رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم سميه عبد السلام



رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم سميه عبد السلام 





البارت 24

كانت تحلق في سماءٍ عالية كـ الفراشة التي تحررت من سجنٍ مظلم ضيق لتوها،لكن لم يستمر التحليق كثيراً لتجد أجنحتها قد مُزقت، من الحزن و تذوقها لمرارة الفقد.

تجلس على فراشها في المنتصف تضم ساقيها إلى صدرها و تحيط ساقيها بذراعيها ،تنظر امامها لا تفعل شيء سوى ان تزرف الدموع بقهر ،و يترص حولها الفتيات ينظرن لها بحزن نبع من قلوبهن على حالة هبة التي وصلت إليها بعدما وجدت اسراء لا تتحرك لتحرك هي رأسها نفياً وانها لم تم'ت اسرعت تنادي على الجالسين بالخارج.

ولم يكن بوسعهم فعل شيء سوى الإتصال على رحيم ليطمأن على إسراء لكن لم يأتي رحيم بمفرده بل ات ومعه زكريا المنشاوي و مراد.

"ها يا رحيم يابني طمنا الله يبارك لك"

خرجت هذه الجملة من زكريا يحث حفيده على التحدث ،نظر رحيم إلى فاطمة التي تبكي بصمت وتحتضنها هناء تطمأنها بأنها ستكون بخير لكن صدم جميع من بالغرفة عندما اخفض رحيم رأسه وقال وهو يضع الغطاء على وجه اسراء النائمة لكن نوم لا رجعة فيه :

" البقاء لله"

صرخة دوت في المكان اطلقتها فاطمة وهي تصرخ على ابنتها :

" بنتي"

ركضت تجلس جوارها على الفراش واشاحت بالغطاء من على وجه ابنتها بعيداً وقامت باحتضانها وتقول بعدم تصديق لما يحدث :

" لأ إسراء بتشوف معزتها عندي ،وهي عارفة اني مقدرش اعيش من غيرها صح يا إسراء؟،قولي لهم انكِ بتعملي فيَّ مقلب"

توقفت عن الحديث تسألهم متعجبة :

" هي مابتردش ليه؟ ما بترديش ليه يا إسراء"

اقتربت منها هناء التي لم تستطع التحمل اكثر تجذبها من ذراعها حتى تترك إسراء واردفت من بين بكاءها :

"كفاية يا فاطمة ،انتِ كده بتعذبيها اكتر"

و لأول مرة يبكي فيها لطفي بقهر ووجع على فقدان ابنة شقيقته ،ربت زكريا على ظهره وهو يدعو الله الرحمة والمغفرة لها فـ هي لا تحتاج لشيء الآن سوى الدعاء.

لاحظ مراد الواقفة عند الباب ولم تنطق بحرف ،يبدو انها شلت اقدامها عن الحركة ،شعر مراد ان هذا الهدوء لا ينذر بالخير حتى وجدها تفقد وعيها وقبل ان ترتطم بأرضية الغرفة اسرع إليها مراد وضمها إليه بقوة وانسحب من غرفة اسراء بهدوء ودخل احدى الغرف العشوائية التي لم تكن سوى غرفة فاطمة ،و وضعها على الفراش برفق واقترب من اذنها قائلاً بهمس كأنها تسمعه :

"انتِ اقوى من كده"

و ها هي الآن تجلس في غرفتها بعد مرور يوم عصيب على الجميع ،اقتربت منها ندى تضمها وهي مازالت على نفس الوضع شاردة ،كأنها مغيبة عن الواقع.

مسحت قدر دموعها فـ هي تعلم جيداً ماذا يعني ان تفقد شخصاً عزيزاً لك لتتحدث بهدوء موجها حديثها لـ علا :

" هما نور و نورهان راحوا فين؟"

تطلعت لها علا مجيبة :

" مع وردة في البيت وها يباتوا هناك"

اومأت لها بهدوء و همست لـ سلمى وهي تنظر إلى نرجس التي تبكي منذ جاءت وهي تطالعها بشك و ريبة:

"هي البت دي كانت تعرف إسراء ،اصلها بتبكي بحرقة اوي "

اشفقت سلمى على حالتها وتحدثت بصوت منخفض حتى لا ينتبه لها احد :

" اصل نرجس فسخت خطوبتها من فارس ،او العكس مش عارفة "

لم تدعي البكاء او الحزن على فقيدة المنزل ،هي حاضرة معهم لكن مغيبة تتذكر حديثها الأخير عندما سمعت طرق الباب وذهبت لتفتحه لا تعلم من الطارق.

لم يكن سوى فارس الذي ات من اجل مقابلة والدها ،ابتهج وجه نرجس مرددة بفرحة :

" فارس، انا كنت عارفة اني مش هون عليك"

لم يبادلها فارس فرحتها بقدومه بل تحدث بجمود ظهر في نبرة صوته :

" والدك موجود"

تطلعته بصمت اختفت فرحتها لتطرح سؤالها :

" ايه يا فارس بتتكلم كده ليه"

عاد سؤاله مرة اخرى لتشبك ذراعيها امام صدرها مجيبة بأقتضاب :

" لأ يا فارس مش هنا ،بابا راح يحضر الدفنة "

تحرك ليعود ادراجه لكن اوقفه صوت نرجس المترجي :

"استنى يا فارس"

توقف عن الحركة وهو يشعر بالضيق من تواجده هنا لتتابع نرجس وقد لمعت الدموع في عينيها :

" يعني انت جاي هنا لبابا مش عشاني"

استدار بظهره ولم يشفق عليها وهي على وشك البكاء متحدثاً بأمتعاض :

" لأ يا نرجس مش جاي عشانكِ ،انا كنت جاي عشان زي ما دخلت البيت ده وطلبتكِ من والدكِ يبقا لازم لما افسخ بردو يكون مع والدكِ"

اتسعت مقلتيها عند نطقه للجملة الأخيرة لتتسارع دقات قلبها لكن ليس خجلاً او توتراً بل خوفاً ،خوفها من ان تفقده وتكون هذه النهاية.

"تفسخ"

كررتها خلفه بصدمة مع سقوط دموع عينيها.

