رواية حسن العطار وبثينه الفصل التاسع 9 بقلم كاتب مجهول

 

رواية حسن العطار وبثينه الفصل التاسع بقلم كاتب مجهول

حسن_العطار_وبثينة
الجزء التاسع
بثينة ترجع إلى العراق 

مشى إبراهيم إبراهيم الحدّاد وراء إمرأته رقيّة كانت تحمل في يدها لفافة أوراق ، سارت المرأة في دروب ضيْقة حتى وصلت أمام منزل صغير، ثمّ طرقت الباب، فتح لها الباب رجل سلّمت عليه ، ورفعت خمارها عن وجهها ثم دخلت . انتظر إبراهيم قليلا ، ثمّ قال : لا بد أن أعرف من هؤلاء الناس , لا يمكن أن يكونوا من عائلها ، لماذا كل هذا الحرص؟ منذ أيّام سقته الخمر ،وطلبت منه أن يحدّثها عن عمله، لقد كان يجد متعة في ذلك ، وعندما سألها ما سرّ اهتمامك بذلك ،أجابته بأنّها تحبّ سماع الأخبار العجيبة . وكانت تتلطف، وتظهر له الحبّ ،فرسم لها رسوما لأسلحته الجديدة ، وفي الصّباح عندما طار عليه السكر طلب منها رمي تلك الأوراق وعدته بذلك ، كان يحبها ويثق فيها ،لكن بات متأكدا ا أن لهذه المرأة سرّا تخفيه . 
فجأة أحسّ بضربة قوية عل رأسه ثم دارت به الدنيا و غشي عليه . لما أفاق وجد نفسه أمام رقيّة ،ورجلين . قال لها : ماذا تفعلين هنا ،و من القوم ؟ ردّ احد الرجلين : لقد وجدته أمام الدّار ،ولا أعرف هل هو وحده أم معه شخص آخر ؟ قالت رقيّة : لا شكّ أنه رآني أخرج، فاّتبعني . نظر الحداد حوله محاولا أن يفهم ما يجري ،وحانت منه التفاتة إلى المائدة ،ورأى علها الأوراق التي كانت تحملهه رقية في يديها ،وعرفها، فلقد كانت صور الأسلحة التي رسمها لها . قال :عندما تبدي لك المرأة الودّ فلأنّها تريد أمرا !! ويحك كيف تفعلين هذا ،هل أخطأت يوما في حقك ؟
 أجابت :لا والله فلم أر منك إلا خيرا ، لا بدّ تعلم ظلم سلطانك لأهل الأهواز لهذا أرسلني سيدي محمد الأهوازي لبغداد للحصول على أسرار الأسلحة ولقد إخترناك لأنك أبرعهم ، و أقلهم حرصا ، هل تفهم هذا ؟ دون أسلحتك لا يمكن الإستيلاء على حصن الظلام وإسترجاع أموالنا وأبنائنا ، قال أحد الرجلين لا تزال تنقصنا بعض التفاصيل ، وعليك إعطائها لنا ، أنصحك بذلك وإلا سترى من العذاب ما لا تحتمله نفسك ، أجاب إبراهيم لن أعطيكم شيئا ولن تتمكنوا أبدا من صنعها بمفردكم ، قالت رقية سنرحل غدا إلى الأهواز وسنأخذه معنا ، وهناك سنجبره على الكلام .
