رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل السابع عشر 17 بقلم سميه عبد السلام



رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل السابع عشر 17 بقلم سميه عبد السلام 






البارت 17

كان يجلس في الحديقة الامامية للمنزل ليست كبيرة كانت عبارة عن 4 من اشجار الزينة المتفرقة في المكان وتزين الارض الاعشاب الخضراء وفي المنتصف ممر من الحجر الرخامي يؤدي الى الباب الكبير للمنزل، وكان هناك طاولة ويلتف حولها بعض الكراسي التي كان يجلس زكريا على احدهما وعينيه منصبة على اللوح المحفوظ _ المصحف_ تحرك مراد ناحيته بخطوات بطيئة ليقول سليم بسخرية المختبأ خلف باب المنزل ومعه ابن عمه احمد :

" هو عنده تسلخات هو ماشي كده ليه ؟"

لم ينظر له احمد وبقيَ تركيزه مع مراد الذي جلس على الكرسي المجاور لجده وقال :

"ازيك يا جدي؟"

اغلق زكريا مصحفه ونظر إلى حفيده نظرة ذات مغزى ليقول بجدية :

" ادخل في الموضوع على طول يا مراد "

ذادت نبضاته ونطق بسرعة البرق :

" جدي انا عايز اتجوزك "

توسعت اعين زكريا من الصدمة اما احمد اعتدل في وقفته ومد يده يسلم على سليم وقال وعلى وجهه ابتسامة ساخرة :

" الف مبروك يا سليم الجوازة باظت "

بلع مراد ريقه بتوتر ثم اخذ نفساً عميقاً واستجمع شجاعته وقال :

" قصدي انا عايز اتجوز ،وبعد اذنك يا جدي مترفضش انا دلوقت بقيت راجل واقدر اتحمل المسؤلية وعلى موضوع ان مينفعش الصغير فينا يتجوز قبل اخوه الكبير انا موافق عليه ،انا بس كل اللي طالبه من حضرتك انك توافق على الخطوبة،وتيجي معايا تطلبها ليَّ ،والبنت اللي عايز اخطبها دي تبقا هبة بنت اخت الست فاطمة وانا هيكون ليَّ الشرف اناسب ناس زيهم ،ده بعد اذنك ياجدي طبعاً."

فتح احمد فمه ببلاهة وهز رأسه مراتٍ عدة أ معقول هذا هو مراد الذي يتحدث ويخرج من فمه هذا الحديث.

كان زكريا مبتسم وعيناه تنظر له بفخر ثم اردف :

" وانا موافق يا مراد "

ظهرت معالم الفرحة على وجهه واخفض رأسه ليقبل يد جده وبعدها قال :

" شكراً يا جدي انك وافقت "

سحب زكريا يده من يد مراد ووضعها على كتفه وقال :

" انا وافقت عشان عارف انك راجل وهتعرف تحافظ على بنات الناس ، و يا زين ما اخترت يا ولدي "

ابتسم مراد اكثر على حديثه فتابع زكريا وقال :

" بكره أن شاء الله تاخد عربية ادهم وتجيب نسيبك من المطار "

عقد حاجبيه بعد فهم وقال :

" نسيبي مين ؟! هبة ابوها ميت!! ولا تكون ردت فيه الروح ورجع يفرح بـ بنته "

على مسافة قريبة منهم ضحك احمد ومعه سليم الذي قال :

" ولا تزعل يا عم احمد ،دبش مراد رجع تاني "

___________________________________

كان الشاب يلوح بالنصل الصغير بيده في الهواء امام ادهم الذي ينظر له دون ذرة خوف منه ثم اردف بملامح جادة :

" ما تضرب مستني ايه ؟"

شعر الفتى بالخوف منه هو لا ينوي على اذيته هو فقط يريد اخافته ولكن حصل عكس ذلك عندما امسك ادهم بذراعه واخذ منه النصل عنوة ووضع ذراعه خلف ظهره ثم دفعه بعيداً عنهم ليقف الشاب ويركض سريعاً من امامهم ،التفت ادهم لـ رحيم وهو يحرك النصل بمهارة ثم القى به في سلة المهملات.

ابتسم رحيم وهو يشعر بالسعادة مما رأه :

" وربنا انت معلم "

اغمض ادهم عينيه وامسك ياقة قميصه ينهدمها واردف بغرور مصطنع:

" طب ما انا عارف "

نظر الاثنين لبعض وانفجروا في الضحك وبعدها تحركوا داخل العمارة ليتجهوا إلى الهدف المقصود و هو عيادة الطبيب «علي» ،
دخلوا العيادة وقال رحيم اسمه لموظفة الاستقبال لترتسم ابتسامة على محياها وقالت :

" أهلاً يا دكتور ،دكتور «علي» مستني حضرتك بس ممكن حضرتك تستنى هنا عشر دقايق يكون الكشف اللي معاه خلص "

قالت جملتها وهي تشير إلى الكثير من المقاعد المجاورة لبعضها ،اومأ لها رحيم ثم جلس و ادهم جواره منتظرين موعد اللقاء ، مرت العشر دقائق عند ادهم كـ عشر ساعات فـ هو شخص يكره الانتظار بشدة بعدها سمع صوت موظفة الاستقبال تنادي عليهم من اجل الدخول.

