Ads by Google X

رواية بعد الليل الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم نهال عبد الواحد

 



رواية بعد الليل الفصل الثاني والعشرون بقلم نهال عبد الواحد


 ( بعد الليل) 
الفصل الثاني والعشرون
بقلم نهال عبد الواحد

استمر وضع قمر بين مذاكرتها وعملها كمعلمة منزلية لأطفال في المرحلة الإبتدائية بضعة أشهر، وكانت تجتهد بأشد ما تستطيع، شعرت أنها أفضل حالًا من ذي قبل رغم ما تبذله من جهدٍ شديد، لكنها تداوم على شكر الله وحمده.
أما عن شريف فلم تعد تراه منذ مدة طويلة؛ فبعد أن قام بتوصيلها لتلك البيوت تركها تعتمد على نفسها ذهابًا وإيابًا وإن كان يتابعها عن بعد؛ فلم يعد يقوى بعدها و يشتاق إليها بشكل يفوق كل تصور!
لكنه لا يمكن أن يُكثر من الإلتقاء بها ففي القرى أعين الناس مفتوحة أكثر من اللازم في تتبع الأخبار وملاحظة أي شيء، وبمجرد أن يلاحظ شخص واحد مثل هذه الأمور فستعرف القرية بأسرها بين عيشةٍ وضحاها بل ربما القرى المجاورة أيضًا، وكما نعلم أن بداية الكلام تختلف عن نهايته فكل شخص يحب إضافة البهارات الخاصة به لينتشر الخبر أسرع وبشكل أكثر إثارة مهما جُنِيَ من خلفه من هتك أعراض، بل ربما تزداد الأمور سوءًا و ينقلب الأمر إلى بحور دم بين القريتين؛ فدائمًا أصل قصص الثأر أمور تافهة قد فُخِّمت بفعل فاعل.
وبالطبع قمر تعلم كل هذا خاصةً وهي امرأة مطلقة والعيون عليها تتابعها؛ ففي قرى الصعيد المرأة المطلقة كالفيروس لا يمكن أن يخرج ويكون طليقًا لربما ينتشر عدواه بين الآخرين، وعليها فقط أن تظل في بيت أبيها إلى أن يأتي من يكيّل ويتزوجها.
فالمرأة المطلقة في عُرفهم وفي عرف الكثير هي الآثمة و المذنبة؛ فالرجال لا يخطئون!
وقد احترمت قمر فعلة شريف في البعد عنها منعًا للقيل والقال، وإن كانت تشتاق إليه بشدة، رغم أنها دائمًا تذكّر نفسها بأنها امرأة مطلقة ولن يقبلها مثل شريف شاب ذا خلقٍ ودين ومن أصل طيب بالإضافة لوسامته المقبولة وهندامه الأنيق، تُرى ما الذي يجبره أن يتزوج امرأة قد سبق لها الزواج وهو ليس بأول رجلٍ لها؟!
هكذا أيضًا أعرافهم، حتى وإن كانت شابة جميلة وعلى خلقٍ ودين لم تتجاوز الواحد والعشرين عامًا!
لكن قمر كانت تزور نرجس من حينٍ لآخر؛ فلم تفقد شعورها بكونها أمها، وكانت تتخير وقتًا لا يكون فيه شريف موجود بالبيت منعًا للإحراج.
بالطبع كانت نرجس مبهورة بطلّة قمر الأنيقة والتي تختلف عن هيئتها كبائعة في سوق الخضار، بالتالي لم تكن تسمح لها بأن تفعل لها أي عملٍ بالبيت، فقط تزورها زيارة ودية.
وعلى صعيدٍ آخر، في بيت محمد عبد الحفيظ الزوج الأول وكانت آمال زوجته الجديدة وابنة خالته اختيار أمه المصون، قد نوت بعد ما رأت من حيوانيته وبهيميته التي لا مفر منها فتصنّعت السعادة معه وأوهمته بأنها أسعد زوجة في الوجود وأنه ولا رجل غيره، فازداد غرورًا على غروره والأهم قد ملكته خاتمًا في إصبعها لا يقوى على كلمة لا أو أي رفض.

