رواية عبق الفراشة (الفراشة البيضاء 2) الفصل الاول 1 بقلم سارة نيل




رواية عبق الفراشة (الفراشة البيضاء 2) الفصل الاول 1 بقلم سارة نيل 








نوفيلا "عبق الفراشة" 
الفراشة البيضاء 2
====================
[الفصل الأول]

جلست أمامها بأعين منطفئة وهي تبحث عن جبلٍ يعصمها من الغرق.
سمعتها تقول لها بإبتسامة بشوشة ووجه مُشرق:-
- محتارة صحّ يا ليلى، راجعي حياتك تاني راجعي الأخطاء إللي وقعتي فيها ومش واخده بالك منها.

بصعوبة بالغة قالت بصوت متقطع من كثرة الحزن:-
- أنا معملتش حاجة غلط، مفيش أخطاء في حياتي وعمري ما أذيت حدّ، مش عارفة ليه حياتي كدا.!

ابتسمت تلك المجهولة ورددت برفق:-
- هو دا الغلط يا ليلى، إن الإنسان يفكر إنه دايمًا صح ومش بيغلط، بطبيعتنا كبشر خطائون..
راجعي علاقتك بالله يا ليلى، ممكن تكون في حاجات صغيرة جدًا وإنتِ مش واخدة بالك منها.
ليه بتقيسي كل موقف في حياتك على تجارب غيرك، مش لازم إللي حصل مع غيرك يحصل كمان معاكِ يا ليلى.
إنتِ أقوى من كدا، بلاش عشوائية وخوف في حياتك أكتر من كدا، كفاياكِ حزن يا ليلى خليكِ متفائلة، ونفسك أولى بالحُب، ليه تعملي في نفسك كدا.!
إنتِ لازم تتغيري يا ليلى .. فوقي من الغيبوبة دي..
واعرفي إن بداية طريق السعادة هو "الله".
اتقربي من ربنا أكتر ومتسمحيش بالتجاوزات بأي شكل من الأشكال.

أجهشت بالبكاء قبل أن تغمغم بصوت مبحوح:-
- أنا موافقة أنا فعلًا مش راضية عن حياتي، بس مش عارفة أبدًا منين .. أنا تايهة، وأنا معملتش حاجة علشان يتعمل فيا دا كله، دا مش جزائي أبدًا، هو ليه خدعني ليه عمل فيا كدا.

- ارضي بقضاء الله وقدره يا ليلى، واعرفي إن كل حاجة خير لكِ، ربنا عطاياه كلها خير وأكيد دفع عنك شر. 
قولي الحمد لله واتقربي منه، صدقيني يا ليلى دا الحلّ لكل وجع جواكِ، طبطبي على قلبك بقربك لربنا، دا شفاء قلبك وروحك يا ليلى، ابدأي وأنا معاكِ ومش هسيبك.

قامت ليلى والتفتت حولها وهتفت باستجداءٍ:-
- طب إنتِ مين، وألاقيكِ فين.!

اختفت من أمامها شيءً فشيء وصوت يتردد من حولها في الأرجاء:-
- أنا بحبك يا ليلى، أنا بحبك في الله وهتلاقيني عالطول معاكِ ... هتلاقي دايمًا غصون صاحبتك معاكِ في ضهرك وبتدعمك، سلام يا ليلو ومتنسيش كلامي.

فتحت جفونها ببطء وهي تشعر برأسها يفتك بها وجعًا، التفتت من حولها وأدركت أنه كان مجرد حُلم وكأنها لاذت بالفرار إليه ليُنجدها مما هي فيه..
وجدت نفسها في غرفة بيضاء ولاطالما عشقت الأبيض، وفتاة تغرز بيدها بعض الإبر، يبدو أنها المشفى.
آخر ما تتذكره حينما علمت أنها تعرضت هي ووالدها لخداع سارق مُحترف رسم عليهم الوقار..
آآه يا الله أنزل على قلبي السكينة.

- الحمد لله على سلامتك يا قمر، أخيرًا فوقتي.

كان حلقها جاف كصحراء جرداء متصدعة ظمئ، أحدَّت البصر في كل زاوية بالمكان، لاح بصرها لوالدها الذي يجلس مُستندًا برأسه على الحائط وغارق بنومٍ عميق ويبدو عليه الإرهاق التام.
سعلت بخفة وقد تمزق فؤادها لما عليه حال والدها وهطل دمعها بصمتٍ وهي تتسائل:-
- أنا بقالي قد أيه نايمة.؟
- بقالك أربع أيام يا آنسة ليلى ووالدك مفارقكيش ربنا يبارك في عمره.

ابتسمت ليلى بوجع وهي تحاول النهوض فساندتها المُمرضة وهي تقول:-
- على مهلك علشان هدوخي.
- ممكن ميا، عطشانة أووي. 

أعطتها كوب ماء لتظل ترتشف منه ليلى بنهم حتى ارتوت، وعلى مِهل تحركت وهي تشعر بالدوار يُهاجمها ثم قالت بلوعة ومرارة:-
- عايزة أدخل الحمام عن أذنك، وممكن هدومي لو سمحتي.