دخل الاثنين مع ترحيب« علي» لهما وايضاً تعجبه من وجود ادهم مع رحيم ،لكن تدخل رحيم سريعاً وقال بعدما جلس كلاً منهما على كرسي مقابل مكتب «علي» :

" اعرفك يا ادهم ،ده دكتور «علي» كان دفعتي بس التخصص فرقنا و اتجمعنا تاني من وقت ما بدأ يعالج رحمة اختي "

كان ادهم ينظر له ويحرك رأسه مع ابتسامة على وجهه لكن هذا ذاد تعجب «علي» اكثر لكن لم يدم طويلاً حتى قال رحيم :

" وده ادهم ابن عمي وزي اخويا "

ثم تنحنح و قال :

" وعارف موضوع رحمة يا «علي» و هو جاي معايا النهاردة عشان نطمن عليها "

اومأ بتفهم ثم زفر الهواء من انفه وقال :

" بس يا رحيم انت عارف ان اللي هقوله ده لو قلته قدام حد غريب او قدام الشخص الخطأ يبقا انا بقول اسرار المريض اللي عندي "

تفهم رحيم مقصده من الكلام وقال :

" متقلقش يا «علي» انا واثق في ادهم لأنه مش غريب ولا الشخص الخطأ عشان يفكر انه يأذي رحمة "

كان ينظر له بملامح لم يعرف رحيم تفسيرها حتى اردف ادهم وهو ينظر لـ رحيم بعينين تبُث الطمأنينة بداخله :

" اوعدك اني هكون قد الثقة دي ،و اليوم اللي هيفكر حد يأذيك او يأذي قدر اعرف انه مش انا ،عشان وقتها هكون باخد حقكم منه "

ابتسم رحيم وحمد الله انه عوضه عن فقدانه لوالديه بعائلة كاملةٍ تغمره بالحب والعطاء والصداقة وايضاً الإخوة.

تنهد «علي » ثم بدأ في حديثه :

" اخر جلسة مع رحمة كانت تمت الشفاء بنسبة 95% والخمسة المتبقية كانت متوقفة على العلاج الجماعي بس لما رحيم قال انه عايز يخليها تعيش وسط عيلة رحبت بالفكرة جداً ، وجابت نتيجة بس لازم اعرف شوية حاجات عشان اعرف جابت نتيجة سلبية ولا ايجابية "

وكان اول من سأله هو ادهم :

" حاجات زي ايه ؟"

صمت قليلاً لينظر ادهم لـ رحيم الذي بدى انه يجهل عن الامر حتى اجابهم «علي» عن السؤال :

" يعني رحمة رجعت لطبيعتها فعلاً ومبسوطة ولا... بتمثل عليكم ؟!"

ظهرت علامات الدهشة على الوجوه ليستفسر ادهم اكثر :

" ممكن حضرتك توضح اكتر "

اومأ له وتابع حديثه وهو يبادل نظراته بين الاثنين :

" يعني لما رحيم كلمني امبارح قال انها مبسوطة وفرحانة بس حاسس بحاجة غريبة عشان كده جيتم تطمنوا انها خفت ولا لسه "

اقترب رحيم بجزعه العلوي من المكتب و اردف :

" ايوة يا «علي» يعني هي خفت ولا لأ؟!"

خلع عنه نظارته الطبية ووضعها جانباً ثم قال :

" اسوء انواع الاكتئاب اللي ممكن يصيب الشخص هو الاكتئاب المُبتسم "

قطب ادهم جبينه وظهر تعجبه من حديث «علي» ليسأله مستنكراً :

" هو في حاجة اسمها اكتئاب مُبتسم أصلاً "

هز رأسه بتأكيد ثم عقب على حديثه :

" ايوة فيه ،هو نوع من انواع كتير للاكتئاب زي الاكتئاب الحاد و الاكتئاب المزمن والاكتئاب المصاحب لفترة الحيض عند السيدات وكمان الاكتئاب المُبتسم والنوع ده من الاكتئاب منتشر جداً بين الناس وناس كتير بتكون مصابة بيه بس متعرفش "

حاول رحيم ان يفهم اكثر فسأله :

" و ليه بتقول ان ممكن يكون عندها النوع ده من الاكتئاب ؟!"

رد عليه بهدوء وقال:

" عشان الشخص المصاب بيه ،بيكون عنده اكتئاب و mood ـه مش احسن حاجة ، وفي نفس الوقت بيحاول يبين للناس انه كويس ومبسوط وسعيد ورايق بس من جواه حزين ومع ذلك بيخلي الناس تشوف عكس كده ،عارفين اصعب حاجة إيه ؟"

كانوا يتابعوه بنظرات مهتمة بحديثه لم ينتظر «علي» الاجابة على سؤاله وقال :

" اصعب حاجة الكتمان ،لانه حرفياً ممكن يدمر الإنسان صحياً ونفسياً ويسبب في امراض عضوية كمان "

" والحل ايه يا دكتور "

خرجت هذه الجملة من أدهم ليجيبه «علي» :

" الحل ان الشخص يرضى ويسعى في حياته ،لان أصلاً الاكتئاب بيجي يا اما بسبب حزن على ماضي او خوف من المستقبل وطالما الماضي فات والمستقبل بيد الله احنا في أمان وما علينا غير الصبر والدعاء ونحمد ربنا في كل وقت "

لاحظ ادهم ملامح رحيم التي تبدلت من حال إلى حال في ثوان معدودة جاهد رحيم حتى يخرج صوته طبيعياً وقال :

" يعني هي مخفتش وبتحاول تبين انها كويسة قدامي طب ليه؟! ده انا اكتر واحد قريب منها ليه تخبي حزنها عني؟ "

شعر «علي» بالاسى على حال صديقه واردف بهدوء :

" انت اكتر واحد المفروض تخبي عليه لانها شيفاك وانت بتعاني عشانها وزعلان على زعلها هي عايزة تشوفك مبسوط عشان متحسش انها انانية "

كان يترقب ردود افعال ابن عمه ثم تنهد ليشرع في سؤال الطبيب :

" يعني هي محتاجة تيجي هنا لحضرتك تاني "

نفى الامر سريعاً وظهرت ابتسامة مُطمئنة بعض الشيء لهما :

" الموضوع مش محتاج جلسات قد ما هو محتاج حد يكون قريب منها تفضفض وتحكي كل اللي جواها."

