رواية عبق الفراشة (الفراشة البيضاء 2)الفصل السادس 6 والاخير بقلم سارة نيل




رواية عبق الفراشة (الفراشة البيضاء 2) الفصل السادس 6 والاخيربقلم سارة نيل 








 نوفيلا "عبق الفراشة" 
الفراشة البيضاء 2
====================

[الفصل السادس]

أفل النهار فعاد أدراجه لمكتبه بعد إرهاق دام اليوم أكمله، كان يومًا غريبًا مزيج بأشياءٍ عِدة ومشاعر مُتضاربة، بين والديّ عامر، وأحداث قضية عامر، وفي الأخير هذه القنبلة التي ألقاها هذا المجرم بوجوههم، يعلم هو ما يحدث ليس بغافل..!
هو عمّار الذي لم تُعجزه قضية، وسيصل إلى الحقيقة.
ولج لمكتبه بوجه يتغضن بالوجع يُرِد فقط أن يُريح عقله بما يعجّ به لكنه وقف متصنمًا واتسعت حدقتيه حين وجدها جالسة في أحد أركان الغرفة، للمرة الثانية ينسى أمرها تمامًا..
ضيق عينيه بُرهة وأسرع يقول:-
- أنا متأسف جدًا يا دكتورة، انشغلت جدًا ونسيت موضوعك..

قدحت حدقتيها بالشرر، هي لم تضجر من جلستها بانتظاره وهي تعلم أن لدية قضية هامة، لكن بتفوهه لكلماته الحمقاء أفتعل غضبها، هدرت بقوة مستنكرة:-
- نسيتني!!!

تصاعد قلق عمّار لمرته الأولى، وطالعها بحيرة ثم تسائل وهو لا يعلم ماذا تقصد وما سبب إنزعاجها؟!
تسائل بعدم فهم:-
- عفوًا .. مش فاهم قصدك أيه!

قالها بينما ارتمى على الأريكة جالسًا بإرهاق وأخذ يدلك رأسه بتعب للوهلة الأولى أشفقت عليه ورقّ قلبها لكنها إستعادة مخالبها وهي تصيح بصوتٍ هادر:-
- وتنساني ليه حضرتك، أنا كان المفروض أطلع من نصّ النهار ودلوقتي بقينا أخر الليل، ذنبي أيه أقعد قيد الإعتقال ده كله، أظن سعادتك تأكدت إنِّ مش مذنبة.!

زفر بضجر ثم أسفر عن أسفه مرةً أخرى قائلًا:-
- ما أنا قولتلك يا دكتورة كنت مضغوط طول اليوم وفي شغل برا القسم، أنا بعتذر لك واتفضلي امضي على الأوراق دي وأنا كفيل أوصلك لغاية بيتك بنفسي.

أرعد قلبها بقوة وقد غزاها التوتر، أجلت صوتها وهي تقول بعد إهتمام:-
- لا عادي .. متشكره أقدر أرجع البيت لواحدي..

ثم وثبت من جلستها تقول وهي تفرك يديها باضطراب بينما يشاهد حالتها من بين إرهاقه ببسمة مشرقة:-
- فين الأوراق إللي همضي عليها..

وقف أمامها خلف المكتب وقال بصوت رخيم ثابت:-
- لا والله ما يحصل يا دكتورة .. أنا مسؤول أوصلك لغاية بيتك، مش هسيبك في الوقت ده تمشي في الشارع لواحدك..

إزداد النزاع بداخلها، ابتلعت ريقها بتوتر ثم قالت:-
- أصلًا ماما منتظراني لأن سمحولي أكلمها وهي جت، الظابط إللي برا قالي.

ظلت تقاسمه ثابتة وهو يتطلع نحوها:-
- خير وبركة يا سرّاء، نروحك إنتِ وماما.

مجرد نطقه لاسمها جأر قلبها بِثِقل وسحبت القلم تنقش اسمها سريعًا ثم استقامت وقد ذهبت شخصيتها المشاكسة العتديدة أدراج الرياح..
قالت مسرعة:-
- كدا خلصت .. أقدر أمشي..

حرك رأسه بإيجاب قائلًا:-
- بعتذر على سوء الفهم إللي حصل .. يلا بينا..
ااه وقبل ما أنسى كفارة يا دكتورة إسراء..

