Ads by Google X

رواية بعد الليل الفصل الثامن 8 بقلم نهال عبد الواحد



رواية بعد الليل الفصل الثامن 8 بقلم نهال عبد الواحد 



 ( بعد الليل) 
الفصل الثامن
بقلم نهال عبد الواحد

استيقظت قمر في اليوم التالي لتجد نفسها ملقاة أرضًا في الغرفة و ممزقة الملابس وملطخة بدماءها و آلام شديدة تغزو رأسها وسائر جسدها خاصةً نصفها السفلي، تحاول أن تنهض واقفة لكن لازالت قدماها لا تحملاها، فتحرّكت حبوًا حتى وصلت إلى الحمام.
دخلت الحمام، فتحت الماء الساخن في مغطس الحمام و خففت درجة حرارته لتصبح دافئة بدرجة مناسبة.
جلست في الماء الدافئ ليزيل من تلك الآلام المبرحة، شعرت بلسعات من أثر التماس الماء بجروحها في بادئ الأمر ثم بدأ الألم يهدأ نسبيًا، أنهت حمامها و خرجت تستطيع السير على قدميها نوعًا ما.
جلست على إحدى الكراسي تصلي صلاة الصبح فائتة بعد شروق الشمس، وبعد أن انتهت من صلاتها و أذكارها التفتت لمرآة جانبها فنظرت لهيئتها البائسة و وجهها المتورم من أثر اعتداءات الأمس، وما خفيَ داخل جسدها كان أعظم، حملقت لنفسها تسألها:
من أنتِ؟ ءأنتِ قمر؟!
من وُلدتِ بدرًا كفلقة القمر 
و من جمالك هذا سُميتي قمر
كم سعدتي و تدللتي كالهرر! 
هكذا قضيتي شطرًا من العمر
ترفعي سقف أحلامك فوق القمر
ثم آلام و حسرة و ويل مُرّ
يبدوا هكذا ستمضي لآخر العمر
لكني تعبتُ و لم يعد بي صبر
ربّي قويني أواجه الصعب و المرّ
واجعلني ثابتة راضية بالقدر
ونجني وابنتي من كيد شر البشر
هكذا حدّثت قمر نفسها شاردة بقهر، لكن فجأة استوقفتها كلمة (ابنتي!)
ابنتي!
كأنها كانت فاقدة للذاكرة ونسيت حالة ابنتها، وبسرعة نهضت لا تدري من أين جاءتها القوة تهرول نحو ابنتها التي لا تسمع لها صوت.
دلفت لداخل الغرفة فوجدتها ساكنة، لا تدري سر ارتعادة فرائسها و كأن بداخل فيها ليس إلا العلقم.
تحركت بهدوء وساقيها ترتعشان تكاد تتعرقل فيهما حتى صارت أمامها مباشرةً.
مدت يديها المرتعشتين تحملها و تلقمها صدرها لترضع حليبها، وما أن حملتها حتى شعرت بملمس جلدها البارد غير المعتاد!
تساقطت دموعها لا إراديًا فأخذت تدغدغها و تعبث في أنفها كما كانت تفعل سابقًا لتيقظها إن غطت في النوم، ثم تحولت تلك الدغدغات لهزات أشد وتضع يدها عند عنقها تلتمس نبضها، لكن.... لا نبض!
صرخت بشدة بأقصى ما أوتيت من قوة، ثم تابعت صراخها صراخات متواصلة حتى تجمّع من في البيت فوزية و إحدى بناتها، كانت ماكثة عند أمها و ذلك الزوج الأرعن.
صاحت بها فوزية: مالك يا سخامة خلعتينا ع الصبح! صوتوا عليكِ يا بَعيدة!
فتابعت الأخت بشماتة: عتصوت م اللي عملوا فيها محِمد، ما هي جدامك شابعها جتل!
فأجابت الأم بابتسامة الإنتصار: وماله ولدي راجل وهي مش مربايا، خليه يربيها بت المركوب دي.
فصاحت فيهما قمر: كفاية! إنتو إيه! ربنا خاتم على جلوبكم و عجولكم! لا عتشوفوا ولا عتحسوا! بتي ما عتردش بتي جاطعة النفس و انتوا جاعدين ترطوا! جوموا ودها تكشف أشوف جرالها ايه! ما تتحرك يا راجل إنت ما عتحسش دي بتك! ولا افتكرت ماانت مش را......
