رواية حسن العطار وبثينه كامله جميع الفصول بقلم كاتب مجهول
#حسن_العطار_وبثينه
الجزء الاول..
كان هناك عطار يعيش مع زوجته في بيت صغير في طرف مدينة بغداد، وكان ماهرا في صناعة العطور و الكيمياء ،و يعرف الأعشاب الطبية ،وكان الناس يقصدونه كلما إحتاجوا لدواء .لم يرزق الله العطار بأبناء،وكان يتمنى أن يكون له صبيّ يعلمه صنعته التي تتناقلها آبائه وحفظوا أسرارها عبر الزّمن، وخشي على صنعته من الضّياع .
ذات يوم إستيقظ مبكرا، وذهب لعمله ،لكنّه سمع بكاء صبيّ في أحد الأزقّة ،وعندما ذهب إلى مصدر الصّوت ليرى ما الأمر، وجد صبيّا صغيرا رثّ الثياب جالسا تحت حائط ،سأله عن حاله فقال: ماتت أمّي، وبعد فترة تزوّج أبي امرأة أخرى بدأت تسيئ معاملتنا أنا وأختى وتضربنا ،لم يكن أبي يصدّقنا عندما نشتكي من قسوتها معنا ،كانت تتهمنا بالكسل، وعدم طاعة أوامرها وكل مرة نخبره كانت تنتقم منا ،و تحبسنا في مكان مظلم ،وتقول أنّ عجوز الظلام ستأتي لإختطافنا وأكل أعيننا ..
وفي أحد الأيام قرّرت مع أختي الهرب لعل الله يجد لنا مخرجا ممّا نحن فيه ،رقّ العطار لحال الصبيّ ،وقال: أين أختك إني لا أراها معك ،قال : لا أعرف ،لقد جرينا ،وكنت أعتقد أنّها ورائي، وعندما وقفت ونظرت حولى لم أجدها ،جزع الرجلّ ،وقال :هلمّ معي لنبحث عنها لعلها تكون في مكان قريب .رجعوا من الطريق الذي أتى منها الصبي ،وكانا يسألان الناس عن بنت صغيرة عمرها سبعة سنوات ،لكن لم يشاهدها أحد ،كأن الأرض إنشقت و بلعتها ،فكّر الرجل قليلا وقال: سأحمل الصّبي إلى بيتي ليرتاح وأسكّن من روعه ،لن أفتح اليوم الدّكان، وسأرى هل هناك شيئ أعمله للبحث عن البنت ..
دقّ الشيخ نصر الدّين باب بيته ،وصاح : تعالي أنظري !!! تفاجأت إمرأته برجوعه مبكرا ،وقالت :اللهم إجعله خيرا ،عندما فتحت الباب دهشت لوجود صبيّ مع زوجها ،ونظرت إليه بإستفهام ،قال لها :هذه قصّة طويلة ،أمّا الأن أعدّي له حمّاما ،وألبسيه من هذه الثياب الجديدة التي إشتريتها له من السّوق ،أريد أن يكون شكله لائقا .
سألته زوجة العطار ما اسمك؟ قال : حسن يا سيّدتي، قالت: كيف تتركك أمّك بهذه القذارة ؟ عندما سمع ذلك بكى، وأجابها لقد ماتت أمّي، وتزوّج أبي من امرأة أساءت معاملتنا أنا وأختي بثينة ،وهربنا منها، لكنّها ضاعت في الطريق،ودون أن تشعر ضمّته إلى صدرها .وبكت بشدّة ،وقالت :لن نتخلى عنك ،وستبقى معنا حتّى نجد أختك ..
خرج الصّبي وقد صلح حاله ..كان جميل المنظر في الثامنة من عمره ،سرّ الشّيخ نصر الدين لرؤيته، وأجلسه بجانبه، وقال له: هل أنت جائع ؟ أومئ برأسه ،أحضرت المرأة حليبا و فطيرا ،فأكل ،وحمد الله ،ودعى لهما بالخير فأعجب العطار بأدبه ،وقال له: هل تحبّ مهنة العطارة ؟ قال : نعم ،تحويل الزّهور إلى عطور لا شك أنّه شيئ رائع ،أجاب العطار: ليس ذلك فقط إنّها بين الكيمياء و الطبابة لمن يبرع فيها .
توقّف فجأة ،وسأله: وماذا يعمل أبوك؟ قال: في الحدادة ،أجاب: هذا أيضا علم جليل لمن يعطيه حقّه ،غدا سآخذك إلى دكاني وأعلمك أسرار صنعتي حتى تتقنها ،وسأرسلك أيضا إلى المسجد للتتعلم القراءة والكتابة والأدب ،أمامنا الكثير لنفعله ،فأنا لم أعد قادرا وحدي على العمل ،وعطور الهند والصّين تنافسنا ،يجب أن نصنع عطورا جديدة إذا أردنا أن نبقى في هذه المهنة ..أمّا الآن سأتركك مع إمرأتي مرجانة ،فهي تبدو سعيدة بوجودك معنا ،وسأبحث عن أختك ..
رجع العطار إلى البيت في المساء وقد أنهكه التعب، نظر الصّبي إليه بلهفة ،وقال: أين أختي بثينة ؟ أجاب الرجل : لا أعرف ،لكن أنا متأكد أنها بخير،لا تقلق لي حرفاء كثيرون في المدينة ،وسأعلمهم بذلك لعل أحدا يكون قد رآها ..عندما نجدها سيكون لكما الخيار في أن ترجعا إلى بيتكما ،أو تبقيان معي .. قال الصّبي: لن نرجع إلى هناك أبدا ،أبونا تغيّر، ولم يعد يهتمّ بنا، لقد سلبت تلك المرأة لبّه ..وأختي تشاطرني الرأي .
أمّا زوجة الأب فحينما لاحظت إختفائهما سرّت لذك ،كانت تعرف أين يضع زوجها صرة ماله، وأخذتها ،ثم حفرت حفرة وردمتها ،وعندما رجع أخبرته أنّ اطفاله سرقوا ماله وخرجوا ،وانها شاهدت الصرة معهم ،وقالت بأنه أساء تربيتهم ،وكان طيبا معهم ،أحس الأب بالغضب ،وقال :الويل لهم إن وجدتهم،قالت :عندما ينفقون آخر درهم سيرجعون ،وعندئذ سنعرف كيف نؤدّبهم ،تحسّست المرأة بطنها، قريبا ستلد، وسيعتني بها زوجها هي وابنها فقط ،قالت في نفسها : سأجعله ينسى حياته السّابقة ،أعرف كيف أفعل ذلك...
يتبع ..
