رواية عروستى ميكانيكي الفصل الثانى عشر بقلم سما نور الدين
استدارا الإثنان ليجدا إبراهيم واقفاً أمامهما مشبكاً ذراعيه وعلامات التجهم ترتسم فوق صفحة وجهه منتظراً اجابة سؤاله .
انتقلت إيمان بعينيها بين السائق إمام المطأطأ رأسه لأسفل ، وبين إبراهيم الواقف بتحفز فقالت بتلعثم واضح :
-إحنا .. إحنا كنا رايحين فييين ، اللهم صلي على النبي .
مسدت بإصبعها فوق جبهتها وفاجئتهما بصياحها :
-اااه !! كنا رايحين نشتري حاجة من البقال اللي جمب الفيلا ، ماتقولوا يا أسطى اؤمؤم كنا هنشتري إيه ؟؟
أغمض السائق عينيه بحسرة ، أما إبراهيم فأنزل ذراعيه واقترب منها بعد أن رفع حاجبه متعجباً وقال بنبرة ساخرة :
-والله هو في بقال جمب الفيلا وأنا معرفش !!
استطرد قوله عندما نظر للسائق وقال :
-وكنتو هتشتروا إيه بقى يا أسطى اؤمؤم .
رفع إمام رأسه ورمش عدة مرات بعينيه وقال :
-إبراهيم بيه أنا يعني ، والله أنا ..
ضحكت إيمان ضحكة خافتة ساخرة ممتزجة بالخوف والقلق وهي تنظر لهما :
-إيه يا أسطى إمام مالك ؟؟ أنت نسيت ولا إيه ، مش كنا هنشتري ...
توقفت عن استطرادها بالقول عندما مال إبراهيم بوجهه ليقترب من وجهها ينظر لها بقوة ثم قال :
-لما تحبي تكدبي ابقي فكري الأول عشان الكدبة تطلع محبوكة ، مش أي كلام وخلاص .
تخصرت وهي تقول بنزق رافعة أنفها لأعلى :
-أنا مبكدبش ، كنا هنشتري حاجات من البقال ، إيه فيها إيه ، عمرك ماشترتش حاجة من البقال اللي جمب بيتكو .
صفق إبراهيم بكلتا كفيه وهو ينظر للسماء وملامح الغيظ ترتسم فوق وجهه وقال وهو يحاول بشق الأنفس ضبط أعصابه :
-كنت هتشتري إيه يا هانم من البقال اللي هو أصلاً مالوش وجود في أي مكان حوالينا .
رفعت إيمان حاجبيها وهي تقول بتعجب :
-إيه دا ، بجد مفيش بقال جمبكو ، أومال بتشتروا حاجتكو منين لموأخذة .
كز إبراهيم أسنانه بقوة حتي وصل صوت اصطكاكها لأذان ايمان وقبل أن يصرخ بوجهها ، التفت إلى السائق الذي لمحه متسمراً مكانه يتابعهما بدقة ، فاعتدله بوقفته وقال بصوت حاد :
-امشي أنت يا إمام ، أنا عارف إن النهاردة يوم إجازتك ، اتفضل أنت .
هز السائق رأسه بالإيجاب وحمد ربه بسره ، استدار ليكمل طريقه ولكنه تسمر مكانه مرة أخرى عندما صاحت إيمان :
-استنى أنا جاية معاك .
أمسك إبراهيم مرفقها وقال بصوت غاضب :
-إيه اللي أنتي بتقوليه دا ، تروحي معاه فين ؟!
حاولت أن تنزع مرفقها من قبضة يده بدون جدوى ، فاقتربت منه وهي تقول من بين أسنانها :
-سيب دراعي !! هو أنت كل مرة تكلمني فيها هتلزق إيدك بدراعي ، سيييب !!
أسرع إمام بخطوات واسعة ليخرج من البوابة الكبيرة بعد أن توجس خيفة مما قد يحدث ، ترك إبراهيم ذراعها وأشار لعقله بيده هو يقول غاضباً :
-أنتي خلاص مبقاش في عقل ، بكل مرة أفهمك أنتي بقيتي مين ووضعك الجديد بقى إيه ، وبردو مفيش فايدة .
أخذت تمسد مرفقها لشعورها بالألم من إمساكه به ، فقالت غاضبة :
-أنت متظرظر ليه ؟؟ إيه اللي حصل لكل دا ، أنا كنت هخرج أشم هوا ، من ساعة ما جيت البيت دا مشوفتش الشارع ، أنا أول مرة أتحبس الحبسة الهباب دي .
هدر بوجهها قائلاً :
-وليه مجيتيش تقوليلي إنك عايزة تخرجي ، أصلاً بقالك يومين بتتهربي مني ، ممكن أعرف ليه ؟!
تلكأت بكلماتها وهي تقول :
-أنا !! وأنا ههرب منك ليه ، أنت ماسك عليا شيكات ، أنا تمام .
التفتت حولها لتجد أن السائق قد رحل ، فهمست بقولها :
-الندل سابني !! اللهي تخسر السباق وتتعطل العربية ماتلاقي حد يصلحها .
