رواية حسن العطار وبثينه الفصل الخامس 5 بقلم كاتب مجهول

  

رواية حسن العطار وبثينه الفصل الخامس بقلم كاتب مجهول

#حسن_العطار_وبثينة
الجزء الخامس

قصد إبراهيم الحدّاد دكّانه ، وفي الطريق قال في نفسه : لقد مضى الآن ثلاثة أيام على إختفاء الأطفال،ولقد بدأت أشعر بالقلق عليهم. لام نفسه على تماطله في البحث عنهم لمّا بلغه الخبر،لكن أقنع نفسه أنّ السّبب هي إمرأته رقيّة التي لم تدّخر وسعا في عدّ عيوبهم ،وإثارة نقمته عليهم ،كان من الأجدر أن أطلب النّصح من جاري أبو عمر فهو شخص ذو عقل راجح، وربّما أشار عليّ بحلّ ترتاح له نفسي ...
فتح الدكان،وبدأ في العمل ،لكنه كان حزينا جدّا، تذكّر زوجته التي ماتت في ريعان شبابها، وتركت له حسن وبثينة. تزاحمت الخواطر في ذهنه ،وقال : لقد حسدني الناس على جمال إمرأتي، ولم يكفّوا عن التّسائل كيف رفضت الزواج من أشراف الشام لتقبل بي أنا الرجل الفقير زوجا .لهذا السبب رحلنا إلى بغداد لنبتعد عن عيونهم، وألسنتهم الخبيثة .
بعد موتها كان يصطحب الغلام والجارية إلى عمله ،لم يكن لديه من يدبّر حالهما ،فأصله من قرية بعيدة في ريف دمشق، وكلّ قومه هناك .كانا يقبعان في ركن ينظران إليه بإهتمام شديد ،وكان يحكي لهما عن السّيوف الدّمشقية التي لا يعرف سرّها إلا قلة من الحدّادين، وأيضا التّحسينات التي أدخلها عن المنجنيق، و على آلات الحرب الأخرى ،وفسّر لهما كيف تعمل وكان يرافقهما إلى الغابة ليدرّبهما على الضّرب بالسّيوف ،والرّمي بالسّهام ،فبرعا في ذلك رغم صغر سنّهما ،أمّا في البيت فكان يعلّمهما القراءة والكتابة بالللسان العربي والسّرياني ..
وذات يوم أتته امرأة حسناء لتصلح سكّينا ، وأخذت تتملّق،و تتصنّع الأعذار للمجيئ إليه كل يوم، وأظهرت الشّفقة على الصّبية ،حتى أحبها ،وفتن بجمالها،وبعد فترة تزوّج منها ،لكنها كانت أنانية، وكثيرة الصّمت ، و كانت تخرج وتغيب بعض الوقت، دون علم زوجها ولا تقول للصّبيان أبدا أين تذهب . كان حسن وبثينة على قدر كبير من الفطنة والذكاء ،و هذا الأمر يزعجها، فلم تتوقّع ذلك منهما ، وبدأت تحيك الدّسائس لكي لا يصدّقهما أبوهما إذا ما قالوا شيئا عنها ..
جلس إبراهيم على كرسي في أحد زوايا الدّكان ،وفكّر في رقية إمرأته ،لقد إشتكى من غرابتها الأطفال ،لكن لم يحاول حتى سماعهم ،كانت متسلطة ،وإعتبر ذلك جيدا لتأديبهم ،لكنّه كان مخطئا. وأول مرة يفكر أنّ رقيّة ربّما أساءت معامتهم لذلك السّبب خرجوا من البيت ..
لماّ كانوا معه في الدّكان لم يبد عليهم القلق أو التّذمر من العجيب أنّ ذلك بدأ مع تلك المرأة ،قال في نفسه : سأبحث اليوم عن أبنائي وسأكتم الأمر عنها ،هذه المرأة وراءها سرّ، لقائنا لم يكن مصادفة .




في المساء أغلق دكّانه ،وقال : الصّبيان يجهلون أزقة بغداد ،المؤكّد أنّهم ذهبوا لمكان يعرفونه، كلّ يوم جمعة كنت أحملهم للمسجد ،أعلّمهم الصّلاة والصّدقة ،كانوا يحبّون الجري وراء الحمام ،ورمي فتات خبزهم له .ذهب إلى هناك. وكان حسن في حلقة الشيخ موسى ولمّا رأى أباه من بعيد أخفى وجهه ،كان يهاب غضبه لو قبض عليه ...
لكن حسن يجهل أن أباه بدأ يتساءل إن كان الأطفال على حقّ عندما يتحدثون عن قسوة رقيّة ،جمود مشاعرها بعث الريبة في نفسه . وجد إبراهيم خادم المسجد وسأله: هل حدث أن جاء صبي ضائع للمسجد ؟ أجابه الخادم نعم ،الناس يقودونه إلى هنا ،ودائما نجد أهلهم ،سأله مرّة ثانية ،ألم تر أحدا ضائعا هذه الأيام ؟ أجابه: لا لم أر أحدا .
إزدادت حيرة إبراهيم ،وقال : لن أسامح نفسي إذا وقع لهم مكروه ،رجع مبكّرا إلى داره على غير عادته ،أراد أن يرتاح قليلا قبل أن يذهب إلى جاره أبي عمر،كان يحسّ بالقلق الشّديد هذه الأيام ،وكانت إمرأته تلاحظ ذلك وتسقيه خمرا ،وكلّ مرّة يريد المزيد ،اليوم لن يشرب شيئا ،وهو محتاج إلى صفاء الذّهن ليفكّر في حلّ ،وهو متأكّد أن أبنائه لا يمكن أن يكونوا بعيدين كثيرا ..
كان يعرف ذكائهم ،ومن حقّهم أن يغضبوا منه لإهماله لهم ،كان لا يزال يحدّث نفسه عندما رأى رقيّة تخرج ،وتقفل الباب ورائها،نظرت حولها يمنة و يسرة بحذر، ثم غطت رأسها، و تسللت في الزقاق ،تعجب إبراهيم ،وتساءل إلى أين تذهب ؟ لها كلّ ما نحتاج إليه ،ولو كان تريد شيئا لأوصتني به قبل أن أخرج ،قال في نفسه سأتبعها من بعيد ،لأرى ما تدبّره.. هذا جزاء من يصدّق النّساء ويثق فيهنّ ..
يتبع


تعليقات