روايه عروستى ميكانيكي الفصل السادس عشر بقلم سماء نور الدين
صعق ابراهيم فور سماعه لكلمتها و صاح بها :
- إيه !! أقول وحياة مين ؟
أدركت ماقالته فضحكت ببلاهة ولوحت بيدها وهي تقول بتلعثم :
- لا لا ماتاخدش في بالك ، مش وحياة حد إيدك ع المفاتيح .
أعطاها المفاتيح وهو ممتعض الوجه ، وقال بنزق :
- اتفضلي يا هانم ، مش عارف ليه حاسس إني هاندم أصل سواقة الستات حاجة متطمنش .
أخذت ترمي بالمفاتيح عالياً وتلتقطها بيدها عدة مرات وتهز برأسها بكل فخر وهي تقول بكل ثقة :
- عيب عليك اتفضل معايا ، بص وشوف وركز واتعلم .
التوت شفتيه جانباً وهو يشير لها بذراعه وقال ساخراً :
- اتفضلي لما نشوف ، وأنا عارف إن اخرتنا هندخل في شجرة أو عمود .
وقفت أمام باب السيارة لتنظر له وهو واقف أمام باب السيارة من الناحية المقابلة لها وقالت :
- عارف يا باشا أنا مش هحاسبك ع الكلام دا دلوقتي ، لكن هيكون ليا عندك حق عرب آمين .
وجد إبراهيم نفسه يهز برأسه إيجاباً وقال دون أن يدري :
- آمين .
اتسعت عيني إبراهيم بعد أن وعى لنفسه وهو يجيبها بنفس لغتها ، انتفض على أثر سماعه لصوتها العال :
- هتفضل واقف مكانك كدة كتير يا باشا متخافش ، روحك في ايد أمينة ، دا أنا الأسطى إيمان والأجر ع الله .
جلس بمكانه وربط حزام الامان حول جذعه ونظر إليها فوجدها تنظر بحماس لتلك الشاشات الصغيرة الدائرية المضيئة وراء مقود السيارة ثم التفتت إليه وهي تقول غامزة بعينيها :
- مش بقولك عربية عربية ، سمي بالرحمن .
ضاق مابين حاجبي إبراهيم وهو ينظر لجانب وجهها ليتفاجأ بتحريك السيارة بسرعة ، أسرع بالتفاتة من رأسه لينظر أمامه وما إن خرجت إيمان بالسيارة من بوابة الفيلا حتى ارتسمت فوق شفتيها ابتسامة عابثة وبكفها الصغير وبحركة صغيرة لمحرك السرعات الإلكتروني انطلقت السيارة بأقصى سرعة ، كان الطريق غير مزدحماً مما ساعد تلك المتحمسة للقيادة السريعة والتحرك من بين السيارات بحرفية عالية ، ومع أن بعض القلق تسلل لإبراهيم إلا أنه أخذ ينتقل بعينيه بين الطريق ووجه تلك الشغوفة بما تفعله ليجدها بعد برهة من الوقت تتوقف على جانب الطريق ، وتلتفت بجذعها وابتسامة النصر والفخر تفترش صفحة وجهها وتقول بنبرة ساخرة :
- هااا سمعني كدة تاني كنت بتقول إيه على سواقة الستات .
التفت هو الأخر وقال بعد أن ضحك ضحكة خافتة :
- لكل قاعدة استثناء وأنتي بكل تاكيد أكبر إستثناء .
رفعت حاجبها ومطت شفتيها وقالت بنزق :
- أنا اسمي إيمان يا باشا مش سناء .
ضحك بقوة وقال :
- عارف إنك إيمان ، إيمان بنت عمي ومراتي بس ممكن أسالك إحنا ليه وقفنا هنا ؟
زاغت عينيها وتلكئت بقولها بعد ما سمعت لأول مرة نبرة صوته الهادئة :
- عشان مينفعش نروح الحارة وندخل عليهم كدة .
.ظهرالتعجب بوجه إبراهيم وقال متسائلاً :
- كدة يعني إيه ؟ مش فاهم .
أشارت له ثم لنفسها وهي تقول :
- كدة يعني هندخل على الناس طرزانات بإيدينا فاضية .
ضاقت عيني إبراهيم نتيجة عدم فهمه لما قالت ، فتنهدت بيأس وقالت :
- يعني مش إحنا لسة راجعين من سفرومش من أي بلد دي تركيا ، نقوم ندخل عليهم من غير هدية ولا حتى طبق هريسة وقرصين مشبك .
هز إبراهيم رأسه بالنفي وهتف بها :
- وهو اللي بيرجع من تركيا بيكون جايب معاه هريسة والبتاع التاني اللي معرفش اسمه إيه ؟
التوت شفتها العلوية وهي تقول :
- اسمه مشبك ، أومال ندخل عليهم بإيه إن شاء الله .