في تلك الأثناء كان رجال الأمير نور الدين ومعهم العامة يسيرون دون توقف، و كل يوم يكبر عدده بإنضمام أهل القرى الذين يمرون بها حتى أصبحوا يعدون بعشرات الألوف، وسمعت كل الأهواز بخبر الجارية التي تقود الجيش وإنتشرت الشائعات أنها حورية من الجنّ جاءت مع قومها لنصرة المظلومين ، ولما وصلوا لمشارف الحصن أمرت بتركيب المنجنيق العملاق ، ولمّا طلع الصّباح نظر قائد الحامية من أحد الأبراج، وأصيب بالذّعر فلقد امتلئت السّهول و الجبال حولهم بالمحاربين ، و معهم عشرات المنجنيقات المكسوّة بالحديد، وفي مقدّمتهم واحد لم ير في حياته مثله في ضخامته . 
نادى بقيّة القادة، ولمّا نظروا إلى جيش الأهواز، قالوا : ما سمعناه عن مؤازرة الجنّ لهم يبدو صحيحا ، فما نراه من آلات حربهم ليس من صنع البشر . تقدّمت بثينة ناحية الحصن وصاحت : إرجعوا إلى بلادكم، واتركوا لنا الحصن، وجباة السلطان ،ولن يصيبكم أذى . قال قائد الحامية : إنها جارية صغيرة أقتلوها، أطلقوا عليها سهامكم، لكن الجنود نظروا على بعضهم ،وقالوا لا نريد أن يصيبنا غضب الجن ،ردّ : يا لكم من جبناء ،أخذ قوسه ،و رماها لكن السهم أصاب الدرع ،وإنكسر، صاح أهل الأهواز صيحة عظيمة بثينة بثينة ، أخذت قوسها، وأطلقته على القائد فوق البرج فإخترق رقبته ،وسقط من أعلى الحصن . 
وبعد قليل فتح الباب وخرج رجل يحمل علما أبيض، وقال لبثينة إن أعطيتنا الأمان خرجنا و تركنا لك ما تريدينه ، قالت لكم الأمان ، خرجت الحامية وركبوا القوارب التي حملتهم إلى الضّفة الأخرى من شط العرب ، ولم تتوقف حركة القوارب طول اليوم فقد كان عددهم كبيرا . في المساء دخلت بثينة والأمير نور الدين ومحمد الأهوازي ،فوجدوا الجباة الذين نهبوا أرضهم موثقين ،وفجأة إنفتح باب كبير وخرج منه مئات الصبيان وهم يبكون نريد آبائنا ،لقد إشتقنا إلى أمهاتنا ،
 فرح أهل الأهواز فرحا شديدا، و نهبوا الحصن، وأخذوا ما فيه من أموال، وسلاح وخيول ثم هدموه . أمر محمد الأهوازي بإحضار الجباة ،وربط في قدم كل واحد منهم حجرا ثقيلا ،ثم رماهم في شط العرب .ثم خطب أمام الناس: لقد حققنا اليوم انتصارا عظيما، و سنرجع الآن إلى مدننا ،وقرانا . وقفت بثينة وقالت : أيّها الأمير لا تستهن بسلطان بغداد، فلقد كنت عنده في القصر ، تجارته تبلغ الهند و الصّين ، وله من الأموال والرجال ما لا يعلمه إلا الله ، ولو تركناه لعاد إلينا بما لا قبل لنا به ، لقد فاجأناه مرة ،لكن هذه المرة سيكون مستعدا ، وسيأتي بكل بصنّاع الأسلحة من كل مكان ، و سيزول تفوّقنا .الرّأي عندي أن نزحف إليه قبل أن يأتي إلينا في جموعه . 






