رواية عروستى ميكانيكي الفصل الحادى عشر بقلم سما نور الدين
صاح إبراهيم بصوت عال وهو يتجه إليها قبل أن تخرج من الباب :
-استني عندك .
توقفت إيمان بمكانها ، كان صدرها يعلو وينخفض وصوت لهاثها وصل لأذان إبراهيم الذي وقف بقبالتها بوجه جامد ليستطرد قوله بصوت حاد :
-على فين ؟؟ ولما جدك يكلمك تقفي وتسمعي .
كانت عينيها متسمرة لصدره وهي تسمعه ، رفعت عينيها الدامعة لتنظر إليه نظرة اتهام واضحة فقالت بصوت خافت قوي :
-اسمع أنا ماسكة أعصابي بالعافية ، جدك ونفذتله اللي هو عايزه وبقيت مراتك ، ودي أكبر غلطة أنا غلطتها بكل غباء ، لكن أنت !! أنت نفذتها بكل ذكاء عشان نص الثروة مضعيش من بين ايديكوا .
ظهرت معالم الغضب بوجه إبراهيم الذي أمسك بمرفقها وهزها بقوة وهو يقول :
-اخرسي !! أنا مضيت عقد الجواز قبل ما عرف أي حاجة عن الثروة ، مضينا أنا وأنتِ لو تفتكري بس عشان خاطر جدنا اللي كان بيموت قدامنا ودا كان طلبه الوحيد ولا نسيتي ، أنا معرفتش بموضوع الثروة غير النهاردة الصبح ، وجدك خيرني أقبل ولا لا ، وقبلت أكمل عشان أحميك مش عشان الثروة ، فهمتى !!
اهتزت حدقتيها قليلاً لشعروها بصدق قوله ولكنها نزعت مرفقها من قبضته وهي تقول بصوت عال :
-حتى لو كان كلامك صح ، أنا بردو عايزة أمشي من هنا ، مش عايزة أكون وسط عيلة هتحارب بعض عشان خاطر الفلوس ، عايزة أروح بيتي وورشتي وتنسوا خالص إنكوا شوفتوني أو عرفتوني زي ما أنا هنسى بالظبط .
اقترب بوجهه من وجهها وهو يقول بصوت عال :
-دا كان ممكن يحصل قبل ما تكوني مراتي ومسئولة مني .
وقبل أن ترد صاح عمهما سمير وهو يقول بثقة :
-الجوازة دي لازم تنتهي وفوراً ، والبنت اللي محدش عارف أصلها دي تمشي من هنا ، وكل الورق هيتقطع وبطلان الإجراءات أنا هتكفل بيه .
صاح به الجد بصوت قوي غاضب وهو يعتدل بجلوسه فوق الفراش :
-أنا هنا بس اللي أقول مين يقعد ومين يمشي ، فاهم !! إيمان حفيدتي ووريثة نص ثروتي اللي بقت من حقها دلوقتي ، ومحدش يقدر يقرب منها طول ما أنا عايش فاهم !!
توقف سمير أمام الفراش وهو يشير لإيمام ويقول :
-بابا أنا لاخر لحظة بخيرك يا أنا وعيلتي يا البنت دي .
وبملامح وجه جامدة قال الجد :
-حفيدتي مش هتبعد عني تاني ، ياريت ترجع لعقلك وتاخد بنت أخوك في حضنك وتعاملها زي بنتك ، يمكن تكفر على اللي عملته مع أبوها زمان .
اقترب سمير من إيمان التي تفاجئت إبراهيم الذي شبك أصابع كفها الصغير بأصابع يده ودفع بها لتكون وراءه ويقف هو بمجابهة عمهما الذي قال مهدداً الجميع :
-أنا قلت اللي عندي والثروة دي أنا هعرف ارجعها إزاي ، أنا حذرتكوا عشان بعد كدة محدش يلومني على اللي هعمله .
خرج من الغرفة تاركاً وراءه الجميع ينظر له بجمود وغضب ، استطرد سمير قوله بصوت قوي عال عندما التفت لزوجته التي جرت لوسط الصالة الكبيرة بعد وقوفها خلف الباب لتسمع ما يجري خلفه تكتم فاهها فور سماعها بضياع نصف الثروة من يد زوجها ويدها :
-حضري الشنط عشان هنمشي كلنا من هنا ، يالا يا نيرمين أنتي ومراد .
وقف مراد أمام أبيه وهو يقول :
-أسف يا بابا أنا مش همشي من هنا إلا لما أفهم.