صاح بها ولكن بصوت هادئ :
- مش لازم يا إيمان أنتي رايحة تسلمي عليهم ، ربع ساعة ونمشي بعدين بعدين ، يالا بينا عشان مانتأخرش .
لاحت بيدها أمامه وهي تهتف بصوت عال :
- لا طبعااا مينفعش عيب ، يقولوا عليا إيه !
زفر إبراهيم بغيظ وقال من بين أسنانه :
- طيب اتفضلي سوقي في مول قريب من هنا ، نروح و تشتري اللي أنتي عايزاه .
هزت رأسها وعينيها تتسائل :
- إيه ؟ مون إيه اللي نروحه لأ لأ ، إحنا مش هنروح ولا مون ولا تون .
اعتدلت بجلستها فوق كرسيها وقالت وهي تمسك بالمقود :
- إحنا بالصلاة على النبي كدة هنروح الحسين هنجيب أرواح وملبس لعيال الحارة من أكبر عطار هناك وبعد كدة نلف على المحلات اللي جمبه نشتري كام هدية حلوين كدة للبت لوزة وأخوها وخالتي تهاني .
التفتت برأسها له وهي تشير له باصبعها واستطردت قولها بعد أن بدأت بقيادة السيارة :
- وأه صحيح ابقى فكرني نشتري هدية حلوة كدة وعليها القيمة لشيخ الجامع عندنا ، اوعى تنسى يا باشا .
ولاؤل مرة يفتح إبراهيم فاهه تعجباً مما سمعه ولما هو ذاهب إليه ، كانا الإثنان يتجولان داخل أروقة منطقة الحسين العتيقة يحملان بإيديهما بعضا من الحقائب البلاستيكة المحملة بالكثير من الحلوى والهدايا بعد مجادلات ومشاجرات حول من سيدفع ثمن هذه الهدايا لتنتهي المناقشة بحسم إبراهيم للموضوع بأنه هو الرجل وزوجها وهو المسئول عنها لتصمت بالنهاية مع وعد منها بسد هذا الدين ، كانت لا تنتهي من ثرثرتها حول أهل الحارة وكان إبراهيم ينظر حوله متعجباً ومعجباً بذات الوقت ؛ لأنه وللمرة الأولى طوال حياته يذهب لهذا المكان والتي تتميز جدرانه بالأحجار الكبيرة والنوافذ الأرابيسك الخشبية المزينة بنقوش إسلامية ، يسمع صوت خطواته عندما يضرب بكعب حذائه تلك البلاطات الصلبة سوداء اللون التي تفترش الأرض والمتراصة بشكل هندسي سليم ، التفت إليها وهي تقول بحماس وسعادة :
- كدة مايبقاش فاضلنا غير هدية شيخ الجامع الشيخ سعيد ، كان صاحب أبويا الله يرحمه كان دايماً ييجي ويقعد معايا في الورشة عشان يسالني عن حالي ويطمن عليا ويساعدني لو كنت محتاجة حاجة ، ها فكر معايا نجبله إيه ؟
لم تعطه فرصة للرد عندما توقفت مكانها وهي تنظر للواجهة الزجاجية وقالت بسعادة :
- بسسس لقيتها !! إيه رأيك في العباية دي شبه اللي بيلبسوها الرجالة في الخليج أنا هجبها وأقوله يلبسها في صلاة العيد .
مر أكثر من ساعتين من التجوال والتسوق وقبل أن يصلا للسيارة قالت إيمان وهي تلعق بلسانها مخروط المثلجات المتنوع مكوناته بين الشيكولاتة والمانجو :
- طبعا ًزمانك بتقول لنفسك دلوقتي ، أنا إيه اللي ضربني في دماغي وخلاني أجي معاها ، صح ؟
هز إبراهيم رأسه وهو يضحك وقال :
- لا ياستي مش ندمان ولا حاجة بالعكس ، بس أتمنى إن اليوم يمر بسلام من غير ماتحدفيني بحاجة تفتحي بيها دماغي زي مقولتي قدام المحامي .
توقفت إيمان عن مواصلة السير بعد انتهت من أكل حلوتها المثلجة لتنظر له دون أن تنطق بكلمة ، فتوقف هو الأخر ليستدير ويقول لها :
- إيه وقفتي ليه ؟!
تقدمت ناحيته وقالت وهي ترفع رأسها لتقابل بعينيها الدامعة عينيه المتسائلة :
- أنت السبب اللي خلاني اقول كدة لما قسيت واستقويت عليا بالجامد ، وأنا معرفتش أرد عليك ساعتها .
تمعن بكامل ملامح وجهها حتى نظر داخل عينيها بقوة ، وقال بصوت هادئ كلمة واحدة أربكتها :
- أسف .
