Ads by Google X

رواية بعد الليل الفصل الثالث 3 بقلم نهال عبد الواحد



رواية بعد الليل الفصل الثالث 3 بقلم نهال عبد الواحد 






 ( بعد الليل) 
الفصل الثالث

بقلم نهال عبدالواحد
و بعد انصراف زوج الغفلة ظلت قمر جالسة في فراشها على نفس حالتها محتضنة نفسها ممسكة بالغطاء و دموعها تسيل بلا أي شعور منها؛ فشدة الألم دائمًا يليها تبلد هل رأيتم من قبل ذبيحة تشعر بعد ذبحها؟!

و بعد قليل بدأت تنتبه لاقتراب أصوات الزغاريد و صوت أمها يختلط بأصوات أخريات لم تتبين من هن تقتربن من الغرفة، ظلّت عيناها على الباب ولاحظت تحرّك مقبض الباب.
فُتح الباب وكانت أمها التي صُدمت من هيئة ابنتها فشهقت و ضربت صدرها بقوة و صاحت: يا مرّي! مالك يا جمر؟ حصلك إيه يا جلب أمك؟!
وأسرعت نحوها وضمتها إليها مسرعة فأجهشت قمر بالبكاء وكأنها لم تبكي طوال عمرها، أم ربما تبكي بأثر رجعي! دخلت خلفها عبير و خلفهما نساء أخريات، لكن ردت على أم قمر إحداهن وكانت امرأة ممتلئة الجسد تربط رأسها بوشاح عشوائي يظهر خصلات شعرها الحمراء بفعل الحناء وتحدد عينيها بكحلٍ أسود مرتدية سوارات ذهبية في ذراعيها و خلفها ثلاث سيدات تشبهها لكن مع الكثير من مساحيق التجميل مخرجات خصلات شعرهن صفراء فاقعة اللون بفعل الصبغة، تبدو عليهن بناتها من تشابه الملامح.

قالت المرأة الممتلئة بتحفّز وتحرّك حاجبيها مع كل كلمة: جرى إيه يا أم جمر! عيكون حُصُل لبتك إيه! عروسة و ف ليلة دخلتها!
فقالت الأم ولازالت تربت على ابنتها التي لازالت تنتحب: مالك بس يا أم مِحِمد! ما شايفاش البت عاملة كيف؟!
فردت عليها بصرامة: عاملة كِيف؟ جلع حريم ولا كنّك نسيتي يا أم جمر!

ثم ضحكت بملئ صوتها ضحكة رقيعة وهي تتلفت نحو بناتها اللاتي ضحكن بدورهن مثل أمهن، فاقتربت من قمر إحداهن ونزعت طرف الغطاء من عليها والذي كانت لاتزال تمسكه بشدة، فضغطت عليها بطرف أصابعها ثم تمصمصت بشفتيها قائلة وهي مقوسة فمها: بجي هي دي يا مّي اللي دفعتوا فيها ميت ألف دهب! دي مالهاش وش من ضهر!

فرمقتها قمر بشدة، فأجابت أمها: معلهش ماهي لسه صغيرة بكرة الحبل والولادة يدوّروها.
فأكملت فوزية أم العريس وكأنها لم تسمع أم قمر قائلة: نعمل إيه عاد! أخوك شافها و عجبته! لكن يا ضنايا إش جابها ليكم ده انتو بنات فوزية.
فضحكن جميعًا، ثم قالت تلك المرأة تحدّث أم قمر: جبل ما تروحي يا أم جمر وضبيها بدل الشندلة اللي هي فيها دي، ولبَسيها حاجة زينة تعجب جوزها ولدي، زمنات الحريم هيطلعوا يجعدوا ما هيصُحش يشوفوا الخيبة التجيلة دي.
ثم تركتها وانصرفت هي و بناتها و لم تبقى بالغرفة سوى أمها و عبير التي ارتسمت على وجهها ابتسامة التشفي، فصاحت تتصنع السعادة: يلا يا مّي جوميها تتسبح و تلبس حاجة مشخلعة إكده تفتح نفس الراجل. 
ثم ضحكت بمياعة.

