رواية عشق الفصل الثامن 8 بقلم كنزة


رواية عشق الفصل الثامن 8 بقلم كنزة 





الحلقة الثامنة من رواية عشق
عنوان الحلقة: أما آن الأوان أن تستقيم؟

القسم الأول:

قلب برئ كبرائة العصفور فجأة وبدون مقدمات تحول الي قصيدةً ملعونة تحمل في جوفها كل معاني الكره، وتحمل بين شطريها محيطات من الحقد والبغض، وعنوانها تعويذة سحرية سأكتب عنك فيها كل ما يطفئ نيران قلبي وشظايا روحي... حتي وإن رأيت نظرات الندم في عينيك وقيود الحسرة تفتك بقلبك.. لن يرف لي جفن أو يرفق قلبي بك.

فماذا ينفع الندم بعد فوات الاوان فلقد أخذتني بوحشيتك وأقمت حربا ضروسا وقد كانت لك الغلبة، أما أنا، هههه فلقد أضعت خطاي علي أرصفة الطريق وسط سقيع الشتاء القارص، لن اقبل اعتذارا ولن اسكن لندمك ولكنني سأعزف لحناً بإسمك يصم كل من يسمعه فيدعو الله بأن يسحقك إلى الجحيم ، وسأخبر العالم كم أنت سيء ، وأنّ جوفك مليء بأنهار من جبروت الوحوش، وسيظل سؤالي الابدي : ما ذنبي أنا ؟! 💔

 
هوت كما حدث كثيرا وكل الثقل الذي حملت على كتفيها هوى، عانقت الفراغ ولسيد الظلام أقبلت، ها هو هناك ينتظر ويبتسم، هي فريسته العنيدة التي أتعتبته دونا عن سواها ، و الآن ظن أنه انتصر لكن ما فعل، بين ذارعيه وقعت مغشيا عليها من الألم والحزن والصقيع والتعب الذي نهشها، بين ذراعيه وهنت وضعفت، من كانت تهرب من ذراعيه وجدتهما ملاذا، امسكها جيدا ليصرخ بها:
ماذا تفعلين يا مجنونة؟
هي لحظة واحدة، خرجت عن شعورها واستسلمت ونفس اللحظة خرج من وحشيته واستسلم، هي ضعفت،ط وهو خاف.
نظرت إليه، ماذا حدث؟ لا تريده ولا تطيقه لكنها محاطة بذراعيه، بعين منكسرة بحلقت في عينيه قليلا لكنها لم تستطع الحديث لجم لسانها، ذلك الإنكسار الذي بلغه قلبه وعن أعمق نقطة منه، أليس كل هذا خلاصة أفعالك؟ خاطبته نفسه اللوامة.
هرب من سؤال نفسه إليه وردح صوته قائلا:
ألست فتاة مؤمنة وتعلمين أن الانتحار حرام ويجر صاحبه لجهنم دون سؤال؟ ماذا تفعلين أنت؟
يتحدث يضمها لصدره يحتويها كلها يفترش الأرض، يريد أن يحتوي انكاساراتها التي أحدثت يديه، يريد أن يقول أنا آسف، لكم ما نفع الدم فلا حرب اعتذرت ولا عدو عاد وشيد ما خرب خلفه بتلك البلاد، أقبلت إليه بعيونها فقط أما القلب فهيهات هيهات أن يعود لفتوه بعد أن تمكنت منه التجاعيد، تجاعيد الزمن الذي مضى سنون طوال خلال شهور فقط.

نظرت اليه بتلك العيون المتورمة لتقول هامسة:
أنا أكرهك.
فعلتها وأصابته وهزمته هذه المرة، فعلتها وآذته، مجرد كلمة رددتها فأحدثت ما أحدثت وأسدل الستار على أفراحه،ليبدأ بعدها جسدها بالتثاقل اكثر ثم اغمضت عينيها وسكنت تماما عن الحركة وهي لاتزال بين يديه.
ض*رب وجنتيها برفق حاول إيقاضها مرددا بخفوت:
إياك أن تفعليها ريحان،استفيقي ريحان لطفا استفيقي، أنا أعتذر لقد وضع الشيطان غشاوة على عيوني،ماكنت ابصر فعلت بك ما فعلت وانت لاذنب لك بكل هذا، قد لا ينفع اعتذاري بشيء، أعرف جيدا ما ألحقت بك لكن هذا كل ما في جعبتي، "سامحيني".
ساكنة هي بين ذراعيه، اعتذر لكنها لم تسمع، اعتذر لكنها لا تعي فقد أتى متأخرا.

حال معها مرة أخرى فبدأت بتحريك جسدها ببطئ وما أن رآها كذلك حتى قام وحملها بسرعة وركض للغرفة ليضعها فوق السرير، قلبه يرتجف لم يفسر الشعور ذاك.
 قام بتغطيتها ثم اقترب منها وهمس يطمئن قلبه:
يربما لا تتنفس ثم اقترب اكثر من وجهها وحاول تحسس نفسها، استفاقت وفتحت عيونها لتجده قريبا منها لتلك الدرجة، بحلقت به برهة حتى عاد إليها وعيها وحين حدث استوعبت قربه ففزعت وتحركت مبتعدة عنه مرددة بصوت خفيض:
ابتعد عني.
ابتعد واعتدل، كم اشتهى قلبه في تلك اللحظة ضم شفتيها، لقد كاتت مختلفة عن سابقاتها، إنه لشعور مختلف وجميل وغريب أصاب قلبه، نوع جديد من التمرد على ذاته.
تحدث بجدية قائلا:
ما الذي كنت تنوين فعله؟
طالعته باحتقار، تلك نظرتها اليه ولا تتغير ثم رددت:
دعني بسبيل حالي.
نظر إليها مطولا دون ما حديث، نظر إليها مطولا دونما حديث، فأين له بكلمة ينطقها تنسيها ما اقترفه بحقها، ان نطق او همس فكل حرف ينغمس في جروحها فيزداد نزفها، لم يجد سوي ان يسلم راياته لينسحب مستسلما تاركا الغرفة بأكملها تاركا جدرانها يطبقان علي أنفاسها بعدما قذفه الباب خارجها.

 نزل للأسفل وبقي قليلا هناك يعافر يريد أن يسترد أمير لكن لا يعرف أي واحد منهم السبيل إليه أقرب، زفر بضيق ثم خرج من البيت كله.
بقيت مكانها مستلقية لمدة تنظر للظلمة خارجا، لقد أصبحت تستهويها نعم اطفئت إلى ذلك الحد الذي جعلها تستهوي الظلمة بدل النور، تبكي بصمت كمطر متهاطل ينزل من سماء تلبدت، بكت وبكت حتى بللت وسادتها كانت في حالة ضياع ويأس وكما السماء تنتظر بعضا من أشعة الشمس تعينها كي تنقشع تنتظر هي الأمل أن يمر بها يوما وينقشع الهم عن قلبها.

هدأت بعد وقت وقامت من مكانها ثم توجهت للحمام لتتوضأ تردد بين شفتيها الإستغفار فوقفت وطالعت نفسها ساخرة ثم حادثتها قائلة بعتاب:
كيف تمكن الشيطان منك لهذه الدرجة عشق؟ كيف جعلك ذلك الصوت الذي طالما ناداك وهربت منه أن يغلبك، كيف انصغت له؟
بسببه لن ألوم أحدا هو فقط.

توضأت ثم وقفت أمام الخزانة فستانا من الفساتين التي كانت هناك والتي أحضرها لها أمير سابقا وغيرت الذي كان عليها ثم باشرت صلاتها مصدر طمأنينتها وعالمها الموازي الهادئ، ركضت من صخب نفسها وذلك الضجيج، هربت من ذاتها التي ظلت لوهلة ووقفت على محرابه مولانا رب العالمين.
صلت وهناك فقط أين يليق فعلا ان نبكي ويستحيل أن يكون دمعنا في حضرته عيبا او تعبا، هناك دعته بخشوع وتذللت وطللت غفرانه عز وجل، ثم سريعا ركضت إلى مصحفها لتقرأ شيء القرآن، كانت يدها على صفحات المصحف الشريف ويدها الأخرى تضعها موضع قلبها الذي كاد يشق صدرها من شدة الالم والانين.
 أما هو فقد كان بالخارج وقتها يمشي في ظلمات ظلمه، شتانا بين الثرى والثريا وشتانا بين ملجأ هروبها وملجئه، يسير على الجمر، يختنق مع كل خطوة يخطوها ويغص مع كل نفس يخرجه من صدره، 

ظن أنه ان خرج لتنفس هواءا عليلا بنسمات لطيفة تهدئ النيران المتوهجة بجوفه، ولكن هيهات بينه وبين الراحة التي هربت مبتعدة عنه بعدا يفوق المسافة بين بعدي البعدين، استحالت النسمات لشظايا تنهش ضميره ووجدانه، لم يقع بين حرب قلبه وعقله ولكن هذه المرة وكأن قلبه وعقله وضميره والإنسانيات أجمعها اجتمعوا عليه متخذينه عدوا لدودا، قلبه يمقت بهيميته وعقله يذجر غفلته وضميره ثائرا أشهر سيفه بوجه كل إسائه ارتكبها بحق من لم تقترف ذنبا...