وخرج دون إنتظار ردها، بينما هي ففغرت فاهها بصدمة واحمرّ وجهها غضبًا ثم أخذت تضرب قدميها بغيظ وصاحت بحنق:-
- أنا مش رد سجون يا بتاع إنت .. واسمي سرّاء مش إسرررررراء..

وخرجت في هالة غنية بالغضب، فور أن رأتها والدتها وسامية ركضوا نحوها مسرعين، احتضنتها سامية بينما هتفت والدتها وهي تنظر لحال ابنتها التي ظلت كما هي لا يبدوا عليها أثر التعب ولا الإرهاق وكأنها كانت بأحد الفنادق ذو الخمس نجوم..
- أهلًا أهلًا ببنتي إللي بقت رد سجون، هما استعجلوا ليه كدا وخرجوكِ مش عارفين يكملوا استضافتك كمان شوية..

ضربت قدميها بالأرض وقالت بغيظ:-
- ماااااماااااا .. دا منظر أم بتقابل بنتها بعد ما كانت متبهدلة، بدل ما تخديني بالحضن..

لوت والدتها فمها وهتفت بقلة حيلة:-
- دا هما يوم ونص ملحقتش أرتاح من هبلك، ورايا ورايا يا بنت طه .. خليني أجري وراكِ في الأقسام..

- ماااااامااااا..

- بلا ماما بلا بابا أنا شبعت من طنتيطك ده يا إسراء .. قدامي يلا يا أختي..

- مااااااماااا .. سرّاء مش إسرررراء في أيه بقاا، ما تتكلمي يا سامية..

- فين السرّاء إللي أنا شيفاه يا أختي، من يوم ما شوفتك وأنا بجري ورا مصايبك أهو .. الله يسامحه أبوكِ على دا اسم..
يلا قدامي .. معدتش ألا الأقسام والشرطة إللي نكشف فضايحنا قدامها ... يلا يا ست الضاكتورة..

احتقن وجهها وهي بالكاد تتمالك وصاحت باعتراض:-
- ماما لو سمحتي شكلي قدام الناس، أنا دكتورة وليا مركزي ومكانتي ...كدا مش معقول بجد..

هُنا تدخل عمّار الذي بالكاد يُخفي ضحكاته بعد مشاهدته لتلك المشادة اللطيفة، قال بإحترام وهو يراهم على وشك المغادرة:-
- السلام عليكم، حضرتك يا مدام ميصحش تروحوا لوحدكم في وقت زي ده، اسمحيلي أوصلكم..
أنا عمّار الضابط إللي مسؤول عن موضوع الدكتورة إسراء..

تفحصته سُها والدة سرّاء بإهتمام ثم نظرت لابنتها وهي تشاهد غيظتها بعد سماع اسم "إسراء"..
فقالت بلطف:-
- أهلًا يا ابني .. كلك ذوق يا حبيبي ومعلش لو هنتعبك..

نفى باعتراص:-
- ولا تعب ولا حاجة.. أنا أصلًا مروح كدا كدا..

هنا اعترضت سرّاء بعناد:-
- لا شكرًا هنروح لوحدنا..

قالت والدتها بحسم:-
- وأنا قولت هيوصلنا، يلا قدامي..

رمقته بغيظ يكاد أن ينفجر من أذنيها وسارت تدك قدميها بشدة لتسير بجانبها سامية التي لكزتها وهي تهمس لها بمكر رصدته أعين سُها الراصدة..
همست بداخلها:-
- أما أروحلك يا بنت طه وأنا أعرف أيه الموضوع، وأشوف مخبية أيه إنتِ وسامية الكلب..

أكرهت نفسها على الركوب وقلبها من الداخل يرفرف فرحًا، جلست هي وسامية في الخلف بينما استقلت والدة سرّاء جانب عمّار الذي أخذ يقود بهدوء وعلى فمه بسمة مُشرقة..
تنحنح عمّار متسائلًا:-
- عنوانكم أيه يا أم إسراء..

اعتلّ عليها الضجر وقلبت عينيها ثم مالت للأمام قليلًا وهتفت من بين أسنانها:-
- اسمي سرّاء يا حضرت مش إسراء ودي أخر مرة بقولها.

رفعت سُها والدة سرّاء رأسها بعناد كالأطفال ثم قالت وهي تنظر لعمّار:-
- والله شكلك ابن حلال يا ابني .. صحيح قولتلي اسمك أيه..