اقترب منه سمير وقال :
-عايز تفهم إيه ؟؟عايز تفهم إن جدك كتب نص ثروته لواحدة من الشارع ، عايز تفهم إنه فضلها عليا أنا ابنه ، يالا اطلع حضر شنطتك .
تراجع مراد خطوتين للوراء وقال وهو يهز رأسه بالنفي :
-أسف يا بابا ، أنا مش هسيب جدي ولا هسيب البيت .
زفر سمير بضيق وضرب كتف مراد وهو يقول :
-اتفلق ، بكرة ترجعلي وساعتها هيكون حسابك معايا عسير .
وبداخل غرفة الجد اخفضت إيمان رأسها وحاولت أن تنزع يدها من براثن كف إبراهيم لتخرج من الغرفة ، ولكنه تشبث بها أكثر ، فرفعت عينيها لتنظر له بتعجب ، فقال لها :
-لازم تسمعي جدك عايز يقولك إيه .
ترقرقت الدموع بعينيها وهي تنظر لجدها الذي حاول أن يشير لها بتردد ، تركها إبراهيم لتتقدم ناحية فراش جدها لتفاجئه بقولها :
-ليه ياجدي عملت كدة ، عمي كرهني أكتر من الأول لما عرف بموضوع الورث دا ، وبصراحة عنده حق ، أنا مش عايزة فلوس يا جدي ، أنا يكفيني عيلة تسأل عليا من وقت للتاني وبس ، أبوس إيدك فركش موضوع الثروة دي وياريت معاها موضوع الجواز بالمرة .
نظر لها إبراهيم شزراً وتنحنح بصوت عال وقال :
-استريح يا جدي دلوقتي حضرتك تعبان ، والكلام الكتير غلط عليك .
ربت الجد فوق الفراش وهو ينظر لإيمان حتى تجلس بجانبه ، استجابت لمطلبه وجلست فوضع كفه فوق كفها وهو يهمس لها بوجه باسم :
-لسة عنده ثقب بشخصيته ولا اتعالج خلاص .
وغصبن عنها ارتسمت شبح ابتسامة فوق شفتيها وانتقلت بعينيها بينهما ، فاقتربت بوجهها من وجه العجوز لتقول :
-الثقب بقى اتنين يا جدي .
ضحك الجد بصوت عال ليضيق ما بين حاجبي إبراهيم وهو يتسائل :
-بتقولوا إيه ؟!!
قال الجد وهو يشير له هو الأخر بالجلوس بجانبه :
-ولا حاجة تعال اقعد عشان عايزة أقول لإيمان حاجة مهمة ، وبما إنها بقت مراتك يبقى لازم تعرف أنت كمان أنا ليه كتبت نص ثروتي بإسم إيمان .
جلس إبراهيم على الجانب الآخر من الفراش ووجهه بقبالة جده ، ليستمع له وهو يقول :
-زمان دخلت صفقة كبيرة وللأسف خسرت بسببها تقريبا كل ثروتي واتاكدت إني هعلن إفلاسي ، ساعتها كان أبوكى يا إيمان بالجامعة بالسنة الأخيرة ، ساب دراسته ووقف جمبي ومسك الشركة المفلسة المديونة ، وبناها من أول وجديد ، كان بيشتغل ليل ونهار ، وبمجهوده وذكائه الشركة قامت وقويت وسددنا كل الديون ، وهي سنة واحدة ورجع للشركة اسمها وسمعتها ، وكل دا بفضل ربنا ثم أبوكى يا بنتي ، وبدل ما أكافئه طردته لما لقيته مصمم يتجوز والدتك ، سيبته للشارع من غير فلوس ولا سند ، لكن أول ما عرفت غلطتي وندمت ورجعت أدور عليه ، كان خلاص ضاع مني ، أنا السبب يا بنتي إن ابني حبيبي عاش فقير ومات فقير ، مع ان معظم الثروة دي هو السبب فيها .
أسرعت إيمان بقولها وهي تمسك كف العجوز بكلتا يديها :
-لا يا جدي ، أنا أبويا عاش راضي ومات سعيد ، ولو إننا كنا فقرا بجد لكن عمرنا ما حسينا بكدة يا جدي ، الحاجة اللي كانت غالية علينا كنا بنستغنها عنها و إحنا مبسوطين وراضيين .
هز الجد رأسه وقال بصوت حزين :
-الله يرحمه يا بنتي ، الثروة دي من حقك أنتي واوعي تقولي مش عايزاها ، فاهمة !!