ومنظرها وهي تهوي بنفسها بيأس أمامه و كلمة رجائها تغرس الاسهم السامة بقلبه، تذكر حالتها وهي تنتفض بين ذراعيه لياتي على ذاكرته أخته سونا فكم من مرة عاشت تلك الحالة وانتفظت بين يديه وهي تصرخ باكية متألمة لكن الفرق هو أن سونا كانت تتشبث به بكل قواها، أما هي فقد رفضته وصدت حضنه لها خاطب نفسه بضيق قائلا:
ماذنبها هي؟ أدت إحراقها فأحترقت أنا، أردت تعذيبها فانقلب السحر علي، لن اتراجع لن اعود للخلف لا يمكن أنا خطوت اميالا لا يمكن لعيونك أن تضعفني.
بقي كذلك مدة ثم عاد للبيت مخافة أن يحدث معها شيء سيء 
فصعد الى غرفتها حتى يطمئن عليها يظن أنها لا تزال نائمة فقد تأخر الوقت لكنه ما أن اقترب حتى سمعها صوت ترتيلها الذي أدمنه دون أن يدرك، ذلك الصوت الخفيض الذي يأتي من زاوية وقف مكانه يستمع لكلمات الخالق جل جلاله بصوتها كانت حينها تعاتب نفسها على مافعلت وتردد وتكرر" وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴿135 آل عمران﴾
كان في أعماق أعماقه شعور غريب، افرج عنه من قفص الوحشية وما عاد له مخالب وأنياب ثم ركض يبحث هنا وهناك عن النور، عن إنسانيته، عن فطرته فطال البحث ولم يجد شيء بعد، وطال وقوفه خلف باباها فعاد ذلك الصوت يهتز داخله ليخاطبه قائلا بخفوت" أما آن لك أن تستقيم؟"
عاد من شروده ذاك فقاوم ذلك الصوت الخفيض وانسحب، لينزل بعدها إلى الصالة اين ارتمى هناك ثم قام وتوجه للمطبخ وتناول مشروبا كعادته ثم ذهب لعالمه كي ينسى، ذهب لدنيا المعاصي كي يذهب عقله وينسى لكن القلب رمي في غياهب جب عميق لم يجد مخرجا منه، هو ذاته المخرج وهو نفسه السبيل، سكب قليلا في الكأس وحمله بيده وأخذ يحركه وهو ينظر إليه ليقول:اين هي اين وانا اين؟ هي اين وانا اين؟ليقوم برمي الكاس أرضا ويصرخ بقوة هزت البيت بأكمله ليبدأ بتحطيم ما كان أمامه من أغراض المطبخ.
انتفضت من مكانها بعد سماع صراخه مرددة:
بسم الله
 ثم وضعت مصحفها جانبا وتوجهت للباب لكنه توقفت قبل خروجها وفكرت قليلا، رددت بخفوت:
وما شأني به؟ الى جهنم وبئس المصير، لم أعد أعرف من أنا بسببه، 
لتعود إلى السرير وتندس هناك ثم تقوقعت على جسدها الهزيل تبكي، فقد كان الإختبار هذه المرة صعبا وبالكاد خرجت منه سالمة معافاة، فجأة وعلى حين غفلة منها عاد ذلك الصوت، صوت شبح الظلام أو بالأحرى هو اليأس الذي أسكته أمير داخلها وأقام له إقامة فخمة، هذه المرة عاد ليذكرها بأنه انتصر وقد سكن اليأس كل ركن من فؤادها فوضعت يدها على أذنيها تضغط باكية:
يكفي يكفي يكفي يكفي لقد تعبت تعبت لا يمكنني التحمل اكثل توقف ارجوك توقف عن الصراخ توقف ،لينظر بعدها إلى تلك الفوضى التي احدثها لينسحب من بين الحطام ويتوجه للصالة ويرمي نفسه هناك، كان يخاطب نفسه الأمارة بالسوء ويقول:
إلى متى أمير تارهون الى متى؟ وطال سؤاله وما وجد له جوابا شافيا كافيا فاستسلم للنوم بعد مدة بحالته السيئة تلك.

أما هي فقد كانت لاتزال بمكانها تبكي وحين تعبت قامت، ثم وقفت عند الباب تسترق السمع، لا شيء وصلها غير الهدوء فخرجت من الغرفة قائلة:
يبدو أنه غادر.
نزلت ببطئ بالكاد تخالف خطاها لتلمحه نائما على الكنبة، اقتربت منه بهدوء ونظرت إليه نظرة احتقار ثم قالت:
كم اشتهي ط**عنك عند قلبك الأسود حتى المو**ت لكنك لا تستحق أن أدنس يداي بدمك العفن، قبحك الله اكهرك وأمقتك ثم اتسدارت وعادت لغرفتها لتعانق ضلام الليل والهم والهوجاس.

حل الصباح...
لا زال أمير بمكانه نائما كالجثة بعد أن أثقلته الهموم والمشروب معا، رن هاتفه فاستفاق مباشرة وحمله ليفتح عيونه بتثاقل قائلا:
من هذا المزعج منذ الصباح؟ اف، ثم ظر ليجد أن سونا هي المتصلة ليرد:
ماذا هناك سونا؟
ردت سونا بجدية:
أين انت أخي ألن تعقل وتنام ليوم واحد بغرفتك؟
أمير بتذمر:
سونا من الآخر، ماذا تريدين؟ رأسي يكاد ينفجر
سونا:
اوزجي هنا
مجرد كلمتين جعلته يفزع ويعتدل ليجلس على حافة السرير ويتحدث بهلع:
اوزجي؟ لماذا؟هل حدث معها شيء سيء؟
سونا بهدوء:
لا اخي، لا تخف هي بخير صدقني لكنها عادت منذ قليل مع السائق لم ترغب بالبقاء مع والدتها وتريد ريحان.
أمير:
لماذا؟ 
سونا:
تعال الى القصر وستعرف واذهب لبيت ريحان وأحضرها اتصلت بها لكن هاتفها مغلق.
أمير:
سونا صدقا هل اوزجي بخير؟ لا تشغلي بالي اكثر فليس من عادتها أن تذهب عند والدتها ثم تطلب الرجوع بعد يوم فقط بالاخص أن والدتها كانت مسافرة.
سونا:
بخير اخي بخير لكنها تريد غير ريحان لم تصدق أنها ستعود
أمير:
حسنا حلوتي اهتمي بها فقط وانا ساتصرف سأحضر ريحان وآتي فورا.
سونا:
انتظر تحدث مع اوزجي وأخبرها انك ستحضر ريحان كي تهدأ قليلا.
ناولت سونا الهاتف لاوزجي لتقول:
بابا هل رحلت ريحان ولن تعود ثانية؟
أمير:
لا حبيبتي من قال ذلك؟
اوزجي:ولماذا لم أجدها هنا؟
أمير:
لماذا عدت من عند والدتك؟ ستحزن لذلك.
اوزجي:
بابا لم ارها منذ اخذتني من هنا،سلمتني الى المربية وانصرفت لحالها كالعادة
أمير بغضب:
اف نازلي لن تتغيري اطلاقا حسنا، اوزجي ساعود الى القصر انتظريني.
اوزجي:
ومعك ريحان؟
أمير:
ومعي ريحان والآن اعطي الهاتف لسونا حبيبتي
سونا:
تفضل اخي
أمير:
اهتمي باوزجي ولا تتركيها لوحدها لا نعلم مارد فعلها ولا اريد ان تختفي كما فعلت في مدرستها.
سونا مطمئنة إياه:
لا تقلق اخي.
أقفلت سونا الخط ليرن هاتفها ثانية ردت دون انتباه لتقول:
ماذا اخي؟
ليرد ذلك الصوت الذي تخشاه:
كيف حال حلوتي؟
جحظت عيونها وابتلعت ريقها، نعم ذلك الصوت، صوت جلادها وهل ستنساه يوما، إنه من قت**لها وهي على قيد الحياة، أقفلت الخط ورمت الهاتف أرضا وطالعته ترجتجف لتردد بصوت خفيض:
مستحيل
طالعتها اوزجي دهشة ثم اردفت:
ماذا هناك عمتي مابك؟
اغرورقت عيون سونا دمعا ورددت بتعلثم:
لا لا ليس هو ليس هو
اوزجي:
من هو عمتي؟ عمتي، عمتي اتسمعينني؟ سونا عمتي.

طالعتها سونا قليلا بعد أن صرخت تناديها ثم ردت:
 لا أحد لا أحد لا تشغلي بالك أنا فقط، أعني، يستحيل يستحيل ثم قادت كرسيها وانسحبت من غرفة اوزجي وقد نسيت توصية أمير بأن لا تتركها لوحدها حتى.

