روايه عروستى ميكانيكي الفصل التاسع عشر بقلم سماء نور الدين
- طلبتي السيكيورتي ليه ؟!!
ضاق مابين حاجبي إيمان وهمست لنفسها تسب السكرتيرة :
- آه يا بنت اللذينا يا فتانة .
هبت واقفة وضربت سطح المكتب بقبضتها وهي تقول غاضبة :
- هي الحلوة اللي برة دي ، أنت مشغلها مخبر لحسابك ولا حاجة !!
استدار إبراهيم حول المكتب ووقف بقبالتها وهو يقول من بين أسنانه بغيظ :
- طالبة السيكيورتي ليييه يا إيمان ؟!!
وقبل أن تجب سمعا الإثنان طرقاً خفيفاً فوق سطح الباب ، فنظر الإثنان ناحية الباب ونطقا معاً :
- خش .. ادخل .
لينظر الإثنان لبعضهما ويتبادلا بينهما نظرات غضب قاتلة ، دلف للمكتب عامل الكافتيريا الخاصة بالشركة حاملاً بين يديه صينية مملوءة ببعض الشطائر وكوب من الشاي .
وقف العامل يتأملهما هما الإثنان فأشار له إبراهيم بأن يضع ما يحمله فوق المنضدة الصغيرة التي تقع أمام الأريكة ، انصاع العامل لإشارة صاحب العمل وأسرع بخروجه ، ليلتفت إبراهيم برأسه نحو إيمان التي أسرعت بقولها وهي تنظر للشطائر :
- إيه دا ؟!!
أجابها إبراهيم :
- مش قلتي جعانة وعايزة تفطري .
حاولت إيمان أن تتخطاه وهي تقول :
- طب وسع كدة قبل الشاي مايبرد .
أمسك بمرفقها يمنعها من المرور وهو يردد بإصرار :
- طلبتي السيكيورتي ليه يا إيمان ؟!!
نفضت ذراعها عن يده وهي تنظر له بتحدي وتقول :
- طلبته عشان يجيبلي سندويتشات فول وطعمية زي اللي شوفتها معاهم ، ارتحت حضرتك دلوقتي .
رفع إبراهيم رأسه لأعلى ينظر للفراغ أمامه ليستعب ماقالته ، فأستغلت إيمان تلك الفرصة وتخطته مسرعة نحو الأريكة لتجلس فوقها وتمد يدها نحو الشطائر تتفحص عما بداخلها ، التوت جانبي شفتيها وقالت بنزق :
- ماشي الحال كل نعمة ربنا حلوة .
اعتدلت بجلستها فوق الأريكة وقالت بحسرة وهي تصدر صوتاً بشفتيها :
- كان زماني دلوقتي قاعدين أنا والواد بلاطة قدام الورشة بنضرب أجدعها سندويتشات فول وطعمية وكوبيتين شاي سخنين ، يااااه كانت أيام .
التفت إبراهيم ناحيتها ممتعض الوجه وأخذ يلوح بيده ويقول بصوت حاد :
- أنتي مش عاجبك هنا ، ووحشتك القعدة هناك في الحارة .
كانت تأكل غير آبهة بحديثه ثم ترتشف الشاي بأريحية وتقول :
- والله كل واحد وكيفه ، أنا القعدة وسط ورشتي في الحارة بالدنيا كلها .
تنهد بإستسلام وهز رأسه يميناً وشمالاً ثم اتجه إليها ليجلس بجانبها وهو يقول :
- ما علينا المهم دلوقتي إن مستر نبيل أستاذ اللغة العربية هيوصل بعد شوية ، وأتمنى تكوني أد المسئولية يا إيمان هانم .
التهمت الشطيرة الأخيرة بكاملها ثم قالت بنزق وبملامح وجه متجهم :
- والله أنا ما عارفة إيه لازمة عم المستر اللي جاي دا ، مانا بتكلم عربي زي الفل أهو ، ولا أكونش بتكلم هندي وأنا مش واخدة بالي .