فقاطعها بصوتٍ أجش: كلمة زيادة ماهيحصلكيش طيب، ولا ما كفاكيش ال...
فقاطعته بصوتٍ مكلوب: حسبي الله ونعم الوكيل فيكم كلكم! و والله لو جرالها حاجة لافضل أدعي عليكم ليل نهار خصوصي إنتِ يا ولية.
فشهقت فوزية: يا مرّي! إلحج مرتك يا محِمد عتغلط ف امك.
فصاحت: كفياكم! عايزة ألحج البت.
وأخيرًا تحرّك هذا البغيض و معه قمر التي أصرت على الذهاب معها و أبت ألا يحمل طفلتها غيرها.
بالطبع لم تتحمل هذه الطفلة البريئة الحمى المرتفعة و وافتها المنية، وما أن علمت حتى صرخت قمر بملئ صوتها قهرًا لما جرى لابنتها و ظلت تسب و تدعو على أمه اللعينة.
مرت عدة أسابيع و قمر حزينة مقهورة لفراق ابنتها بتلك الطريقة، لم تعد تتقبل أي فرد من تلك الأسرة نهائيًا، أو تقبل فعل أي شيء من أعمال البيت مهما سبتها حماتها، كانت ترد عليها سبابها و تدعو عليها في وجهها وتتركها؛ فهي و بخلها السبب المباشر لما حدث.
كانت تشتاق لرؤية أمها التي غابت عنها لمدة أسابيع لم تجيئها ولم تعرف قمر كيف تذهب إليها؛ فالقريتين بعيدتين وليس معها أي نقود، قلبها يحدّثها أن أمها ليست بخير، لكنها ترفض ذلك.
ومهما طلبت من ذلك الزوج لم يجيبها فيبدو أن تلك السموم التي يتعاطاها قد بلّدته أكثر وأكثر.
و ذات يوم قررت أن تتصرف من تلقاء نفسها وبدون استئذان، ارتدت عباءتها السوداء و غطت رأسها بحجابها و تسللت لتخرج من البيت، وبالفعل تمكّنت كانت تبدو هزيلة و شاحبة اللون، كانت تسير متلفتة و خائفة أن يراها أحدهم، لا تعرف لأين تأخذها قدماها أو ما يتوجب عليها فعله.
حتى تفاجئت بصوتٍ أنثوي ينادي عليها فالتفتت مفزوعة مرددة بخوف لتجد امرأة في عمر أمها سمراء البشرة معتدلة القامة، فقالت قمر بخوف: أيوة يا خالة.
- على فين يا بنيتي؟!
فأجابت متلعثمة: على... أ.. أ...
فابتسمت المرأة بهدوء: ما تخافيش والله! تعالي اتفضِلي، خشي اشربي حاجة تشد حيلك، شكلك عدمان يا بنيتي.
فتبعتها قمر دون أن تعقّب، دخلت وجلست مع المرأة في المندرة، وخلال لحظة قدمت لها المرأة كوبًا من العصير وقد اكتشفت قمر مدى جوعها و ظمأها فجأة؛ فقد أخذت الكوب وتناولته مسرعة ثم أنهته و وضعته فارغًا قائلة على استحياء: شكرًا يا خالة.
فأجابتها المرأة بوجهٍ باش: مُطرح ما يسري يا بنيتي! لا تواخذيني البجية ف حياتك.
فرددت قمر بقهرة شديدة: لا إله إلا الله! الملك و الدوام لله!
- يا حبيبتي ربنا يصبِّر جلبك و يعوِض عليكِ!
- تعيشي يا خالة!
- جوليلي ياام عصام.
فأومأت برأسها أن نعم، ثم وقعت عيناها على هاتفًا نقّالًا كان موضوع على المنضدة أمامها فأطالت النظر إليه، فتسآلت المرأة بلطف: عايزة تكلمي حد!
فأومأت برأسها على استحياء أن نعم، فأعطته لها المرأة الطيبة وهي تردد بنفس لطفها: امسكي اتكلمي براحتك، حظك ف رجليكِ معايّ باقة و لسه شاحنة.
مدت قمر يديها وأخذت الهاتف و هي تردد للمرأة: كتر خيرك يا خالتي.
ثم طلبت رقمًا ما وانتظرت بعض الوقت حتى جاءها الرد، فصاحت: أيوة يا بت يا عبير، كيفكم وكيف أمي؟ طولتوا يعني ما جيتوش من زمن!