صعد هو الغرفة وفتح الباب برفق ليجدها لا تزال نائمة فقد نامت متأخرا.

نظر إليها قليلا يعيد على فكره ما حدث ليلا، زفر بحنق واقترب فانتبه لخصلات شعرها المنسدلة على وجهها الحزين فغطت جلّه،
ألم يكن السّجّان؟ لم غدى الوحش سجينة تلك الخصل، بدون راحلة إليها ارتحل، يطلب الراحة لقلبه وشفاء لما أصيب من علل.
 لم يستطع أن يقاوم فاقترب كثيرا وردد هامسا:
ما اجمله من شعر ثم مد يده كي يلمسه ويزيحه عن وجهها، لكن قبل أن يفعل ااستفاقت ما جعله يسحب يده سريعا، نظرت إليه لتقول:
ماذا تريد اكثر؟ لم دخلت الغرفة ألا يكفيك كل ما حدث؟
امعن النظر بها ثم قال:
انهظي وتجهزي سنخرج سريعا.
ريحان بغضب:
هل انا لعبتك تعالي واذهبي وخذي وهاتي؟
أمير بتذمر:
لا تبدئي من غير شيء رأسي يؤلمني قلت انهضي سنغادر الى القصر اوزجي عادت.
ريحان دهشة:
اوزجي؟
أمير:
هي في انتظارك هيا ولا تنسي هذا اتفاقنا وهذا هو دروك، فقط لو أفهم سر تعلقها بك لهذه الدرجة ؟
ريحان:
لم نتفق على شيء وحدك تقرر وانا علي التنفيذ كالعبيد فقط وان اعترضت تجلدني دون رحمة.
سكت حينها دون رد فهو يدرك انها محقة تماما بكل كلمة تقولها،
قامت ريحان من مكانها بينما هو لايزال واقفا أمامها لكن ما ان وقفت حتى أحست بدوار خفيف برأسها جعلها تفقد توازنها ليسرع ويمسكها قبل أن تقع لكنها رمقته بعينها لتقول:
لا تلمسني.

سحب يده عنها وتركها دون أن يتلفظ بحرف.
تحركت من موضعها صامتة تتحاشاه ثم دخلت الحمام لتنظر بعدها بالمرآة وتخاطب نفسها وتقول:
لماذا ابتليت بمريض نفسي لماذا لماذا؟ 
لقد اوصلتني لفكرة الانتحار لقد جعلت مني يائسة انك ادهى من الشيطان بذات نفسه،كيف سأسامح نفسي على فعلتي تلك؟.
لن أنس ما فعلته بي وما اوصلتني إليه حتى الموت.
يكفي يا قلبي يكفي ألما ما عدت استطيع التحمل اكثر.
كان هو خلف الباب واقفا ليسمع كل ماقالت ماجعله يخرج مباشرة من المنزل بغضبه وضيقه وتيهه وحزنه وندمه دون أن يعقب.

لقد عاش التجربة لاول مرة وسقي شيء بسيطا مم سقاه لأول مرة، من ظن انه سيكافح كل هذه الأزمات وانه يمكنه الخروج من دوامة ومستنقع الإرتدادات ها هو ينسحب دون مقدمات.

أما هي فكعادتها ما عادت تجادل، ماعادت تنخرط في لعبة الرد، تجهزت ونزلت لكنها لم تجده لتنتبه لفوضى المطبخ، تأففت وتحدثت :
اذا غضب يصبح ثورا هائجا، لا حول ولا قوة الا بالله،اصبري ريحان لاجل تلك الصغيرة فقط فهي لا تستحق ابا كهذا ومن يعلم ربما هي سبيل تحررك منه.
خرجت بعد حين لتجده في السيارة ينتظرها لتركب بجانبه دون التلفظ بحرف لكنه نظر إليها ليقول:
صباح الخير اولا.
ردت ببرود:
دعنا لا نتأخر عن اوزجي.
بحلق بها برهة فطالعته مستفهمة فتحدث برجاء قائلا:
ريحان بشأن البارحة..
قاطعته قائلة بضيق وتلك العيون الرقراقة تكاد تفيض من الدمع:
البارحة ذهب مع البارحة 
تنهد امير ليردف:
هل انت بخير؟
ريحان:
(وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81))الشعراء
أنا بخير ما دام لي رب لا تضيع عنده الحقوق فأنا بخير.
أخرسته لحظات ولجمت لسانه دقائق عدة، بعد أن كان يصيبها بكلملته تبالا الأدوار وأصبحت هي من تفعل.
تحدث بعد حين قائلا:
حسنا والآن افتحي هاتفك واتصلي بها إنا تظن أنك غادرت بلا عودة.
ريحان بضيق:
أتمنى ذلك حقا
أمير بتذمر:
ليس هذا موضوعنا ،تصلي بها فقط ولا تغلقي هاتفك ثانية لقد اخبرتك بذلك لكنك تعاندين طبعا.
اتصلت ريحان باوزجي وطمأنتها بأنها ستعود للقصر ولن تتأخر عنها لينطلق بعدها أمير بسيارته مباشرة.
كان متجها للقصر لكنه غير وجهته فجأة واختار طريقا آخر لتنظر إليه وقد دب الخوف بجسدها كاملا وتقول:
الى أين ستاخذني ؟لم استدرت؟ هذا ليس طريق القصر.
أمير بضحكة مكر:
يجب أن نعاقب لسانك السليط هذا.
ريحان:
ألا تمل انت؟ لقد تعبت تعبت منك اقت**لني وارحني من كل هذا، أو من الأحسن أن أصمت واصنع ما شئتض
أمير:
يكفي صراخا واهدئي سنذهب للافطار لا أكثر.
ريحان:
لا لا انت غير طبيعي انت بالتأكيد تعاني من انفصام مرة تظهر منك شخصية طيبة ومرة شخصية سيئة حتما.
أمير ضاحكا:
اضحكتني لم انتبه لهذا من قبل لكن ربما من يدري؟ 
ريحان:
 لا أريد.
أمير:لكن انا اريد الإفطار مع زوجتي ولا اريد اعتراضا.
ريحان بتأفف :
صبرك يا الله 
أمير:
لماذا؟الست كذلك؟
ريحان: 
لا حول ولا قوة الا بالله لتقول في داخلها( يا الله لو يحدث لنا ح*ادث وتأخذ ارواحن**ا وتريحني وتريح العالم منه)
ابتسم أمير وأضاف:
حسنا لن نفطر لكن لنذهب لمكان هادئ ثم للقصر.
لم ترد عليه والتزمت الصمت.
اكمل طريقه بابتسامته المستفزة بينما هي تجنبت النظر إليه طوال الطريق.

وصلا بعد مدة عند البحر،نزل اولا ووقف أمام السيارة يتأمل البحر وجماله ويأخذ من هوائه العليل ليقول:
 ايمكنك يا بحر أن تريحني مما ينحر داخلي؟ يعتي كما كنت تفعل فلا الشرب استطاع ولا بائعة الهوى استطاعت،انت صديقي فلا تردني فارغ اليدين.

ام انك أصبحت تشعر بالإهانة من هذه الصداقة، لن ألومك فأنا نفسي صرت أتبرأ من ذاتي فكيف سألومك يا بحر اللطف والسكينة، كيف لأمواجك ان تحتضن بأسي ويأسي وحيرتي، كيف لمسخ مثلي أن يقف هنا ليبثك وجعه وحزنه، انت الذي تلوذ الخائفين ويلجأ اليك المظلومين ليطمئنوا، فكيف لك أن تستوعب مسخا ظالما في رحابك.

اما هي فلم تنزل بل بقيت بالسيارة كانت تنظر الى البحر وعيونها تفيض دمعا كما فاض القلب من الحسرات، تذكرت حينها عمتها التي كانت في أحد المرات تحادثها فاتفتا أن ريحان ستدرس بإحدى جامعات اسطنبول وستأخذها لرؤية المدينة حين تعتاد عليها لتطلب منها عمتها حينها أن تأخذها لرؤية البحر.
ذكريات تحفظها أوراقا يابسة بين صفحات الكتب، وفي أسطر تلك الكتب ذكريات أيضا، ما صنع بها الزمن؟ كله غدى عابر سبيل يأتي مقبلا وحين تستعد للفرح يمر خلالها وينصرف بعيدا فيتركها مكانها قابعة تنتظر على أمل أن يعود...لكن لا شيء يعود.