فصاحت قمر بتعب: تاني! حرام عليكم..
فازداد ضحك عبير وقالت: مالها دي! يا بت فضحتينا وسط أهل جوزك، همي يلا جبل ما خوكي ينادم علينا.
فأمسكت بيد أمها و قالت متوسلة: خديني معاكِ يامّي ما تفوتنيش إهني، ما هطيجش أكتر من إكده.
فقالت الأم : يا بت عيب عليكِ الناس تجول إيه! في عروسة تروح يوم دخلتها! يظنوا فيها الظن البطّال بعيد الشر عنيكِ، يلا جومي معاي يا حبيبتي.
فبكت وقالت متألمة: ما جدراش يا مّي، يا مّي... أنا... أنا بنزف.
فانتبهت الأم لفراشها بعد أن نزعت الغطاء قليلًا ففزعت من كم الدماء والتفتت لعبير لا تدري ماذا تفعل؟!
فاقتربت عبير من قمر فلفّتها بطرف الغطاء و جذبتها مع أمها وهي تقول: ما تخافيش عليها، دلجيت تتسبح و تبجى زينة، همي يلا...لسه عنروِح نخبز فَطير الصباحية.
ولم تجد قمر بدًا إلا أن تتبعهما، فتحممت و بدّلت ملابسها بقميص نومٍ حريري من اللون الوردي و عليه غطاءه (روب) من الستان الوردي أيضًا وجلست منهكة تمسّد لها أمها شعرها، و بدّلت عبير غطاء السرير الملطّخ بالدماء ثم حاولت إقناع قمر بإعادة تزيينها لكنها لم تعد تقوى أو ترغب في أي شيء، ثم غادرتا أمها و امرأة أخيها و ظلّت قمر جالسة وسط النساء اللاتي جلسن حولها تتبادلن الأحاديث المحرجة مع بعض الهمز و اللمز.

كانت تجلس قمر صامتة تمامًا، و رغم ظهور ملامح وجهها الملائكية لكن الشحوب و التعب كان غالبًا على ملامحها، ظلت جالسة هكذا حتى انصرفت جميعهن لكن بقيت أصوات الرجال قادمة من الشارع.
أما محمد العريس ذلك الزوج الأرعن فقد هبط إلى الجميع رافعًا رأسه لأعلى بتفاخرٍ وتعالي و كأنه قد فعل عملًا بطوليًا وليس كارثة إنسانية بكل المقاييس.

وكلما مرّ على جماعة نسائية قمن برفع أصواتهن بالزغاريد، حتى خرج إلى الرجال الذين صفقوا بحرارة و صاحوا يحيوه بملئ أصواتهم، ثم جلس معهم يقصّ عليهم و يتقدم كل منهم بنصيحته... 
ظلّ جالسًا معهم يشربون النارجيلات و بعد انصراف الغالبية بدأ أصدقاء السوء بتقديم الأقراص و السجائر المخدرة مع شرب بعض من الخمر (البيرة و خلافها) حتى ثمُل تمامًا.
صعد محمد مترنحًا على السلم مدندنًا بصوتٍ ثامل حتى وصل لشقته ومنها لغرفة نومه.
ظلت قمر جالسة بعد انصراف كل النساء، لكنها كانت تعاني من آلام و إنهاك في سائر جسدها فسقطت في سباتها و هي متكئة في فراشها.
وبينما كانت نائمة إذ شعرت باختناقٍ شديد ففتحت عينيها لتجد هذا الحيوان الآدمي ينهل منها ببشاعته و رائحة الخمر و النارجيلة العفنة تفوح منه، حاولت دفعه ليس فقط لأنها لا تطيقه بل حتى لتستطيع التنفس لكنه قيد يديها الصغيرتين بكفه الكبير، وقد أنهكت بما يكفي فتوقفت عن المقاومة لتشعر بآلامٍ شديدة ثم فقدت وعيها.

أما الأم، عبير وضياء فقد عادوا البيت وعلى وجه الأم حزن عميق؛ فصوت توسل ابنتها يرن في آذانها و صورتها المنهكة لم ترحل عن ذاكرتها، كانت طوال الطريق تتنهد بمرارة فتتغامزن و تتلامزن بنات عمها خلسةً على ابنة عمهن العروس المبتلاة؛ وكأن كل ذنبها أنها قد جاءها ذهبًا أكثر منهن جميعًا، وأن لها سقف أحلام أعلى منهن! إذن اقتربن و خُذن ذهبها لكن ليس وحده خُذن أيضًا ذلك الزوج الأرعن... وأهله...

بعد وصولهم للبيت انتبه ضياء لحزن أمه فاقترب يسألها بشغف: مالك يا مّي فيكِ إيه!
وقبل أن تجيبه قالت عبير متدخلة: أكيد صعبان عليها فراج جمر، والله هتجطع بينا!
فابتسم ضياء و ربت على أمه قائلًا: ما هي دي سنة الحياة يا ست الكل.
فأومأت برأسها أن نعم ثم قالت: جلجانة عليها يا ولدي، كنّك اتسرعت لما جوزتها صغيِّرة.
فتسآل في قلق قائلًا: مالك يامّي دسّة عني إيه؟
فقالت ويختلط صوتها بالبكاء: صوت بكاها بيرن ف ودني.
فتابع قائلًا بقلق: يا مّي طمنيني.
فقالت عبير و هي تتغنج بجسدها: مالك يا ضيا! مالك يا راجل! كنّك نسيت! أمي بس جلبها رهيّف إكمنها بتها، يلا يا خويّ إنت تعبت إنهاردة كَتير، و إنتِ يا مّي غيِري هدوماتك عشان نجعد نخبز فَطير الصباحية.

