Ads by Google X

رواية بعد الليل الفصل العاشر 10 بقلم نهال عبد الواحد



رواية بعد الليل الفصل العاشر 10 بقلم نهال عبد الواحد 




 ( بعد الليل) 

الفصل العاشر

بقلم نهال عبد الواحد

بالفعل طاوعتهما قمر وذهبت معهما إلى الطبيب لإجراء فحص أشعة الموجات، لكنها كانت تقسم من داخلها ألا تطيعهما، بالفعل قد فحصها الطبيب و أخبرهما أنها تحمل في ذكر و أكمل فحصه و تحدث معهما عن حالة قمر الهزيلة لكن بالطبع لم تسمعاه، توقف السمع و الفهم عند خبر الحمل بالذكر.
لم يفرق مع قمر الأمر كثيرًا، هي تنتظر الخلاص من هذه الزيجة لا تدري كيف ولا متى؟!
بدأت توهن إرادتها و يتصدّع صبرها و يتسرب إليها اليأس.
  لازالت تنعزل عن الجميع، لم تعد ترغب في شيء و لم يعد يفرق معها شيء، تنتظر لا تدري ماذا تنتظر! لكنها فقط تنتظر.
كلما أهملت نفسها تذكرت ذلك المسكين الذي لم يرى النور بعد، فما هو ذنبه؟ هل كل ذنبه أنكما والديه؟ أم أن هذه عائلته؟!
إذن ما الفارق بين ما أفعله و بين ما كانت تنتوي فعله هاتين اللعينتين إن كنت أحمل بأنثى؟!
فكلانا يريد قتل نفسٍ خلقها الله لأنها ليست على هواه، فتتمتم مناجية ربها:
سامحني يا الله! ألهمني الصبر، اربط على قلبي، أبعد عني شيطاني اللعين، ربي دبّر لي كُل أموري فإني لا أُحسن التدبير ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين!
تمر الأيام و شهر بعد شهر من شهور الحمل بين حزن، يأس، مجاهدة نفس، أوجاع وآلام تتملكها أكثر و أكثر، لكنها لا إراديًا صارت تستسلم للوجع لم تعد تشكو حتى بينها وبين نفسها.
وأكثر ما يزيد وجعها هو تباعد فترة زيارات أمها إليها و الأكثر أنها لا تبدو على ما يرام، لكنها تخفي و تنكر أي شيء و تؤكد على ابنتها أن تتحمل و تصبر و أنها لازالت في بداية حياتها الزوجية و وارد حدوث مشادات و تصادمات بين الزوجين لاختلاف الطباع و.... غيره من مثل هذا الكلام التي توصيها به باستمرار و لازالت تؤكد عليها أن تترك فكرة الطلاق و تطردها من رأسها تمامًا.

فيزداد حنقها وقهرها ولسان حالها يندب صائحًا:
و ماذا بعد؟ كل شيءٍ ضدها، هي المجني عليها و تُعاقب، هي المظلومة و لازالت تتجرع مزيدًا من الظلم و الآهات، كل الأبواب قد صُفّدت، فإلى أين تذهب؟ و أين الخلاص؟!
ازدادت أوجاعها أكثر و أكثر حتى تفاقمت، و إن كانت ترفض إظهار الوجع أو بالأحرى كأنما فقدت الإحساس؛ فكثرة العذاب تُفقد الإحساس تمامًا.

و اضطروا أن يذهبوا بها إلى الطبيب، خاصةً و أنها في نهاية الشهر الثامن ليتفاجئوا بوضع الجنين غير الطبيعي و الذي يصعب معه الولادة الطبيعية خاصةً المنزلية و عليها المتابعة كل أسبوع مع الطبيب؛ لأنه على الأرجح لا يناسبها إلا الولادة القيصرية.
بالطبع عندما علمت حماتها اللعينة بما أخبرهم به الطبيب هاجت وماجت وصاحت فيهم: قيصري إيه اللي عتجولوا عليه! دي راجل عايز يحلب فلوس و بس ولازم يحلل جرشناته، ما كل الحريم عيولدوا طبيعي لازم يفتوا يعني!

