روايه عروستى ميكانيكي الفصل الثالث عشر بقلم سما نور الدين
وقفت فوق التل تنظر حولها لتلك المساحات الواسعة الخضراء المزينة بالأزهار الملونة والأشجار ، والمياه الزرقاء المحصورة بمضيق البوسفور وأسطح البنايات الملونة باللون البرتقالي على جانبي المضيق ، وبدون أن تدري نطق لسانها بكلمة :
- سبحان الله !!
ثم أشارت للمضيق واستطردت قولها متسائلة :
- دا بقى النيل بتاعهم .
كان إبراهيم يقف بجانبها فأبتسم أثر سؤالها وأجاب :
- لا دا اسمه مضيق ، المية بتاعته مية مالحة زي مية البحر ، لأنه بيربط بين بحرين ، البحر الاسود وبحر مرمرة .
رفعت إيمان حاجبيها وهزت رأسها قائلة بصوت يشوبه بعض الذهول :
- يا صلاة النبي ، دا النيل بتاعهم حكايته كبيرة أوي ، ولا الكوبري اللي هناك دا ، حاجة أخر فخامة يعني ، شبه الكوبري اللي اتبنى جديد عندنا في مصر ، ويا ترى اللي بيعدي بيدفع عشرين جنيه بردو زي عندنا .
مط إبراهيم شفتيه وتنهد وهو يقول :
- إيمان افهمي دا مش نيل ، دا اسمه مضيق ، مية مالحة .
صاحت إيمان :
- خلاص يا باشا فهمنا دا ماااضيق ، والمية بتاعته مالحة ، بس بكدة يبقى النيل بتاعنا أجدع ، على الأقل المية بتاعته حلوة وتنشرب ، صح .
وبنبرة يأس قال إبراهيم :
- صح ، المهم دلوقتي إيه رأيك ؟!
ابتسمت قائلة وهي تلوح بيدها :
- بصراحة منظر مالوش حل ، بس يا باشا هما سموه تل العرايس ليه ؟
شبك ذراعيه وقال :
- عشان معظم اللي بييجي ويزور المكان العرسان الجداد .
أجابته متعجبة :
- بس دا اللي هيبجي هنا هيتقطع نفسه ، دا إحنا ركبنا مركب وبعدها ركبنا أتوبيس وبعدين فضلنا ماشيين لغاية هنا ، دا العروسة هتتفرهد فرهدة هي وعريسها ، دا أخر الليل هيناموا مقتولين.
ضحك إبراهيم وهو يؤكد على وجهة نظرها :
- فعلاَّ ، عندك حق .
أخرجت هاتفها من جيب بنطالها وأعطته لإبراهيم وهي تقول بحماس :
- صورني بقى وأنا ورايا المناظر الحلوة دي ، عشان أبعتها للبت لوزة وأغيظها شوية .
فتح إبراهيم هاتفها ولكنه وجده مغلق لنفاذ بطاريته ، فقال وهو يعيده إليها :
- تليفونك مقفول يا هانم ، هصورك بتليفوني وبعدين أبقى أبعتهملك .
بدأت إيمان تقف بأوضاع مختلفة للتصوير ، تارة ترفع اصبعيها كعلامة النصر ، وتارة تتخصر وهي تقف بجانبها ، كل ذلك ولم تفارق الإبتسامة شفتيها ، كان إبراهيم ينظر لها عبر شاشة هاتفه وبدون ان يعي يجد نفسه يبتسم هو الأخر، حتى قفزت أمامه وهي تقول :
- صورني فيديو بقى عشان أشرحلهم أنا فين ، لحسن لما أرجع هتلاقيني بلح نسيت كل اللي اتقال ، يالا يالا !!
أسرع بالضغط فوق تصوير الفيديو لينصاع لها هو هذه المرة ، ليسمعها تقول بصوت حماسي وهي تستدير حول نفسها وشعرها الأسود الناعم يطير معها وحولها ، تلوح بكلتا يديها :
- اتفرجي يا عزة أنا فين ، هنا تل العرايس ، هو صحيح مشوفتش فيه عروسة واحدة توحد ربنا ، بس مش مشكلة المكان آخر جمال يا بت يا لوزة ، ياريتك أنتي وبلاطة وخالتي معانا ، كانت هتبقى أحلى فسحة وحزري بعد شوية هروح فين ، هطلع جبل الفوسفور هينقطع نفسنا أناعارفة ، ومعرفش هنشوف إيه فوق ، بس هو الواحد هيتفسح في تركيا كام مرة ، هبقي أتصور هناك بردو سلام يا لوزة .
هز إبراهيم رأسه باستسلام كاتماََ ضحكته بصعوبة ، وبعد أن انتهيا من التصوير ومشاهدة ما تم تصويره ، تجولا قليلاََ بالمكان إلى أن نطقت إيمان بقولها :
- كنت سامعة إن في عزومة غدا ، ياترى دي إشاعة ولا إيه ؟!
أمسك إبراهيم بكفها الصغير وقال وهو يشير ناحية المطعم القريب منهما :
- لا مش إشاعة يا ستي ، المطعم قدامك أهو ، يالا بينا .