هتفت إيمان بصوت قوي جاد :
-أنا فعلاً مش عايزاها ، الله الغني عنها وعن المشاكل اللي هتيجي من وراها .
تفاجئت بقول إبراهيم بصوت ساخر :
-في واحدة امبارح قالتلي إن أبوها رباها على إنها متسيبش حقها أبداً ، باين كدة يا جدي إن وقت الجد هتطلع جبانة وتهرب وتسيب حقها .
تنهدت إيمان بغيظ وهي تنظر له وقالت :
-اللهم طولك يا روح ، وبعدين بقى في جر الشكل دا ، غلطة كمان والثقب هيبقى تلاتة .
وقبل أن يرد إبراهيم قال الجد :
-استعدوا كلكم ، أسبوع واحد ونرجع مصر .
هبت إيمان لتقف وهي تصفق قائلة :
-قول والمصحف يا جدي ، أخيراً بس أسبوع دا كتير أوي مينفعش نسافر بكرة أخر النهار مثلاً .
التوت شفتي إبراهيم وقال :
بكرة أخر النهار إيه هو إحنا هنسافر بالأتوبيس .
نظر إبراهيم لجده واستطرد قوله :
-حاضر يا جدي ، هخلص الشغل الباقي وابتدي باجراءات السفر ، في حاجة تانية تؤمر بيها يا حبيبي .
ربت الجد على وجنته وهو يقول :
-لا حبيبي مش عايز حاجة تانية غير إنك تاخد بالك من بنت عمك .
هز إبراهيم رأسه بالإيجاب وخرج هو وإيمان من غرفة الجد ، ليجدا عمهما وزوجته و ابنتهما بالقرب من باب البيت ، أسرع إبراهيم لعمه لردعه عما يفعله ولكنه وجده يرفض متابعة حديثه ويكمل تهديده عما سيفعله قريباً ، أسرعت إيمان لغرفتها هرباً من نظراتهم المليئة بالكره والغضب .
مر يومان وإيمان بهما تحاول الهرب من إبراهيم كلما حاول أن يتحدث معها ، كانت دائما تجلس بالمطبخ توطد علاقتها بدادة فاطمة وبقية الفتيات التي أحبوها كثيراً لعفويتها معهم .
حتى السائق إمام الذي كان يتوسل لها أن تخرج من الجراج بدون فائدة حتى أصبحا مثل زملاء مهنة واحدة كما قالت إيمان من قبل يتحدثان بأمور عدة منها السيارات ومنها أمنية ( إمام ) بارتباطه بعائشة فوعدته أن تجد طريقة يتحدث بها معها .
وأحياناً كانت تجلس بجوار عمتها تشاكسها لتسمع صوت ضحكاتها عالياً ، أو بغرفة جدها تسمع عن حياة أبيها القديمة وتحكي بدورها لجدها عن حياة أبيها معها و مع والدتها .
وباليوم الثالث شعرت بالملل فقررت الذهاب للجراج لعلها تجد ما يشغلها وعند وقوفها بالقرب من باب الجراج سمعت السائق إمام يتحدث عبر الهاتف عن لهفته للإشتراك بسباق السيارات الذي سيقام بينه وبين أصدقائه ، فاشتعل الحماس بداخلها دلفت مسرعة للداخل ، وقفت وراء السائق الذي أغلق هاتفه واستدار ليجد من تقف مسبكة ذراعيها أمام صدرها وابتسامة بلهاء تعلو وجهها ، فقال متعجباً :
-في حاجة يا آنسة إيمان .
هزت رأسها بالنفي حاول أن يتخطاها ليخرج فوقفت أمامه بتحفز تخطو مثله جانباً تارة يميناً وتارة شمالاً لتمنعه من المرور ، فقال بنبرة يشوبها الضيق :
-لو سمحتي يا آنسة إيمان عديني .
رفعت سبابتها وهي تقول مسرعة :
-هاجي معاك يا أسطي اؤمؤم .
اتسعت عينيه وهو يقول :
-تيجي معايا فين بس يا آنسه ؟
تأففت بضيق وقالت :
-في إيه يا أسطى اؤمؤم بس ، كل شوية آنسة آنسة ، أنا مش قلتلك إن إحنا زمايل كار واحد ، قولي يا أسطى إيمان ، وكمان أنا سمعتك وأنت بتكلم صاحبك وبتقوله أنك مستعد لسباق السيارات وإنك هتكحسهم كلهم النهاردة ، فخدني معاك اللهي تنستر .