وهكذا رفضت فوزية تمامًا فكرة الولادة القصيرية، لم تجادلها قمر كثيرًا فهي تعرفها جيدًا خاصةً بالنسبة لعلاقتها بالمال.
و مرّ أسبوع بعد أسبوع لتقترب قمر من الوقت الموعود و قد تزامن ذلك مع حلول شهر رمضان، وكانت قمر في بيت أبيها قد اعتادوا في شهر رمضان أن يُحضر أبيها منشد ديني و يجتمع الناس عندهم في مندرة البيت عقب صلاة التراويح و يظل ينشد ذلك الشيخ بصوته العذب أجمل الأناشيد و الموشحات الدينية في الثناء على الذات الإلهية و في مديح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) و أهل البيت، و تظللن هن نساء البيت في تقديم الحلويات و المشروبات حتى قبيل موعد السحور، و أحيانًا يعدون السحور للضيوف بل أحيانًا يستضيفوهم منذ وقت الإفطار، لم يكن المهم نوعية الطعام و فخامته فالموجود كان يكفي، وهذه هي البركة.
أما في هذا البيت بالطبع لا يُسمح باستضافة أي كائن ما كان، بل إنها لتشك في ديانتهم فلا أحد يصلي في ذلك البيت أو حتى يصوم رمضان.
صحيح أن صوم رمضان في بلاد الصعيد أقسى ما يكون أعانهم الله على الصيام في هذا الحر الشديد! لكن في النهاية هو ركن من أركان الإسلام لا تفريط فيه إلا برخصة و عليه القضاء متى تيسّر و الأجر و الثواب عند الله.
بالطبع كانت بالنسبة لهم موضع سخرية و تنمر عندما يراها أحد تصلي فكانت تضطر أن تصلي خلسة بعيدًا عنهم و تستعيذ بالله أن تنساق خلف هواجسهم و تسأل الله الثبات و الدوام.

و رغم أنها حامل و في نهاية حملها لكنها عزمت الصيام، فحسب موعد ولادتها سيكون في غضون أيام من الشهر الكريم أي ستفطر باقي الشهر فأرادت لو تتذوق من حلاوة صوم رمضان قبيل ولادتها.
و صامت بضع أيام من بداية الشهر، وذات يوم استيقظت من نومها وقت الظهيرة حيث إنها لم تكن تنام إلا بعد شروق الشمس؛ كانت تظل طوال ليلها بين ذكر، صلاة و دعاء.
استيقظت و هي تشعر بتقلصاتٍ شديدة في أسفل بطنها، لم تكن تتأكد إن كانت ولادة حقيقية أم مجرد مناورات الشهر التاسع!
انتظرت بعض الوقت فزال الألم و أمضت يومها، وبعد عدة ساعات عاودتها تلك التقلصات ثم اختفت من جديد، ثم عاودتها لتجئ و تذهب كل ساعة، حتى عندما انتصف الليل بدأ الوجع يشتد فاضطرت لإخبارهم و تذكيرهم بقولة الطبيب، لكن تلك المرأة و معها ابنتيها لم ينتبها لها الآن فهن تشاهدن المسلسل، فهذا هو رمضان لديهن موسم المسلسلات !
فتتركهن قمر و تذهب و تجئ فيهدأ الوجع قليلًا لكن سرعان ما يعاود حتى صار كل نصف ساعة، تسللت من بينهن تقف أمام البيت في الهواء قليلًا ربما يهدئ الهواء ذلك الوجع.
فلمحتها تلك الجارة الطيبة و هي تجلس على درجة كبيرة أمام البيت تتصبب عرقًا و تنتفض من مكانها من حينٍ لآخر، فهرولت إليها المرأة.