منع إبراهيم نفسه بشق الأنفس من أن يخنقها فضرب فخذيه بكلتا كفيه وهب واقفاً يقول بصوت حاد وهو يلتفت اليها واضعاً كفيه بجيبي بنطاله :
- أظن إنك فعلاً مش واخدة بالك ، بس من حجم المشكلة اللي بتواجهنا يا بنت عمي ، لكن اللي متأكد منه إنك عند كلمتك ، صح ولا أنا غلطان ؟!!
رفعت عينيها لأعلى كي تقابل عينيه وتقول :
- ها .. لا طبعاً مش غلطان ، وإن شاء الله نخلص من المشكلة دي على خير .
سمعا الإثنان طرقاً على الباب لتدخل السكرتيرة بعدها موجهة حديثها لإبراهيم قائلة :
- مستر نبيل برة وطالب مقابلة حضرتك حسب المعاد يا إبراهيم بيه .
وقبل أن يجيبها إبراهيم ، صاحت ايمان بصوت قوي وهي تنظر شزراً للسكرتيرة :
- ألا قوليلي يا أبلة ، وأنتي في المدرسة مخدتيش في حصة الدين إن الفتان بيروح النار .
هزت السكرتيرة رأسها بعدم فهم وهي تنتقل بعينيها بين إيمان وإبراهيم الذي أسرع بقوله :
- اتفضلي أنتي يا ليلى وخلي مستر نبيل يتفضل
خرجت ليلى مسرعة ، فأمسك إبراهيم بمرفق إيمان لتقف بقبالته وهو يقول بحزم :
- ليلى بتكون سكرتيرتك يعني هي هنا لمساعدتك وتنفيذ طلباتك وفي نفس الوقت لو شافت إن الأمر يحتاج إني أتدخل بتتصل بيا ، فهمتي ؟!
أجابته وهي تنفض مرفقها :
- فهمت .
دلف رجل يبلغ من العمر حوالي خمسون عاماً داخل المكتب ، ليتجه إبراهيم إليه مادداً له يده لمصافحته وهو يقول :
- أهلاً مستر نبيل .
ليجيبه الرجل بحماس :
- أهلاً بحضرتك إبراهيم بيه ، أنا جيت حسب الموعد .
أشار إبراهيم لإيمان لتتقدم ناحيتهما وقال :
- أعرفك بتلميذتك النجيبة ، إيمان مراتي .
استطرد إبراهيم قوله وهو ينظر لإيمان :
- أعرفك مستر نبيل يا إيمان أستاذ اللغة العربية .
انتقل نبيل بعينيه لإيمان ومد يده بالمصافحة وهو يقول :
- أهلا إيمان هانم اتشرفت بحضرتك .
صافحته إيمان بقوة وقالت وهي تهز يده بحماس :
- يا ألف أهلاً وسهلاً بأستاذ الأساتيذ كلهم ، نورتنا يا حج والله .
اختفت الإبتسامة من وجه نبيل وتم استبدالها بعلامات التعجب الشديد ، ولم يجبها إلا بهز رأسه ببلاهة كبيرة ، تنحنح إبراهيم بصوت عال بعد أن شعر ببعض الحرج وقال وهو يتجه للمنضدة دعوة منه للجلوس حولها :
- اتفضلوا هنا .
جلس كل منهما بقبالة بعضهما ، واستأذنهما إبراهيم وخرج من الغرفة داعياً الله في سره أن يتم الأمر على خير دون مصائب .
رسم الرجل ابتسامة باهتة فوق شفتيه ثم قال :
- قوليلي يا بنتي ، أنتي معاك شهادة إيه ؟!
ابتسمت إيمان وهزت رأسها ورفعت يدها لأعلى لتفتخر بما ستقوله :
- دبلوم صنايع قسم كهربا أد الدنيا .
اقتربت منه بعد التفتت برأسها يميناً وشمالاً بترقب وتوجس ، وهمست قائلة بصوت خافت :
- ألا قولي يا أستاذ مستر نبيل ، هو الواحد إمتى يعرف أنه بقى بريمو في العربي وعشرة على عشرة ومحدش أده .
أمسك بنظارته لتعتدل فوق عينيه وقال بصوت هادئ قوي وبنبرة صوت يملؤها الثقة :
- شوفي يا بنتي هتعرفي أنك كويسة في اللغة العربية اول ما تلاقي نفسك بتعرفي تقري وتفهمي كلمات القصيدة الجاهلية للشاعر الليث بن فاز الغضنفري .
