رواية حسن العطار وبثينه الفصل السادس بقلم كاتب مجهول
#حسن_العطار_وبثينة_الجزء_السادس
في الصّباح سأل الأمير حسيب الدين عن قاعة الموسيقى ،فقيل له إنّها في جناح الحريم ،ولا يمكن دخوله إلا بإذن القهرمانة ،فأرسل في طلبها ولمّا حضرت ،سلّمت عليه : وقالت : في خدمة مولاي ،عسى أن يكون الأمر خيرا ،تنهّد وردّ عليها : لقد سمعت جارية تغنّي في الشّرفة ،فطربت لها ،وأريد رؤيتها. دهشت القهرمانة ،وقالت :إنّها من قيان أبيك السّلطان، ولقد دفع فيها مالا كثيرا .قال الأمير: أعرف ذلك ،لكني تعوّدت على غنائها ،ومنذ مدّة لم تعد تخرج إلى الشرفة ،لقد كنت أحس بالسعادة عندما اسمع  صوتها الرخيم،وأنسى ما  أنا فيه من ضيق ،وملل في هذا القصر .
قالت في نفسها :بثينة جارية فاتنة ،وأخشى أن يعشقها الأمير لو رآها ،وهو لا يزال فتى يافعا ،لو علم السّلطان أنّ ذلك وقع بسبب إهمالي ،فسيكون عقابي شديدا ،وعليّ أن أدبّر معه حيلة لإبعادها عن القصر ،لعلّ الأمير ينساها ،أعرف أنّ ذلك سيكون مؤلما له ..
إستدعت القهرمانة بثينة ،وقالت لها: لقد أثنى الشيخ منصور على إجتهادك ،ولقد قرّرت منحك مكافئة:سألت بثينة: هل لي الحقّ أن أعرف ما هي  ؟ 
ردّت عليها : مضت عليك سبعة أشهر وأنت في هذا القصر،غدا سيأخذك أحد الحرّاس في عربة لترين بغداد، وتتجوّلين في أسواقها ،وترجعين بعد ساعتين ،أحسّت بثينة بالفرح ،وقالت في نفسها : سأستغلّ الفرصة لأكتب رسالة إلى حسن، وأتركها  له في المسجد .
لم تنم البنت تلك الليلة ،وفي الصّباح الباكر وجدت أحد الحرّاس في إنتظارها أمام جناح الحريم ،ركبت معه العربة وخرجا من القصر . كان السّلطان والقهرمانة ينظران إليهما من الشّرفة ،قالت القهرمانة : ومااذا لو أوقفهما جنودك عند أسوار المدينة ؟ أجابها : إطمئنّي لقد أعطيت الحارس صحيفة عليها خاتمي ،وبعد أربعة أيام سيصلان حدود بلا الفرس، وسيبيعها هناك ولن نسمع بخبرها أبدا...
والآن ستذهبين إلى الأمير، وتقولين له إن القينة التي تهواها قد هربت من القصر في عربة، و ساعدها أحد الحراس مقابل كيس من المال. ولقد قبضنا عليه ،وإعترف .وبطبيعة الحال سنزجّ بأحد أعواننا في السّجن، ونفرج عنه بعد بضعة أيام . أمّا الأمير فسأرسله في رحلة صيد وسينسى بثينة ،لقد رأيتها ،وهي حقّا جميلة ...
خرجت بثينة من القصر، وأخذت تنظر من النّافذة الصّغيرة إلى الييوت الواسعة ،والقصور الجميلة  .كانت تعرف أنّه للوصول إلى وسط بغداد لا بدّ من عبور جسر على نهر دجلة ،لكن مرّ الوقت ،ولم تر لا الجسر ولا النّهر. وشاهدت من بعيد أسوار المدينة ،وبعض البيوت المتفرّقة .أحسّت بالذّعر، وقالت للحارس إلى أين نذهب، لقد تركنا المدينة ورائنا ؟ يبدو أنّك أخطأت الطريق !! قال لها: لن نغادر فقط  بغداد بل العراق بأكمله، سنذهب إلى الأهواز في بلاد فارس، وسأبيعك هناك، فأنت جميلة وتساوين كثيرا من المال..
ضربت جبينها بيدها ،لقد إحتالت عليها تلك القرمانة اللعينة، كانت محقّة في الخوف منها ا،لآن لن تر حسن إلى الأبد. أخفت وجهها بين يديها ،وأجهشت بالبكاء  ،أحسّت بدوار في رأسها من المصيبة التي حلت بها ،فسقطت في قاع العربة وأغمي عليها ،لمّا إستيقظت ، نظرت من النافذة الصغيرة، فهبّ على وجهها نسيم خفيف ساعدها على إسرترجاع نشاطها ،وعرفت أنها نامت البارحة طوال اليوم.. 
و بدأ الفجر يلوح في الأفق ،شعرت بعطش شديد وبأن مفاصلها تألمها فصاحت بالحارس: إنّي أسيرتك ،لكن لي عليك حقّا في طعامي وشرابي . .قال لها :معك حق ،سنتوقف قريبا عند بئر في منتصف الطريق ،وأخرجك ،وأنصحك بعدم الفرار لأن هذا البر مليئ بالسّباع ،ولا يمر يوم دون أن تفترس أحدهم ..