صاح بها إبراهيم :
-أنتي عايزة تجننيني ، سباق إيه وتصليح إيه ؟؟
فصاحت به بدورها بعد فاض بها الكيل :
-يووووه !! وكنت بتسأل ليه مش بكلمك ، عشان كل مرة بنتكلم فيها ألاقيك بتتعصب وتفرك في وشك وتشوح بايدك ، أنت واحد مش طايقني ، أكلمك لييبه !!
ظل يحدق بها وصوت لهاثها يصم أذانه ، ولأول مرة يشعر بأحقيتها في عدم مواجهته والإبتعاد عنه بقدر المستطاع .
تنهد ورفع كلتا ذراعيه وهو يقول بصوت هادئ :
-معاكي حق ، أنا آسف اللخبطة اللي حصلت في حياتنا ، هي اللي خلتني عصبي ، بعتذر .
ارتسم الحزن بوجهها وهي تقول بصوت خافت :
-أنا بقى اللخبطة اللي قلبت البيت كله ، صح ؟
سب إبراهيم نفسه بداخله على اختياره السيء للكلمات ، فزفر وهو يمسد شعره بقوة وقال :
-إيمان ، من فضلك متبقيش حساسة كدة ، أنا مقصدش المعنى اللي فهمتيه ، وأنا أسف ياستي للمرة التانية .
حاولت أن تتخطاه وهي تقول بصوت حزين :
-محصلش حاجة ، أنا داخلة جوة .
أسرع بالإمساك بمعصمها لتقف وتنظر إليه بتعجب ، فقال وهو يرسم ابتسامة فوق شفتيه :
-استني ، أنتي فعلاً من يوم ماجيتي هنا مخرجتيش ، إيه رايك تيجي معايا وأفرجك على البلد ، لأن بعد بكرة خلاص هنسافر ونرجع مصر .
رمشت بعينيها التي ظهر بها الصدمة من دعوته لها ، فقالت وهي تشير لنفسها :
-أنا وأنت يا باشا هنخرج مع بعض !!
هز إبراهيم رأسه بالإيجاب وقال بصوت هادئ :
-أيوة وعازمك على الغدا كمان ، تحبي تاكلي إيه ؟!!
هزت كتفيها وهي تنظر حولها تهرب من عينيه ، فأسرعت تقول بحماس :
-ياسلام يا باشا لو طاجن عكاوي تبقى بجد عملت معايا أحلى واجب .
زفر إبراهيم بيأس وهو ينظر للفراغ أمامه وقال بإستسلام :
-يالا ، يالا يا إيمان امشي قدامي ، وياريت متقترحيش أي اقتراحات عشان اليوم يعدي على خير ، قال عكاوي قال .
قالت وهي تسير بجانبه ناحية الجراج :
-وهي العكاوي وحشة ، دا خالتي تهاني بتعمله حاجة بقى مقولكش ، لوووووز ، ألا قولي يا باشا هو أنت هتوديني فين ؟!
فأجابها :
-هتشوفي بنفسك .
دلفا للجراج سوياً وركبا السيارة ، وما إن خرج بها لشوارع مدينة اسطنبول حتى اتسعت عينيها انبهاراً وهي تنظر لمعالم المدينة عبر زجاج نافذة السيارة .
وقف إبراهيم بالسيارة على جانب الطريق ثم نظر إليها بوجه باسم وقال :
-إنزلي ، أنا هكون المرشد السياحي ليكي النهاردة ، وأول حاجة هنروحها ، تل العرائس ، هتشوفي أجمل منظر لمدينة اسطنبول من فوق ، يالا .
ولأول مرة ترتسم السعادة بوجهها فقالت بعد ما أغلقت باب السيارة :
-خايفة اقولك اللهي تنستر لحسن تتريق عليا زي كل مرة .
شعر بغصة بحلقه فتأنيبها الغير مباشر له جعله يشعر بتأنيب لنفسه على عدم مراعاة شعورها ، فأسرع بقوله :
-إيه رأيك بفسحة النهاردة تنسي أي حاجة ضايقتك مني .
هزت إيمان رأسها بالإيجاب وقالت بصدق :
-أنا نسيت كل حاجة يا باشا من أول مقلتلي حقك عليا ، كمان أنت ابن عمي يعني نستحمل بعضينا .
اقترب منها ليقف بقبالتها وهو يقول بصوت هادئ :
-وجوزك كمان ولا نسيتي ؟!!
تنحنحت وقالت بعد أن زاغت بعينيها بعيداً عن عينيه :
-مش يالا بقى تطلعني تل العرايس دا .
مد كف يده ليمسك بكفها الصغير وقال وهو يسير بجانبها :
-يالا بينا ، وبعد التل هوديكي البوسفور .
ظلت تحدق بكف يدها المنغمس داخل راحة يده وقالت وهي تبلع ريقها بصعوبة بعد ما نظرت أمامها :
-هو إحنا هنقضيها تل وجبل ، مالها الأرض بس .
*****