تابع ادهم حديثه بسؤال اخر :

" يعني ايه ؟"

" يعني متدوهاش فرصة تمثل عليكم انها فرحانة انتم اعملوا ده وخليها تتكلم لأن الكتمان نهايته مش حلوة وممكن نرجع لنقطة الصفر من تاني "

اومأ الاثنين بتفهم ثم غادروا العيادة ليقف رحيم بجانب السيارة لاحظ ادهم شروده تحرك له ووضع يده على كتفه وقال :

" مركبتش ليه يا رحيم ؟!"

ارتمى بين احضانه واجهش في البكاء شدد ادهم من عناقه و لأول مرة تظهر دموع النمر من عيونه الحادة فقال رحيم من بين شهقاته :

" معرفتش احافظ على اختي يا أدهم هقول ايه لابويا لما اقابله ؟"

" هتقول له انها كويسة وانكِ عرفت تحافظ عليها لأن كل اللي بتعمله ده عشانها و اكبر دليل على كلامي انك واقف قدام عيادة الدكتور اللي بيعاجلها عشان تطمن عليها "

قالها ادهم وهو يربت على ظهر رحيم اما رحيم تشبث به اكثر كأنه يخبىء نفسه بين احضانه وقال :

" انا بحبك يا ادهم ،خليك معايا متسبنيش "

ابتسم ادهم ليرد عليه بنبرة لينة وهادئة :

" وانا معاك ومش هسيبك "

وفي نفس اللحظة مرت سيدة عجوز قليلاً من جوارها لتمرقهم بتقزز واشمئزاز وقالت و كأنها تحدث نفسها ولكن بصوت مسموع:

" استغفر الله العظيم هي القيامة هتقوم ولا إيه،اسفخص على دي تربية"

ابعد ادهم رحيم عنه بقوة وقال بغضب مزيف :

" جبت لنا الكلام داهية تاخدكَ انت واختكَ "

تفاجأ رحيم من دفع ادهم له لكن انتبه لنظرات السيدة التي تسير بجانبهم ونظراتها المشتعلة فأردف رحيم ليسير حنقها اكثر :

" خير يا حَجة بتبصي ليَّ كده ليه ؟! واكل ورثكِ وانا معرفش ده حتى انا صايم "

اردفت السيدة بضيق :

" وانت فاكر لما تصوم كده هتروح الجنة ؟"

اجابها ببسمة صفراء :

" لأ هروح دريم بارك "

اشتعلت غيظاً ثم تركتهم ورحلت لينظر رحيم لـ ادهم وجده ينظر له بضيق من افعاله وقال :

" بتصوم عشان تروح دريم بارك مش كده ؟!!"

اخفض رحيم بصره اسفاً لانه علم انه اخطأ عندما قام بالرد على سيدة في مثل عمر والدته.

" و التذكرة بكام دلوقت ؟"

رفع عينيه سريعاً ليجد ادهم مبتسماً ،لم تفت جزء من الثانية وانفجر الإثنين في الضحك.

___________________________________

تحركت قدر ومعها ندى يجوبوا المنزل بحثاً عن جدهم لكن لفت نظرهم احمد وسليم المختبأين خلف الباب الكبير للمنزل ،تعجبت الفتاتين لكن اول من تحدثت كانت ندى:

" واقفين كده ليه ؟!"

اعتدل الإثنين في وقفتهم والتفتوا لهن و اول من اجاب على سؤالها كان سليم الذي تدل تعبيرات وجه على الفرح :

" مراد بيتكلم مع جده في موضوع جوازه وهيخطب..."

" هبة مش كده ؟!"

لم تدعه يكمل حديثه و اكملته هي بدلاً عنه تعجب من معرفتها لكن اكتفى ببتسامة و وافقها في الحديث.

ثم دلف مراد و هو يشعر ان الكون لا يسعه من شدة الفرحة فـ بادر سليم بالسؤال :

" ها طمني عملت ايه ؟"

اجابه والإبتسامة لا تفارق وجه :

" الحمدلله وافق ،وقال انه هيقول لعمي مصطفى وبابا ونروح نزورهم يوم الاثنين "

تدخلت قدر وقالت :

" اشمعنا يوم الاتنين ليه مش بكره "

نظر له مراد واجابها ببساطة :

" عشان يا قدر بكره هروح اجيب عمي لطفي خال هبة واسراء ومراته وبناته الاتنين من المطار "

اومأت بتفهم وابتسمت على بساطتة حديثه الذي جعلها تشعر بأنه يعرفها منذ سنوات عديدة وليس مجرد ايام معدودة فقط.

اردف سليم بمزاح :

" بقيت عريس يا مرمر "

ليبادله احمد المزاح و هو يقترب من مراد واضعاً زراعه على كتف مراد :

" والله وعشت وشوفتك عريس يا مرمر "

لكمَ مراد الاثنين في معدتهم بخفة واردف بضيق زائف :

" مرمر في عينك انت و هو "

ابتسم سليم وفتح زرعيها الاثنين وقال :

" تعالى ياض في حضن اخوك "

دخل مراد بين زراعيه يبادله العناق فأردف احمد متذمراً :

" هو انا مش اخوكم انا كمان ولا ايه ،انا كمان عايز اتحضن بقالي كتير محضنتش علا "

ابتسم الجميع على حديثه واصبح الثلاثة يعناقوا بعضهم البعض كانت تنظر لهم قدر بفرحة شديدة وشعرت بالراحة منذ وطأها لهذا المنزل لكن قطع هذه اللحظة السعيدة صوت ندى العالي وهي تقول :

" يلا يا حلو منك ليه كل واحد يدفع 50 جنيه بمناسبة الخبر الحلو ده."