انفصلت عن ذكرياتها وقد بكت لحظتها ونزل دمع من مقلتيها لتنظر إليه وتقول بكل أسى، وآه كم كانت مؤلمة تلك الكلمات:
لقد حطمت كل شيء جميل بحياتي حتى ذكرياتي أصبحت تؤلمني.
انتبه لها ليتوجه نحوها وفتح الباب ليقول:
انزلي.
ريحان:
أنا هنا لاجل اوزجي لاغير دعنا نعود.
أمير:
قلت انزلي لا تعاندي اكثر.
نزلت واتجهت للأمام السيارة تتحاشى النظر إليه ثم نظرت إلى البحر وجماله وتأملته، نظر إليها وإلى جمالها الفتان الذي اذهب عقله دون ثمالة ليقول بداخله:
يبدو أنها لأول مرة تأتي هنا، إنها تتامل البحر بحب وعيونها التي اخذت لمعة جميلة وهي تشاهده، لن افصلها عن هدوئها علها ترتاح قليلا ،اعلم أن ماحصل معك البارحة ليس بالهين فلا أحد يتحمله لكنك قوية وتتجاوزين مثل كل معركة تق*اتلين فيها ورغم أنك تعلمين أن الخسارة نصيبك لا محالة إلا أنك لا تستلمين، غريب أمرك عشق! من أين لك كل هذه القدرة على التحمل؟، سونا حين كانت بوضعك لم تتحمل يوما وعشت كل انكساراتها والمها وخذلانها حتى هذه اللحظة، كانت في كل مرة تنتفض بين ذراعي بقوة متمنية الموت، اما انت رغم كل ما حدث معك أو بالأحرى ما صنعته بك لم تنكسري ولم تذلي نفسك، انت قوية وصبورة وشجاعة، أيضا سيدة للحسن، وجه سمح، هادئة وناعمة جدا، أنا اعتذر ايتها المليحة، لو فقط ترسمين ابتسامتك الساحرة على شفتيك عل فؤادي الملتهب يهدأ قليلا، اللعنة ماذا أهذي أنا؟ لقد بلغ غبائي الذروة.
أصابك عشق أم رميت بأسهم...فما هذه إلاّ سجيّة مغرم...
نعم ما تلك إلا سجية عاشق يهرب من الحب، ما تلك إلا سجية رجل اتخذ على نفسه عهدا أن ما يسمى عشقا وما أضعف السلاطين لا يصيبه، لكن لا سلطان على الحب فهو يزور دون دعوات ويقيم دون التزامات.
نظرت اليه وانتبهت لشروده وسرحانه بها لتفصله عن حالة ضياعه تلك وتقول بتذمر:
لنذهب لقد تأخرنا عن اوزجي.
ابتسم ورد:
لم العجلة؟ ألم يعجبك البحر ويرحك نسيمه؟ أتمنى أن تكوني قد ارتحت قليلا.
ردت ريحان بخفوت:
أريد العودة للاطمئنان على اوزجي، ثم إنني لن أرتاح إلا حين أفارقك.
نعم أوجعته، لقد بعث الله بالعدل وهاهو يتجرع المرّ اوعية.

اخرج زفرة قوية ثم ركب سيارته بعد أن سبقته بالإنسحاب، طالعها مرددا:
قلت لك بدل المرة الف انا لن اتركك، انت طلبت وانا وافقت لكن انا من سيقرر متى سينتهي هذا الزواج.
ريحان بضحكة ساخرة:
ههههه وهل تسميه زواجا، إننه معتقل تعذب فيه روحي وتجلد كل ليلة بلا ذنب.
كان سيرد على كلماتها لكن شيء ما جعله يخرس بعد سماع كلمة "بلا ذنب" ليسلط بعدها نظره على الطريق يررد بداخله"ساتركك بسبيل حالك أقسم لكن ليس الآن عشق ليس الآن"

بعد مدة ليست بالطويلة وصلا القصر .
دلفت ريحان إلى الداخلوخلفها أمير، كانا متوجهين لغرفة اوزجي كل يهرول يريد أن يطمئن على الصغيرة لتستوقفهم جافيدان وبجانبها حكمت فغيرا الوجهة وتحركا ناحيتهما وسلما ليقول أمير:
أمي سارى اوزجي واعود 
جافيدان:
ابني كيف ترفض طفلة البقاء عند والدتها؟ ماذا يحدث هناك؟ ماذا حشوت برأسها يا هذه؟ الفتاة تغيرت كثيرا.
ريحان دهشة:
انا؟ ماذا تقولين يا خانم؟
جافيدان:
ومن اذا انا؟
حكمت:
جافيدان لا تستلمي البنت اتركيها ماذنبها؟
أمير بغضب:
أمي تعلمين جيدا سبب رفض اوزجي لوالدتها لا تتحججي بريحان
جافيدان:
لا تدافعوا عنها وأيضا انظري لمظهرك ما هذا؟ انت تخيفين الأطفال لا ترعينهم، ألم تنتبهي لمظهرك بالمرآة؟
تحدث يضغط على أسنانه:
أمي لطفا ماذا تهذين؟ ريحان اذهبي لغرفة اوزجي
حكمت:
انا سأغادر عندي عمل وانت جافيدان اهدئي لا تعطي الموضوع اكبر من حجمه وأنت ابنتي لا تنزعجي أعرف أنك ترعينها جيدا وهي تحبك لذا أكملي عملك ولا تهتمي لأحد.
ابتسمت وردت:
شكرا سيدي.

خرج حكمت من القصر ليجد نازلي بالحديقة تتأهب للدخول، سلم وانصرف لتدخل هي وتجد أمير ووالدته يتناقشان و وصلت ناحيتهما حتى تحدثت قائلة بغضب:
هل يمكن أن تشرح لي ياسيد أمير ماذا يحدث؟
تأفف بملل ثم نظر إليها قائلا:
ماذا يحدث؟حتى انا لا اعلم شيئا اتيت لتوي
نازلي:
أن تبكي طفلة طوال الليل تريد مربيتها وتعود لاجلها الساعة السادسة صباحا وهي تعرفها منذ أيام فقط! هذا ليس طبيعيا أمير 
أمير:
نازلي لا تبالغي انها طفلة وتعلقت بريحان لا اكثر.
نازلي:
لا أبالغ إذا ؟ أنا أمها، أمها وماذا فعلت ؟ رفضتني ولا تريد سوى تلك القروية الأمية هل برأيك سأسمح بهذا وأفرح له؟
أمير بغضب:
ألم تسألي نفسك سبب تعلق طفلتك الوحيدة بغيرك؟ام انك لا تجيدين سوى تحميل غيرك نتاىج افعالك؟
نازلي:
ماقصدك؟
أمير:
قصدي واضح نازلي لا تخدعي نفسك وتدعي الأمومة، انت لم ولن تكوني يوما أما لها ولن تجد بك حنان الأم وعطفها أبدا، أنت خلقت لنفسك و فقط حتى أنك لم تكلفي خاطرك وتحضريها بنفسك بل أرسلتها مع السائق وتسمين نفسك أما؟
جافيدان:
أمير عيب
نازلي:
لا خالة اتركيه يفرغ غضبه وهل يصلح لشيء غير هذا اصلا؟ اسمع أنت من أحضرت تلك القروية إلى هنا واأنت من سيعيدها ولن اسمح لأمثالها أن تؤثر على طفلتي افهمت؟
أمير:
نازلي، إياك أن تهددي، لا تتمادي أكثر،ريحان لادخل لها ولم تفتعل شيىا قصد التأثير على اوزجي بل هي تعاملها بكل حب وود والأطفال لا يرون ببراءتهم الا نقاء قلب الشخص الذي أمامهم وطيبته التي تنعكس على وجهه، وكذلك الحال مع اوزجي وريحان.
نازلي بسخرية:
أها، يبدو أنها أثرت فيك ايضا ؟بالطبع فهذا اختصاصهم ودخول بيت آل تارهون ورعاية حفيدتهم الوحيدة فرصة لا يكررها الزمن مرتين.
علت أصواتهما اكثر حتى وصلت مسمع اوزجي لتبدأ بالبكاء وهي في حضن ريحان وتقول:
مجددا لقد بدؤوا مجددا لقد مللت مللت دائما هكذا يتشاجرون فقط لم لا أملك والدين طبيعيين كباقي الاطفال لم لم ؟ ثم تملصت من حضن ريحان وركضت نحوهما لتلحقها ريحان سريعا وهي تقول:
اوزجي طفلتي توقفي لاتذهبي
توجهت اوزجي إلى والديها وريحان خلفها وما أن وصلت ناحية ناحيتهمل حتى صرخت:
يكفي يكفي ألا تملان من الشجار والصراخ كل حين؟ اتركاني لا أريدكما كليكما، ثم التفتت لريحان واحتضنتها بقوة وهي تبكي.
نظرت نازلي لطفلتها دهشة لتقول في وجه أمير:
انظر نتائج افعالك وأنت(مخاطبة ريحان) تمسكن الخدم هذا حتى يتمكنوا أعرفه جيدا، لكن إن كنت تظنين أنه بذلك ستتمكنين من الوصول لأمير فأنت مخطئة، وإياك أن تستغلي طفلتي في ذلك افهمت؟ أم أن حدود تعلمك وثقافتك تجعلك محدودة الفهم.
جافيدان:
خذي الطفلة الى غرفتها هيا أسرعي الى ماذا تنظرين؟
تحاملت عليها الضباع مثلما تحاملت عليها الهموم ولم تجد بعد سبيلا للسكينة.
نظر أمير لريحان التي امتلأت عيونها دمعا، اشتد غضبا وعقد حاجبيه وبرزت عروق رقبته، ليلتفت لنازلي ويقترب منها ويهمس بأذنها ويقول بصوت خفيض:
خرجي حالا ولا تغضبيني اكثر والا سحبتك واخرجتك من القصر أمام طفلتك وتعلمين انني افعلها ولا أبالي.
نازلي بغضب:
الايام بيننا أمير تارهون والحرب سجال وسأجعلك تندم على دفاعك عن قرويتك الجاهلة، ثم حملت نفسها وخرجت من القصر غضبة.
أخذت ريحان اوزجي وتوجهت لغرفتها د، أما أمير فقد بقي بمكانه يتآكل غضبا مما سمع لتقول والدته:
أمير بني أنهي هذه المهزلة وما حدث منذ قليل أمام اوزجي لا يجب أن يتكرر، يجب أن تصرف ريحان من هنا فورا، ألا تعي ما يحدث؟ حتى أنت وأثرت عليك انظر طردت زوجتك لاجها.
أمير:
أمي لطفا لطفا نازلي ليست زوجتي متى ستضعين هذا براسك ؟ سأتفقد الصغيرو وأخرج عندي عمل مهم وإن بقيت هنا ساعة أخرى سأختنق.
توجه أمير لغرفة اوزجي ليجدهما هناك كانت ريحان تمسح على شعرها والأخرى تنام بحجرها وقد كان الباب مفتوحا، وقف عند الباب يتأملهما دون أن تنتبها له فقد كانت اوزجي نائمة بينما ريحان كانت تبكي بصمت.









