رواية حسن العطار وبثينه الفصل الثاني 2 بقلم كاتب مجهول

 

رواية حسن العطار وبثينه الفصل الثاني بقلم كاتب مجهول

#حسن_العطار_وبثينه
 الجزء الثاني

وفي ذلك اليوم إستيقظ إبراهيم والد حسن مبكّرا مثل كلّ صباح ليذهب إلى دكانه، نهضت زوجته معه ،وأعدّت له جرابا فيه زاد ،وقلّة لبن . 
فمن عادته أن يمضي يومه هناك .وهو من النّوع الذي لا يحبّ الكسل وعمله يأخذ كل وقته ،وكانت الحدادة في ذلك الزّمن رائجة ،لكثرة الطلب على الدّروع والسّيوف. إنتظر الأطفال رجوع زوجة أبيهم للنّوم ،وتسلّلا على أطراف أصابعهما ثمّ فتحا الباب وخرجا ..
كانا يحاولان أن يتجنّبا الجيران لكي لا يسألوهما عمّا يفعلانه في هذه السّاعة المبكّرة ،لكن لحسن الحظ كان الزّقاق فارغا ،وعندما إبتعدا عن منزلهما بمسافة كافية قال حسن لأخته : هيّا بنا نجري ،أخشى أن تكتشف تلك اللعينة غيابنا ،وتخرج للبحث عنّا .قالت له: أين سنذهب؟ قال: ناحية المسجد ،سنصل هناك ثمّ نتدبّر الأمر.

جرى الطفلان بحماس ،لم يكونا خائفين، وإن أحسّا ببعض القلق المبهم ،لكن بثينة تعثّرت في حجر، وسقطت على الأرض ،فجرحت ساقها، وأحسّت بألم فظيع ، تحاملت على نفسها ،ووقفت ، وعندما نظرت أمامها ،كان أخوها قد إختفى عن الأنظار . 

جلست عل حافّة الطريق، وبدأت في البكاء،وقالت في نفسها : الوضع الآن أكثر سوءا ،ألم يكن الأفضل البقاء في البيت ،على الأقل أشعر بالأمان مع أخي حسن و أبي ،الآن عليها أن تواجه مصيرها بنفسها ،ومن يعلم عمّا تخبّئه لها الأاقدار. 





بينما كانت غارقة في أفكارها سمعت صوت عربة تقترب منها ،ثمّ وقفت أمامها ،كان فيها عدد من الجواري ،سألها صاحب العربة عمّا تفعله وحيدة في هذا الوقت ،نظرت إليه ،كان مظهره كالتّجار،فكّرت قليلا ،وقالت: لقد أضاعني أهلى ،ولا شك أنهم يبحثون عنّي الآن ،قال الرّجل :كما ترين الأزقة خالية ولا آمن عليك من النّخاسين، لو قبضوا عليك لباعوك في أسواق الرّقيق،في دمشق أوالقاهرة ولن ترى أهلك إلى الأبد .

لكن أحملك مع هؤلاء الجواري إلى قصر السلطان، فتبقين في رعاية القهرمانة حتّى يأتي أهلك للبحث عنك. كانت بثينة طفلة ذكيّة ،لقد لاحظت أنّ الجواري صغيرات السنّ ،ممّا يعني أنّهن سيدرّبن على اللياقة والعمل المتقن . وقالت في نفسها : يمكنني دائما الهروب ،عليّ أوّلا أن آكل، وأستريح، ثمّ سأجد طريقة أذهب بها إلى مسجد بغداد لا شك أنّ حسن هناك ينتظرني ،و يعرف أني سأتدبر أمري كي ألحق به .

تسلّقت العربة، وجلست مع الجواري، أحسّت بالرّاحة عندما مدّ لها قلّة ماء فشربت ،ومسحت جرحها ،كان الطريق طويلا ،ونظرت حولها ،فلقد بدأ الصّباح في الطلوع ،وبدأ الحركة تشتد في طرقات بغداد ،لأوّل مرة تتجوّل فيها بهذا الشكل ،كانت تعرف فقط دكاّن والدها ،وهو لا يبعد كثيرا عن بيتهم ،أخوها كان يعرف هذه الطرق أكثر منها ،وفي النّهاية وصلوا أمام قصر كبير في الطرف الآخر من المدينة ،كانت الأزقة هناك أكثر إتساعا و،البيوت كبيرة ،وعلمت من كثرة الحرس والّرايات على الأبراج أنّه قصر السلطان .