– كيفك يا بنيتي؟!
فتجيبها بصوتٍ متقطع: تعبانة يا خالة، بايني بولد.... آه!
و تأوهت بخفة، فانتفضت المرأة ما بين الغضب من أولئك الجالسات لا يأبهن لشيء و مشفقة عليها و هي وحدها حتى أمها قد انقطعت عن زيارتها منذ قبيل رمضان و عندما جاءت كانت حقًا مريضة.
أسندتها الجارة و دخلت بها لداخل البيت، وكلما اقتربت سمعت صوت ضحكاتهن أما التلفاز، فصاحت فيهن المرأة: إنتِ يا وَلية منك ليها ما عتحسوش! البنتة بتولد وانتوا جاعدين بتتمسخروا جدام المسلسل!
فصاحت فيها فوزية: وإنتِ اشحشرك إنتِ يا وَلية يا حشرية! ماهي من ميتى عتجول إنها بتولد و اهي رايحة جاية جدامك كيف الجرد! لما الطلج يشد أبجي أشيع لأم مرزوج.
فقالت قمر بصوتٍ متقطع ولاهثة من شدة الألم: ما جدراش يا خالة و الدَكتور جال لازمن اولد قيصري.
فتابعت فوزية: الدَكتور دي عايز يلم فلوس، عياخد على جلبه كد إجده كنّ الواد جايبه من عنديه مش الواد ولدنا!
وفجأة صاحت قمر صراخها يصدع في أرجاء المنزل بالكامل، فأمسكت بها الجارة و صعدت بها إلى شقتها و أدخلتها غرفة نومها، وهي لازالت تصرخ من شدة الوجع.
وقتها فقط اضطرت فوزية للتحرك و إرسال أحد أحفادها ليحضر الداية من الشارع المجاور، و بعد قليل حضرت الداية و دخلت إلى قمر، والتي لازالت تصرخ و تعاني.
مرّ الوقت، أذّن الفجر ولم تلد قمر بعد بل مزيدًا من التوجع، الألم و الصراخ، وكلما أخبرتهم الداية أن يراها الطبيب أفضل فقد طال وقت المخاض، رفضت فوزية بشدة وأمرتها بمتابعة عملها.
و فجأة انفجر كيس الجنين و سال ماؤه بكمياتٍ كبيرة، وقد زاد معه شدة الوجع لأقصى درجة حتى لم يعد لقمر القدرة على الصراخ بل فقط تحرّك شفتيها بلا صوت.

بدأت شمس يومٍ جديد تشرق لتملأ الكون بنورها، والوضع يبدو خطيرًا فلم تلد قمر و مهما توسلت الداية لم تتركها فوزية و هاهي تجبرها!
حتى بالفعل بدأت الداية ترى أرجل الجنين و بدأت تسحبها لتتم عملية الولادة، لكن يبدو هناك شيئًا عالقًا بالداخل مهما جذبته من ساقيه لا يخرج معها، وبدى على وجهها علامات الخوف و الفزع.
ثم قالت وهي ترتعد فرائسها: يا ام محِمد مش نافع العيل متحاش، لزمن تنجليها عل وحدة ويشوفها دَكتور، ما عجدرش أعمل أكتر من إجده.
قالت كلماتها و هي تلملم أشياءها لتذهب مسرعةٍ بخوف، فصاحت فيها فوزية و هي تضع يديها على خصرها و تتمايل بجسدها: طب و يمين الله ماعديكي ولا جرش! صحيح إنك مَرة غليضة العيار ما يخلعش عينها، غوري سوووكي ف عَدَس!
فقالت الداية قبل أن تخرج من باب الغرفة: يا وَلية اتجي الله وحلّي كيسك وانجليها للدَكتور يلحجها و يلحج العيل، حسبي الله ونعم الوكيل فيكِ يا بعيدة!
ثم غادرت، فالتفتت فوزية توجه كلامها لتلك الملقاة في فراشها وتصيح فيها: ياجيكي و يحط عليكِ يا بَعيدة حتى ولادة ماعرفاش تولدي يجيكي مصيبة!
فتقول لها الجارة متوسلة و باكية: يا ام محِمد سايج عليكِ النبي يلا نهم بيها عل مِستشفى دَكتور ابن حلال يلحجها.
وهناك طرق الباب الزوج و دخل وهو يقول: في إيه يامّي؟ إيه اللي عتجوله الوَلية دي! هي جمر ما ولدتش!
فصاحت بغضب: ايوة سخامة ما ولدتش وجال لزمن تروح للمِستشفى.
فقال الزوج: طب يلا بينا يامّي نلحجها.
فقالت: طب ما نستنى شوية كماني يمكن تولد وحديها، دي رجلين العيل نزلت.
فصاحت فيها الجارة: يا ولية حرام عليكِ البنية جاطعة النفس.
فصاحت فيها: ما تجطع النفس ولا ياكش ياكُلها جطر حتى ما يخلي فيها حتة، إحنا عايزين الواد!
فقال ابنها: يامّي همّي خلينا نلحجها.
فقالت بسخرية: هِم يا خويا هِم بست الحسن والجمال بتاعتك..........
....................
.....................................



الفصل الحادي عشر من هنا.

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-