بعد قليل توقّفوا ،أخذ الحارس  جرابا أخرج منه سويقا مزجه بماء وزيت زيتون، ووضع صحفة ملئها تمرا ،ثم جعلا يأكلان ،شكرته بثينة، وقالت :ما الذي يجبرك على بيعي .. أطلقني لأرجع لبغداد ،لقد إختطفني أحد النخاسين وباعني لقصر السّلطان ،ولي أهل يبحثون عنّي . 
توقّف الحارس عن الأكل، وقال لها: لست أفضل منّي، فقد كنت مع أبي وأمي في قافلة متجهة إلى بغداد ،كمن لنا اللصوص وإختطفوني مع صبية آخرين كانو يلعبون معي، وإنتهى بي الأمر في حرس القصر ،وقد دبّرت القهرمانة خطفك، وقالت لي لك العربة، والجارية ،وحرّيتك، فعد إلى أهلك في الأهواز ،قالت  بثينة : سيغضب منها السّلطان إذا علم بالأمر .ضحك وقال:  يا لك من حمقاء كيف تمكّنت من خروج القصر ومغادرة المدينة والعراق دون أن يتعرّض لنا أحد ؟
أخرج لها صحيفة فإذا هي بخط الملك، وعليها خاتمه ،أحست بغصّة في حلقها ،وقالت كان عليه سماعي على الأقلّ ،لكنّه كان الخصم والحكم ،ردّ عليها : ومتى كان للعبد حقوق ؟إسمعي ليست بيننا عداوة ، لكن احلم بقطيع صغير من الغنم ،وأعدك أن أبيعك لشخص يتّخذك إبنة له هذا أقصى ما يمكن عمله لك ،هيّا أنهي طعامك بسرعة فليس لنا وقت نضيعه، فالأحوال تسوء بين السّلطان و إمارة الأهواز التي إمتنعت عن دفع الخراج ،وقد تندلع الحرب ونعجز عن الحركة ..
واصلت بثينة الرحلة وبعد ثلاثة أيام إلتفت لها الحارس ،وقال لها :أصبحنا في الأهواز، وسنذهب إلى جنديسابور.وهي على مسافة يوم .وعندما وصلا قرب القلعة أوقفهما الجنود، وسألاهما عن مقصدهما، ثم تركومهما نظرت بثينة فرأت الإستعدادات للقتال على قدم وساق ،وأهل هذه المدينة هم أكثرهم عداء للسلطان في بغداد ،ورأت النّجارين يصنعون آلات الحرب  في السّاحة الواسعة المقابلة للقلعة ..
قالت بثينة للحارس توقف !! دبّرت أمرا يمكن أن يحصل لنا منه خير كثير ،وتحقق حلمك دون الحاجة إلى بيعي ،دهش لسماع هذا الأم،ر وقال كيف ؟ إياك أن يكون في الأمر خدعة  !!
قالت له خذني إلى أمير القلعة ،سألها لماذا ؟ قالت :كن على ثقة بي، فأحوالنا تتشابه في نهاية الأمر. أذن لهما الأمير نور الدين بالمثول أمامه ،واستغرب لرؤية جارية صغيرة بارعة الجمال ،قال الأمير: هل هناك شيئ يمكنني مساعدتكم به ؟ قالت بثينة: أصلح الله الأمير لقد جئنا للتّطوع في جيشك ..
قال الأمير: بارك الله في شجاعتكما ،لكنّكما لا تزالان شابين ،والحرب لا يكفيها العزم بل قوّة السّيف ،قالت له: أئتوني بقوس وجعبة سهام، وسألته هل ترى حلقة الباب ؟
 نظر إليها ،ضحك،وقال: هل تقصدين تلك الحلقة إنها تبعد عليك مائتي خطوة ،أخذت القوس ووضعت سهما ،نظرت إلى الهدف كما كانت تفعل مع أبيها إبراهيم ، ثم أطلقت السّهم الذي طار محدثا أزيزا قويا وأصاب الحلقة ونفذ في ظهر الباب..
دهش الأمير نور الدّين و الجنود، لم يروا في حياتهم رمية بهذه الدقة والقوّة ،قال لهما إجلسا !! سأدعو لكما بطعام و شراب، وقال لبثينة :اريديك أن تروي لي كل شيئ .حكت له الحارية عن أبيها ،وكيف علّمها وأخيها استعمال القوس والسّيف منذ نعومة أظافرهما ،وكيف كانت تطرق مع أباها الحديد وكيف علّمهما سرّ صناعة السّيوف الدّمشقية ،وتحسين قوّة  ضرب المنجنيق بإضافة دولاب دوّار مقوّى بالحديد.. 
وقالت له إنّ سلطان بغداد يتآمر مع النّخاسين لشراء جوراي وغلمان خطفوا من أمام أهلهم ،ورغم إخلاصها له فإنّه حاول بيعها لكي لا ترى أهلها أبدا ،وأقسمت ،أن تأخذ بثأرها منه ومن القهرمانة التي سقتها العذاب  .. 
وأضافت من الغد سأبدأ العمل أنا والحارس محمود .قال الأمير :إذا أعجبني عملكما سأجعل لكما عطاءا تأخذونه كل شهر ،اليوم ستستريحان وغدا نرى ما سنفعله ...
#حسن_العطار_وبثينة
الجزء السادس