لم يرد الوقوف اكثر من ذلك حتى لا يرق قلبه لها و لبكاءها مستأذناً :

" عن اذنك يا نرجس"

شحب وجهها وهربت الدماء من وجهها لا تعلم ماذا تفعل او تقول الآن لكن كل ما خرج منها :

" هتتخلى عني ،عايز تسيبني عشان كلمة في وقت غضب"

لم يعقب على حديثها هو تعد مرحلة العتاب ولا يريد الرجوع إليها لم تجد نرجس رداً على حديثها لتهتف بصوت عالي :

" ما ترد عليَّ ،ساكت ليه ولا ماعندكش حاجة تقولها زي ما تكون ما صدقت"

لم يتحمل اكثر من ذلك فصاح هو والغضب بدأ نوبته :

" لأ يا نرجس عندي وعندي كتير اوي "

صمت ليتابع بقهر :

" زهقت ،زهقت من مقارنتكِ بيني وبين ولاد المنشاوي زهقت لما كل شوية ترني عليَّ عشان احمد جاب هدية لـ علا انا مجبتهاش ،بترني عشان مراد خرج هبة وانا مش بشوفك غير في البيت بترني عليَّ عشان تخترعي خناقة ومافيش مكالمة مذكرتيش فيها حد من عيلة المنشاوي ،وصلت غيرتك انكِ تغيري من عمر من العيل الصغير اللي لما أدهم جاب له تليفون قولتي العيل ده يبقا معاه تليفون احدث نوع وانا فوني قديم"

غرغرت اعينه من الدمع لكن رفض خروجها وهو يتابع بغضب وضيق :

" على طول باصة للي في ايد غيرك ،بتحقدي على اي حد وممكن توصل لانك تكرهيه وهو معملكش حاجة بس لمجرد انه احسن منكِ ،على طول بتعايريني بفقري بطريقة مباشرة او غير مباشرة وان ابويا كان خدام عند زكريا المنشاوي وانا بكمل مسيرته وخدام زيه و..."

توقف عن حديثه يضحك بستهزأ ليكمل:

" انا بس هسألك سؤال واحد ، لما انت عايزة واحد غني ليه وافقتي عليَّ لما جيت مع جدي زكريا عشان اطلب ايدكِ"

كانت تبكي لا تفعل شيء سوى البكاء ليصرخ بها فارس بصوت عالي فقد اكتفت روحه من كل هذه المعاناة والتي كان السبب الاول بها هي نرجس :

" انطقي ،ليه وافقتي عليَّ وانتِ طماعة مش عايزة غير فلوس"

انتفض جسدها من صوت صريخه العالي لتجيبه بشفتين مرتعشتين :

" عشان...عشان بحبك يا فارس"

طالعها بسخرية لاذعة يخفي خلفها قهره لينهي هذا الحديث بجملته وبعدها تحرك ولم يعطها فرصة حتى تدافع عن نفسها :

" انتِ ما بتحبيش حد ،نرجس مش بتحب غير نرجس و بس"

لا تنكر قدر انها شعرت بالحزن من أجلها لكن مازالت تبغضها ثم اردفت مستنكرة :

" نرجس ممكن تبطلي عياط بقا"

مسحت دموعها بكف يديها تنظر لـ قدر بمقت مردفة بستهزأ :

" ايه خايفة على زعلي؟"

عقبت على حديثها ساخرة :

" لأ ،اصل المكياچ بيسيح وانا خايفة منكِ"

ابتسمت هبة بخفة القابعة بين أحضان ندى لكن مازالت دموعها جارية ،احتدت ملامح نرجس و اكتسح الغضب وجهها وهي تقول :

" اسمعي يا قدر انا استحملت كلامكِ اللي زي السم وكنت بضحك في وشك انما لحد كده انا مش مضطرة اسكت عن اهانتكِ ليَّ كل شوية"

تذكرت قدر جملة سليم الذي قالها لـ عمر اثناء لعبهم لكرة القدم أمام المنزل وكان عمر يحاول استفزاز سليم بألقاء اللوم عليه لسقوط مراد اثناء اللعب لكن اعترض سليم على حديثه بقوله وقتها :

" ولا ،مابيكلش معايا أسلوب قلب الترابيزة ده ،وانك تجيب الغلط عليَّ ،عشان انا ممكن البسك الترابيزة دي في وشك"

لتتحدث قدر بنفس الجملة ناطقة :

" بت، جو قلب الترابيزة ده مش معايا ،عشان ما اقومش البسك الترابيزة دي في وشكِ الحلو ده"

تحدثت علا بضجر محاولة انهاء هذا الشجار قبل بدأه :

" عيب يا بنات ماينفعش كده احنا في بيوت ناس"

انتهت المشاجرة بعدم حديثهم لكن لم تنتهي بالنظرات ،النظرات المشتعلة بينهن.

ليخرج صوت هبة المتعب من كثرة البكاء على ابنة خالتها مردفة :

" معلش يا بنات ممكن تسيبوني لوحدي ، واطفوا النور معاكم"

ردت ندى مقترحة :

" لو هتنامي ،انا ممكن افضل معاكِ لحد ما تنامي"

ردت بوجه بائس واعين حمراء كأن الكلمات وقفت في حلقها :

" لأ مش هنام انا بس عايزة اقعد لوحدي في الضلمة"

تدخلت سلمى في الحديث قائلة بجدية :

" انكِ تحبي الضلمة والليل من غير سبب ده معناه انكِ عندكِ نيكتوفيليا (Nyctophilia)"

حولت قدر بصرها من نرجس إلى سلمى تطالعها بغضب وهي تتشابك معها بالأيدي :

" ما انا مش هموت مجلوطة بسببكِ"

ثم صاحت بصوت عالي :

" هو ده وقته"

اردفت سلمى وهي تمسك بأيدي قدر مردفة :

" اعمل ايه اقطع لساني يعني"

ردت قدر وهي تلف ذراعها حول رقبة سلمى :

" لأ انا اللي هقطعه بنفسي"

ضحكت هبة وهي مغلوبة على امرها تهز رأسها بيأس توقفت سلمى عن الدفاع عن نفسها ونظرت إلى هبة ومعها قدر التي اردفت بمرح وهي ترى إبتسامة هبة :

" ايوة كده اضحكي ،ولا لازم نمسك في شعر بعض عشان تضحكي"

___________________________________

يستند على سيارة رحيم منتظر اسفل البناية بعدما استأذن جده من العزاء ،اخرج هاتفه يبحث عن إسم شقيقته وقام بالاتصال عليها لكن لا رد كرر الإتصال و اعطاه نفس النتيجة وذلك بسبب ترك ندى الهاتف في منزلهم لكن لم يجد حل للمعضلة غير الإتصال على قدر ،ابتسم برضا عن هذه الفكرة وقام بالاتصال على رحيم حتى يأخذ منه رقم شقيقته.