القسم الثاني:

دخل بهدوء لتمسح ريحان دموعها الفارة من مقلتيها وتزيحها براحة يدها سريعا ما أن رأته، ذلك الدمع الذي صار جميلا بعد أن أضحى القلب والوجدان ق**تيلا، وما عاد هناك للفرح سبيلا، وما عادت تملك من الصبر إلا القليل القليل، وصارت الطمأنينة نحيلة تشتكي الجوع وتفتقر الحنين، فرّ من تلك اللمعة الحزينة بعيونها فنظر مباشرة الى طفلته ثم قال:
هل هدأت؟
ردت ريحان:
هدأت ونامت حتى هذه البريئة ولم تسلم منك.
زفر بضيق ورد:
بشأن نازلي أنا آسف لما تلفظت به، إنها هكذا دائما لا تهتم الا بالمظاهر.
نظرت اليه برهة، أحس أن شجاعة البشر وقوتهم تجمعت في نظرتها تلك، أصابته وتمكنت منه،ثم ابتسمت بسخرية، كما سخرية الزمن الذي راقصها على جث**ة السعادة، لتقول:
هههه آسف إذا.
لم يشأ الرد فلا كلام يمكن أن يرد به، هزم، ثم اقترب وجلس بالقرب من طفلته ووضع يده على شعرها ماجعله يده تلامس يدها لتسحبها سريعا.
بقي ينظر إليها بينما هي أدارت وجهها جانبا عنه، قلبه خفق بغرابة، أعراض تعب وما هو بتعب، خاف أن يضعف أمام النجلاء ليقوم من مكانه ويتحرك نحو الباب قائلا:
اهتمي بها فقط، ثم خرج وتوجه لغرفته، دلفها وتمدد بسريره، كل ما في قلبه من مشاعر ارتحلت إليها لكنها تأبى أن ترحب بها، فعاد ادراجه خالي الوفاض حزينا.

أما هي فعدلت اوزجي بفراشها ثم قبلت رأسها لتقول:
لأجلك فقط سأتحمل قليلا، لن تعيشي ما عشته من الم أبدا، لن أتركك حتى تستعيدي ثقتك بنفسك، ثم انصرفت الى غرفتها.د فدخلت ووقفت برهة عند الباب تطالعها ثم تنفست بضيق مردفة بحزن:
مرحبا يا زنزانتي، هل اشتقت إلي؟ أما أنا فلا.

خرج أمير من القصر وتوجه الى الشركة لأجل العمل وما أن ركب سيارته حتى توجهت جافيدان مسرعة لغرفة ريحان التي كانت جالسة هناك لتدخل مباشرة دون طرق الباب حتى،
وقت ريحان مستغربة فاقتربت الأخرى منها متحدثة بغضب:
أنت.
ردت:
أنت اسمها ريحان يا خانم.
ابتسمت جافيدان ساخرة وقالت: 
أعرف ألاعيبك جيدا، هذا الصنف مر علي كثيرا، وأعي جيدا ما تسعين إليه لكن بأحلامك أفهمت انت مجرد خادمة.
أخرجت من جوفها تنهيدة قوية، أتعبتها كل الظروف وكأنه لا يكفيها هو لتأتيها هذه وتضيف فوق ألامها هما وضيقا آخر، ردت بجدية:
أنا لا أطمح لشيء يا خانم لا داعي لمثل هذا الكلام الجارح، أنا مربية أوزجي فقط.
جافيدان:
طبعا قصر كهذا وثياب كهذه ستغريك وتطمعين بالمزيد والمزيد هو أمير وأقرب سليل لذلك هو أمير.
ريحان:
سبب وجودي هنا هو اوزجي فقط لن أعيدها كل حين، ولا شيء آخر ولو لم تعد لما عدت أصلا لا تتهميني زورا.
جافيدان:
اوزجي فقط إذا؟ يالك من وقحة فعلا وكأنني لم أر أمير وهو يخرج من غرفتك بدل المرة عشرا وليلا أيضا، يترى ماذا كان يفعل بها ام هذا ايضا من أجل اوزجي؟
سكتت ، بالكاد لملمت حطام عينيها ونظرت للسماء الصافية، خدعت كسابقانها وهاهي تثلج فجاة قبل أن تطالعها.
ردت بعد حين بكل ثقة:
أنا لا أسمح لك إياك أن تقذفيني في شرفي.
جافيدان:
وهل أنا أطلب اذنك؟ انا في بيتي أقول ما اريد ومتى أريد.
نظرت إليها ريحان نظرة غضب لتقول:
اخرجي من فضلك أريد أن ارتاح.
طالعتها جافيدان دهشة ثم صرخت بوجهها:
تطردينني من ببيتي؟ يا لك من وقحة، ثم ترفع يدها تريظ صفعها فاغمضت ريحان عيونها بشدة و امالت وجهها قليلا تتحاشاها، في هذه اللحظة أمسك أمير يد والدته قبل أن تصفعها فنظرت إليه، آخر ما توقعته أن يعود، ناظرها بغضب قائلا:
أمي ماذا تفعلين؟ منذ متى نعامل ضيوفنا هكذا، لقد تعودنا في بيت حكمت تارهون ان يكرم الضيف لا يهان، لن أسمح لك بان تهينيها مهما كان.
جافيدان:
الوقحة ترد بوجهي 
أمير:
لقد سمعت كل شيء أمي دعي الفتاة بوشأنها، إياك ان تعترضي لها مرة ثانية.
طالعته مذبهلة، إنه يحميها، هههه يا لسخربة القدر من كان يهينها بالأمس ويؤذيها الآن يحميها.
طالعتها جافيدان باحتقار لتضيف:
يبدو أنها نشرت سمها على الجميع، لا بأس لكن لنا موعد آنسة ريحان بالنهاية أنت داخل قصري، ثم تحركت وطالعت أمير بغضب لتنسحب من الغرفة.
بقي بمكانه ينظر إليها دون حديث فلم يدر ما يقول، تنهدت ونزلت منها دمعة خائنة على وجنتيها رغم أنها حاولت منعها إلا أن تلك الدمعة خالفت رغبتها ونزلت أمامه.
كل رجائها في هذه الدنيا أن يكون قلبها مطمئن مهما كانت حالتها سيئة، لكن ليس من نصيبها ذاك.
مد يده محاولا مسحها لكنها أدارت وجهها جانبا دون النظر إليه.
طالعها بحسرة وندم ثم ابتسم منكسرا، ضاق صدره فخرج من الغرفة وانصرف، أخذ طريقه وذهب للمكتب وأخذ الاوراق التي عاد من أجلها ليذهب لعمله بعدها.
إلى طريقه نحو البحث عن نفسه المتلاشية عاد، شقاء مخيف يكبر أمامه وعتاب مرصع بندمه يقترب منه كل يوم ميلا، لم يكن سعيدا لتلك الدرجة قبلا لكن ما يحسه الآن مختلف، إنه لأذى يلتف حول عنقه يجهزه عريسا للم**وت.