نزلت الجواري ،واصطففن أمام الباب ،ثمّ خرجت امرأة ومعها عبد أسود يحمل صندوقا صغيرامن الخشب . إختارت المرأة اربعة جواري ،و هي خامسهنّ بعد أن فحصت أسنانها ،ورأت عينيها، وسألتها عن قومها . ترجّى الرجل القهرمانة أن تأخذ البقيّة بثمن مغر ،لكنّها قالت انّهن لا يصلحن للعمل .أخذت صرّة دنانير من الصّندوق ،ودفعتها للرّجل ،وقالت : لا تحاول خداعي المرة القادمة .

أخذت القهرمانة الجواري إلى الحمّام فاغتسلن ،وتعطّرن ،وأعطتهنّ ملابس جديدة ،وقالت :العمل في القصر ليس ككلّ الأعمال، وهو يحتاج إلى تعلم كثير من الأشياء ،ستقابلون كل يوم الأمراء والأشراف ،ووفود الممالك البعيدة ،وهذا شرف لكنّ ، لهذا اخترتكنّ في سنّ يسهل فيها التأدّب ،سألتها بثينة،هل يمكننا الخروج ،أجابت القهرمانة أنا التي يقرّر من يدخل ،ومن يخرج ،لكن لن يتمّ هذا قبل سنوات ،على كلّ حال يوجد كل شيئ هنا ،لا تنسوا أنّكن في خدمة السّلطان .

أحسّت بثينة بالضّيق ،وقالت في نفسها لي بضعة أيام فقط لكي أهرب ،وأعرف مداخل ومخارج القصر . لاحظت القهرمانة شرودها ،وقالت هل هناك ما يشغلك ؟ فوجئت بثينة بنظراتها الغاضبة ،وأجابت :لا ...لا شيئ . قالت القهرمانة: حسنا ،الآن إلى قاعة الطّعام، ثمّ أشرح لكنّ ما ستفعلنه .





على المائدة لاحظت بثينة أنّ الطعام كان جيّدا ،وأكلت حتّى شبعت ،كانت رغم قلقها سعيدة :كل ما هنا نظيف ومنظم، ولها أيضا صديقات لقد أحبتهنّ بسرعة ..
قالت القهرمانة : سأعلمكنّ ضرب العود والغناء ،وسيشرف عليكنّ منصور الحلبي، لقد أصبح شيخا، ويريد أن تخلفنه في مجالس الطرب والغناء بالقصر،ومن لا تتعلّم بشكل جيّد ،سأرسلها مع الخدم .كانت بثينة محمّسة جدّا لتعلّم العود، وسألت متى نبدأ ؟ قالت القهرمانة :غدا صباحا ، فكّرت في حسن .و قالت: سأرسل شخصا للمسجد يعلمه أنّي بخير، وقد قرّرت البقاء في قصر السّلطان ..

أمّا حسن فقد ذهب مع الشّيخ نصر الدّين إلى الدّكان، لكنّه كان مشغولا بأخته ،وخاطب نفسه : أين أنت يا بثينة؟ كيف يمكنني أن أتعلّم شيئا وأنت غائبة عنّي؟ 
كان العطّار أيضا قلقا على البنت ،وقال لحسن إنزل الى القبو وقم بتنظيفه وإزالة الغبار عن القوارير و القطّارات ،سأعلّمك كلّ شيئ في أوانه ..
عليك فقط أن تنتبه لكلّ ما أقوله لك وتحفظه ،أمّا في المساء سأرسلك إلى حلقات الدّرس في المسجد ،وأرجع لأخذك حتّى تكبر ،ويصبح بالإمكان الرّجوع وحدك إلى البيت ،أمّا اليوم سأرافقك للسّؤال عن أختك ،فلو قدمت إلى هناك لرعاها أهل الخير في بيوتهم ،ونشروا خبرها في الأسواق حتى يعلم أهلها بأمرها ....
يتبع


تعليقات