ابتسم عمّار قائلًا:-
- عمّار يا أم إسراء..

- عاشت الأسماء يا عمّار باشا..

هتف باعتراض:-
- لا باشا أيه، إنتِ كنتِ لسه بتقولي ابني، عمّار بس يا أم إسراء..

تدخلت سرّاء هذه المرة بحِدة تهدر بغضب:-
- بقولك سرّاء .. سرّاء .. في أيه..

زجرتها والدتها بنظرة حانقة وقالت:-
- خلاص بقى صرعتينا بسرّاء .. هو ده اسم ده، الواحد المفروض يكون ليه نصيب من اسمه، أحب أفكرك إحنا جايين منين يا سيادة الضكتورة..

بالكاد تماسكت سامية كي لا تنفجر ضاحكة بينما ضحك عمّار وهو يقول بمزاح:-
- لا متقلقيش يا أم إسراء إحنا أحسنا ضيافتها جدًا.

تشدقت بنزق:-
- ما هو واضح يا عمار، دا أنا كنت بقول هتقعد شهر ولا حاجة حتى تبطل تنطيط في المخروبة بتاعتها إللي اسمها عيادة..بس إنت شكلك ابن حلال مصفي..

- الله يباركلك يا ست سُها دا من ذوق حضرتك..

تنهدت بعمق وهي ترقب المكان لتقول:-
- خلاص كفاية كدا يا ابني وإحنا نكمل بيتنا في الشارع إللي جاي ده..

رمقها عمّار بتعجب متسائلًا:-
- على كدا بقى إحنا هنطلع جيران.!

استفهمت بفرحة ظاهريه لشيء تضمره:-
- ليه هو إنت بيتك هنا في المنطقة.؟!

حرك رأسه بإبتسامة بينما شعر بنبض قلبه يرتفع فرحًا، لا يعلم لماذا!! 
وسرّاء الذي جأر قلبها بتوتر وهي تنظر لسامية بإضطراب جلي...
أغمضت أعينها بينما تسمع عمّار يقول ويشير على أحد البنايات:-
- أيوا أنا شقتي في العمارة دي..

شعرت سُها أن هناك شيء غير طبيعي في الوسط، التفتت توزع أنظارها بين سرّاء وسامية بشك، فهل هذه مجرد صدفة؟!!!

زوى عمّار بين حاجبيه وتسائل بقلق:-
- في حاجة ولا أيه يا ست سُها..

هزت رأسها بنفي بينما هتفت:-
- لا ولا حاجة يا ابني بس إحنا كمان ساكنين في نفس العمارة دي..

ضغط عمّار على المكابح بقوة لتصدر صريرًا، أخذ يتطلع بهم بعدم تصديق سرعان ما تحول لفرحة لم يستطع أن يُدثرها داخله ثم هتف يقول:-
- يا محاسن الصُدف والله يا أم إسراء، اتشرفت إن اتعرفت عليكم وإن شاء الله تكون معرفة خير..

حركت رأسها بينما عقلها شرد عند نقطةٍ ما، ثم هتفت تستفهم بينما تُضيّق عينيها وهي تُجمع بعض الخيوط:-
- وإنت شقتك في الدور الكام يا عمّار يا ابني.

- العاشر.. وإنتوا؟

أجابت بإقتضاب:-
- الرابع..

حرك رأسه وهو يتنهد براحة وقال برفق:-
- اتفضلوا الحمد لله على سلامتكم..

هبطت سرّاء مسرعة بينما تضع رأسها أرضًا وخلفها هبطت والدتها التي رمتها هي وسامية بنظرات غامضة وهمست لهم بوعيد:-
- يلا إنتِ وهي قدامي على فوق، في كلام كتير هنتكلمه وحسابنا بعدين..

أسرعت سرّاء تركض للداخل والآن أدركت حجم ما فعلته بحق نفسها، قبضت على ملابسها بينما همست بألم وندم داخلي:-
- سامحني يارب على الغلطة دي، أنا مكانش ينفع أعمل كدا خالص، كان المفروض أسيب كل الأمور تمشي على طبيعتها وفي الأخر يارب إللي إنت كاتبه هيكون..
أنا آسفه يارب على إنشغال قلبي بشخص غير حلالي، سامحني يارب وأنا راضية بكل إللي تكتبه ليا، يارب لا تؤاخذني بضعف قلبي وإنهزام قوايّ..