لم ترد في المرة الأولى بسبب عدم معرفة هوية المتصل لكن مع تكرار مراد للاتصال ابتعدت عن الفتيات وقامت بالرد بحذر ليتحدث مراد بسرعة حتى لا تغلق الخط في وجهه :

" ايوة يا قدر انا مراد"

اتاه صوتها المتعجب :

" ايوة يا مراد ،حصل حاجة"

تنهد بحزن على زوجته وقال :

" هبة عاملة ايه دلوقت"

استدارت تنظر لها بحزن واردفت :

" مش كويسة يا مراد"

لم يفكر كثيراً وطلب من قدر برجاء :

" قدر ممكن تقولي لـ هبة تلبس وتنزل انا واقف تحت "

اومأت له كأنه يراها واغلقت الهاتف تفعل ما طلبه منها ليرتفع صوت هاتف مراد برقم قدر الذي سجله لتو ليعلم ردها قبل ان تتحدث من نبرة صوتها الحزينة :

" رافضة يا مراد بتقول عايزة تفضل في اوضتها"

اغلقت هاتفها ووضعته جوار الفراش تحاول ان تواسيها ليسمعن الطرق على الباب فأردفت ندى تسمح للطارق بالدخول ولم يكن سوى مراد ،حمحمت سلمى مردفة بهدوء وهي تنظر للفتيات :

" يلا احنا يابنات"

خرجن الفتيات من الغرفة وبقية هبة ومراد الذي اقترب منها و التقط يدها يطلب منها بنظرة مترجية :

" قومي البسي يا هبة ،عشان تيجي معايا"

نظرت له لترى نظرة الرجاء في عينيه لم تستطع الرفض امام طريقته اللطيفة هذه وقالت :

"حاضر يامراد هقوم ألبس "

عرض عليها وهو مازال يمسك بيدها :

" انده لكِ ندى تيجي تساعدكِ في اللبس"

هزت رأسها بالنفي وهي تقول :

" لأ ماتتعبهاش انا هلبس لوحدي ،انت ممكن تستناني برى لحد ما ألبس مش هتأخر "

حك عنقه بأحراج مصتنع :

" برى مافيش غير ستات ،انا بقول استنى معاكِ هنا لحد ما تغيري هدومكِ يمكن تحتاجي مساعدتي ولا حاجة"

شهقت بصدمة وهي تستمع لحديثه معبرة عن صدمتها في قولها :

" تقعد فين ،اخرج يا مراد يلا"

وقف مراد يشير لنفسه بضيق مصتنع :

" انا غلطان ،كنت هعلمكِ ازاي تلفي الخمار الدايرة اللي مشحتف نص بنات مصر "

ابتسمت رغماً عنها ليقترب منها مراد وهو يقول :

" ضحكتي ،يعني هتخليني الف لكِ الخمار صح"

نهضت من الفراش لتقف امامه تشير لباب الغرفة قائلة :

" برى يا مراد"

امتعض وجه ليتحدث بضيق :

"برى برى ،يارب ما تلاقي علبة الدبابيس "

ختم حديثه بهذه الدعوة وخرج بعدها لكن ظلت هبة تنظر في اثره ببتسامة خرجت من قلبها رغم حسرتها التي تشعر بها.

بالخارج لم تقل حالة السيدة فاطمة سوءاً عن هبة ،جالسة تبكي بألم وحرقة شديد على فراق ابنتها الوحيدة وبجانبها ريهام وعايدة يربتن على كتفها وفي المقابل لهن تجلس هناء وجوارها نجلاء الشقيقة الصغرى لريهام و عايدة وباقي النسوة اللواتي يرتدن اللون الاسود ماعدا نعمات التي لم تحضر العزاء حتى الآن.

تتخلل الكلمات في صدرها لتضيق من سعته اكثر ويتحشرج الصوت الباكي رافض الخروج من الحنجرة ،يعتصر فؤادها على فقيدتها وقرة عينيها ،تحدثت وهي تشعر انها تتنفس من ثقب إبرة الحياكة :

"ملحقتش اشبع منها ملحقتش اخدها في حضني و اقول لها انتِ بنتي ونور عيني وعمري ما ازعل منكِ ،ااه يا إسراء على وجع قلبي وقهرتي عليكِ "

نظرت عايدة لريهام تحثها بصمت عدم البكاء حتى لا تذداد حالة فاطمة سوءاً لكن كيف لا تبكي وهي أيضاً لديها أبناء تخشى عليهم من اقل مكروه تعلم ان طعم الفقد له مرارة تبقى تتذكرها وصعب ان تتخلص منها لترى نظرات عايدة المعاتبة فأسرعت بمسح دموعها واردفت مواسية لها بنبرة حنونة نابعة من قلب صادق :

" كلنا مكتوب لينا هنمو'ت امته و ده عمرها ،ربنا بيحب بنتك عشان خدها عنده ،بنتكِ مش بس في مكان احسن بنتكِ عند اللي خلقها يعني عند إللي احن مني ومنكِ عليها ياست فاطمة"

تكورت الدموع في عين هناء متلألئة تبتسم بحسرة وألم:

" كانت مستنيانا ننزل من الكويت عشان تسلم علينا قبل ما تمشي ،ربنا يرحمك يا إسراء ويصبرنا على فراقك ،الفراق طلع صعب قوي ووحش اوي اوي"

عقب انتهائها من جملتها اجهشت في البكاء وهي تشعر ان خيوط قلبها الصغيرة تتمزق من كثرة الحزن لتحاول نجلاء ان تخفف عنها في قولها :

" ادعي لها يا هناء ادعي لها ربنا يرحمها ،العياط بيعذبها اكتر دي الله يرحمها ما'تت وهي بين ايدين ربنا يعني منزعلش عليها "

اضافت عايدة إلى حديث شقيقتها مؤيدة :

" إبراهيم وهو بيحضر الدفن'ة النهاردة الصبح قال ان ريحة قبرها زي المسك من كتر جمال الريحة الناس ماكنتش عايزة تمشي"

خرجت هبة من غرفتها واستمعت إلى اخر حديث عايدة تشعرت بالراحة والاطمئنان على ابنة خالتها التي تخشى عقاب الله على كل ذنب اقترفته في حق الله وحق نفسها لكنها هرولت إلى ربها تناجيه ان يعفو ويغفر عنها وكيف يبقى ثوبها الابيض متسخ ببقع الذنوب السوداء و الله هو الغفور الرحيم يغفر الذنوب جميعا.