كانت تنظر له بأعين متسعة وفاه مفتوح ، تهز رأسها من أعلى إلى أسفل ببلاهة وهي تقول :
- يا صلاة النبي والحج ابن فايزة الغفير ، كان بيقول إيه لموأخذة .
ابتسم وقال وهو يمط شفتيه :
- يا لسخرية القدر ، بقى الليث بن فاز الغضنفري في الزمن دا بقى اسمه الحج ابن فايزة الغفير ، ما علينا يا بنتي اسمعي وركزي معايا اول بيت بالقصيدة بيقول إيه ..
- ومدركل بالشنصلين تجوقلت -
- عفص له بالفيلطوز العقصل -
رمشت بعينيها عدة مرات وقالت :
- يا دين النبي تصدق بالله يا أستاذ مستر نبيل أنا أول مرة اعرف إن الشعرا أيام الفراعنة كانوا بيقولوا كلام كبير كدة عن البرباطوز .
اقترب منها هو هذه المرة وهو يقول بصوت جاد :
- تصدقي أنتي بالله إني ماشوفتش ولا هشوف واحدة عبقرية في اللغة زيك يابنتي .
رجعت بظهرها للوراء وهي تربت فوق صدرها والابتسامة تفترش وجهها ، فقالت بإمتنان :
- توشكر يا ذوق يا أستاذ الأساتيذ ، والنبي إبقى بلغ الباشا لحسن دا فاقد الأمل فيا خالص .
أجابها المدرس وهو يقول بجدية :
- لا إزاي ، مالوش حق .
استندت بذراعيها فوق سطح المنضدة الكبيرة ومالت برأسها للأمام وهي تقول متسائلة :
- ألا قولي يا عم الحج ، قصدي يا أستاذ مستر نبيل هي عربية حضرتك ماركتها إيه ؟!
رمش الرجل بعينيه عدة مرات وقال مستغرباً :
- عربيتي أنا !!!
ضحكت إيمان ضحكة خافتة وقالت وهي تلتفت برأسها يميناً وشمالاً وقالت :
- هو في حد تاني هنا غيرك لموأخذة ، أيوة ياحج عربيتك أنت .
مط الرجل شفتيه للأمام وقال وهو يهرب بعينيه بعيداً عن نظراتها إليه :
- عربية صغيرة كدة على أد الحال 128 .
رفعت إيمان حاجبها وقالت :
- هي صغيرة آه ، بس جامدة وبتستحمل أنت بس تغيرلها كل فترة زيت بس يكون زيت من النوع النضيف وهي هتعيش معاك من غير ما تشتكي كتير ، وع العموم لو اشتكت .
أشارت لنفسها بيدها وقالت بصوت قوي :
- محسوبتك موجودة في أي وقت ترجعهالك وأكنك مستلمها جديدة نوڤي .
ازدادت علامات التعجب بملامح الرجل وقال :
- أفندم !!
قطع الحديث بينهما هاتف الرجل الذي صدح رنينه عالياً ، لتقف إيمان وتقول :
- على ما ترد حضرتك أكون وصيتلك على كوباية شاي .
فغر الرجل فاهه وهو يتبعها بنظراته وهي تتجه ناحية الباب ، ليعود لوعيه بمعاودة صياح رنين الهاتف ، فتحت إيمان الباب وقالت وهي تشير للسكرتيرة بيدها :
- ليلى .
هبت ليلى لتقف ثم أسرعت بخطواتها نحو إيمان التي قالت :
- مش اسمك ليلى بردو .
هزت ليلى رأسها وقالت :
- أوة يا إيمان هانم ، اؤمري حضرتك .
ردت إيمان :
- ياختي الأمر لله ، هو أنا كنت زعلانة منك عشان فتنتي عليا بس خلاص المسامح كريم ، اوعي تعمليها مرة تانية ، المهم ابعتي هاتيلنا كوبايتين شاي .