بقيت ريحان طوال اليوم تتنقل بين غرفة اوزجي التي تغيبت عن مدرستها يومها وبين غرفتها فقط متجنبة التحدث مع أحد اما سونا فقد اعتزلت يومها أيضا بعد ذلك الاتصال ورفضت الحديث مع أحد وهكذا حتى انقضى اليوم وحل المساء.
عاد أمير الى القصر ليذهب ويطمئن على اوزجي أولا وقد وجدها بغرفتها مع ريحان فدلف واقترب دخل ليجدهما ترسمان معا وتلونان، اقترب أكثر وجلس بجانب اوزجي وريحان بالجهة المقابلة له لتقوم من مكانها دون حديث لكنه استوقفها قائلا:
ابقي
 لترد:
لا سأذهب لغرفتي
اوزجي:
إلى أين صديقتي؟ لا يمكنك الذهاب حتى تنهي الرسمة لا تخافي لن يصرخ بابا بوجهك، انا هنا وسأحميك منه، ثم بابا ليس مخيفا. طالعها أمبر مستنكرا ثم قبل راسها ليقول:
هل سامحتني طفلتي.
تحدثت حينها تخاطب نفسها قائلة:سبحان الله حمل وديع الآن تأكدت أنه يعاني من الانفصام ويلزمه علاج إنه ممثل بارع.
اوزجي:
أسامحك بابا لكن بشرط.
أمير مبتسما:
وماهو شرط اميرتي الصغيرة؟
اوزجي:
يجب أن تسامحك ريحان اولا.
أصيب فكره بشلل، مجرد حروف تجمعت في كلمات ضيقت عليه الأرض بما رحبت، بحلقت به هي بتلك الطريقة فما زادته إلا حسرات، سكن للحظات دون حركة اوحديث ثم زفر بضيق ورد:
لماذا؟انا لم افعل لها شيئا.
اوزجي:
بل فعلت أنك تصرخ بوجهها دائما.
ريحان:
لا حبيبتي لم يفعل.
اوزجي:
هيا قولي لبابا سامحتك كي أسامحه ايضا 
نظر إلى ريحان راجيا أن تنطقها يردد داخله:فقط قوليها بلسانك اطلقيها من بين شفتيك.
كانت هي تنظر إليه أيضا لتقول بداخلها:
على ماذا ساسامحك بالتحديد؟ على حالة الياس التي اوصلتني اليها؟لا يمكنني حتى قولها مزاحا لا يمكنني.
أدرك انها لن تتلفظ بها حتى لو مجاملة أمام اوزجي ليقوم بتغيير الموضوع ويقول:
دعك من ذاك وأخبريني ماذا ترسمي هيا أرني.
نظر للرسمة ليجدها وقد رسمت شخصان وهي تتوسطهما ليقول:
من هؤلاء؟ 
ردت بسعادة:
على اليمين انت وعلى اليسار ريحان صديقتي وانا في الوسط، انظر بابا مع عدت وحيدة وما عدت اصرخ.
قبل رأسها واحتظنها ليقول: 
طفلتي ملاكي انت كوني سعيدة فقط وهذا يكفيني.
طالع النجلاء بقلب فرح، رسمة أسعدته إنه الآن إنسان وضع برسمة بريئة جمعته معها وليس وحشا، أما هي فطالعته والرسمة مذبهلة، أنكرت وجودها بتلك الورقة.
خرجت من الغرفة لتذهب لغرفتها مباشرة وتشرع بالبكاء وهي تتذكره لتقول:
لا اصدق أنك نفس الشخص، كل صفاة القبح التي بك واضف عليها النفاق، يارب إنه اعظم ابتلاء أصابني منذ خلقت، ارحني منه يالله واغفر لي خطيئتي.

بقيت بغرفتها قليلا ثم توجهت للاطمئنان على سونا لتلتقي به عند باب الغرفة لكنها لم تتحدث إليه بكلمة كما فعل هو نفس الشيء ليتوجه هو للمكتب للعمل.
دقت الباب لترد سونا:
من هناك؟
ريحان:
انا حبيبتي
سونا:
ريحان لطفا اذهبي لا اريد ان اتحدث أو ارى أحدا.
لكن ريحان عاندتها ودخلت الغرفة لتقول:
لن اتركك حتى افهم لما انت محبوسة طوال النهار وترفضين التحدث مع الآخرين.
سونا بحزن:
لطفا ريحان اتركيني لوحدي انا مرتاحة هكذا.
ريحان مبتسمة:
لا
ردت سونا بتذمر:
اووه ما اعندك
ريحان ضاحكة:
نعم أنا كذلك والآن اخبريني كيف حالك؟ولم أنت مختفية طوال اليوم دون أثر؟
سونا:
دعك مني واخبريني انت مالذي يحدث معك؟
اتسعت عيون ريحان لسماع سؤال سونا ظنا أنها لاحظت شيئا لتقول بهلع:
ماذا يحدث معي ؟انا بخير
سونا:
لست كذلك وضعت الوشاح لأيام ثم نزعته،اختفيت فجأة ثم عدت، و أنت وأمير.
ريحان:مط
ماذا انا وأخيك أيضا؟
سونا:
مثل الزيت والنار الكل منتبه لكما ريحان.
ريحان:
لالا انتم تتوهمون فقط
سونا:
صحيح اخي عصبي وجدا لكنه طيب القلب تلك العصبية مظهر فقط.
ريحان:
اها صحيح
هنا رن هاتف فنظرت إليه مرتعدة ورددت:
لقد عاد لقد عاد
نظرت اليها ريحان مستغربة لتقول:
مابك من عاد؟
سونا بخوف:
بالتأكيد هو المتصل لا غيره.
حملت ريحان هاتف سونا وناولتها إياه لتقول:
إنه رقم بدون اسم الن تردي؟
سونا بخوف:
لن أفعل ردي أنت 
ريحان :
انه هاتفك ولم انت خائفة عزيزتي؟ ربما اتصال مهم
سونا:
قلت ردي انت
ريحان:
اهدئي كما تشائين سارد
فتحت ريحان الاتصال لكن قبل أن تقول كلمة "الو" تحدث المتصل ليقول:
اشتقت اليك حلوتي لقد عدت لأجلك 
نظرت ريحان إليها وقالت:
هذا لك سونا 
سونا:
من؟
ريحان:
أظنه حبيبك
صرخت سونا قائلة:
اقفلي الخط ريحان 
أقفلت ريحان الخط دهشة من رد فعلها لتسألها الأخرى:
ماذا قال؟
ريحان ببلاهة:
قال "لقد اشتقت اليك حلوتي لقد عدت لاجلك اهو حبيبك؟
حلت عليها لعنة وأصابتها هستيريا خوف وبكاء معا فرددت ترتجف:
إه هو نعم إنه هو ريحان لقد عاد ليقتلني لينتقم مني.
اقتربت منها ريحان محاولة تهدئتها قائلة:
بسم الله مابك سونا؟ماذا حدث؟لم تبكين هكذا؟
سونا صارخة:
أخي امير، اخي يجب أن لا يعرف سيقتله بالتأكيد س*يقتله وساخسر أمير
ريحان بهلع:
سونا عم تتحدثين؟اهدئي حبيبتي مابك؟ مابك بسم الله لاحول ولا قوة الا بالله.
نظرت سونا لريحان لتزيد من بكائها وصراخها ثم بدأت بالانتفاض وهز رجليها مرددة:
اتركني اتركني لا تلمسني اتركني حتى سقطت من كرسيها ارضا.
حاولت ريحان امساكها بصعوبة والأخرى تنتفض وتبكي وتصرخ كانت تضمها وتردد "اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم”.
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الارض ولا في السماء وهو السميع العليم
كان أمير في المكتب يعمل على بعض الأوراق التي تخص المشرروع الجديد ليمسك هاتفه ويتصل بيونجا قائلا:
مساء الخير يونجا 
يونجا:
مساء الخير سيد امير
أمير:
يونجا احجزي حالا عبر الانترنت رحلة لاضنة ويجب أن تكون سريعة يجب أن اذهب لتفقد المشروع سريعا.
يونجا:
بامرك سيد امير ساحجز واعيد الاتصال بك لاعطيك معلومات الرحلة وتوقيتها.
أمير:
حسنا بانتظارك 
اقفل امير الخط وعاد لعمله ليسمع فجأة صوتا هز كل من في القصر يناديه "أميييير"
كانت اول مرة تناديه باسمه، لقد ميزه وفرقه جيدا ففز من مكانه وقلبه يكاد يقع أرضا، ركض مباشرة يردد بخوف:
ريحان
تتبع الصوت ليتجه لغرفة سونا ودخل مباشرة ليجد سونا تصرخ أرضا فاقفل الباب اولا فهو متعود على حالتها تلك ليسرع إليها وينزل أرضا ويقوم باحتضانها بقوة ثم التفت لريحان ليقول:
ماذا حدث؟
أجابت ريحان وهي ترتجف:
لا أعلم أتاها اتصال فجأة لكن أنا من أجابت وحين أخبرتها ما قال المتصل بدأت بالصراخ والانتفاض هكذا بشكل هستيري ماذا يحدث معها؟ من يكون المتصل؟
صرخ أمير قائلا:
ماذا قال المتصل؟
لم تجب ريحان ليصرخ بها مرة أخرى:
قلت ماذا قال؟
ريحان:
قال اشتقت إليك حلوتي
أمير بغضب:
اللعنة، إذا هو 
ثم عاد يخاطبها يحاول أن يبعث شيء من الطمأنينة في نفسها :
سونا حبيبتي سونا هذا انا أمير، استجمعي قواك وعودي لوعيك لن يؤذيك لا تخافي انا هنا انا احميك سونا حبيبتي.
أما سونا فقد كانت تبكي وتشهق وتردد نفس الكلمات بشكل هستيري:
سيفعلها ثانية سيفعها سيفعلها لقد عاد ليعذبني ثانية 
أمير يحاول تهدئتها:
لن يفعل شيئا، أنا هنا اهدئي كوني قوية سونا
كانت ريحان واقفة متسمرة بمكانها فقط تنظر إليهما، إلى رد فعل سونا وكيف يحتويها لصدره بقوة ويواسيها ويهدؤها، هل هو فعلا ذلك الشخص الذي تلذذ بصراخها ورجائها والمها؟ أيعقل أن يتجمع شيطان وإنسان في جسد واحد ويتوفقا لهذه الدرجة؟
بكت لا تعلم لم، من ترثي يا ترى؟ سونا أم حالها وهي من عاشت ماعاشته سونا بتفاصيله المم*يتة، لكن الفرق بينهما أن سونا التجأت لاخيها التجأت لبشر أما ريحان فالتجأت لرب البشر ولا يهزم من ذهب إليه ذليلا.
التفت إلى ريحان التي كانت واقفة خلفه مصدومة ليصرخ بوجهها قائلا:
 اخرجي.
ريحان:
لكن أنا...
ضغط على أسنانه واضاف:
قلت اخرجي بدون لكن، لا أريد لأحد أن يراها هكذا منهارة ومنكسرة، لا أريد لبشر أن يشفق عليها وبالتحديد أنت أخرجي ولا تغضبيني أكثر، لم أخبرتها ما قال لماذا؟
انكسر خاطرها، يعاتبها بلا ذنب وكأن البراءة خلقت لتنصفه هو فقط دون البشر، وكأنه لم يذنب قط ولم يهنها قط، فانسحبت حزينة واقفلت الباب لتجد جافيدان ومليكة عند الباب تنتظران.
نظرت اليها جافيدان لتصرخ بها:
ماذا فعلت لها؟
أماءت بالنفي ورددت:
وما شأني أنا؟ لا أعلم ماذا حدث؟ أنا أيصا خائفة عليها.
جافيدان:
منذ مدة لم تأتها حالة الانهيار والآن فجأة تصرخ وتنتفض هكذا بدون سبب؟
ردت ريحان بجدية:
إنها ابنتك، انت من يجب أن يعرف عن ابنته وما يؤلم فؤادها وليس انا.
جافيدان بغضب:
لا تزالين تردين بوجهي، يا لك من وقحة
ناظرتها مليكة برجاء وقالت:
ريحان ابنتي اذهبي إلى غرفتك أحسن، هيا عزيزتي الوضع لا يتحمل.
طالعتها ريحان بحزن ثم تحركت من مكانها وتوجهت لغرفتها فدخلت وجلست على السرير حالة سونا تعاد أمام مرآها، حزنت لحزنها، تألمت لألمها، تقارن بين حالتهما المتشابهة، كيف وئدوا بها السرور وأطفاوها، كيف ايقضوا داخلها افراح اليأس ونصبوا المدن، لكن القاسم المشترك هنا أمير موجود فكلتا الحالتين لكن الفرق أنه مع سونا كان الدواء ومع ريحان هو الداء والعلة.
شرعت بالبكاء، دمع شديد يتهاطل يخن*ق انفاسها، تعبت فاستلقت على سريرها و توقعت على كوابيسها مرددة:
يا ليتني مت قبل هذا، يا ليتني مت قبل هذا.
تردد دعاء من ظلمها قومها متهمين اياها بذنب حاشاها أن تقترفه، مثلما رماها هو بنفس ذات الذنب ملقبا اياها ببائعة الهوي، زاد حزنها لدرجة ان غفلت عما جبر الله به خاطر العذراء إذ وضعت نبيا لا جبارا ولا شقيا، غفلت للحظة ان رب مريم هو رب عشق هو الجبار القادر علي جبر خاطرها وتضميد جراحها.