رفع إمام كلتا كفيه وبنبرة استجداء قال :
-يا آنسة إيمان أتوسل إليك ، إبراهيم بيه لو عرف صدقيني المرادي هيقطع عيشي ، المرة اللي فاتت عدت على خير ، لكن المرادي فيها قطع رقابينا ، فلو سمحتي ياريت متدخليش الجراح تاني .
عاودت التأفف وصاحت بقولها الغاضب :
-أنت هتهددني يا أسطى اؤمؤم بالباشا بتاعك دا ، يكون في علمك أنا مبخافش من حد ، يا أسطى اؤمؤم المفروض تكون معايا أنا ، تكون حنيفي .
حك إمام رأسه وضاق مابين حاجبيه وقال ببلاهة :
-حنيفي !!
رفعت إيمان سبابتيها وضمتهما سوياً وقالت بثقة عارمة :
-أيوة يا أسطى اؤمؤم حنيفي ، يعني نبقى حونفا مع بعضينا .
اقترب بوجهه منها وهو يقول متسائلاً بتعجب :
-هو حضرتك لدغة في حرف اللام يا آنسة إيمان ، اسمها حليفي من حلفاء .
صفقت إيمان وهي تصيح بصوت عال :
-الله ينورررر عليك يا أسطى اؤمؤووم ، حلفااااا هي دي .
عاودت استطراد قولها :
-أنت دلوقتي رايح سباق يعني محتاج ميكانيكي معاك يشوفلك العربية ويكشفلك عليها قبل ما تركبها ، بالله عليك تاخدني ، أنا خلاص قربت أطق من القعدة في متحف الشمع دا ، ها هاتخدني معاك صح ؟؟
مر بجانبها وهو يقول بإصرار :
-أسف يا آنسة إيمان مقدرش سلام .
صاحت إيمان من وراء ظهره قبل أن يبتعد بضعة خطوات :
-على فكرة أنا اتكلمت مع عيشة عليك ، شكل الموضوع كبير ، بس أنت مش واخد بالك ، انسى بقى إني ادبرلك أي معاد معاها .
تسمر أمام مكانه ، تجهم وجهه واستدار اليها وقال بصوت خافت :
-على فكرة حضرتك ، دا يبقى اسمه ابتزاز ، ميصحش يا آنسه .
وضعت إيمان ذراعيها وراء ظهرها بعد ما أخفضت رأسها لأسفل ترسم بقدمها دوائر فوق الأرض وقالت بنبرة تهكمية ساخرة :
-والله يعني ياسطى اؤمؤم ، بسبس إيز بسبس ، والدنيا زي مابيقولوا ، شايلني وأشييلك .
تقدم إمام خطوتين وقال مستسلماً :
-اتفضلي حضرتك ، هاخدك معايا .
كادت أن تقفز بمكانها ولكنها أرادت أن تنتقم ولو قليلاً منه ، فرفعت أصابع كفها بجانب أذنها وقالت وهي تمثل دور البلاهة :
-معلش مش واخدة بالي ، قلت إيه ؟!!
زفر إمام بغيظ وتقدم خطوة واحدة أخرى وهو يقول من بين أسنانه :
-بقول لحضرتك اتفضلي تعالي معايا يا آنسة إيمان .
نظرت لأعلى وكأنها تفكر بأمر جلل ثم قالت :
-طب اتحايل عليا شوية ، أصل ماليش مزاج أخرج .
ضرب ( إمام ) جانبي أرجله بكلتا يديه وصاح قائلاً :
-والله حرام اللي بتعمليه فيا دا يا آنسة إيمان .
هزت إيمان رأسها وهي تضحك قائلة :
-طب خلاص خلاص ، يالا بينا .
كادا أن يقتربا من البوابة الكبيرة وقبل أن يجتازاها ، صاح صوت عال قوي :
-على فييين إن شاء الله !!
تسمرا الإثنان مكانهما بعد أن اغلقا أعينهما بنفس الوقت ، قالت إيمان من بين أسنانها بغيظ :
-نبرت فيها يا عم المنحوس ، أهو لا أنا ولا أنت خارجين منها ، كاتنا نيلة في حظنا الهباب .
اقترب إبراهيم منهما بخطوات واسعة تدب الأرض من تحته واستطرد قوله بقوة :
-قلت على فين يا آنسة أنتي وأسطى اؤمؤم بتاعك .