خرج ثلاثتهم من احضان بعضهم و اردف احمد وهو يرمقها بحنق مع حاجب مرفوع :

" ليه هو احنا اللي هنتجوز خدي من مراد "

هزت رأسها لهم لأعلى والاسفل وهي تبتسم بسماجة :

" لأ ما انا هاخد منكم كلكم "

ابتسم سليم على شقيقته وهز رأسه يأساً منها ثم اخرج من جيبه بعض من الاوراق المالية وقال وهو يمد يده لـ ندى بأحدى الورقات :

" خدي يا ندوش 50 ليكِ والـ 50 التانية اديها لـ عمر عشان انا عارفه عيل رزل ومش هياخدها لو عرف انها مني "

ابتسمت ندى وأشارت له بيده بمعنى:
 
" تنحى جانباً"

 ونظرت لـ احمد بخبث وقالت :

" دورك يا حلو "

اخرج احمد المال من جيبه لكن جميع الاوراق كانت من فئة المئة جنيه بدأ في البحث بينهم عن 50 جنيه وجدها لكن يد ندى كانت اسرع وسحبت ورقة فئة المئة جنيه وقالت ببتسامة خبيثة :

" والله ما انت كاسف ايدي "

رمقها بمقت وقال :

" حار ونار يا ندى يا بنت عايدة "

ابتسم الجميع عليه ليتحرك سليم ويقف امام قدر ويُمسك بيده ورقة مالية بفئة الـ 50 جنيه شعرت بالحرج منه وقالت :

" شكراً بس انا مش محتاجة "

ابتسم سليم وقال بهدوء :

" و تفتكري حد فينا مخلي ندى محتاجة حاجة عشان تطلب الفلوس دي الموضوع كله اننا فارحنين عشان مراد ولو مخدتيش الفلوس يبقا انتِ مش فرحانة ان مراد هيخطب "

ردت قدر بسرعة وقالت :

" لأ والله فرحانة "

ابتسم بهدوء وقال :

" يبقا تاخدي الفلوس "

اخذت منه المال و فعل احمد كما فعل سليم لتعلق قدر :

" لأ بلاش انت عشان متدعيش عليَّ "

قهقه احمد على حديثها ثم اردف بجدية :

" ندى دي اختي الصغيرة يعني لو طلبت عيني هديها لها وانتِ كمان زي اختي إلا بقا لو انتِ مش معتبرانا زي رحيم "

تكونت طبقة شفافة من الدموع في عينيها واخذت المال وهي تشعر بالسعادة الذي فقدتها منذ مدة ،ات دور مراد في دفع المال فتنحنح وقال وهو يستدير للخروج من المنزل :

" طب استأذن انا ،هروح الجامع اشوف لو فيه صلاة فاتتني ولا حاجة "

ولكن امسك به احمد وسليم من كتفه وقالوا في صوت واحد :

" ادفع يالا "

رسم ملامح الاستعطاف على وجه وقال بحزن مصطنع برع في اظهاره :

" يا جماعة انا عريس و على وش جواز "

ليعلق احمد ساخراً :

" ويعني انا اللي على وش ولادة "

ضحكت الفتيات عليه ليتحرك مراد ويعطيهن المال ويقول لهن :

" عشان انا العريس كل واحدة فيكم هتاخد 100 جنيه "

صفقت الفتيات بمرح ، ثم التفت مراد لـ سليم و احمد وقال :

" مين فيكم هياجي معايا يوم الاتنين ؟"

رد الاثنين في صوت واحد دون تفكير في سؤاله :

" أدهم "

عقدت قدر حاجبيه بستفاهم وقالت :

" اشمعنا أدهم يعني ؟!"

ومن أجابها على سؤالها هذا هو نفسه صاحب السؤال في البداية «مراد» :

"عشان ادهم اخونا الكبير حتى و هو و سليم قد بعض في السن بس بيعاملنا كلنا كأننا عياله و دايماً معانا وبيوقف جمب كل واحد فينا "

ابتسمت قدر على حديثه ليدخل ادهم المنزل ومعه رحيم ليقول مستعجباً من تجمعهم هذا :

" واقفين كده ليه ؟"

اردف مراد بسعادة بالغة :

" جدك وافق على الخطوبة يا ادهم "

 ابتسم بحب له وقال :

" لأنك راجل يا مراد و عارف يعني ايه حد يبقا مسؤال منكَ "

تبدلت ملامحه من الفرح للأندهاش وقال :

" ده تقريباً نفس الكلام اللي قاله جدك "

ابتسم وهو يضع يده الاثنين في جيوبه :

" يمكن عشان انا كلمته مثلاً "

ذاد تعجبه اكثر وقال :

" كلمته امته و ازاي وليه مقولتش ؟!"

رد عليه بثبات :

" كلمته الصبح بعد ما وصلت رحيم شغله ورجعت "

تنهد ثم تابع باقي حديثه :

" وما قلت لكش عشان لو ما كنتش قادر تواجه جدك وتقول له انك عايز تتجوزها يبقا إزاي هتقدر تواجه العالم ده كله عشان تكون لها راجل وتحميها ."