- طب ارتاحي طيب علشان الدوخة.

- أنا الحمد لله بخير، بس مش تصحي بابا سبيه مرتاح.

ولجت للمرحاض ثم وقفت تحت الماء البارد لعله يُزيل ويمسح عنها أيّ أذى، جلست والماء ينهمر فوقها وكل الأحداث تُهاجم عقلها بلا رحمة، حينما رأته غارق بالدماء وإنقاذ والدها له وتقديم كل الخير إليه، كيف رسم دور العشق والهيام عليها وخدع والدها المسكين بفكرة طلب خطبتها.
توضأت وأحسنت الوضوء وقد اختلط دمعها بالماء، كانت تتوضأ وكأنها المرة الأولى لها.
وقفت أمام المرآة بأعين منتفخة حمراء كالشفق، لاحظت القلادة التي أهداها إياها وأخذ منها ميثاق أن لا تُزيلها من عنقها.
رفعت يديها وسحبتها ثم قبضت عليها داخل كفها بقوة، وهنا وجدت الحلقة الذهبية التي ألبسها إياها..
انتظر...!!
ألبساها لها!!
كيف سمحت له أن يمسّ يدها..؟
أين هي ليلى..!

توقفت قليلًا، ثم توسعت أعينها وهي تتذكر هذا الحُلم، إذًا هذا ما كانت تقصده تلك الفتاة التي تجهل هويتها.
توافدت الذكريات لعقلها..
إمساك يديها، احتضانها، تقبيل يديها..!!
يا الله، كيف هذا؟!

- أنا إزاي سمحت بكل ده، أنا كنت فين، أنا للدرجة دي كنت معمية! 
جلست أرضًا وأخذت تبكي حسرةً على نفسها وتفريطها.

وقفت بقوة ومسحت عينيها بحِدة ثم قالت بنبرة مليئة بالإصرار:-
- دي آخر مرة هبكي فيها، خلاص من النهاردة مفيش بُكى يا ليلى، معدتش ليلى الضعيفة إللي خايفة من كُل حاجة. 
الماضي صفحة واتقفلت مش باقي منها ألا الدروس إللي اتعلمتها، بعترف إني غلطت في هواني وضعفي واستسلامي. 
بس انتهى..

ارتدت رداء فضفاض باللون الأبيض خاص بالصلاة، خرجت لكن ليس كما دخلت، كانت قابضة كفها بشدة على القلادة والحلقة الذهبية..
نظرت نحو والدها فوجدته كما هو غارق بتعب في ثبات عميق..
اتجهت نحوه ثم سحبت على جسده دثار خفيف، فرشت سجادة الصلاة وبدأت تصلي بتأنٍ وخشوع، جاءت لتسجد وبمجرد ملامسة جبهتها الأرض انفجرت في بكاءٍ بين يدي خالقها تبث له كل ما يؤلم قلبها، ضعفها وقلة حيلتها.

استقامت جالسة بعد انتهائها تنظر للفراغ بشرود، تململ والدها عندما شعر بحركة في الغرفة..
نظر بعدم تصديق لها يراها جالسة ساكنة، هرول إليها بلهفة فكاد أن يتعرقل. 

- ليلى، حبيبتي .. إنتِ فوقتي يا بنتي أخيرًا.

وجذبها لأحضانه وهو يجهش في بكاءٍ مرير بلوعة وحرقة قلب أب بعد أن سقطت بين يديها غارقة بعالم موازي رافضة العودة لمدة أربعة أيام.

- ليلى يا حبيبة أبوكِ يا نور عيوني، كدا يا ليلى تعملي فيا كدا يا بنتي.

زرعت نفسها بأحضان والدها مئواها الدافيء، ثم هتفت بصوت جاهدت أن تجعله طبيعي:-
- حقك عليا يا بابا أنا بخير يا حبيبي، وبقيت حلوه خالص خالص يا بابا.

تأمل وجهها الباهت فمسح عليه بحنان:-
- إنتِ كويسة يا ليلى، قوليلى فيكِ أيه وحاسة بأيه.

وقفت بقوة وقالت بصرامة جازمة:-
- أنا بقيت أحسن من الأول يا بابا متقلقش، ويلا بينا علشان نخرج من هنا ونرجع بيتنا أنا بتخنق من جو المستشفى.

نظر لها بشك وهو يتعجب حالاتها فقد كان يتوقع أن تثور أو تبكي لكن ما يراه أمامه يختلف تمامًا، ليلى ترسم القوة على ملامحها واختلفت طريقة حديثها، قال بتيهة يتسائل:-
- إنتِ متأكدة يا ليلى، مالك يا بنتي حاسك متغيرة، إنتِ كويسة.!

قبلت جبينه بوِد وقالت بتأكيد مرح:-
- أنا جدًا كويسة يا هيما، اتعود بقاا من ليلا على كدا، الماضي عدى وانتهى يا أبو ليلى إحنا ولاد النهاردة. 

- مش كدا يا ليلى مش كدا يا حبيبتي، ماتكتميش في قلبك يا بنتي أبكي وثوري وازعلي وخدي فترة الحزن علشان ميبقاش في حاجة في قلبك..
متعمليش نفسك كويسة وإن مفيش حاجة.