*****
#عروستى_ميكانيكى .الفصل الحادي عشرة:
صاح إبراهيم بصوت عال وهو يتجه إليها قبل أن تخرج من الباب :
-استني عندك .
توقفت إيمان بمكانها ، كان صدرها يعلو وينخفض وصوت لهاثها وصل لأذان إبراهيم الذي وقف بقبالتها بوجه جامد ليستطرد قوله بصوت حاد :
-على فين ؟؟ ولما جدك يكلمك تقفي وتسمعي .
كانت عينيها متسمرة لصدره وهي تسمعه ، رفعت عينيها الدامعة لتنظر إليه نظرة اتهام واضحة فقالت بصوت خافت قوي :
-اسمع أنا ماسكة أعصابي بالعافية ، جدك ونفذتله اللي هو عايزه وبقيت مراتك ، ودي أكبر غلطة أنا غلطتها بكل غباء ، لكن أنت !! أنت نفذتها بكل ذكاء عشان نص الثروة مضعيش من بين ايديكوا .
ظهرت معالم الغضب بوجه إبراهيم الذي أمسك بمرفقها وهزها بقوة وهو يقول :
-اخرسي !! أنا مضيت عقد الجواز قبل ما عرف أي حاجة عن الثروة ، مضينا أنا وأنتِ لو تفتكري بس عشان خاطر جدنا اللي كان بيموت قدامنا ودا كان طلبه الوحيد ولا نسيتي ، أنا معرفتش بموضوع الثروة غير النهاردة الصبح ، وجدك خيرني أقبل ولا لا ، وقبلت أكمل عشان أحميك مش عشان الثروة ، فهمتى !!
اهتزت حدقتيها قليلاً لشعروها بصدق قوله ولكنها نزعت مرفقها من قبضته وهي تقول بصوت عال :
-حتى لو كان كلامك صح ، أنا بردو عايزة أمشي من هنا ، مش عايزة أكون وسط عيلة هتحارب بعض عشان خاطر الفلوس ، عايزة أروح بيتي وورشتي وتنسوا خالص إنكوا شوفتوني أو عرفتوني زي ما أنا هنسى بالظبط .
اقترب بوجهه من وجهها وهو يقول بصوت عال :
-دا كان ممكن يحصل قبل ما تكوني مراتي ومسئولة مني .
وقبل أن ترد صاح عمهما سمير وهو يقول بثقة :
-الجوازة دي لازم تنتهي وفوراً ، والبنت اللي محدش عارف أصلها دي تمشي من هنا ، وكل الورق هيتقطع وبطلان الإجراءات أنا هتكفل بيه .
صاح به الجد بصوت قوي غاضب وهو يعتدل بجلوسه فوق الفراش :
-أنا هنا بس اللي أقول مين يقعد ومين يمشي ، فاهم !! إيمان حفيدتي ووريثة نص ثروتي اللي بقت من حقها دلوقتي ، ومحدش يقدر يقرب منها طول ما أنا عايش فاهم !!
توقف سمير أمام الفراش وهو يشير لإيمام ويقول :
-بابا أنا لاخر لحظة بخيرك يا أنا وعيلتي يا البنت دي .
وبملامح وجه جامدة قال الجد :
-حفيدتي مش هتبعد عني تاني ، ياريت ترجع لعقلك وتاخد بنت أخوك في حضنك وتعاملها زي بنتك ، يمكن تكفر على اللي عملته مع أبوها زمان .
اقترب سمير من إيمان التي تفاجئت إبراهيم الذي شبك أصابع كفها الصغير بأصابع يده ودفع بها لتكون وراءه ويقف هو بمجابهة عمهما الذي قال مهدداً الجميع :
-أنا قلت اللي عندي والثروة دي أنا هعرف ارجعها إزاي ، أنا حذرتكوا عشان بعد كدة محدش يلومني على اللي هعمله .
خرج من الغرفة تاركاً وراءه الجميع ينظر له بجمود وغضب ، استطرد سمير قوله بصوت قوي عال عندما التفت لزوجته التي جرت لوسط الصالة الكبيرة بعد وقوفها خلف الباب لتسمع ما يجري خلفه تكتم فاهها فور سماعها بضياع نصف الثروة من يد زوجها ويدها :
-حضري الشنط عشان هنمشي كلنا من هنا ، يالا يا نيرمين أنتي ومراد .
وقف مراد أمام أبيه وهو يقول :
-أسف يا بابا أنا مش همشي من هنا إلا لما أفهم.