اتسعت ابتسامة قدر على حديثه هذا لتقع اعينه عليها وتلتقي عسليتها بخضروتيه شعرت بقشعريرة تجتاحها فأخفضت رأسها اما هو حول بصره بعيداً عنها حتى لا يُفسد صيامه لعدم غضه لبصره ، وأخيراً تحدث رحيم الواقف بينهم :

" الف مليون مبروك يا مراد "

تحدث مراد بسخرية :

" ايه مبروك اللي على الواقف دي ،مبروك عندنا بتبقا كده "

وفور انتهائه من جملته اخذه في عناق حار حيث كان وجه مراد ناحية ادهم وسليم واحمد اما وجه رحيم كان ناحية قدر وتحديداً ندى الذي كان ينظر لها بخبث وقال بهمس بالكاد سمعته ندى وهو مازال على نفس وضعه :

" عقبال اللي في بالي ما يغور من هنا"

كانت تنظر له بتهكم و تود ان تقوم بالرد عليه لكن لا تستطيع بسبب وجود إخوتها وابناء عمها.

تدخل احمد في الحديث واردف بمرح :

" يلا كل واحد فيكم يدي 50 جنيه لـ ندى وقدر بمناسبة خطوبة مراد زي ما كلنا عملنا "

اردف رحيم وعلى محياه ابتسامة خبيثة :

" بس كده من عيوني "

اقترب رحيم من اخته و قَبل رأسها ثم اعطاها المال اخذته منه ثم ضمته بقوة ليمسد هو على ظهرها بحنان ، ثم بعدها تحرك ليقف امام ندى التي تنظر له بأمتعاض وتشبك زراعيها امام صدرها كان يمد يده بالمال وقبل ان تعترض تحدث هو بصوت منخفض قليلاً لا يسمعه إلا هي:

" خُدي الفلوس من سكات بدل ما اقع بلساني و أعرف البيت كله انكِ فاطرة "

جحظت عينيها وشعرت بالذعر وقالت بتلعثم قليلاً :

" انا مش فاطرة انا...انا صايمة "

كانت ابتسامته الخبيثة تذداد رويداً رويداً وقال :

" لأ ما انا عارف ،بس متنسيش اني دكتور واكيد هيصدقوني عشان الحاجات دي مش صعب اعرفها "

توردت وجنتيها بشدة من الخجل والغضب أيضاً لتأخذ المال منه وهي تشعر بأن نيراناً تأكلها حية.
حان دور ادهم في اعطائهم المال اخرجه من جيبه ومد يده لـ ندى التي اخذته منه دون النظر له حيث كانت عيناها معلقة على رحيم الذي ترمقه بسهام نارية، وقف أدهم أمام قدر المحني رأسها وقال :

" اتفضلي "

رفعت رأسها ونظرت للمال واردفت بصوت عالي نسبياً :

" لأ الـ 50 جنيه دي قديمة "

نظر ادهم للعملة بيده وقال :

" مش معايا غيرها الباقي كله متينات "

اردفت وهي تمثل الحزن :

"مش مشكلة هاخدها و رزقي و رزقك على الله"

ابتسم أدهم متعجباً منها ثم قام بتديل العملة بفئة الـ 200 جنيه وقال :

" خدي دي جديدة اهي "

كادت ترفض حتى اشار لها بعينيه ان تأخذها ،اخذتها منه ثم تركهم وصعد الدرج وقال في نفس الوقت :

" انا طالع اغير هدومي عشان هروح اصلي العصر "

تحدث رحيم سريعاً :

" استنى يا ادهم خدني معاك اغير هدومي انا كمان وننزل نصلي في المسجد سوا."

صعد الاثنين للاعلى ثم التفتت قدر لـ مراد وسألته :

" هو جدي برا يا مراد ؟"

هز رأسه بالنفي وقال :

" لأ قبل ما ادخل هنا كان راح المسجد عشان يصلي "

فتدخل سليم في الحديث وقال :

" طب يلا بينا احنا على المسجد "

خرج الشباب ما عدا ادهم ورحيم وبقية قدر وندى يقفن معاً .

___________________________________

كان يشدد على خصلات شعره بقوة فـ بعد مرور ساعة او اكثر لم يعثر على ابنه ،كان يقف معهم مدير المول التجاري حاول ان يُهدأ من الوضع وقال :

" متقلقش يا دكتور هنلاقي ابن حضرتكَ ،بس ممكن تيجي معانا ونشوفه في كاميرات المول"

كان اسر وهو يشعر انه فقد توزانه فأكثر شخص يحبه في هذه الحياة ومن بعده رحيم هو ابنه زين ،كان يشعر كأنما اقُتلع قلبه من قفصه الصدري وتهشمت عظمة القص ولم يبقى سوى فراغ مظلم،لكن فجأة عاد كل شيء كما كان عندما قالت وردة بثقة :

" انا عارفة هنلاقي زين فين "

انتبه لها الجميع وبما فيهم علا التي كانت على وشك البكاء فـ هي السبب في فقدانه ،وقبل ان يسألها احد ركضت وردة والجميع خلفها واقصد هنا بالجميع اسر و علا.

بعد دقائق من الركض وقفت وردة امام مبنى في المول وتوقف الجميع بعدها ثم قالت :

" زين هنا ،ادخل شوفه انت يا اسر عشان مش هينفع ندخل معاك انا و علا. "

لم يعترض اسر على حديثها وقام بتنفيذ ما تقوله كأنه مغيب عن الوعي لا يدري ما يحدث حوله ،لكن هناك من اعترضت وودت ان تفهم لما تظن وردة ان زين سوف يدخل هذا المكان :

"ايه اللي مخليكِ حاسة ان زين هيكون في المسجد هنا "

اردفت وردة بثقة وهي تنظر للمسجد وتتمنى ان يصدق حدثها :

" انا مش حاسة انا متأكدة"

خلع اسر نعليه ودخل المسجد لتهدأ ضربات قلبه قليلاً لكن خوفه على صغيره لم يختفي كلياً رفع كفيه في السماء وبدأ في التضرع لله وكان من يتكلم قلبه حيث لسانه لم يقدر ان ينطق بحرف ،جُث على ركبتيه واخفض رأسه واجهش في بكاء مرير وشعر انه فقد إبنه لكن عادت له الحياة من جديد عندما سمع صوت غريب لكن ليس غريب بالنسبة له رفع رأسه يبحث في المكان عن هذا الصوت،

التفت كثيراً حتى رأه يجلس في ركن بعيد نوعاً ما يفتح مصحفاً يقرأ منه وكان هذا الصوت بسبب متلازمة توليت المصاب بها ،ركض اسر ناحيته واخذه في حضنه وبدأ يقبل رأسه ووجه وكل إنش به ومع كل قُبلة يضعها على رأس وجسد زين يحمد الله بداخله .