سأعبر شطّ العرب، ومن يريد أن يجيئ معي فلجئ ،ومن أراد البقاء فليبق !!! صرخ الناس: بل سنجيئ معك لن يتخلف أحد منّا. قال محمّد الأهوازي لنور الدّين : لقد أصبحت هذه الجارية صاحبة الأمر والنّهي ،وأخشى أن تقودنا إلى التّهلكة.،أجاب نور الدين: لقد وقع الشرّ مع سلطان بغداد ، أتظن أنّه سيتركنا بعدما هدمنا حصنه، وأذللنا جنده ؟ قال الأهوازي: بعد الحرب يأتي التّفاوض ، ردّ نور الدّين: لكي نتفاوض يجب ان نكون أقوياء يا محمّد !!! سكت الأهوازي على مضض، فقد كان رجل فقه ،وليس رجل حرب ،كان يعتقد أنّه يمكن للمسلمين أن يتفاهموا، و يحقنوا الدّماء. ، لكن سلطان بغداد لم يكن تهمه لا رعيّة ولا دين ،لقد كانت الجارية مرّة أخرى على صواب ،وقالت في نفسها العقاب في طريقه إليك ...
....

حسن يقرأ كتاب أسلحة الرّوم ....

لمّا نزل الشّيخ نصر الدّين في الميناء إكترى ثلاثة جمال، حمّل إثنين منها بالبضائع ،و ركب الآخر، كانت هناك قافلة كبيرة للتّجار متّجهة إلى بغداد فسار معها، وفي الطريق سمع خبر الجارية التي استولت على حصن الظّلام دون قتال ، وتوغّلت مع أهل الأهواز في العراق ،وبأنّ جيوش السّلطان تفر أمامها ، و دبّ الذّعر والهلع في المدن والقرى القريبة من الثغور الشّرقية . تعجّب العطار من هذه الحكاية، فسأل من تكون الجارية ؟ قيل له: لا أحد يعرفها ،و الناس تزعم أنّها احد ملكات الجن ، وهي صغيرة ،وباهرة الجمال ،ولا يوجد من يضاهي براعتها في الرّمي بالسّهام .
 كان الوقت ليلا عندما وصل إلى داره ، طرق الباب أجابت إمرأته : الشيخ في سفر ماهي حاجتك أيّها الطارق ؟ ضحك نصر الدين و،قال : لقد رجع الشيخ يا أمة الله !!! لمّا سمعت ذلك فتحت الباب، وصاحت من شدّة الفرح، و قالت :لقد افتقدتك يا رجل ،وطال عليّ غيابك، وأنا أفكّر فيك كل يوم ،وأدعو لك بالسّلامة .
أسرع إليه حسن و قبّل يديه ، وقال :لقد قلقنا عليك يا معلم ،وكنت أذهب إلى سوق الزهور والأعشاب، وأسئل عن مراكب الواقواق لعلّي أجد عندهم خبرا ،وكانوا يطمئنوني أنّها بخير ،وأن الريّاح مواتية في الذهاب والرّجوع ، وأنّ موسم الامطار لا يزال بعيدا . إستحمّ الشّيخ، ولبس جبّة نظيفة ،وجلس على أريكة وثيرة. جاءته امرأته بطبق فيه قلّة من نبيذ التّمر وعنب ورمان وخوخ ،فشرب وأكل ، ثم التفت إلى حسن وقال له أخبرني عن أمرك وعن ما جرى في غيابي لا بد أنّه حصلت الكثير من الأمور.
 أجاب حسن فيما يخصّني لقد تعلمت الكثير من أسرار الكيمياء وأتقنت اللسان اليوناني ، ولقد أخذت من الجرّة القديمة كتاب الأسلحة ،ونظرت فيه ،واعجبني ما فيه، وكنت أقرا فيه وفي الصّباح أسأل الطبيب إبن إسحاق عمّا غمض من معانيه ،حتى أتممته ،وفهمت ما جاء فيه :هناك فصل جعله صاحبه للنار اليونانية وآخر لآلات الحرب عند الروم ،وآخر لعربات الحرب ، وهناك فصول أخرى لفنّ محاصرة القلاع ، وحيل الحرب وفنّ استعمال الفرسان ،والكتاب يحتوي على رسوم ملونة ، وأخبار ملوكهم ،وحروبهم . 
كان الشّيخ يستمع بانتباه وقال له : سينتهي بك الأمر كأبيك صانعا للأسلحة ، أجاب حسن : لا أنكر أنّ الأسلحة تستهويني ،فقد امضيت مع بثينة وقتا طويلا في دكّان أبي ،لكن صناعة العطور و العقاقير هو ما أريد أن أتقنه ، قال الشّيخ : عندك فضول المعرفة ، فكلّ علم يفتح على غيره، وإن واصلت على هذا النّحو سيكون لك شأن فيما سيأتي من الأيّام .