اقترب منه سمير وقال :
-عايز تفهم إيه ؟؟عايز تفهم إن جدك كتب نص ثروته لواحدة من الشارع ، عايز تفهم إنه فضلها عليا أنا ابنه ، يالا اطلع حضر شنطتك .
تراجع مراد خطوتين للوراء وقال وهو يهز رأسه بالنفي :
-أسف يا بابا ، أنا مش هسيب جدي ولا هسيب البيت .
زفر سمير بضيق وضرب كتف مراد وهو يقول :
-اتفلق ، بكرة ترجعلي وساعتها هيكون حسابك معايا عسير .
وبداخل غرفة الجد اخفضت إيمان رأسها وحاولت أن تنزع يدها من براثن كف إبراهيم لتخرج من الغرفة ، ولكنه تشبث بها أكثر ، فرفعت عينيها لتنظر له بتعجب ، فقال لها :
-لازم تسمعي جدك عايز يقولك إيه .
ترقرقت الدموع بعينيها وهي تنظر لجدها الذي حاول أن يشير لها بتردد ، تركها إبراهيم لتتقدم ناحية فراش جدها لتفاجئه بقولها :
-ليه ياجدي عملت كدة ، عمي كرهني أكتر من الأول لما عرف بموضوع الورث دا ، وبصراحة عنده حق ، أنا مش عايزة فلوس يا جدي ، أنا يكفيني عيلة تسأل عليا من وقت للتاني وبس ، أبوس إيدك فركش موضوع الثروة دي وياريت معاها موضوع الجواز بالمرة .
نظر لها إبراهيم شزراً وتنحنح بصوت عال وقال :
-استريح يا جدي دلوقتي حضرتك تعبان ، والكلام الكتير غلط عليك .
ربت الجد فوق الفراش وهو ينظر لإيمان حتى تجلس بجانبه ، استجابت لمطلبه وجلست فوضع كفه فوق كفها وهو يهمس لها بوجه باسم :
-لسة عنده ثقب بشخصيته ولا اتعالج خلاص .
وغصبن عنها ارتسمت شبح ابتسامة فوق شفتيها وانتقلت بعينيها بينهما ، فاقتربت بوجهها من وجه العجوز لتقول :
-الثقب بقى اتنين يا جدي .
ضحك الجد بصوت عال ليضيق ما بين حاجبي إبراهيم وهو يتسائل :
-بتقولوا إيه ؟!!
قال الجد وهو يشير له هو الأخر بالجلوس بجانبه :
-ولا حاجة تعال اقعد عشان عايزة أقول لإيمان حاجة مهمة ، وبما إنها بقت مراتك يبقى لازم تعرف أنت كمان أنا ليه كتبت نص ثروتي بإسم إيمان .
جلس إبراهيم على الجانب الآخر من الفراش ووجهه بقبالة جده ، ليستمع له وهو يقول :
-زمان دخلت صفقة كبيرة وللأسف خسرت بسببها تقريبا كل ثروتي واتاكدت إني هعلن إفلاسي ، ساعتها كان أبوكى يا إيمان بالجامعة بالسنة الأخيرة ، ساب دراسته ووقف جمبي ومسك الشركة المفلسة المديونة ، وبناها من أول وجديد ، كان بيشتغل ليل ونهار ، وبمجهوده وذكائه الشركة قامت وقويت وسددنا كل الديون ، وهي سنة واحدة ورجع للشركة اسمها وسمعتها ، وكل دا بفضل ربنا ثم أبوكى يا بنتي ، وبدل ما أكافئه طردته لما لقيته مصمم يتجوز والدتك ، سيبته للشارع من غير فلوس ولا سند ، لكن أول ما عرفت غلطتي وندمت ورجعت أدور عليه ، كان خلاص ضاع مني ، أنا السبب يا بنتي إن ابني حبيبي عاش فقير ومات فقير ، مع ان معظم الثروة دي هو السبب فيها .
أسرعت إيمان بقولها وهي تمسك كف العجوز بكلتا يديها :
-لا يا جدي ، أنا أبويا عاش راضي ومات سعيد ، ولو إننا كنا فقرا بجد لكن عمرنا ما حسينا بكدة يا جدي ، الحاجة اللي كانت غالية علينا كنا بنستغنها عنها و إحنا مبسوطين وراضيين .
هز الجد رأسه وقال بصوت حزين :
-الله يرحمه يا بنتي ، الثروة دي من حقك أنتي واوعي تقولي مش عايزاها ، فاهمة !!