هدأت بعد مدة لكنها بقيت بمكانها ساكنة.
هدأت سونا بين يدي أمير أخيرا ليعطيها الدواء ثم وضعها بسريرها وقبل رأسها وهي نائمة ثم قام بتغطيتها وخرج.
ذهب لغرفتها ورفع يده لقرع الباب لكنه تراجع وضم يده إليه وحزنه وندمه إلى قلبه، تحرك وذهب للمطبخ مباشرة ليطلب من مليكة أن تدبر حجة لاخراج ريحان من الغرفة إلى الحديقة الخلفية، وافقت مليكة على طلبه بعد الحاحه ثم حملت هاتفها واتصلت بريحان لتقول:
ريحان لن اكذب عليك أمير يريد الحديث معك في الحديقة الخلفية للقصر، إن كان لي خاطر عندك اخرجي للحديث معه ولا تعاندي لا اريد لأحد أن يؤذيك اكثر يكفيك ما عشته هذا اليوم، قلبي انفطر لاجلك.
تنهدت بضيق وأردفت:
حسنا سأخرج خالة لأجل خاطرك فقط.
نهضت من مكانها وارتدت وشاحا على كتفيها وتوجهت للحديقة الخلفية لتجده هناك ينتظرها، فكرت بالتراجع لكنها اقتربت فما عادت تخافه لتقف أمامه بكل شجاعة وتقول بجدية:
ماذا تريد؟ماهذه الحركات الطفولية بمنتصف الليل؟
أمير بحنق:
أردت أن اعتذر لك عن ما حدث منذ قليل.
ريحان:
اتعلم لم أر ممثلا بارعا مثلك في حياتي، تكسر إنسانا بينما تحاول بناء إنسان آخر من حطام الاول، امتلأت عيونها دمعا كعادتها سبقتها لكنها واصلت حديثها بجدية قائلة:
عن ماذا ستعتذر بالتحديد؟ كنت بتولا ( يُعدّ اسم بتول من الأسماء الحسنة، ويدلّ على معاني جميلة وحسنة، ومعناه الفتاة المنقطعة عن الرّجال، والبتول هو اسم مريم العذراء عليها السلام، وفاطمة بنت سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام؛ وذلك لتميزهن عن نساء زمانهنّ بالفضل والدّين والحسب) واخذتني بغير وجه حق عن ماذا تعتذر ؟! عن دمعي ؟! عن المي ؟! عن كرامتي التي أهدرت تحت قدميك ؟!ام عن ياسي حتى انني فكرت بالانتحار ام عن سمعتي التي لطختها ام عن صراخي ام عن آهاتي وانيني في الليالي الظلماء الباردة ام عن رجائي في تلك الليلة؟عن ماذا سيد تارهون عن ماذا بالتحديد؟
كف عنك اعتذارك السخيف هذا واتركني بسبيل حالي، انا هنا لاجل اوزجي فقط وإلى أن تتحسن نفسيتها اقسم ساختفي ولن تجد لي أثرا البتة حتى لو اضطررت لرمي نفسي في البحر كي اتخلص منك سافعل.
رصاصات استقبلها على التوالي، حكمت عليه بالإع*دام ضر*با بالرصاص، وهاهي تنفذ حكمها بكل شجاعة، لكنه يدرك انه مذنب ويستحق.

رفعت يدها وض*ربته بأصبعها في صدره لتكمل بتلك الكلمات وهي تشد على أسنانها قائلة:
لو جئتني زحفا باكيا ماقبلت اعتذارك هذا ولنا لقاء عند رب العزة وجل من لا تضيع عنده الودائع .
ثم استدارت لكنها توقفت برهة لقد كادت تقع مغشيا عليها، أخذت نفسا عميقا واستجمعت عافيتها ومشت لتعود للداخل وتتركه كالصنم واقفا بمكانه وقد غرزت بكلماتها تلك سكينا بفؤاده وتركته ينزف.