بعد مدّة أصبح العطر الجديد جاهزا ، قال الشّيخ نصر الدّين: مرّت أشهر طويلة لم أسأل عن أحوال بثينة، سأذهب إلى المملوك معصوم ليساعدني على بيع عطري لأهل القصر، وأعرف أخبار البنت ،أما الآن سأبحث عن دكّان آخر لنبيع فيه الأعشاب الطبية و العقاقير و الأدوية ، وأجعل فيها معملا للكيمياء، وسأضعك فييه ، فدكّاننا صغير ولا يصلح لذلك . سال حسن: ولكن هذا سيكلّف الكثير ، أجاب الشيخ :لقد بعت ما حملته من الواقواق وربحت فيه ربحا جّيدا ، و لق تعرّفت على تاجر إسمه عمر سيأتينا بكل ما نريده مقابل عطور لزوجاته ، له واحدة في بلاد الزنج ،وفي الواقواق وفي سمرقند ،وإثنين هنا ،أما أنا فتكفيني إمرأتي ريحانة .
في الصّباح نهض الشيخ مبكّرا، وركب عربة يجرها حمار، ووضع فيها أربعة صناديق من عطر الزّهرة البيضاء ثمّ ذهب إلى قصر السّلطان في طرف المدينة ،وطلب رؤية معصوم رئيس الحرس . بعد قليل جائه الرّجل ، فسلّم عليه ، وقال له: لم أراك منذ زمن ، أجاب العطار: لقد كنت في سفر ، المهمّ لقد أحضرت لك عطري الجديد وأريد أن تعرضه عل جواري القصر ، وسأعطيك نصيبك من الرّبح ، لمعت عينا معصوم ، وقال : إذن إتّفقنا ، مرّ عليّ بعد يومين ، و ستجد مالك !!! عطورك جيّدة فلقد بعت القارورة التي أعطيتني إياها لأحد أعيان المدينة بمائة درهم ، دهش العطار، وقال: ما أشدّ دهائك، في دكاني أنا أبيعه بعشرة دراهم فقط . قال معصوم لا ينزل السّوق سوى العامة وهم لا يدفعون ، أما الأغنياء فلا يهمهم المال .
أجاب العطار: هذا مؤكد !!!لكن ما هي اخبار بثينة ؟ صمت الرجل قليلا، ثمّ قال : لقد أبعدوها عن القصر منذ خمسة أشهر، ومنذ ذلك اليوم لم أسمع شيئا عنها !!! إنزعج الشيخ ،و سأله لماذا حصل ذلك : ضحك معصوم ،وأجاب : لقد وقع الأمير الصّغير في غرامها ، وهو الآن مريض، ولم يجد له الأطباء له دواءا . ولقد ندم السّلطان على تسرّعه، وأرسل رجاله للبحث عنها ،لكن لم يجد لها أثرا ، رجع الشّيخ كئيبا إلى دكانه وسرح مع أفكاره ، لكن الحمار توقف فجأة في الطريق ،كان هناك صبية يلعبون في الزقاق ، قامت جارية صغيرة ،وأخذت عصا وأنشدت :
...
ويحكم يا صبيان
جاءتكم ملكة الجان
تتقن في الحرب كل فنّ
وترمي بالسّهام
من عاداها من اللئام
يسقيهم سيفها حميما
ويجعلهم على الثرى
عظما رميما
نظر الشّيخ إلى الجارية ،خطر في باله شيئ ، وقال: ملكة الجنّ طفلة تعشق الأسلحة ،وتجيد إستعمالها ، و بثينة إبنة صانع أسلحة ،هل كل ذلك مصادفة ؟ أم أن عقلي يريد إقناعي أنّها بخير، وهي قادمة إليهم في أبهّة الملوك ،هزّ رأسه، وواصل سيره ،فهذه الحكاية تزداد غرابة كل يوم .
...
يتبع


تعليقات