___________________________________

في السيارة كان مراد يقودها وينظر لطريق تارة ولها تارة لتتحدث هبة محددة وجهتهم :

" مراد ممكن توديني عند إسراء "

لم يرد الاعتراض لكن هذا لم يمنعه من سؤالها :

" ليه دلوقت ممكن نخليها للصبح "

رقرق الدمع في عينيها وهي تقول مجاهدة في عدم البكاء :

" إسراء كانت بتخاف من الضلمة وبتخاف تنام في مكان غير اوضتها"

اومأ متفهماً ليتجه للوجه المحددة.

لكن هناك من سبقهم إلى هناك ولم يكن سوى أنس الذي يجثوا على ركبتيه يبكي امام قبرها ،يتذكر قدوم أسامة له و إعلامه بالخبر.

خرج انس من المرحاض وهو يدندن مقطع من اغنيته المفضلة ليسمع رنين جرس الباب ذهب ليرى من ، وجد اسامة هو الطارق الذي اردف بنبرة جعلت انس يشعر ان هناك خطب ما:

" ما بتردش على تليفونك ليه يا أنس"

اردف انس وهو يشير لـ اسامة بالدخول :

" تلفوني فصل شحن من امبارح كنت بكلم إسراء واتفقت اننا هنخرج النهاردة بالليل ،تعالى افرجك على الهدية اللي جبتها "

تحرك انس بضع خطوات ليحضر الهدية بحماس لكن شلت اقدامه عن الحركة عندما سمع اسامة يقول من خلفه :

" إسراء تعيش انت يا انس"

لم يستطع عقله استيعاب جملة أسامة التفت له يسأله قبل ان ينهار :

" إسراء مين ؟ انا معرفش حد اسمه إسراء غير إسراء مراتي وانت اكيد متقصدش دي"

اقترب منه أسامة يشفق على حاله واخذه في عناق لكن انس تحرر من هذا العناق مردفاً :

" انت جاي تعمل فيَّ مقلب ،على فكرة هزارك رخم يا اسامة"

خرجت دموع أسامة وهو يرى ابن خالته بهذه الحالة لينهار ويصرخ بألم امتزج بالقهر :

" لأ ، لأ اسراء مش هتسيبني ،مش بعد ما حبيتها تمشي كده ، ده فرحنا بعد العيد"

لتخونه ساقيه ويجلس على الأرض يبكي بحسرة اقترب منه اسامة يشدد من احتضانها قائلاً :

" كفاية يا انس ،هي دلوقت في مكان احسن من هنا"

تعالت شهقاته كالطفل الصغير الذي فقد والدته في وسط من الزحام يشعر بأن قلبه يتمزق من الداخل :

" ليه كده ليه تسيبني وتمشي بعد ما اتعلقت بوجودها في حياتي، اسراء كانت النور اللي هيخرجني من الضلمة اللي كنت فيها ، ليه تسيب ايدي في نص الطريق ليه تحرق قلبي ليه"

اخرج رأسه ونظر في عيون اسامة يتابع حديثه مبرراً :

" هي عايزة تحرق قلبي عليها وتوجعني زي ما عملت فيها لما جت وقالت ليَّ احنا لازم نتجوز وانا رفضت انا عارف اني عذبتها بس ندمت أقسم بالله ندمت وكنت ناوي افرحها وانسيها بس ليه تمشي هونت عليها تسيبني لوحدي"

صرخ به اسامة وبكاءه يذداد على صديقه ورفيق الدرب :

" كفاية يا انس كفاية حرام عليك "

مسح دموعه الغزيرة من على وجهه يجبر نفسه على الابتسام متحدثاً وهو ينظر في ساعة يده :

" الساعة دلوقتي 9 المفروض كنا نتقابل في الكافيه ،شوفي جبت لكِ ايه جبت لكِ ورد ،الورد الجوري الاحمر اللي بتحبيه وكمان جبت..."

كانت دموعه تخرج مع كلماته ليمسحها حتى يستطيع التحدث بنبرة طبيعية لكن محاولته باتت بالفشل وهو يتابع بعدما اخرج علبة صغيرة من جيبه مغطاه بقطعة قماش قطيفة من اللون الازرق وفتحها ووضعها بجانب الورود امام قبرها :

"ده خاتم يا إسراء ،خاتم بدل اللي في إيدك عشان بابا هو اللي جابه انما ده انا اللي جبته و.."

وتابع وهو يبتسم بحسرة :

" وكنت ناوي اعمل زي الأفلام اقعد على ركبي وامد ايدي بالخاتم و اقول لكِ تتجوزيني ،انا عارف اننا متجوزين بس عشان تعرفي ان انا اللي عايز اتجوزك مش عشان مجبور على الجوازة دي"

وقف وقام بقرأة الفاتحة واتمها بالدعاء لها وقال ختام حديثه :

"هتوحشيني"

خرج بعدها ونزل السُلم الصغير ليتقابل مع مراد وهبة وتعرف عليهم سريعاً وقال وهو ينظر إلى هبة :

" لما روحنا انا واسراء لدكتورة الأسبوع اللي فات عشان نطمن عليها الدكتورة قالت انها حامل في بنت اول حاجة إسراء قالتها انها هتسميها على اسمكِ هتسميها هبة"

لم يعلم ان حديثه ذلك جعل جسد هبة يثلج اكثر وبدأت في الارتعاش ليمسك مراد بيدها سريعاً يحكم على قبضته كأنه يعطيها القوة لصمود ،خرجت الدموع من عيون انس وهو يتابع :

" إسراء كانت بتحبكِ اوي يا هبة"

تحشرج صوتها في حنجرتها تجاهد في إخراجه وهي ترد على حديثه :

" هي كمان كانت بتحبك اوي يا أنس"

تحرك انس مبتعداً عنهم لكن توقف و قام بالنداء على اسم هبة لـ تلتفت له هبة ومعها مراد ،اكمل انس وهو يشعر ان روحه تنسحب منه :

" قولي لها ان انا كمان بحبها ،خليها تسامحني ياهبة"

دلفت هبة وبعدها مراد والقت السلام وابتسمت وهي ترى الورود والخاتم امام قبر إسراء جلست على الأرض ليقول مراد :

" انا هخرج اعمل مكالمة تليفون مش هتأخر"

كذب عليها حتى يترك لها المساحة لتتحدث بكل ما تحمله بداخلها.