هتفت إيمان بصوت قوي جاد :
-أنا فعلاً مش عايزاها ، الله الغني عنها وعن المشاكل اللي هتيجي من وراها .
تفاجئت بقول إبراهيم بصوت ساخر :
-في واحدة امبارح قالتلي إن أبوها رباها على إنها متسيبش حقها أبداً ، باين كدة يا جدي إن وقت الجد هتطلع جبانة وتهرب وتسيب حقها .
تنهدت إيمان بغيظ وهي تنظر له وقالت :
-اللهم طولك يا روح ، وبعدين بقى في جر الشكل دا ، غلطة كمان والثقب هيبقى تلاتة .
وقبل أن يرد إبراهيم قال الجد :
-استعدوا كلكم ، أسبوع واحد ونرجع مصر .
هبت إيمان لتقف وهي تصفق قائلة :
-قول والمصحف يا جدي ، أخيراً بس أسبوع دا كتير أوي مينفعش نسافر بكرة أخر النهار مثلاً .
التوت شفتي إبراهيم وقال :
بكرة أخر النهار إيه هو إحنا هنسافر بالأتوبيس .
نظر إبراهيم لجده واستطرد قوله :
-حاضر يا جدي ، هخلص الشغل الباقي وابتدي باجراءات السفر ، في حاجة تانية تؤمر بيها يا حبيبي .
ربت الجد على وجنته وهو يقول :
-لا حبيبي مش عايز حاجة تانية غير إنك تاخد بالك من بنت عمك .
هز إبراهيم رأسه بالإيجاب وخرج هو وإيمان من غرفة الجد ، ليجدا عمهما وزوجته و ابنتهما بالقرب من باب البيت ، أسرع إبراهيم لعمه لردعه عما يفعله ولكنه وجده يرفض متابعة حديثه ويكمل تهديده عما سيفعله قريباً ، أسرعت إيمان لغرفتها هرباً من نظراتهم المليئة بالكره والغضب .
مر يومان وإيمان بهما تحاول الهرب من إبراهيم كلما حاول أن يتحدث معها ، كانت دائما تجلس بالمطبخ توطد علاقتها بدادة فاطمة وبقية الفتيات التي أحبوها كثيراً لعفويتها معهم .
حتى السائق إمام الذي كان يتوسل لها أن تخرج من الجراج بدون فائدة حتى أصبحا مثل زملاء مهنة واحدة كما قالت إيمان من قبل يتحدثان بأمور عدة منها السيارات ومنها أمنية ( إمام ) بارتباطه بعائشة فوعدته أن تجد طريقة يتحدث بها معها .
وأحياناً كانت تجلس بجوار عمتها تشاكسها لتسمع صوت ضحكاتها عالياً ، أو بغرفة جدها تسمع عن حياة أبيها القديمة وتحكي بدورها لجدها عن حياة أبيها معها و مع والدتها .
وباليوم الثالث شعرت بالملل فقررت الذهاب للجراج لعلها تجد ما يشغلها وعند وقوفها بالقرب من باب الجراج سمعت السائق إمام يتحدث عبر الهاتف عن لهفته للإشتراك بسباق السيارات الذي سيقام بينه وبين أصدقائه ، فاشتعل الحماس بداخلها دلفت مسرعة للداخل ، وقفت وراء السائق الذي أغلق هاتفه واستدار ليجد من تقف مسبكة ذراعيها أمام صدرها وابتسامة بلهاء تعلو وجهها ، فقال متعجباً :
-في حاجة يا آنسة إيمان .
هزت رأسها بالنفي حاول أن يتخطاها ليخرج فوقفت أمامه بتحفز تخطو مثله جانباً تارة يميناً وتارة شمالاً لتمنعه من المرور ، فقال بنبرة يشوبها الضيق :
-لو سمحتي يا آنسة إيمان عديني .
رفعت سبابتها وهي تقول مسرعة :
-هاجي معاك يا أسطي اؤمؤم .
اتسعت عينيه وهو يقول :
-تيجي معايا فين بس يا آنسه ؟
تأففت بضيق وقالت :
-في إيه يا أسطى اؤمؤم بس ، كل شوية آنسة آنسة ، أنا مش قلتلك إن إحنا زمايل كار واحد ، قولي يا أسطى إيمان ، وكمان أنا سمعتك وأنت بتكلم صاحبك وبتقوله أنك مستعد لسباق السيارات وإنك هتكحسهم كلهم النهاردة ، فخدني معاك اللهي تنستر .