رمشت بعينيها عدة مرات وقالت وهي تتخطاه :
- آ آ آ محصلش حاجة والمسامح كريم ، يالا بينا .
أسرع بوقوفه أمامها مرة أخرى وقال وهو باسم الوجه :
- أوعدك إني هحاول امسك أعصابي قصاد اللي بتعمليه معايا ومقساش أو استقوى عليكي تاني .
ابتلعت ريقها بصعوبة بعد سماعها لنبرة صوته الجنون وصوته الهادئ فتخطته مسرعة وهي تهز رأسها بالإيجاب ، اتبعها بخطواته الواسعة لتجده بجانبها ينظر إليها ويبتسم لتبادله دون أن تعي نفس الإبتسامة الهادئة ولاؤل مرة يمر الأمر بينهما بسلام .
قاد إبراهيم السيارة هذه المرة ليتوقف جانب الطريق كما أشارت له إيمان وهي تقول :
- باسسس هنا يا باشا ، والله كان نفسي أقولك اتفضل معايا بس زي مانت شايف ، عربية زي دي مش هتنفع تدخل الحارة وياسيدي توشكر على تعبك معايا وألف شكر كمان على التوصيلة ، سلام يا باشا .
وقبل ما تمد يدها لمقبض باب السيارة أمسك إبراهيم بمرفقها وهو يقول :
- هو إيه اللي شكراً وسلام ، إحنا مش اتفقنا نروح ونرجع سوا .
نظرت إيمان ليده ثم لوجهه ، فتركها بعد أن مط شفتيه وقال :
- إيمان أنا هاجي معاكي تسلمي عليهم ونمشي ، ماهو أنا مش هسيبك ،+
تنهدت بيأس وهي تقول :
- هو أنا مقبوض عليا مجراش حاجة يعني لو نمت النهاردة في بيتي ، وتاني يوم الصبح يا سيدي هتلاقيني بفطر معاكو في الفيلا .
وبصوت قوي حسم إبراهيم الأمر بقوله :
- إيمان متحاوليش مافيش حاجة اسمها تباتي برة بيت جدك اللي أكيد هيسأل عنك هو وعمتك ، أنا هسيبك تقضي الوقت اللي أنتي عايزاه معاهم وبعدها تكلميني ونتقابل هنا في نفس المكان عشان نروح ،
رفع حاجبه ومال برأسه واستطرد قوله يقلدها :
- آمين .
رفعت حاجبيها وانفرجت شفتيها تعجباً وقالت وهي تهز رأسها :
- آمين .
ردد قائلاً :
- هاتمشي إزاي بالأكياس دي كلها لوحدك ، أنا جاي معاكي .
لم يعطها فرصة للقبول أو الرفض وخرح من السيارة متجها لحقيبة السيارة الخلفية الممتلئة بالحقائب ، زفرت بيأس وهي تهمس لنفسها :
- وبعدين بقى في الراجل دا .
حملت معه الحقائب وقالت بنزق وهي تنظر حولها :
- مش هينفع نسيب العربية دي كدة .
صاحت بعلو صوتها بعد أن وجدت غايتها :
- واد يااا طيارة تعاال ياض .
جرى الشاب الصغير ناحيتها وهو يهتف سعيداً :
- حمدالله يا أسطى إيمان ، الحارة وحشة من غيرك يا أسطى هاتي عنك .
أجابته وهي تقول :
- لا متشيلش حاجة أنا عايزاك تاخد العروسة دي وتوديها جراج عم اسماعيل وتقوله أسطى إيمان بتقولك خلي الأمانة دي عندك لغاية ماتستلمها منك ، آمين ياض .
نظر الشاب للسيارة مذهولاً وأخذ يلف حولها وهو يقول :
- دي عربيتك يا أسطى أنا سمعت إن عيلتك الغنية ظهرت وهتاخدك تعيشي معاهم ، والباشا الأوبهة دا يبقى قريبك صح يا أسطى .
مدت يدها لإبراهيم الذي كان يقف صامتاً ومتعجباً لتأخذ منه مفاتيح السيارة وترميها بالهواء ليلتقطها الشاب وهو يسمع قولها :
- مش وقته يا طيارة وزي مقولتلك ، هما ساعتين زمن يالا طير .
مشت خطوتين وتوقفت تنظر ورائها لغبراهيم الذي كان يرى سيارته تبتعد وتختفي عن أنظاره ، هتفت به إيمان :
- باااشا يالا بينا .
التفت ناحيتها ومشى بجانبها وهو يقول متسائلاً :
- ممكن أعرف مين طيارة دا اللي ساق عربيتي وطار بيها ؟
وقبل أن يدخلا الحارة أجابته بأريحية :
- متقلقش يا باشا دا الواد طيارة حرامي عربيات .
*****