سقطت دموعها بضعف وما يشغلها فقط .. هل أغضبت ربها، أين كان عقلها مما حدث، هل هذه أخلاقها؟!
الآن تشعر بإنهزام قواها، الآن تشعر أنها ارتكبت خطئًا جسيم وجُرمٌ كبير..

وقفت سُها أمام عمّار، ترددت إبتسامة على شفتيها ثم قالت بجدية:-
- شكرًا يا عمّار تسلم يا ابني على وقفتك مع سرّاء بنتي وأنا اتشرفت بمعرفتك ربنا يباركلك يا ابني..

لا يعلم عمّار ما الذي دهاهُ في تلك اللحظة، شعور غريب يتصاعد بداخله، قوةٌ كبيرة تسيطر على دواخله وهو الذي صام عن جميع المشاعر..
تنحنح بهدوء وهو يقرر أن يأخذ هذه الخطوة، أن يُنفذ ما يُلقيه قلبه على مسامعه فهو من اتسم دائمًا بالوضوح..
قال بثبات:-
- بصراحة يا ست سُها مش عارف أجبهالك إزاي، بس إللي أنا مؤمن بيه إن رب العالمين بهيئ الأسباب وبيلقي الأقدار دايمًا في طريقنا..
أنا واضح وبحب الوضوح..
أنا بطلب منك إيد الآنسة سرّاء على سنة الله ورسوله.

                   **********************

وقف بقلبٍ يرجف كورقة أسفل أمطارًا مهيلا في إنتظار النبأ اليقين..
خرج الطبيب ووقف أمامه ثم مدّ يده له بمظروف وأخبره بعملية:-
- في تطابق أبوه بنسبة 99.9% العينات متطابقة يا أستاذ عبد الله.

تسمرّ بأرضه سرعان ما تهالك أرضًا وهو لا يصدق ما وقع على أسماعه للتو، نعم كان يشعر لكن مجرد الإدراك بعد تلك السنوات يفوق التحمل..
التصقت جبهته بالأرض ساجدًا باكيًا حتى مزقت شهقاته الصمت الذي يغلف المكان..
ربُ المعجزات، حقًا قدرة الله تفوق تصور أي بشر..
فالله إذا أراد هيئ كل الأسباب وهوّن كل الصعاب وقال كُن فيكون..
وهذا كان جزاء اليقين بالله، فَـ"عبدُ الله" كان رجلًا ذا يقينٍ صادق وحُسنُ ظنٍ دائم لم يتزعزع رغم المصائب والنوائب..

                 ************************

تنفست الصعداء بعد أنهت ترتيب وجمع ما تحتاجه غدًا عند ذهابها لقبائل الغجر..
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل، توضأت وارتدت ملابس الصلاة الخاصة بها وشرعت في صلاة ركعتيّ قيام، لقد مرّ كل شيءٍ على قلبها بلُطف عندما اتكأت على الركن الشديد..
مع الله كل شيء مرّ، لو كانت بقت ليلى القديمة كانت حتمًا ستنتهي، حقًا وجودها مع الله قوة .. بِه استطاعت تجاوز كل شيء، ليلى التي كانت تخشى أن تلج في ولو معاملة بسيطة مع أحدهم خِيفةً من أن تؤذى .. كانت تعتزل الجميع..
والآن وجدت طريقها الذي ستجاهد وتجتهد به، حقًا لقد أصبح لحياتهم نكهةً خاصة فريدة جدًا من نوعها..
لديها طاقة عاتية .. طاقة جعلتها تشرع في كمالة حفظ القرآن وتعلّم التفسير والقراءة في السيرة ومعرفة عظماء الصحابة.. طاقة لأن تتعلم كل شيءٍ عن الله وكل ما يتصل به، لقد أرشدها الله بعد سنواتٍ من الضياع وهوّن عليها الألآم وقد عزمت على أن تكون سببًا في إرشاد غيرها؛ لذلك ستذهب حيث بنات قبائل الغجر حتى تكون يدًا لإنتشالهم مما غرقوا به بعد أن سمعت عن حالهم..

وقفت في الشرفة تنظر للسماء ثم همست برضا:-
- الحمد لله ملئ السموات والأرض، الحمد لله عدد ما خلق، شكرًا يارب على نِعمك العظيمة، خلاص يارب بقيت حاسه إنّي مرتاحة .. حاسه إن بقيت في مأمن وإن وصلت وطني..