" عاملة ايه يا إسراء ،انا عارفة انك مش بتعرفي تنامي غير في اوضتك بس معلش هتتعودي ،اتعودي لحد ما اجاي لكِ انا كمان يا حبيبة قلبي "

هتفت بضيق طفولي :

" بت يا إسراء فاكرة لما قولت لكِ ان في دكتور ألماني اسلم بسبب سورة الكهف وكنتِ عايزة تعرفي بس انا رفضت وقولتي هتدوري ها يا اختي دورتي"

ابتسمت هبة وهي تتحدث بكبرياء مضحك :

" خلاص هعصر على نفسي لمونة و اقولكِ بصي يا ستي كان يا مكان "

ضحكت هبة وهي تتوقع رد إسراء على حديثها لتقول مؤكدة :

" اه يا إسراء هي حدوتة قبل النوم وبطلي رغي بقا واسمعي ،الدكتور ده كان مسافر وصادف في المطار شب عطا له نسخة مترجمة
 من القرآن الكريم ،الدكتور ده شكره وحط النسخة دي في جيبه ونسي الدكتور النسخة في جيبه وطلع الطائرة ، وبسبب طول الرحلة والملل
 قال : 
أخرجت نسخة القرآن من جيبي عندما أحسست بوجودها
 ثم فتحتها وقلبت الصفحات فوقعت عيني على سورة (الكهف) فقرأت ثم إستوقفتني آيتين 
وهما قوله سبحانه 
( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه .....) 
والآية الأخري  
( وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ...)

 يقول الطبيب:
 ان تقليبهم وهم نائمون مفهوم من اجل ان لا تتقرح اجسامهم اذا بقوا نائمين على وضعية واحدة ، لكن ما فاجأ الطبيب قوله في الآية السابقة عليها 
«وترى الشمس اذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين واذا غربت تقرضهم ذات الشمال»
، بمعنى ان الشمس تدخل الكهف كل يوم لكنها لا تاتي على اجسامهم مباشرة ، 

ويقول :
 بان هذا معروف في علم الطب فحتى لا تحصل تقرحات السرير يجب ان تكون الغرفة مهواة وتدخلها الشمس دون ان ان تكون مباشرة على الجسم ، 

ثم عاد الطبيب للتفكر في الآية التالية حيث يقول بانه فعلا حتى لا تحصل التقرحات يجب ان يقلب الراقد حتى لا يتقرح الجسم ويتعفن وتأكله الارض 

لكن الذي ادهش الطبيب ان
( كلبهم لم يكن يقلب مثلهم) وإنما باسط ذراعية بالوصيد على وضعية واحدة طوال
( 309) سنوات ولم يتقرح جسمه ولم يتعفن ، 

هذا الأمر دفع الطبيب الألماني إلى دراسة فسيولوجية الكلاب وما ادهشه أنه وجد ان الكلاب تنفرد بوجود غدد تحت جلدها تفرز مادة تمنع تقرح الجلد ما دام في جسد الكلب حياة ولو لم يتقلب ولذلك لم يكن كلبهم يقلب مثلهم في الكهف.

 الدكتور ده أسلم بسبب الموضوع الإعجازي ده .
 اللي اتعجبته أن الدكتور الألماني من أول قراءة للسورة استوقفته أمور إعجازية ولم يمر عليها مرور الكرام زي ما بنعمل احنا ، أنا شخصياً كنت بقرأ الكهف كل جمعة وعمري ما خدت بالي ملاحظة عدم تقليب الكلب أثناء نومه رغم أني كنت عارفة بأن تقليب أصحاب الكهف أثناء نومهم هو من اجل أن لا تتقرح اجسامهم ،عشان كده، أمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نتدبر القرآن وكان ذلك العالم الالماني اكثر تدبراً وفهماً منا عندما قرأ القرآن الكريم من أول مرة"

اخذت نفساً عميقاً بعد كل هذا الحديث وقالت :

" وبس ياستي هي دي القصة"

بقيت تتأمل المكان وهي تقول اخر كلماتها قبل ان تخرج وتذهب إلى مراد لكن مراد دلف قبل خروجها :

" ماتخفيش يا إسراء بابا وماما عندكِ هما مش هيسبوك وابقي سلمي ليَّ عليهم اوعي تنسي عشان انا عرفاك"

أبتسم مراد وهو يقترب منها يمسك بيدها ،نظرت هبة ليده ورفعت رأسها لتختفي ابتسامتها المزيفة :

" مراد هو ليه كل حاجة بنحبها بتمشي ليه بنتعلق بالأشخاص وبعدين يخرجوا من حياتنا ،انا بابا وماما وحشوني اوي انا لحد دلوقت مش قادرة استوعب انهم مشيوا وسبوني ودلوقت إسراء هي كمان سابتني ومشيت"

سقطت دموعها ليرفع مراد يحتضن وجهها بيديه ينظر إلى عينيها لاول مرة تنظر له هبة بهذا القرب وقال :

"‏كل ما تحسي انكِ مش قادرة تستحملي اللي بتمري بيه خلاص افتكرب آيتين "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا" و "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا"
 يعني ربنا حاطكِ في ده و هو عالم انكِ قدها و هتعرفي تعديها، هبة انتِ قوية ما تسمحيش لنفسكِ انكِ تضعفي"

امتزج صوتها مع صوت بكاءها وهي تقول :

