشرب زي ما اشرب
مؤسف شعوره بالشرود وفقدانه معرفة نفسه!!
ريما استحوذت عليه بالفعل، لم يحزن حتي وقت زواج بتول بهذا القدر، لم يحزن علي شيء كما حزن علي تحطيم قلبها الذي بات متأكدًا بأنها ليست زوجة فقط..ليست زوجته التي يسعي لارضاءها بل تضخم الامر ويظن أنها أصبحت أكثر من ذلك، ولهذا السبب يشعر بهذا الألم!!!
هتف ساهر وهو يحاول تغيير الموضوع حينما لاحظ حزن شهاب الذي يحاول اخفاءه ورُبما لا يريد قول السبب فلن يضغط عليه!!
- طب صح البت رزان اختفت مرة واحدة ولا فيس ولا واتس ولا انستا .. سفر ايه اللي يعزلها عن العالم
- بقولك ايه انا مش في دماغي حد كل واحد حر .. هي مش صغيرة ومسافرة مع جوزها كفايا بقا ادوش نفسي بالناس
قال شهاب تلك الكلمات وهو يمسك الكأس مرة أخري بعد أن اضاف أخر ما تبقي في الزجاجة الذي أنهاها بالكامل فهتف ساهر ساخرًا
- لا انتَ حالتك صعبة يا شهاب .. ده ابوك لو عرف باللي بتهببه ده هيعلقني معاك ....
_____
كان نجم يجلس وحيدًا بغرفته...تحديدًا على ذلك المقعد المتواجد بمنتصف الحجرة....وبين يداه..قطعة من الملابس التي يتضح عليها انها تعود إلى صغار حديثي الولادة...
ضم تلك القطعة الى احضانة...مشددًا من التمسك بها... كأنه يهاب فقدانها مثلما فقد صاحبها...ابنه الصغير...الذي حُرم منه..ولم يسنح له أن يراه....
انهمرت الدموع من عيناه...كالمطر..لا تتوقف...ولا يكف قلبه عن التألم..لفقدانه....
رفع تلك القطعة من ثغره وقام بتقبيلها..وبكاءه يزداد تدريجيًا دون إرادته.....ورغمًا عنه..
وفجأة انفرج الباب وظهر من خلفه رضوان الذي كان يستفسر عن غياب حفيده...ومثلما توقع... وجده يجالس ذاته..ويحتضن ملابس ابنه المتوفي...
بدأ رضوان بالتقدم منه بعدما اطبق الباب...وعصاه تصدر صوتًا...فلم يتحرك نجم أو يتوقف بكاءه...
وقف أمامه رضوان ورغم تأثره بحالته إلا أنه حافظ على ثباته وقال:
-وبعدين وياك يا نچم لحد ميتى هتفضل أكده..ابنك الله يرحمه... أخرج من حالتك دي...مش كل فترة والتانية...الكآبة تمسك وتقعد تبكي كيف الحريم..معندناش رجاله تبكي...ارفع راسك وجوم اغسل وشك يلا..
أخذ نجم نفسه عنوة ونهض مختبًا بدورة المياة
______