وبالفعل سحبت زوجها لغرفتهما بعيدًا عن أمه حتى لا يزداد قلقه، لكنها لم تذهب إليها بل بدّلت ملابسها بأخرى مثيرة و سارت تتغنج بجسدها أمامه حتى حدث ما أرادت، بينما جلست حماتها تنتظرها في الأسفل و لما تأخرت جلست تصنع الفطير وحدها حتى فجر اليوم التالي.
و في الصباح هبطت عبير من غرفتها بتكاسل فوجدت حماتها لاتزال جالسة لترص ما خبزته و تربطه لتذهب به لابنتها العروس.
فقالت عبير متثآبة: إصباح الخير يا مّي.
فأجابتها دون أن تلتفت: يسعد صباحِك.
فأكملت بتكاسل: ما تواخذنيش يامّي اكمني ما نزلتش أخبز وياكِ، بس يعني ضيا... يعني.. ما انتِ خابرة يامّي.
قالت الأخيرة باستحياءٍ مصطنع، فأجابتها الأم بتفهّم: ما جراش حاجة، ربنا يهدّي سرك، تعالي اربطي معاي، أنا فُت فَطيرتين تُفطُروا بيها.
ثم تركتها لتصعد غرفتها، فنادتها عبير: رايحة على فين يا مّي؟
فأجابتها بإرهاقٍ واضح: عطلع أتفرد عبال ما تجهَزوا حالكم، ابجوا نادموا عليّ.
فقالت: طيب.
و بالفعل إستعد الجميع و ذهبوا لبيت العروس، ففتحت لهم أم العريس دون تعليق، فدلفت الأم، عبير وسائر النساء تطلقن الزغاريد قدّمن الفطير و ما أحضره أهل العروس من أطعمة متعارف عليها، ثم صعدن جميعًا و تتقدمهن إحدى أخوات العريس فدقت باب الشقة عدة طرقات ثم فتحت الشقة بمفتاح كان معها و دلفت إلى الداخل و طرقت على باب غرفة النوم و هي تنادي بملئ صوتها: يا محِمد! يا جمر! يلا الصباحية! يلا كفياكوا رجاد! يا محِمد...
ظلت تصيح حتى استيقظت قمر لتجد تلك الذراع الرجولية الملاصقة لجسدها فأزاحتها و هي تنتبه لأصوات من بالخارج فارتدت ملابسها و أسرعت نحو الحمام، بينما محمد ظل في فراشه يتململ من أصوات النداءات حتى اضطر للنهوض فالتفت حوله وهو يفرك خلف رأسه و نهض يرتدي ملابسه ثم فرك وجهه و فتح الباب بغضب وصاح في أخته: جرى إيه يا مصيبة إنتِ! يا محِمد يا محِمد... إيه!
فانتفضت أخته قائلة: مالك يا عريس! ما جصداش بس الحريم وصلوا عشان الصباحية، انزل كمل رجاد في الشِجة اللي تحت...
ثم شبّت بقدميها تتطلع خلفه قائلة: وهي فين عروستك لساتها راجدة؟!
فقال بتثاؤب: ما عرِفش، كنّها بتتسبح، إوعي غوري إكده خليني أروح أكمل رجاد.
فأمسكت بذراعه وقالت: مش عتجعد مع الناس ولا إيه!
فنزع ذراعه منها وقال: ما عجعدش مع حد، أنا رايح أرجد.

وأكمل سيره دون أن يلتفت لأيهن و لا أن يرد على مباركاتهن، فدخلت أم العروس و عبير أولًا للغرفة ترتباها.
بينما كانت قمر في الحمام جالسة على حافة المغطس و تفرك جسدها باللوفة الشعر (نوع من اللوف الخشن يُستخدم في قرى الصعيد) ولا تزال تشعر برائحته في جسدها فتتجه نحو المرحاض لتتقيأ ثم تجلس من جديد وهي منهكة حتى أنهت حمامها .
وقفت أمام المرآة تتطلع لملامحها الشاحبة و كأنها استيقظت من مرضٍ طويل لا عروسٌ جديد في أول يوم.
حدثت نفسها بداخلها قائلة:
يا إلهي! أي حياةٍ تلك تراني مقبلةٌ عليها؟!
تراني سأُذبح هكذا كل يوم! تراني وقد كُتب عليّ عذابٌ أبديّ! تراني متى سأخرج من هذه العتمة السوداء؟! متى سيذهب هذا الليل البهيم؟
هل من نهارٍ ذات يوم؟! أم مجرد ليلٍ سرمديّ؟!
تراني هل سأفرح بعد اليوم؟ أم تلك مجرد كلمة لن أشتَمُها حتى في أحلامي؟!


الفصل الرابع من هنا 




 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-