غامت أعينها بالحزن ثم قالت في شجن:-
- ياريتك كنتِ معايا يا وردة .. كنا تجاوزنا دا سوا
متخافيش يا وردة ليلى مش هتبقى نسخة عنك، ليلى قدرت تتجاوز خوفها من تجربتك، ليلى بقت قوية كفاية والفضل كله يرجع إلى الله..
بوعدك يارب إن هتعلم كل مُفيد وهمشى في طريق الدعوة إليك..
بس ليا رجاء عندك يارب..
أقولك على حاجة أنا نفسي مش أعصيك حتى بالفكر..
يارب أنا لا أملك قلبي فاللهم انزعه من قلبي وامسح كل أثر له جوايا وسامحني على تجاوزاتي..

تنهدت براحة وأغلقت الشرفة وأخذت تكفكف دموعها التي أغرقت وجنتيها، جعلت ترتب كتبها ثم أخفضت الإضاءة وبدلت ملابسها واستلقت على فراشها بهدوء واسترخاء...
جعلت ومضات من الذكرى تقتحم عقلها عنوة لكن حركت رأسها بقوة وأغمضت عينيها ذاهبة بثباتٍ عميق ليكون بانتظارها فجرٍ جديد به العوض الجميل.

                **********************

لقد قرأ فحوى رسالة هذا الإبتلاء بشكلٍ سليم فخرّ لله ساجدًا حامدًا شاكرًا..
فوق ظلمات الليل ظلمات السجن وظلمات الألم وظلمات الفراق والوجع، فكانت ظلماتٌ بعضها فوق بعض لكن داخله سَنا من الضوء ينبعث من بعيد..
داخله شعور يخبره أن خلف هذا خيرٌ كثير وعطاءٌ وفير.
بسط سجادة الصلاة وأخذ يُؤنس وحدته ويُريح قلبه بها حتى لامست جبهته الأرض..
همس يقول:-
- ربي أعلمُ أنّي مُثقل بالذنوب، وأني لم أعبدك حق عبادتك، اللهم بقدرتك أخرجني من الظلمات إلى النور.
اللهم إنّي لا أملك قلبي وأنا لا أريد أن أعصيك فيها فاللهم ارزقني زواجها واجعلها حِلًا لقلبي وروحي وامسح على قلبها وأزهق الحزن من قلبها.
واغفر لي خطأي وجهلي وإسرافي في أمري..

سقطت دموعه وهمس بلوعة:-
- لا تعاقبني فيها يا الله ..لا تعاقبني بحرمانها، ولا تجعلني أعصيك فيها يا الله.

                  **********************

جاءت الشمس تسير بدلال من مشرقها تصبّ أشعتها فوق الثرى وكل الخلق وتُعلن عن رهطٍ من الأحداث التي تعرج حيث النهاية..
كان الهدوء يتلبس البلدة وقد خرج الجميع يؤدون أعمالهم ويمارسون الحياة ... لكن قطع الهدوء صوت سيارات الشرطة التي عَلَت تشق الصمت..
وقف الجميع يشاهدون في تسائل وهرع البعض خلفها لمعرفة الأمر لتتوقف أمام منزل مازن..
تجمهر الجميع حول المنزل، وخرج مازن بصحبة والده في قلق..
تسائل مازن بتوتر وهو يرى إقبال ضباط الشرطة نحوه:-
- خير يا حضرة الظابط في أيه..

قال الشرطي بصلابة:-
- مطلوب القبض على مازن محمود..

تصنم مازن بصدمة فلم يكن يعلم أن أمره سيُكشف بتلك السرعة ولعبته ستنتهي..
هاج أهل البلدة المتجتمعن بصدمة بعدما صكّت الكلمات سمعهم وصاحوا باعتراض فهم على دراية بأخلاق مازن ومن هو مازن!
تماسك والده وأجمع شتات نفسه ليتسائل بهدوء:-
- وتهمة ابني أيه يا سيادة الظابط..

- السطو وسرقة المتاحف والتحريض على قتل عامر عبد الله .. مازن هو المجرم إللي بندور عليه من فترة طويلة..

                 *********************

اقتربت من والدها وهي تحمل حقيبتها، جلست أمامه ثم هتفت بإبتسامة:-
- صباح الخير يا هيما..

قال بإقتضاب:-
- صباح النور..