"انا عمري ما كان عندي صحاب قدر وندى والبنات هما اللي اقتحموا حياتي وخلوني صحبتهم كنت خايفة اخسرهم ويبعدوا عني زي ما انا متعودة ان اي حد بيقرب مني بييجي يوم ويبعد"

ابتسم وهو مازال يحتضن وجهها ولمعت عيناه وهو يقول بنبرة صادقة:

"مش ممكن الـِ مشيوا دول حصل علشان حد تاني اجمل ياخد مكانهم مكان للناس الصح اللي تحبكِ وتقدركِ زي ما انتِ بتحبيهم وتقدريهم"

اجهشت في البكاء بمرارة وارتعش جسدها وهي تقول :

" مراد انا خايفة احبك تمشي انت كمان وتسيبني لوحدي وقتها انا مش هقدر اتحمل ده"

فجأها بعناق وهو يضمها إليه انتاب جسدها قشعريرة خفيفة مع دقات قلبها المتسارعة كأنها في سباق فـ هذه اول مرة يحتضنها هو فعل ذلك امس لكن كانت مغيبة عن الوعي في عالم اخر شدد مراد من عناقها كأنه يبث لها الأمان اما هي خبأت وجهها في كتفه وهي تلف ذراعيها حول عنقه واطلقت سراح دموعها تبكي بألم وحرقة على فقيدتها لتخرج من هذا العناق وهي لا تعلم كم مر وقت على هذا ،اخفضت رأسها بخجل ووضع مراد يده اسفل ذقنها يرفعها كي تنظر إليه تزامناً مع قوله النابع من قلبه :

" انا جانبك ومش هسيبك ،انا وعدتكِ اني هفضل مكلبش في ايدكِ لحد باب الجنة"

ابتسمت بحب لكن مازالت دموعها تسبقها في الخروج ليتحدث مراد جدياً مغيراً الحديث :

" تعرفي ان في اليابان كود خاص Qr لكل قبر بيعرض صور ومعلومات وسيرة مختصرة عن حياة صاحب القبر ده"

تطلعت به بهدوء بعدما توقفت عن البكاء ونظر لبعضهم البعض و قهقه الاثنين على حديثه الذي لا يتناسب مع الموقف بتاتاً.

بعد مرور ربع ساعة بالسيارة توقفت امام البناية مرة اخرى امسك مراد بيدها وهو يقول بنبرة حانية :

" تصبحي على خير"

اردفت وهي تنظر للامام:

" اول مرة انام في البيت واسراء مش موجودة"

عقب مراد على حديثها وهو يخفي حزنه خلف قناع الهدوء هذا :

" هي مش موجودة بجسمها بس روحها معانا وشايفانا لازم تبقي قوية وتعدي المحنة دي عشانها وعشان خالتكِ وعشانكِ يا هبة"

نظرت له مبتسمة و اومأت له وذهبت لفتح باب السيارة فأوقفها قول مراد :

" انا هفضل واقف هنا كلميني لما تطلعي

اومأت له وفتحت باب السيارة وصعدت لأعلى ودخلت إلى غرفتها من اجل تبديل ثيابها لكن ما تبحث عنه لم تجده اردفت بصوت عالي ناسية امر ما يحدث :

" إسراء فين الاسدال بتاعـ..."

بترت باقي جملته وهي تستوعب ما نطقته لتجلس على الفراش وتضع يديه الإثنين على وجهها وشهقت بعنف من كثرة البكاء حتى تسمع رنين هاتفها حاولة ان تهدأ قليلاً قبل ان تجيب لكن ظهر بكاءها في صوتها :

" ايوة يا مراد انا طلعت"

باغتها بحديثه جعلها تبكي بصمت :

" كنت متأكد انكِ بتعيطي "

اردفت بقلة حيلة و قهر:

" مش قادرة يامراد مش قادرة"

لم تتوقع رده هذا على حديثها عندما قال :

" انا شايف ان الحضن معملش حاجة فكده انا مضطر اجاي ابات معاكِ طالما مش قادرة "

كسا وجهها اللون الأحمر من حديثه لتقول مسرعة :

" لأ لأ خلاص انا بقيت كويسة"

رد معترضاً :

" انا بقا مش كويس وبصراحة انا بتلكك عشان نفسي اعيد التجربة دي تاني"

ردت بأنفعال مصطنع تحاول تغيير الحديث :

" تجربة ايه ،انت فاكر نفسك احمد زويل"

اتاها صوته الضاحك وهو يقول :

"غيري حلو"

شهقت بفزع هل يراها الآن وهي تبدل ثيابها :

" اغير ايه يا مراد"

تحدث بسخرية على صوتها المرتبك :

" غيري الكلام هتكوني بتغيري ايه ياهبة "

هدأت انفاسها قليلاً توبخ نفسها على تفكيرها الساذج هذا ليتحدث مراد بمكر لاول مرة تلاحظه هبة :

" بس لو لسه مغيرتيش هدومك انا معندش مانع اطلع واساعدكِ"

اغلقت الهاتف سريعاً ليقهقه مراد وهو يعلم انه يسيطر عليها الآن الخجل وليس الحزن والبكاء ،وها قد تمت خطته بنجاح.

___________________________________

عاد الشباب بعد انتهاء العزاء ماعدا مراد الذي لم يكن معهم تحدث احمد وهم في طريقهم للمنزل :

"انا معرفش إسراء معرفة شخصية بس صعبة عليَّ"

عقب رحيم على حديثه متذكراً ما حدث معه ليلة امس :

" امال تعمل ايه ،وانا بقول لهم البقاء لله"

نظر أدهم للذي يسير بجواره في هدوء غير عادته المشاغبة يتذكر عندما انتظر عودت قدر و ندى من عند سلمى على احر من الجمر ليهتف سريعاً بحماس:

" ها طمنوني عملتوا ايه"

تبادلن ندى وقدر النظرات وكلاً منهما تحث الاخرى على الحديث حتى عاد سليم سؤاله مرة اخرى لتتنفس قدر مردفة بهدوء :

" مش موافقة يا سليم ،الموضوع مش موضوع جِميلة هي بتقول انها.."