تحرك بعد ان غابت عن نظره وخرج من القصر مباشرة ليتجه الى الكازينو كعادته عله ينسى كل تلك المعاناة التي عاشها. 
توقف عند الباب ليبقى هناك مدة طويلة دون أن يدخل ثم أعاد تشغيل سيارته وانطلق دون منسحبا دون وجهة، جاب شوارع المدينة يركض بين الآه والتيه،يفكر بروحه الضائعة كان يفكر بها كيف انها رغم كل الالم الذي عاشته بمجرد ان تصلي او تقرأ شيئا من القرآن تهدأ روحها ويطمئن قلبها.
لف بسيارته لوقت مطول حتى الفجر لياتي على مسمعه صوت الآذان،كان لأول مرة يسمعه بتأن وكأنه يسمعه للمرة الأولى بحياته،
صوت الأذان هذه المرة وكأنه سيفا مسلولا ضرب أوتار القسوة بكيانه فخر مستسلما علي هيئته البشرية الضعيفة، كان يستمع لكل جملة فتبحر به كل كلمة من حنجرة المؤذن بين خلجات الليل المضنية ليكتشف أن السواد داخله ينازح ظلمة الليل ولكن الفرق أن لكل ليل فجر أما ماضي امير فلا شروق فجر واضحا علي أعتابه.

 ليقوم بصف سيارته جانبا ثم هرب من ذاته وهو لا يزال بمكانه يضع رأسه على مقوده هرب لا يريد أن ينهزم، لا يريد ان يظهر ظعفه، لكن...وآه من كلمة لكن، فاضت عيناه دمعا، هنا بكى أمير المتكبر المتسلط بكى وهو لا يعلم مايبكيه، هنا استسلم وخرج من جلباب الوحش وارتحل لفطرته السوية، أصوات تصرخ حوله "أما آن الأوان أن تستقيم؟"
تلك الدمع تنزل وكل دمعة تذكره بمعصية، كل دمعة تط*رحه أرضا وترديه قت*يلا.

بعد مدة انطلق بسيارته ليعود للقصر لينتبه الى هاتفه بعدها ليجد رسالة من يونجا محتواها معلومات عن رحلته.
نام لساعتين ثم اسيقظ استعدادا لرحلته التي كانت في حدود الساعة العاشرة صباحا.
استحم وتجهز وأخذ حقيبة صغيرة وخرج قبل موعد الرحلة بساعتين ليذهب إلى طفلته التي لا تزال نائمة فقد كان يوم عطلة.
قبلها وودعها دون أن تستيقظ ثم قرر الذهاب لغرفة ريحان لتوديعها.
قرع الباب ودخل لكنها كانت نائمة،وقف عند الباب وما أن أحست بحركة بالغرفة استفاقت لتعتدل سريعا عند رؤيته وتقول:
ماذا تريد منذ الصباح؟
رد أمير بحنق:
جئت لاودعك ساسافر ليومين أو ثلاث بالاكثر وأعود.
ريحان بتذمر: 
وما دخلي انا؟
أحس بضيق اكثر، كان يتمنى ان يهنأ ولو بكلمة واحدة طيبة منها لكن ما حدث، ويعرف جيدا أنه لن يحدث فتحدث قائلا:
اوزجي بأمانتك حتى اعود
لكنها لم تتفوه بكلمة فقط بقيت تنظر إليه حتى خرج من الغرفة ليغادر بعدها مباشرة دون افطار بعد أن ودع والديه.

مر اليوم بشكل روتيني حاولت خلاله ريحان مساندة سونا والتفريج عن كربها قليلا رغم ما تعيشه هي من الم كما أنها اهتمت باوزجي ولم تتركها للحظة.

حل الغد...
استيقظت ريحان وغيرت ثيابها وهمت بالخروج من غرفتها لكنها تفاجأت بدخول جافيدان قبل أن تخرج لتقفل الباب وتعيدها للداخل وتقول:
الله الله آخر من يستيقظ بالقصر ريحان خانم طبعا سيدة القصر 
ريحان بتذمر:
صباح الخير ياخانم.
جافيدان مهددة:
اسمعي غيري ثيابك والى الحمامات هيا تحتاج إلى تنظيف كلها هذا هو عملك منذ اليوم.
ريحان:
أنا هنا لاجل اوزجي فقط الا تستوعبين ولولاها لما بقيت للحظة هنا.
جافيدان:
اوامري هنا تنفذ دون نقاش هيا الى التنظيف ولا تتمسكني امامي.
ريحان:
احتراما لسنك لن ارد عليك
ازدادت حدة النقاش بينهما لتعلوا اصواتهما اكثر ما جعل كل من سونا وجوناي واوزجي تحضران الغرفة لرؤية مايحدث.
تقدمت سونا من والدتها لتقول:
أمي يكفي لم تعاملينها بهذه الطريقة؟
جافيدان:
اصمتي انت اصلا طيبة قلبك هي من اوصلتك لهذا الوضع.
صعقت سونا من كلام والدتها لتمتلء عيونها دمعا دون رد.
نظرت ريحان إليها وإلى كسرتها لتقول بغضب:
هل انت ام حقا؟ بدل أن تواسيها لما تعانيه تلومينها حقا لا استغرب تصرفات ابنك وغضبه ممن ورثه.
جافيدان بغضب:
وقحة عديمة الاخلاق يبدو أن والديك لم يعلماك اي خصال حميدة.
نظرت ريحان إليها بغضب، لقد أصابتها في نقطة يمنع على اي بشر الإقتراب منها "والداها" فاقتربت ثائرة حتى ان جافيدان اوجست في نفسها خيفة من نظرتها وعادت للخلف خطوة، وقفت أمامها وتحدثت بنبرة حادة:
اياك ان تذكري والدي على لسانك 
رفعت جافيدان يدها لكن هذه المرة هي من امسكت يدها وليس هو، هي من دافعت عن كرامتها وليس هو، هي من قاومت لوحدها كعادتها، تحدتها أمام الجميع وقالت:
آخر مرة سترفعين فيها يدك علي.
كان الكل ينظر بهلع فاقترب جوناي من والدته وحاول ابعادها قائلا:
امي ماذا تفعلين؟هل جننت؟
جافيدان:
اسمعي ان كان لديك ذرة كرامة ستنقلعين من البيت فورا ومن غير ثياب ايضا اخرجي كما اتيت نكرة.
فاضت عيونها دمعا، لم الإهانة؟ بأي ذنب أطفئت؟ ذرفت دمعا مؤذيا ثم أخرجت زفرة قوية و انسحبت من بينهم مباشرة.
استوقفتها كل من سونا وجوناي ليقول جوناي:
ريحان لطفا لا تاخذي على كلامها لا تذهبي 
سونا:
لاجل اوزجي ريحان لا تخرجي لا تفعليها
ريحان:
لا يمكن لايمكنني البقاء اكثر شكرا لكم ولتقبلكم لي براحبة صدر ثم مشت باكية لتركض إليها اوزجي وهي تنادي ريحان لا تذهبي.
فتحت ذراعيها واحتضنتها بقوة لتقول:
حبيبتي لقد تحملت لاجلك فقط لكن لا يمكنني التحمل اكثر سامحيني
بدأت اوزجي بالبكاء بشكل هستيري مرددة: لا لا لا تتركيني انت ايضا لا تفعليها لن اشاغب ولن افتعل المشاكل مرة أخرى فقط ابق 
ريحان بخوف:
اهدىي حبيبتي اهدئي انت تحرقين فؤادي بدمعك لا تبك لطفا
اوزجي:انت كاذبة لقد وعدتني بأن لا تتركيني وها انت تفعلينها.
احتضنت ريحان اوزجي بقوة اكبر وبكت،كانت هي تبكي واوزجي تبكي ضعفها لتفصلها عن حضنها بعد حين وتقول:سامحيني طفلتي وخرجت من القصر بعدها.
ركضت اوزجي لغرفتها لتبدأ بالبكاء والصراخ،ركض إليها جوناي ليحاول تهدأتها بينما سونا حملت هاتفها سريعا واتصلت بامير.
كان أمير واقفا أمام المبنى الذي شيدته شركتهم والذي تبين أنه قد استعملوا في بنائه مواد بناء مغشوشة،كان يتفقد سيرورة مشروعه هو ومسؤول البناء ومدى تأزم الوضع علهم يجيدون حلا للوضع ولا يظطرون لتهديم المبني.
رن هاتفه فجأة ليسجبه من جيبه ليجد أن المتصل هي سونا.
رد ليقول:
مرحبا سونا 
سونا:
كيف حالك اخي؟
أمير:
بخير سونا ماهذا الصراخ عندك ماذا حدث؟
سونا:
انها اوزجي اخي
فزع أمير لحظتها ليرد:
مابها طفلتي؟
سونا بتوتر:
اخي امير ريحان لقد خرجت من القصر دون عودة واوزجي تبكي بشكل هستيري لاجلها انها منهارة تماما.
رد أمير بخوف:
ماذا؟خرجت؟لم ومتى؟
ليسمع فجأة صوتا يناديه:
أمير بيييييييك التفت للمنادي فزعا......

الى هنا تنتهي حلقة الليلة من رواية #عشق
انتظروني بالحلقة المقبلة...

الفصل التاسع من هنا 

 

تعليقات



×