رفع إمام كلتا كفيه وبنبرة استجداء قال :
-يا آنسة إيمان أتوسل إليك ، إبراهيم بيه لو عرف صدقيني المرادي هيقطع عيشي ، المرة اللي فاتت عدت على خير ، لكن المرادي فيها قطع رقابينا ، فلو سمحتي ياريت متدخليش الجراح تاني .
عاودت التأفف وصاحت بقولها الغاضب :
-أنت هتهددني يا أسطى اؤمؤم بالباشا بتاعك دا ، يكون في علمك أنا مبخافش من حد ، يا أسطى اؤمؤم المفروض تكون معايا أنا ، تكون حنيفي .
حك إمام رأسه وضاق مابين حاجبيه وقال ببلاهة :
-حنيفي !!
رفعت إيمان سبابتيها وضمتهما سوياً وقالت بثقة عارمة :
-أيوة يا أسطى اؤمؤم حنيفي ، يعني نبقى حونفا مع بعضينا .
اقترب بوجهه منها وهو يقول متسائلاً بتعجب :
-هو حضرتك لدغة في حرف اللام يا آنسة إيمان ، اسمها حليفي من حلفاء .
صفقت إيمان وهي تصيح بصوت عال :
-الله ينورررر عليك يا أسطى اؤمؤووم ، حلفااااا هي دي .
عاودت استطراد قولها :
-أنت دلوقتي رايح سباق يعني محتاج ميكانيكي معاك يشوفلك العربية ويكشفلك عليها قبل ما تركبها ، بالله عليك تاخدني ، أنا خلاص قربت أطق من القعدة في متحف الشمع دا ، ها هاتخدني معاك صح ؟؟
مر بجانبها وهو يقول بإصرار :
-أسف يا آنسة إيمان مقدرش سلام .
صاحت إيمان من وراء ظهره قبل أن يبتعد بضعة خطوات :
-على فكرة أنا اتكلمت مع عيشة عليك ، شكل الموضوع كبير ، بس أنت مش واخد بالك ، انسى بقى إني ادبرلك أي معاد معاها .
تسمر أمام مكانه ، تجهم وجهه واستدار اليها وقال بصوت خافت :
-على فكرة حضرتك ، دا يبقى اسمه ابتزاز ، ميصحش يا آنسه .
وضعت إيمان ذراعيها وراء ظهرها بعد ما أخفضت رأسها لأسفل ترسم بقدمها دوائر فوق الأرض وقالت بنبرة تهكمية ساخرة :
-والله يعني ياسطى اؤمؤم ، بسبس إيز بسبس ، والدنيا زي مابيقولوا ، شايلني وأشييلك .
تقدم إمام خطوتين وقال مستسلماً :
-اتفضلي حضرتك ، هاخدك معايا .
كادت أن تقفز بمكانها ولكنها أرادت أن تنتقم ولو قليلاً منه ، فرفعت أصابع كفها بجانب أذنها وقالت وهي تمثل دور البلاهة :
-معلش مش واخدة بالي ، قلت إيه ؟!!
زفر إمام بغيظ وتقدم خطوة واحدة أخرى وهو يقول من بين أسنانه :
-بقول لحضرتك اتفضلي تعالي معايا يا آنسة إيمان .
نظرت لأعلى وكأنها تفكر بأمر جلل ثم قالت :
-طب اتحايل عليا شوية ، أصل ماليش مزاج أخرج .
ضرب ( إمام ) جانبي أرجله بكلتا يديه وصاح قائلاً :
-والله حرام اللي بتعمليه فيا دا يا آنسة إيمان .
هزت إيمان رأسها وهي تضحك قائلة :
-طب خلاص خلاص ، يالا بينا .
كادا أن يقتربا من البوابة الكبيرة وقبل أن يجتازاها ، صاح صوت عال قوي :
-على فييين إن شاء الله !!
تسمرا الإثنان مكانهما بعد أن اغلقا أعينهما بنفس الوقت ، قالت إيمان من بين أسنانها بغيظ :
-نبرت فيها يا عم المنحوس ، أهو لا أنا ولا أنت خارجين منها ، كاتنا نيلة في حظنا الهباب .
اقترب إبراهيم منهما بخطوات واسعة تدب الأرض من تحته واستطرد قوله بقوة :
-قلت على فين يا آنسة أنتي وأسطى اؤمؤم بتاعك .