كانت إيمان تنظر حولها وعينيها تتسع إنبهاراََ لما تراه ، دلفا داخل المطعم وعند طاولة قريبة من النافذة الزجاجية للمطعم ، سحب إبراهيم كرسياََ لتجلس إيمان فتسمرت مكانها ، اعتدل إبراهيم بوقفته وقال متعجباََ :
- إيه مالك واقفة ليه ماتقعدي .
حدقت به وقالت ساخرة :
- أصل .. أصل الحركة دي كنت بشوفها في الأفلام وأتريق عليها ، مكنتش أعرف إنها هتتعمل فيا ، بس ع العموم توشكر كلك زوق .
التوت شفتي إبراهيم جانباََ ثم أشار لها برأسه أن تجلس ، فانصاعت له على الفور وجلست بأريحية تستند بذراعيها فوق الطاولة وفاجئته بقولها :
- تفتكر عندهم طاجن العكاوي اللي قلتلك عليه ؟
أشار إبراهيم للنادل وهو يقول بنزق :
- لا مفتكرش ، أنا عازمك على كباب تركي .
افترشت الإبتسامة بكامل وجهها وقالت بحماس :
- كباب !! أهو دا الكلام ، ذوقك في الجون يا باشا .
وبعد برهة من الوقت امتلئ سطح الطاولة الصغيرة بوجبة الكباب التركي وأنواع مختلفة من السلطات ، أمسك إبراهيم بالسكين والشوكة وقبل أن يأكل نظر لإيمان الذي وجدها صامتة تنظر للطعام دون أن تمسه ، فقال متسائلاََ :
- إيه تاني ؟ مابتكليش ليه؟
ذمت شفتيها وهي تقول :
- هو الكباب بيتاكل بالشوكة والسكينة هو راخر، لو كدة يبقى بلاش خليني جعانة أحسن ، وكمان لو كلت بايدي هتزنجر وتقولي الناس ومش الناس وأنتي بقيتي هانم والكلام الفافي اللي يضايق دا .
وضع إبراهيم السكين والشوكة بمكانهما وبدأ يأكل بيديه وهو ينظر لها بقوة ، ابتسمت إيمان ومدت يدها للطبق المملوء بأصابع الكفتة واللحم المشوي ، فأخذت قطعة من اللحم المشوي ودفعت بها داخل فاهها تلوكها بحماس وسعادة ، وأثناء تناولهما للطعام قالت بأريحية وهي تغمس باصبع الكفتة داخل سلطة الطحينة
- الفسحة دي فكرتني بفسحة يوم الحد ، يوم إجازة الورشة كنت بأخد لوزة وبلاطة وخالتي تهاني ونروح مرة جنينة الأزهر، ياااه يا باشا جنينة واسعة أوي كلها خضرة ومناظر حلوة زي اللي شوفناها هنا ، ومرة نروح حي سيدنا الحسين نصلي في الجامع وبعدها ننطلق بقى ، نأكل كشري وبليلة نقعد على قهوة الفيشاوي ونأكل فخفخينا ، نمشي في خان الخليلي ونتفرج على المحلات الفخيمة هناك زي محلات الذهب والفضة والأثارات وأجمل حاجة بقى محلات الإزاز الملون جميلة أوي .
تركت ما بيدها من طعام وتراجعت للوراء تستند بظهرها فوق ظهر الكرسي ، وقالت وهي تتنهد :
- عارف يا باشا أنا فرحانة إننا هنرجع مصر بعد بكرة إن شاء الله ، أنا بلدي وأهل حارتي والقعدة في الورشة وحشوني أوي .
رجع إبراهيم هو الآخر بظهره للوراء وقال بثبات نفس واضحة :
- إيمان أنتي لما ترجعي مصر مش هترجعي لا للحارة ولا للورشة .
هبت إيمان لتقف وهي تقول بصوت حاد عال وبملامح وجه جامدة :
- يعني إيه أومال هرجع فين ؟!
نظر إبراهيم حوله بعد أن التفتت لهما الأنظار وقال بصوت خافت ولكنه قوي ، وكلتا عينيه تقذف بنظرات نارية غاضبة :
- اقعدي الناس بتبص علينا !!
لم تحد بعينيها عن عينيه وقالت غاضبة مغتاظة وهي تضرب سطح الطاولة بيدها:
- اللي يبص يبص ، قولي دلوقتي معناه إيه الكلام دا ؟!
هب إبراهيم واقفاََ وقال بعد أن رمى ببضعة ورقات مالية فوق الطاولة :
- امشي قدامي في البيت هنتفاهم ، وبالمرة أعلمك إزاي متسمعيش كلامي .
أمسك بمرفقها ليمشي بها ، حاولت أن تنزع ذراعها ولكن محاولتها كانت بدون فائدة ، وعند باب المطعم تفاجأ عندما وجد أمامه التشين تحتضنه وتقبله من وجنتيه وهي تقول :
- مرحباً .
حررت إيمان ذراعها أخيراََ وهي تزفر بضيق وتقول وهي تنظر بازدراء لتلك التي تحتضن زوجها :
- مرحباً ياختي ، أهلا وسهلاََ بيكي ست شين شين أصلها كانت نقصاكي !!