كادت إيمان أن تلتفت ولكنها أسرعت لتنظر لليلى التي تحدق بها ، وقالت :
- بعد شوية في آنسة هتيجي ومعاها ولد صغير هي اسمها عزة ، أول ماتيجي تدخليها على طول بلغيهم تحت عشان يدخلوهم اوعي تنسي ، واوعي تفتني تاني أنا بقولك أهو .
استدارت إيمان وأغلقت الباب بوجه تلك التي تقف واجمة ، رفعت ليلى رأسها لأعلى وكانها تستنجد قائلة :
- أعمل إيه بس يا ربي .
جلست بمكتبها وعملت بما يلزم ولكن هذه المرة دون إبلاغ إبراهيم بشيء ، اتجهت إيمان ناحية المنضدة فسمعت الرجل يقول عبر هاتفه :
- معلش يا حبيبتي استحملي شوية ، أهم حاجة أخدتي العلاج في معاده ، هانت أهو أنا غصبن عني إني مش معاكي بس أهو بحاول أجمع الفلوس اللازمة ادعيلي يا أم العيال ادعيلي .
نظر أمامه ليجد إيمان تجلس بقبالته بتوجس ، فأستطرد قوله بصوت خافت :
- طب سلام دلوقتي ، لا .. لا مش هتأخر عليكي في رعاية الله .
ابتسمت إيمان وهي تقول :
- ألف سلامة على المدام ، معلش أنا سمعت حضرتك بتقول إنها أخدت العلاج ، مالها ألف سلامة عليها .
وضع الرجل الهاتف بجيب سترته وقال بنبرة صوت حزينة :
- أصلها حامل ، وحملها المرادي صعب أوي مكانش في الحسبان خالص موضوع الحمل دا ، إحنا عندنا تلات أولاد في مدارس وجامعات ، بس أمر الله نفذ هي المفروض تكون بالمستشفى اللي بتابع فيها دلوقتي مع الدكتورة بتاعتها ، لكن الظروف يعني صعبة شوية ، الأولاد ودروسهم والله المستعان .
توقف الرجل عن حديثه وحاول أن يكون ثابتاً وهو يقول :
- أنا آسف يا بنتي شيلتك همي ، يالا نبتدي الدرس .
هبت واقفة واتجهت لمكتبها لتمسك بحقيبتها ، أخرجت منها مبلغاً من المال واقتربت من الرجل الذي كان ينظر لها بتعجب .
أمسكت إيمان بكف الرجل ووضعت به بضعة ورقات مطوية من المال وقالت بتصميم ونبرة صوت قوية :
- وعزة جلال الله لتاخد الفلوس دي وتروح تأخد المدام على المستشفى على طول متستناش .
نظر الرجل لكف يده التي أطبقت عليه يد إيمان ، ثم رفع نظره إليها ليجدها أمسكت بالقلم وأعطته إياه وهي تقول :
- اكتب هنا حضرتك ، اسم المستشفى واسم المدام ، وإن شاء الله هتقوم بالسلامة هي واللي في بطنها ، اكتب يا أستاذ .
ظل الرجل محدقاً بها إلى أن رفع يده إليها وقال :
- أنا مستحيل يا بنتي أقبل بحاجة زي دي ، اتفضلي فلوسك .
اقتربت منه إيمان وقالت بعد أن أنزلت بيد الرجل جانبه :
- يا أستاذ لو حضرتك معتبرتنيش زي بنتك ، فأنا اعتبرتك زي أبويا ، الناس لبعضها يا أستاذ واوعي تفتكر إن الفلوس دي صدقة ولا حاجة ، لا يا عم الحج دا عربون للدروس الجاية إن شاء الله ، ومش دروس ليا بس ، لا .. دا حضرتك هتدرسلي أنا والبت لوزة والواد بلاطة ، وخصوصاً الواد بلاطة دا عشان حمار في العربي يعني هتتعب معاه أوي ، وهتستحق أكتر من الفلوس دي عشر مرات .
ابتسم الرجل بإمتنان لها وقال وهو يهز رأسه :
- أنا .. أنا مش عارف .. .
أسرعت إيمان بقولها :
- يالا يا أستاذ اكتب اسم المدام والمستشفى .
أجابها الرجل بعد أن كتب بالورقة ماطلبته منه :
- ربنا يبارك فيكي يا بنتي .