أمسكت يديه بين كفيها وابتسمت قائلة بهدوء:-
- بابا حبيبي، بجد أنا بقيت أحلى يا بابا، طبعًا أكيد جوايا حزن بس مش هسيبه يسيطر عليا ويلون حياتي بالأسود. 
أنا راضيه بكل حاجة طالما دا قدري، كل إللي ربنا يعمله أنا راضية بيه، كله خير يا بابا ربنا دفع شر عني.

اندهش والدها مما تقول، ظل يتأملها دون تصديق، اقترب منها ثم قبل رأسها، وردد بسعادة:-
- ليلى حبيبتي، أنا مش مصدق إللي بتقوليه ربنا يراضيكِ ويرضى عنك يا بنتي، أنا موجود معاكِ يا ليلى وفي ضهرك مش هسيبك أوعي تخبي عليا حاجة يا ليلى احكيلي عن كل إللي في قلبك.

- وهو أنا ليا مين غيرك يا هيما إنت كل حاجة بالنسبة ليا، صاحبي قبل ما تكون بابا.

- رحمة هتفرح جدًا دي مابطلتش عياط خالص.

- هي وحشتني بردوه أووي، خلاص معدتش وقت ونفرح بيها.

- لا ...رحمة صممت تأجل الفرح.

رددت بصدمة:-
- ليه .. ليه تأجل الفرح.

- هي قالت مش هتعرف تتمم كل حاجة وإنتِ لسه مبقتيش كويسة.

- لا أنا بخير ومفيش داعي للتأجيل، هبقى أكلمها إن شاء الله.

- ليلى.

- نعم يا بابا.

تسائل بحذر:-
- مش عايزة تعرفي أيه إللي حصل بعد ما أغمى عليكِ.!

توقفت عن ترتيب الملابس، ثم استدارت نحوه قائلة:-
- المهم إن شوفتك بخير يا بابا ومفيش أذى مسّك، غير كدا ميهمنيش خوفي كله كان إن ممكن يجيبوا الغلط عليك..
ويلا بقاا علشان نلحق نروح البيت واحشني والبلد وكمان عايزة أفاجىء رحمة..

ابتسم براحة ثم قال بحنان:-
- تمام يا ليلو يلا بينا يا حبيبتي الحمد لله على سلامتك.

                          ************

- أربع أيام يا عمّ صلاح كانوا كفيل إنهم يفتحوا عيوني عن كتير.

قالها عامر وهو يجلس بجانب رجل وقور قد اشتعل رأسه شيبًا يُزيّن وجهه لحية كثة قد احتلها الشيّب أيضًا.
كل هذا وسط زنزانة مُحاطة بالقضبان الحديدية.

ربت العمّ صلاح على فخذه وقال بهدوء:-
- إنت معملتش حاجة غلط يا عامر بس الطريقة هي إللي كانت غلط، وإنت دفعت المقابل، والمنحة دي فتحت عيونك على كتير يا ابني وعلمتك أكتر.

ابتسم عامر إبتسامة باهتة وأسند رأسه على الحائط ثم هسهس بمرارة وهو يشعر بأنه كان داخل نفق مُظلم خرج منه حديثًا:-
- أنا وجعتها يا عمّ صلاح أنا خدعتها، دي رقيقة لأبعد مما تتخيل نظيفة كالثلج، هي مكانتش تستحق كدا أبدًا. 
أكيد دلوقتي كرهت عامر وكرهت الدنيا دلوقتي، أكيد انهارت لما عرفت حقيقتي..
أنا قلبي بيموت على البطيء والصبر مُرّ أوي يا عمّ صلاح، أنا دبحتها بإيدي وأنا هنا عاجز متكتف وواجب بس الصبر.

- اصبر يا ابني وصحح أخطائك، صلح علاقتك بربك قبل أيّ حد، بعد الصبر فرج يا عامر وبعد العُسر يُسر والظلام هو بداية النور، الغمة دي هتنتهي وربك هيفرجها عليك.

- وليلى هتسامحني بعد دا كله، أكيد كرهتني.

- مفيش حاجة بعيدة يا عامر، وبعدين قول الأول ربنا يسامحني ويرضى عني ولو رضى عنك حياتك كلها هتبقى سعادة وهنا.

- علمني يا عمّ صلاح كل إللي تعرفه، علمني إزاي أكون إنسان صالح.

                         *************

- يعني هو دلوقتي محبوس على ذمة القضية.
- أيوا يا باشا، كمان جمال والرجالة إللي معاه اتمسكوا.

نطق بغضب جام وقد اجتمع الشر بمقلتيه:-
- علشان هو غبي وعيل زيّ عامر عرف يخدعه ويضحك عليه.

قال أحد رجاله بطاعة:-
- أوامرك يا باشا. 

قال بحسم ونبرة مُخيفة:-
- اخلصوا من عـامـر. 

                         ********

يُتبع..
#عبق_الفراشة
#الفراشة_البيضاء2
#سارة_نيل


الفصل الثاني من هنا 





 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1