استطردت إيمان قولها وهي تنظر هذه المرة لإبراهيم :
- بقولك إيه يا باشا ، خلي ست المتشحتفة دي تمشي من وشي السعادي لحسن بدل ما هانطلع الجبل هنطلع القرافة نقرأ الفاتحة على روحها أنا بقولك أهو .
كتم إبراهيم أنفاسه بعد أن تجلى الغضب بوضوح على وجهه فربت فوق كتف التشين وهو يعتذر لها أنه مضطر للذهاب الآن وأنه سوف يتحدث إليها فيما بعد ، لم يعطها فرصة لتجيبه تخطاها بعد الإمساك بكف إيمان الصغير ليجرها ورائه قبل حدوث أي مشكلة هو في غنى عنها .
وبعد برهة من الوقت كانا الإثنان داخل السيارة بطريق عودتهم للفيلا ، كان الإثنان صامتان يتناوبا النظر لبعضهما عبر نظرات مختلسة بطرف أعينهما ، تنحنحت إيمان لتخرق ذلك الصمت بقولها :+
- أنا عايزة أفهم .
دار إبراهيم بمقود السيارة لتقف جانب الطريق بعد أن ضغط بقدميه فوق دواسة الفرامل ، كادت أن ترتطم جبهة إيمان بالتابلوه الأمامي ، شهقت بصوت عال وهي تلتفت برأسها إلي إبراهيم الذي ظل ينظر أمامه وأصابعه تشتد بقوة فوق مقود السيارة حتى اببضت سلامياته ، فصاحت به:
- هو في إيه ؟ كل دا عشان قلت عايزة أفهم !!
استدار لها بجذعه وبقبضته القوية أمسك بمرفقها لتجد نفسها لا يفصل بين صدريهما إلا إنشات بسيطة ، هزها بعنف وهو يقول :
- اوعي تاني مرة تقللي مني قدام الناس زي ما حصل في المطعم ، واوعي تاني مرة تعلي صوتك عليا هو دا اللي لازم تفهميه كويس جداََ مفهوووم !!
ضربت صدره بقبضتها وهي تصيح بوجهه :
- سيب دراعي هتكسره !!
التمعت حدة الغضب بعيني إبراهيم وهو ينظر ليدها التي ضربت صدره فأمسك بمرفقها الثاني ، لتجد نفسها هذه المرة وكأنها داخل حضنه تكاد شفتيه تلامس شفتيها وهو يصيح بقوله :
- أقسم بالله يا إيمان ، إيدك تترفع عليا تاني هتلاقيها مكسورة جمب منك أنا حذرتك المرادي بس بلساني عشان أول مرة .
شعورها بالخوف جعل ضربات قلبها تزداد بسرعة ، حاربت ذلك الشعور وهي لا تحيد بعينيها عن عينيه وتقول متحدية إياه :
- تكونش فاكرني هخاف منك ! تبقى بتحلم يا باشا أنا مبخافش من حد .
ظلا علي وضعهما وهو يرد بصوت قوي غاضب :
- طالما مابتحترمنيش يبقى مفيش غير إنك تخافي مني بجد ، أنا حذرتك وأنتي الجانية على نفسك لو اتحدتيني تاني .
دفع بها لترتطم بباب السيارة لتتأوه بصوت مكتوم تحارب بضراوة نزول دمعاتها ، وعندما فشلت التفتت برأسها ناحية النافذة لتمنعه من مشاهدتها وهي تبكي بصمت ، نظر إبراهيم للطريق أمامه وعاود قيادة السيارة ، شعر بنكزة تضرب قلبه لما فعله معها وشعور بالندم يحاوط عقله لقسوته عليها فزفر بضيق ليجد نفسه يضرب المقود بقوة تكاد أن تكسره ، مسحت دمعاتها والتفتت تقول :
- الدريكسيون لو اتكسر العربية هتنقلب بينا ، فلو عايز تموت نزلني أنا واتفضل موت براحتك لوحدك .
التفت إليها فوجدها شبكت ذراعيها أمام صدرها والتفتت للناحية الآخرى ، هدأ قليلا وحاول أن يجمع بعض كلمات ليراضيها ولكنه فضل الصمت والنظر للطريق دون إختلاس حتى ولو نظرة جانبية لها ، وصلا للفيلا وما إن دلفا للداخل ليجدا عمتهما زهرة تسرع ناحيتهما وتقول :
- الحقني يا إبراهيم جدك تعب أوي بعد ما سمع اللي حصل !!
أسرع إبراهيم وإيمان ناحية غرفة جدهما ليطمئنا عليه ، وجدوه نائماََ وأثار التعب والحزن ترتسم فوق ملامح وجهه ، التفت إبراهيم لعمته وهو يتسائل بلهفة و بصوت خافت :
- إيه اللي حصل يا عمتي ؟!
نظرت إليهما بوجه حزين وقالت :
- المحامي بتاعنا في مصر اتصل بينا وقالنا إن عمك سمير رفع قضية حجر على جدك .