سأله زين وهو يشعر ان هناك خطب ما بوالده :

" مالك يا بابا انت كويس "

هز رأسه كثيراً بمعني نعم واجابه :

" كويس يا حبيبي كويس طول ما انت كويس"

ثم اكمل بعتاب :

" بس كده يا زين تيجي المسجد من غير ما تقول لبابا وتقلقني عليكَ"

وقبل ان يجيبه اصدر هذا الصوت وقال :

" انا رحت مع طنط علا الحمام بس هي اتأخرت كتير ومجتش ،وانا مش بحب افضل لوحدي مشيت عشان اجاي عندكم توهت ومعرفتش اعمل ايه "

هدأ اسر قليلاً وقال :

" و ليه ما فضلتش مكانك كنا لقيناك بسرعة "

هز رأسه بالنفي وقال بصوته الطفولي :

" لأ يا بابا عشان مس وردة قالت ان لو حد مننا تاه اول مكان يروحه هو المسجد ،ده حتى قالت ان في اشخاص كبيرة بتوه في الدنيا ومش بترتاح غير لما تيجي المسجد وبيعرفوا الطريق وانا عملت زي ما مس وردة قالت كده انا شاطر يا بابا صح ؟!"

اخذه في حضنه وقال وعلى محياه ابتسامة :

" اشطر ولد واشطر زين يا زين "

في الخارج كانت علا تشتعل غيظاً من هدوء وردة وقالت :

" عايزة اعرف ايه مخليك واثقة اوي كده انه هيلاقي..."

لم تكمل كلامها وفتحت فمها بصدمة عندما رأت اسر يخرج من المسجد ومعه إبنه اقتربوا منهم لتحتضنه وردة وقالت وهي مبتسمة :

" حمدالله على سلامتكَ يا زين "

داعبت خصلات شعره ثم وقفت لتقابل اسر الذي قال :

" انا مش عارف اقول ايه لأن كلمة شكراً قليلة عليكِ"

فتحت علا عينيها وفمها بصدمة لتنكزها وردة في قدمها بخفة ثم اردفت :

" العفو انا معملتش حاجة"

تحدث اسر قائلاً :

" لأ عملتي لأن بسبب كلامكِ مع زين انا مش عارف كنت هلاقيه ولا لأ "

ابتسمت واضافت بهدوء :

" كنت هتلاقيه لان دي ارادة ربنا وما احنا غير اسباب ،والحمدالله انه رجع بالسلامة ،عن اذنك هنمشي احنا عشام اتأخرنا"

اومأ بتفهم لترحل وردة ومعها شقيقتها علا التي شعرت بالفضول يخنقها، اما اسر كان ينظر في اثرهن والابتسامة لم تغادر وجه.

___________________________________

كانت تنتظره داخل المنزل حتى تتحدث معه بشأن عملها ،و بالفعل اول من حضر منهم للبيت كان زكريا المنشاوي و عندما رأته قدر ركضت اتجاهه وعلى محياها ابتسامة كبيرة :

" ازيك يا جدو "

ابتسم زكريا عندما رأها وقال :

" الحمدلله يا قلب جدو"

وقفت تفرك في يديها بتوتر وتنحنحت حتى تبدأ في الكلام.

ثم تابع حديثه هو:

" شكلكِ بيقول انكِ عايزة تقولي حاجة "

توسعت اعينها من الدهشة وقالت :

" حضرتك عرفت إزاي"

ابتسم اكثر واقترب منها وقال :

" تعالي نقعد الأول واحكي ليَّ عايزة ايه؟"

وضع زراعه على كتفها وتحرك الإثنين ليجلسوا على أريكة كبيرة امام البوابة الكبيرة للمنزل و اول من تحدث هو عندما طرح سؤاله :

" ها يا ستي عايزة ايه؟"

كانت تجلس تقريباً في أحضانه تنهدت ثم قالت :

" بصراحة يا جدو انا عايزة اشتغل ، انا في سنة رابعة كلية تجارة وبحب كُليتي اوي و عايزة اروح اي شركة و اشتغل فيها منه بسلي وقتي بجانب الدراسة ومنه بدرب لبعدين ،وبصراحة ندى اقترحت عليَّ اشتغل مع احمد في الشركة اللي بيشتغل فيها "

أومأ لها ثم اردف :

" و انا موافق يا ستي بس بشرط "

انتفضت سريعاً وقالت :

" وانا موافقة على الشرط "

تعجب من فرحته هذه وقال :

" طب استني لما تعرفي الأول ،الشرط انكِ تشتغلي مع عيال عمك في شركتهم مش هينفع يبقا عندنا شركة وتخرجي تشتغلي برا "

انكمشت ملامحها وقالت مُفسرة :

" طب ما أحمد مش بيشتغل معاهم اشمعنا يعني "

استنشق الهواء من حوله وقال بهدوء :

" ومين قال ان احمد ما كنش شغال معاهم ،احمد كان الضلع التالت للشركة واشتغل في الشركة الحالية عشان صاحب الشركة يبقا ابن عمي واللي كانوا بيشتغلوا عنده كانوا بيسرقوه ،شاف احمد وطلب منه يشتغل معاه ولأن احمد شاطر جداً في شغله مسكه حسابات الشركة كلها وهو مطمن وكل شوية يترقى مع ان لسه سنه صغير "