توقفت عن الحديث ليطلب منها سليم الاكمال :

" بتقول انها ايه كملي يا قدر"

لم تستطع قدر الحديث لتقول ندى وهي تشعر بالأسى على شقيقها :

" انها مش عايزة تتجوز واحد كل يوم مع بنت شكل"

"سلمى قالت كده"
كان يرفض التصديق حتى اكملت قدر حديثها بعد ندى :

" كمان طردتنا بس بالذوق"

استافق من شروده على جلبة وضجيج وسمع أدهم يقول :

" هو فيه ايه"

انتبه لهم سليم ونظر إلى مصدر الصوت وقال :

" ده بيت الست خديجة"

" حرام عليكم انا مليش مكان غير ده بترموا حاجاتي ليه ،طب استنوا عليَّ وانا همشي ،حرام اللي انتم بتعلموه ده"

كانت هذه توسلات السيدة خديجة للرجالة وهم يلقوا بأغراضها خارج المنزل ليقترب منها رجل ويدفعها نحو الخارج لكن اسندها أدهم قبل وقوعها رفعت رأسها لتعود لها الحياة كأنها رأت منقذها من الغرق مردفة برجاء :

" الحقني يا أدهم يابني"

سألها أدهم لكي يفهم ما يحدث :

" في اي ياست خديجة ومين الناس دي وفين جمعة ابنك"

نظرت لأغراضها الملقاه في كل مكان وقالت وهي على وشك البكاء :

" معرفش ،انا كنت في المحل لقيت الناس دول جم دخلوا البيت والمحل وبيخرجوا كل حاجاتي منه وبيقولوا انهم اشتروا البيت والمحل وانا والله ما بعتش حاجة وجمعة مش عارفة راح فين "

اومأ لها بهدوء متحدثاً بنبرة جعلتها تطمئن :

" اهدي ،هو اكيد في سوء تفاهم"

اقترب سليم من احد الرجال المتواجدين في المحل الخاص بالسيدة خديجة مردفاً بهدوء :

" المحل والبيت ده بتوع الست خديجة وهي بتقول انها ما بعتش حاجة لحد ازاي انتم شرتوه"

"هي اتنازلت عنهم لأبنها واحنا اشترناهم منه ودي العقود كمان لو عايز تتأكد"

نظر الجميع خلفهم فلم يكن المتحدث هو الرجل الذي سأله سليم بل اخر نزل لتو من سيارة سوداء يرتدي حلة غالية الثمن سنه قد تعد الخمسون عاماً.

كان رحيم يتابع ما يحدث بصمت فـ هو مازال غريباً عن هذه الحارة الشعبية ليتحدث احمد هذه المرة وهو يوجه سؤاله لهذا الرجل :

" و انت تطلع مين بقا بسلامتك"

دخل المحل من بينهم كأنه يقول لهم انه يقف في ملكيته الخاصة وقال :

" انا صفوت جمال "

نظر أدهم إلى خديجة التي تبكي وقال :

" انتِ متأكدة انكِ ما تنزلتيش لابنك عن حاجة"

هزت رأسها بالنفي ليقول احمد بضيق :

" انا عارف ان اللي اسمه جمعة ده واطي بس ماكنتش اعرف انه واطي لدرجة يمضي امه على ورق من غير معرفتها وفي الاخر يبيع كل حاجة ويخلع"

شهقت بصدمة تحاول تكذيب احمد بقولها :

" لأ يا احمد ،جمعة ابني مستحيل يعمل كده في امه "

هتف صفوت بضجر :

" خدوا بعضكم واتكلموا بعيد عن هنا ،مش عايز دوشة وانتِ ياست مش عايز اشوف وشك ده هنا تاني وانسي بقا البيت والمحل دول خلاص بتوعي"

اقتربت منه تقبل يده طالبة برجاء :

" ابوس ايدك ،ده البيت اللي لممني انا و الواد والمحل ده اللي بناكل منه عيش"

اخرج صفوت ورقة مالية من فئة المئة جنيه وقال وهو يضعها في يدها بتعالي:

" الله يسهلك "

كانت صدمة بالنسبة للجميع لتستقيم السيدة خديجة في وقفتها وتنظر له بحقد وعلى حين غرة بصقت في وجه صفوت.

ابتسم ادهم من تصرفها لكن اختفت عندما تحدث صفوت بصوت عالي واحتدت ملامحه :

" تعالوا ارموا الزبالة دي برى"

اقترب منهم أدهم وبدأت النيران تشتعل بينهم ليتحدث أدهم وهو يرمقه بنظرات ساخطة :

" مين دي اللي زبالة"

رد صفوت بستفزاز :

" الست دي ،وانت كمان زبالة زيها "

في الخلف كان يقف ثلاثتهم ليتحدث احمد وهو يرى هذه الملحمة :

" دي شكلها هتولع"

تحدث رحيم الذي يتوسطهم :

" سليم بما انك صايع درجة اولى ،ادخل انت عشان أدهم مش هيعرف يتعامل مع صفوت ده عشان هو ماشافش تربية و أدهم محترم مش هيغلط في راجل كبير"

لولا حدة الاجواء المشتعلة لضحك سليم على حديث رحيم لكن اكتفى ببتسامة بسيطة وعقب على حديثه :

" انا و أدهم متربناش اصلاً والفرق بيني وبينه انه بيعرف يكون امته محترم و امته يكون..."

ترك جملته معلقة وهو يشير بأصبع السبابة على أدهم الذي قال رداً على اهانة صفوت له :

" انت لما تقول ليَّ كده ،هرد عليك و اقول لك انا مش هرد عليك و انزل لمستواك ، لأ ده انا انزل لمستواك و اديك بالجزمة على دماغك وارجع لمستوايا تاني ولا كأن حاجة حصلت"

فهم رحيم مغزى حديث سليم ،ليرى رجال صفوت يلتفون حولهم بعدما اشعل ادهم فتيل غضب صفوت الذي قال :

" هديك فرصة تخرج من هنا على رجليك انت وصحابك ولو ماخرجتش رجالتي هيقوموا معاكم بالواجب "

ضحك أدهم بخفة ليتعجب صفوت من الواقف امامه لكن لم يظهر ذلك حتى اردف أدهم بعدما توقف عن الضحك واقترب من صفوت اكثر ينظر في عينيه :

" تقوموا معانا بالواجب وانتم ضيوفنا ،ودي تيجي بردو ده حتى عيبة في حقنا"

اخرج احدى الرجال نصل صغير مقترباً من أدهم لكي يطعنه به رأته خديجة وصرخت قائلة :

" حاسب يا أدهم"

استدار ادهم وقبل ان يتفادى الضربة اصاب يده اليسرى وجرحها ،اشتعلت الدماء في عروق الواقفين ليتحدث سليم وهو يستعد لضربهم :

" رحيم خرج الست خديجة من هنا ،انا عارف انك ملكش في.."