لترد عليها عبير بمعاتبة: توك ما افتكرتي؟
ثم تسآلت: عتتكلمي منين؟ ولا حماتك حلّت كيسها و جاباتلك المبايل!
فتنهدت قمر بنفاذ صبر ثم قالت: بطّلي رط وادّيني أمي.
فأجابتها: أمك راجدة يا حزينة، وإنتِ ما كلفتيش خاطرك تاجي و تشوفيها.
فصاحت قمر: أمي، مالها! إديهالي أكلمها سايج عليكِ النبي!
ليصدع صوت جانبها كأنه صوت أمها: إخس عليكِ يا عبير، عتجوليلها ليه و تخلعي جلبها؟! ما انتِ عارفة المرار الطافح اللي رميناها فيه، ربنا يسامحك يا ضيا!
فصاحت فيها عبير: وهو كل حاجة ضيا! كان مغسل وضامن جنة يعني! بتك اللي خايبة وما عرفتش تاخدهم تحت باطها و خلاتهم يركبوا عليها، تشرب بجى.
فمدت يدها الأم قائلة: يا بت هاتي التَلفون وكفياكي رط، البت كل دي عل خط!
فأخذت منها الهاتف و صاحت باشتياق: جمر يا حبيبتي اتوحشتك جوي، كيفك يا حبيبتي و كيف حبيبة جلبي فوزية الصغيِرة؟
فأغمضت قمر عينيها و ابتلعت ريقها بمرارة ثم قالت بصوتٍ متحشرج يخالطه الدموع: الملك والدوام لله يامّي، فوزية راحت للي أحسن منا كلاتنا، ربنا يصبِرني!
فضربت الأم صدرها و صاحت: يا مرّي! لا حول ولا جوة إلا بالله، من ميتى ده يا بنيتي؟
فأجابت: من شوي، بجاله ياجي سبوعين تلاتة، ربنا رحمها يامّي م المرار اللي كانت عتشوفه، يلا، المهم طمنيني عليكِ، سلامتك يامّي مالك!
فأجابت الأم متصنعة الصحة: أنا بخير يا بنيتي غير دوكها شوية تعب و روحت كشفت وباخد العلاج، أول ما اخلِصه عجيلك يا ضنايا، ربنا يسوجك يا ضيا ويرجعك بالسلامة تاجي تشوف الشبكة السودا دي، ويتفاهم وياهم.
فصاحت قمر: يتفاهم ويا مين يامّي؟! كنّك فاهمة إن هني في رجالة يتحدد وياهم و يتربطوا من كلامهم! بلا خيبة!
فأجابت الأم: كنّك عايزة تطلجي؟!
فتابعت قمر: يسمع من بوجك ربنا!
فأردفت الأم: لا ياجمر، ماعندناش طلاج ف العيلة، عايزة بنات عمك يشمتوا فيكِ، هو ياجي و يتفاهم وياهم و يوجفهم عند حدهم.

فتنهدت قمر بمرارة وألم شديد، ألم الظلم و القسوة ثم قالت: طب يامّي عجفل عشان بتكلم من تليفون الجيران، مع السلامة يامّي.
وأغلقت الخط و قالت في نفسها: حسبي الله ونعم الوكيل، أروح فين منيكم كلاتكم؟!
وما كانت لحظات حتى سمعت صياح زوجها البغيض وهو يسب ويلعن بأفظع الألفاظ لتلك المرأة الطيبة التي قد تركتها تتحدث و وقفت على باب البيت بالخارج و أخبرت الزوج بحسن نية أن يتفضل فزوجته بالداخل؛ للأسف لم تحسب حساب البئر المستنقع الذي فُتح في وجهها، فاضطرت قمر لتخرج له وهي تصيح فيه: إيه الغاغة دي يا محِمد ! عتزعج ف الست الطيبة دي ليه؟!
فلم يعقب بل جذبها من ساعدها و جرها خلفه، حاولت أن تتماسك لألا تسقط في الطريق و هي تلقي للخلف بنظرة اعتذار لهذه السيدة الطيبة، بينما حزنت المرأة من أجلها و أشفقت كثيرًا على حالها....
.......................
......................................



الفصل التاسع من هنا 



بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-