ولأنها تعلم خالتها جيدًا وتحفظ طباعها عن ظهر قلب، فلم تكن تظهر ذلك التحكم والسيطرة في بادئ الأمر، فقط تظهر طاعتها لزوجها وتدليلها له أمام الجميع وخاصةً وأنها لم تكن تتمتع بمقدار من الحياء مثل قمر، فبالطبع وجدت فوزية ابنها وحيدها سعيد دائمًا فزادت في تفخيمها لآمال دون أن تشك بنواياها.
ولم يمر الكثير على زواجهما حتى صارت آمال حاملًا، لتكتمل خطتها وبدأت تترك أعمال البيت شيئًا فشيئا بحجة متاعب الحمل، وكل ذلك كان لا يزال على هوى فوزية، ولازالت تكثر من قولتها: شوفت يا ولدي نجاوة عيني!
أما عن قمر فموعد الإمتحانات يقترب وهي تجتهد وتجتهد سواء لنفسها أم مع التلاميذ اللذين تدرّس لهم في منازلهم، بالطبع لن نحكي عن أخلاقها وأسلوبها الذي حبب الناس من حولها فيها سواء التلاميذ أو ذويهم لتثبت عن جدارة قدرتها أن تكون معلمة يومًا ما.
وبالطبع كانت تنتظر إنهاء تلاميذها من إمتحاناتهم لتركز في حالها ففي هذه الأيام العصيبة يكون الطالب في أشد الحاجة لكل دقيقة قبيل الإمتحانات.
لكن يحدث الغير متوقع للطرفين، فذات يوم بينما كان شريف عائدًا من صلاة المغرب مرتديًا جلبابه الصعيدي الواسع وهاهو يهمّ بالدخول لبيته إذ ناداه أحدهم: يا أستاذ شَريف، يا أستاذ شَريف، مُرحب يا بو خوي!
فالتفت له شريف وصافحه بوجهه الباش: يا مُرحب يا مُرحب يا ابو عمر، اتفضل اتفضل تعالى إشرب الشاي معاي.
فدخل الاثنان بداخل المندرة وكان فيها براد الشاي فملأه بالماء، وضع الشاي والسكر ثم وضعه على موقدٍ صغير، هكذا اعتاد على خدم ضيوفه بنفسه لألا يرهق أمه.
وضع صينية الشاي أمام الرجل الذي لم يكف عن الكلام أبدًا في أي شيء، حتى بدأ شريف يصاب بالملل منه لكنه لم يبديه فقط كان يترقب أذان العشاء لينهي ذلك اللقاء بلطفٍ مصطنع، وبعد فترة قال الرجل: بصراحة يا أستاذ شَريف كُت عايزك ف موضوع مِهم.
فأومأ برأسه أن تفضل: اتفضل.
_ بصراحة ف الأول بدي أتشكرلك على الهدية اللي هديتنا بيها.
_ هدية إيه!
_ الست الأبلة جمر.
فأومأ برأسه أن نعم مرة أخرى وقد بدأت تختفي ابتسامته فلم تعد تتجاوز شفتيه، لكنه لم يعقب، فتابع الرجل: بصراحة البنية زينة وزي العسل والعيال وأمهم عيشكروا فيها.
وقد اختفت ابتسامة شريف تمامًا وصار وجهه بلا ملامح، فتابع الرجل: وبصراحة الوَلية أم العيال كانت عمالة تزن عليّ من زمن في موضوع إكده جولت آجي وأفاتحك فيه ومتعشم إنك ما تكسفنيش.
_ اتفضل.
_ كنا عايزين ناخد الأبلة جمر لفتحي أخو أم العيال ويُبجى خال الولاد...
فسقطت كوب الشاي على كف شريف فأحرقته بلا وعي فانتفض فجأة، فأسرع نحوه الرجل: خير خير، خير إن شاء الله...
فأجاب شريف بغضب غير مهتم بيده فقط يحركها في الهواء لتهدأ: كمل حديتك.
_ بصراحة أم العيال شافتها وعاشرتها كام شهر ولاجيتها مش بس كيف البدر إسم على مسمى، لا دي كمان طبعها زين و زي العسل...
فصاح شريف بغضب: وبعدين!
_ ولا جبلين، شيعت لأخوها، أصغر اخواتها وخلاته ياجي يشوفها وطبعًا جي وعجبته تمام التمام، فجولنا ندخل البيت من بابه.
فصاح شريف بغضب: وأنا صالحي إيه!
_ حضرتك كُت واسطة الخير وبدنا إنك تتوسط لنا حِداها.
_ آه!
_ مالك يا أستاذ شَريف؟!
_ لا أبدًا، محروج! يدي يعني انحرجت وجايدة نار.
_ لا ألف سلامة، حط عليها معجون سنان وعتبجى زينة.
_ إن شاء الله، نوِرت يا ابو عمر، لما أعرف رد مناسب عبجى أبلغك، معلهش صلاة العشاء جربت وعايز ألحج ركعتين جبل الآذان.
_ حرمًا مجدمًا! وهي أكيد عتوافج، يعني هي هتلاجي زينا فين؟!
بالإذن بأه، وما تعوجش علينا ف الرد.
_ حاضر حاضر، نوِرت، ألف سلامة، ألف سلامة.
وبعد أن خرج الرجل وأغلق خلفه الباب، أمسك شريف بكوب الشاي وقذفه ناحية الباب صائحًا: الله ينكد عليك يا شيخ و يجل راحتك.....

......................
......................................





بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-