وثبت ثم انتقلت جانبه وطبعت قبلة فوق وجنتيه ورددت بدلال:-
- زعلان من ليلى يا هيما..

 - أنا مش راضي عن إللي بتفكري فيه يا ليلى..

أمسكت يده بحنان وقالت:-
- وأنا يهمني رضاك يا بابا وعمري ما همشي ألا برضاك..
مش أنا فهمتك وجهة نظري وقولتلك على أهدافي..

قال بإعتراض:-
- بس أنا خايف عليكِ يا ليلى، الغجر مش ساهلين وبالذات القبيلة إللي هتروحيها دي، خايف يضروكِ..

- يا بابا لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا..

- ونعم بالله يا بنتي بس إنت هتروحي بس علشان تنسي مش أكتر .. عايزة تهربي يا ليلى مش أكتر..

فارت دماءها ومار الغضب بداخلها، قبضت كفيها بشدة وهتفت بغضب:-
- علشان مين ههرب يا بابا، أنا قولتلك إن الموضوع ده أنا قفلت عليه ونسيته، هو ولا حاجة ولا كان حاجة علشان أوقف حياتي علشان ووو...

قاطعها والدها صائحًا بغضب لمرته الأولى تحت دهشتها هادرًا بنفاذ صبر:-
- خلاص يا ليلى...الموضوع أبدًا ما انتهاش وإنتِ كل ما حدّ يجي يكلمك تصديه بالطريقة دي ومش قابلة تسمعي الحقيقة ومكتفيه بإللي عقلك مصدقة، مش من حقك أبدًا تظلمي الناس كدا يا ليلى، قولتلك مية مرة إن في تكملة للموضوع، ليه مُصرّة تعيشي في القوقعة دي..
اسمعيني يا ليلى وأوعي تقاطعيني، لازم تعرفي الحقيقية إللي مش قابله تسمعيها..
عــــــــامــــر بـــــرئ وأبدًا مش خـايـــــــــن..
عمل ده كله علشانك .. علشان يحميكِ ويحميني ويحمي أهل البلد والمتحف..
لو معملش كدا كانوا قتلوني وقتلوكي علشان يوصلوا للورق إللي معايا..
إللي كان ورا ده كله عمّ عامر اسمه جمال، أجبره على كدا وهو جاراه في خطتهم علشان يعرف أيه إللي في دماغه وناوي يعمل أيه..
بعد ما عامر هرب بالورق وعرف خطتهم بعد ما وثقوا فيه لما سلمهم الورق بلغ الشرطة بكل إللي هيحصل ولولاه أبدًا مكناش هنقدر نحمي بلدنا ولا أثارنا وهو إللي رجع وسلم نفسه علشان التحقيق..
هو عمل ده كله علشان مفيش أذية تحصل لحد...
عامر شاب مخلص وكويس حتى لو هو غلط إنه مقالش من البداية وعرفنا بس هو كان خايف علينا..
البلد كلها عرفت وواقفة جمبه وبالذات لما حاولوا يقتلوه في السجن ويتخلصوا منه؛ لأن إللي أكبر من جمال عايز يتخلص من عامر علشان خيانته لهم..
دي إللي الحقيقة إللي لازم تعرفيها علشان الظلم حرام يا ليلى..

ظلت ثابته تستمع بجمود بينما صفحة وجهها قاحلة لا شيء يُنبِئ بأي خير فقط كلمات والدها تتردد بأذانها..

وفي هذا الأثناء كان هناك رجل بصحبة سيدة يرتسم على ملامحم الطيبة يقفان على أعتاب حديقة منزلهم لمحهم والد ليلى فوثب يرحب بهم قائلًا:-
- أهلًا وسهلًا اتفضلوا...

تسائل الرجل بهدوء:-
- حضرتك الأستاذ إبراهيم عزام..

تعجب إبراهيم في البداية لكن سرعان ما قال وهو يدعوهم للدخول:-
- إتفضلوا إتفضلوا .. أيوا أنا هو .. أؤمرني..

نظر الرجل لزوجته التي لمحت ليلى فأخذت تبتسم لها بحنان وحب، ثم هتف وهو يتنهد:-
- أنا عبد الله الصاوي والد عامر..

                       ▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎

يُتبع..
#عبق_الفراشة
#الفراشة_البيضاء2
#سارة_نيل


الفصل السابع من هنا 




تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1