أومأت بتفهم وقالت :

" ايوة فين المشكلة "

تحدث زكريا قائلاً :

" بسبب منصب احمد في الشركة مش هيعرف يخلي باله منكِ إنما مع عيال عمكِ انا هكون مطمن عليكِ "

هَمت لتعترض على حديثه لكن قاطع حديثهم معاً دخول أدهم ومعه رحيم ،اشار لهم جدهم بالاقتراب تحركوا ناحيتهم وكلاً منهما قَبل يد زكريا الذي قال و هو يقف :

" أدهم بت عمك هتشتغل معاكم في الشركة اتكلم معاها وفهمها تعمل ايه ؟"

ظهرت علامات الدهشة على الوجوه وقبل ان يتكلم احد اكمل زكريا باقي حديثه و هو ينظر لـ رحيم :

" و انت يا رحيم يا ولدي تعالى معايا الجاعة عشان عايزك "

اومأ له ليتحرك زكريا وخلفه رحيم و تبقى أدهم وقدر التي تبتسم بأحراج ليتنهد أدهم وقال بهدوء :

" وانتِ عايزة تشتغلي ليه ؟"

اردفت بسرعة و دون تفكير :

" عشان الفلوس "

قطب جابينه بتعجب منها وقال :

" اركني الفلوس على جمب دلوقت ،وقولي ليَّ عايزة تشتغلي ليه"

ردت قائلة :

" عشان اللي انت لسه راكنها على جمب دي"

ظهرت ابتسامة طفيفة على وجهه لكن برع في اخفائها وقال :

" طب حضرتك معاكِ مؤهل ايه ؟"

" انسانة جدعة"

كانت تجيبه بكل جدية اما هو لو كان شخص اخر لفقد اعصابه عليه لكن هو كل ما دار بذهنه كيف لشخص مثلها مرح يحب الضحك أن يكون مصاب بمرض نفسي كـ الاكتئاب.

حمحم وحاول ان يبقى هادئاً :

" قصدي انتِ خريجة ايه ؟"

شعرت بالحرج لكن اخفته واردفت بثبات:

" لأ انا مش خريجة انا طالبة لسه في كلية تجارة "

ظهرت منه همهمة بسيطة وقال وهو يشبك زرعيها أمام صدره ليطرح سؤالاً اخر عليها :

" بتعرفي تحسبي"

اردفت بغرور مصطنع وقالت :

" اه طبعاً"

ليرد عليها بسؤال غيره :

"2 على 1 كام (2/1) ؟"

وللمرة الثانية تفتح فمها دون ذرة تفكير منها وقالت :

" مش رجولة "

عقد حاجبيه ونظر لها بتعجب وقال :

" انتِ بتقولي ايه؟!!"

اخذت نفساً عميقاً وقالت :

" بُص هو انا طول الوقت عندي إحساس إني شخص شاطر ويجي مني، بس يجي إيه وإزاي وامتي مش عارفة بقى."

نظر لها ولجسدها الصغير وقال :

" وانتِ هتقدري تشتغلي وتدرسي في نفس الوقت ؟!"

اجابته هي وعلى محياها ابتسامة كبيرة وبكل ثقة تقول :

" لأ ما يغركش شكلي ده ،ده انا Strong independent woman."

زفر الهواء من فمه وقال :

" هنشوف ده لما تيجي الشركة بكره "

شعرت بالسعادة تتدفق في شريانها بدلاً من الدم وركضت من أمامه حتى تخبر سلمى بهذا النبأ السعيد.

___________________________________

كان يجلس منتظر منه ان يتحدث حتى شرع هو وبدأ في الحديث :

" خير يا جدي ؟"

كان يتأمل ملامح حفيده والدموع ترقرق في عينيه ،تنهد بقوة وقال :

" ابوك فين يا رحيم ؟"

لم يفهم صيغة السؤال فأردف بهدوء :

" مش فاهم قصدك يا جدي ؟!"

ابتلع الغصة في حلقه وجاهد حتى لا تخرج دموعه وقال :

" فين قبر ابوك عايز ازوره "

اومأ بتفهم ورد قائلاً :

" تمام انا ممكن اوصل حضرتك لهناك ونزوره سوا بس استأذنك اطلع اغير هدوم البيت دي واجاي معاك."

ربت على ظهره بحنان ورد معترضاً :

" لأ خليها لبكره ،انا شايف انكَ جاي تعبان من الشغل "

ابتسم وقال بهدوء :

" اللي تشوفه يا جدي ،وانا تحت أمرك في اي وقت "

خرجت دمعة شاردة من عينه حاول اخفائها وقال :

" ما تيجي في حضن جدك يا واد "

اتسعت ابتسامته والقى بنفسه بين احضان جده الذي ضغط على ظهره بقوة كاد رحيم يتحدث فقد ألمه قليلاً لكن صمت عندما تحدث زكريا دون وعي منه وقال :

" وحشتني يا حسن ووحشني صوتك يا ولدي"

لم يقدر ان يقول شيء غير انه شدد من عناقه ،وتمنى بداخله لو ان والده موجود معهم الآن لكن من يعلم فكل ما يحدث لنا هو بالتأكيد خير وهناك مقولة تقول:

 « هناك خير في كل شر لا يعلمه إلا الله».

___________________________________ 

زفرت الهواء بضيق لتتحدث بضجر :

" انا تعبت من التنضيف "

ابتسمت هبة على ابنة خالتها وهي تقوم بمسح المائدة ثم اردفت :

" خلاص هانت يا سرسور قربنا نخلص "

جلست تأخذ نفسها وقالت وهي تنظر لسقف المنزل :

" خالي لطفي وحشني هو و طنط هناء والبت نورهان و نور"

ثم نظرت لـ هبة وقالت :

" هما دلوقت بقوا في سنة كام ؟"

انتهت هبة من التنظيف وذهبت لتجلس جوارها ثم اردفت :

" التؤم العسل دول داخلين السنة الجاية اولى إعدادي "

تذكرت اسراء شيء وقالت :

" اه صح ،حتى انا سمعت ماما بتكلمه في الفون وقال انه مش هيعرف ينزل اول رمضان غير لما البنات يخلصوا امتحانات عشان السنة مترحش عليهم "

خرجت عليهم فاطمة وهي تصيح :

" انتم لسه مخلصتوش ،خالكم جاي بكره من السعودية لازم لما يرجع يلاقي شقته نضيفة "

ردت هبة بتذمر :

" والله يا خالتو بنضف احنا بس بناخد نفسنا ،الشقة مقفولة من فترة بردو"

تنهدت فاطمة واضافت :

" انا هروح شقتنا اللي قصادكم هجيب حاجة و ارجع الاقيكم خلصتوا فاهمين "

وقفت اسراء وهبة ليحركوا رؤاسهن إيجاباً مع ابتسامة مرحة على وجوههن و اول من تحدثت كانت هبة :

" انا خلاص قربت اخلص اللي بعمله "

نظرت لها اسراء ثم والدتها وقالت :

"وانا مفيش غير السجادة هغسلها ويبقا خلصت "

تحدثت فاطمة بخوف وقلق على ابنتها وقالت :

" لأ انا اللي هغسل السجادة ،لازم تخلي بالك يا حبيبتي عشان اللي في بطنكِ ،و لو تعبتي ارتاحي انتِ"

ابتسمت اسراء على حب وحنان أمها وهزت رأسها بمعنى حسناً، خرجت فاطمة من هذه الشقة لتدخل الشقة المقابلة لهم ثم تحدثت هبة لتذكرها بحديثهم السابق:

" مش قلت لكِ ان خالتو قلبها ابيض و طبية وهتسامحكِ "

وافقتها في الحديث ثم تحدثت بمرح :

" بس ايه رأيك في الطيب التاني "

كانت هبة تعلم انها تقصد مراد بحديثها هذا لكن تصنعت اللامبالاة وقالت :

" مين ده انا مش فاهمة قصدك مين؟"

تحدثت وهي تنظر لها بمكر :

" يابت عليَّ انا بردو ،قصدي على مراد "

شعرت بالتوتر قليلاً لكن اردفت بثبات زائف :

" ايوة انا مالي بمراد مش فاهمة ؟"

ابتسمت اسراء وقالت بثقة :

" اقطع دراعي من هنا ان ما كان الواد ده الهوا رماه "

كانت تربت على كتفها بقوة وقالت :

" انا بقول نكمل تنضيف احسن"

ثم تركتها هبة ودخلت احدى الغرف لتقوم بتنظيفها فتحدثت اسراء بصوت سمعته هبة :

" بكره تقع يا جميل"

___________________________________

كان يصعد الدرج ذاهباً إلى شقتهم في الطابق الرابع حتى وجدها تخرج من شقتهم وتحمل بين زراعيها كتاب قرر تجاهلها لكن اوقفه صوتها المنادي عليه :

"دكتور رحيم ؟"

توقفت ارجل رحيم عن صعود الدرج ليستدير لها حتى تصبح هي أمامه رغم قصرها حيث كان فارق الطول كبير بينهم نظراً لأنها قصيرة ليزفر الهواء من فمه بملل وقال :

" خير يا ندى ؟"

كانت تنظر له مبتسمة الوجه تعجب هو من ذلك لكن تصنع حالة عدم الإهتمام للتتحدث ندى بجدية :

"بما انكَ دكتور ما عندكش علاج للحالة بتاعتي"

عقد حاجبيه ونظر لها بتمعن ليجد أنها تتحدث بجدية ثم تحدث مستفسراً :

" ليه انتِ عندكِ إيه؟!"

نظرت للكتاب الذي تحمله بين يديها واجابته بنفس الابتسامة :

" اصل انا كل ما امسك الكتاب عشان اذاكر يغمى عليَّ ،ما عندكش علاج للحالة دي يا دكتور"

تحولت ملامحه للدهشة وانتبه لها عندما سمع قهقهاتها على تعبيرات وجه ليفهم انها تحاول استفزازه كما يفعل هو معها،تنفس بقوة واردف بهدوء :

" هو للأسف معنديش بس ممكن اعمل لكِ استئصال لسان وعشان انتِ بنت عمي هعمل لكِ Offer ونشيل المرارة مع اللسان بالمرة و لو اتزنقنا اوي ممكن نشيلكِ انتِ خالص ونريح البشرية منكِ "

اختفت الابتسامة من على وجهها لتتحول ملامحها إلى الغضب ثم قالت وهي تنظر له بشر:

" يشلوكَ على ابو أربعة انا قاعدة على قلبك مربعة"

تنفس الهواء بقوة واردف بعدما رسم ابتسامة مزيفة على وجهه :

" انا روحت اشتري ساعة سودة ملقتش اسود من الساعة اللي عرفتكِ فيها."

"انت Tiamo "

خرجت منها هذا الكلمة ظناً منها انها توبخه كما نعتها بها في السابق ليبتسم بخبث واردف بنبرة ماكرة:

" وانتِ ماياموري "

                  ...لسه الحكاية مخلصتش...

#صدفة_ام_قدر

#العشق_الخماسي

#سميه_عبدالسلام

الفصل الثامن عشر من هنا

 

تعليقات



×