وقبل ان ينهي جملته وجد رحيم يضرب الرجل الذي جرح أدهم في ذراعه بمهارة ليصبح وجهه مسخ من كثرة الضرب.

ركضت خديجة بعدما اخذت قطعة قماش من الملقاه أرضاً وذهبت سريعاً تضعها على ذراع أدهم.

بعدما انتهت امرها ادهم بأن تخرج من هنا خشت عليهم فعدد الرجال كثير لكن لهجة أدهم ونظرته لم تقدر على الاعتراض.

بدأ الاشتباك بينهم وصفوت يقف بعيدا يتابع ما يحدث برضا ولمعة الانتصار في عينيه تذداد ظناً منه ان الكثرة تهزم الشجاعة لكن احفاد المنشاوي ثبتوا عكس ذلك بسبب الغضب الذي يذداد داخلهم فأقتراب احد منهم وألحاق الاذى به تعنى نهايته ،بدأ الرعب يتسرب إلى صفوت وهو يرى رجاله يهوي رجلاً خلف الاخر لم يقدر على فعل شيء سوى الاتصال على رجال الشرطة.

اصبح رجال صفوت منتشرين على الارض جثث هامدة اقترب منه أدهم وامسكه من ياقة قميصه غير مبالي بالالم الذي يشعر به من ذراعه :

" اللي انت اشتريت منه ده نصاب والبيت والمحل ده بتوع الست خديجة تشوف اللي اسمه جمعة ده وتاخد فلوسك منه لأن مشكلتك معاه مش معانا غير كده انت ملكش حاجة عندنا"

كان يسير بعد الانتهاء من العزاء في طريقه للمسجد كعادته يجلس حتى مطلع الفجر ليجد الضجة ورجال الشرطة في كل مكان اقترب منهم زكريا المنشاوي وعندما رأى اخفاده ونظرة الكره والغضب في اعينيهم واصابة أدهم اردف :

" ايه اللي بيحصل هنا"

اتسعت اعينهم وخصوصاً احمد الذي يخاف من بطش جده وغضبه وقال مبرراً لكن نبرة التوتر لم تفارق صوته :

"احنا كنا مروحين وسمعنا صوت زعيق جينا نشوف في ايه لاقينا الست خديجة بتنطرد من بيتها عشان جمعة مضاها من غير علمها على تنازل للبيت والمحل ليه وبعدين باعهم لراجل ده، بس ده كل اللي حصل"

تحدث صفوت لضابط الشرطة الذي يتطلع في بعض الاوراق :

" دي العقود اللي تسبت ملكيتي للمكان ،وفجأة الاقي الشباب دول دخلوا عليَّ انا ورجالتي وضربوهم"

نظر زكريا لرجال المصابين من يراهم لا يقول ان اربعتهم هم من فعلوا ذلك بسبب كثرتهم عليهم ،تحدث الضابط وهو يؤيد حديث صفوت :

" العقود سليمة ،واللي اتعمل ده اسمه بلطجة واللي غلط لازم يتعاقب البلد مش سايبة ،فيه قانون"

تحدث صفوت ببرأة مصطعنة وهو ينظر إلى أدهم الذي يود ضربه :

"انا رجل اعمال وبحترم القانون ،وانا عايز حقي وحقي رجالتي دي"

رد الضابط برسمية :

" ما تقلقش يا صفوت بيه "

تدخل زكريا في الحديث وهو يطلب بأحترام من الضابط الحديث :

" اسمح ليَّ ،يا حضرة الظابط ،انا زكريا المنشاوي جد الشباب دول"

ابتهج وجه الضابط واقترب من زكريا يُسليم عليه بترحيب :

" اشهر من نار على علم ،غني عن التعريف أنا يبقا جدي فضل اللي كان شريك حضرتك زمان قبل ما يموت بابا كان بيحكي ليَّ عنك"

"بابا"
رددها صفوت بهمس وقال بسخرية :

"يبقا شكلي اتعلم عليَّ من الصيع دول "

استدار زكريا لأحفاده قائلاً بجدية صارمة معاتباً :

" من امته لما بيكون حد ليه حق بنجيبه بدراعنا ،هو ده اللي ربيتكم عليه يا ولاد المنشاوي "

اخفض الجميع رأسه خزياً من موقفهم ليتابع زكريا وهو يوجه حديثه لـ ادهم :

"وانت يا كبيرهم يا عاقل ،تعمل فيها بلط'جي انت وعيال عمك ،فاكر نفسك مين ،لو ملقتش اللي يوقف لك انا اللي هقف لك و اعرفك ان الحق عمره ما كان بالدراع"

يسمع كلمات جده دون التفوه بحرف لتعلو شفتي صفوت بسمة شامتة رمقه احمد بحنق وقال مدافعاً عن شقيقه :

" يا جدي انت فاهم غلط"

رفع عصاه وضربها بالارض وقال بتحذير :

" ماسمعش حس واحد فيكم"

ثم التفت لضابط من جديد وتحدث بهدوء :

" انا بقول نحل الموضوع ودي ومافيش داعي للاقسام"

تحدث صفوت يتحدى أدهم والبقية :

" وانا بقا عايز اروح القسم واعمل محضر "

اقترب منه الضباط يتحدث بنرة لا يسمعها غير صفوت :

" صفوت بيه انا بقول نمشيها ودي وبلاش القسم لان مش هما بس اللي هيتضرروا انت كمان وخصوصاً انك فاتح شركة سياحة كبيرة في الكويت والفرع التاني منها هنا في مصر وحد ممكن يصورك وانت داخل القسم وانت عارف النت مخلاش حاجة صعبة وخصوصاً وانا عارف انت اشتريت البيت ده ليه"

كانت جملته الاخيرة غير مريحة بالنسبة لصفوت الذي لم يقدر على الاعتراض فكل كلمة تحدث بها هذا الضابط صحيحة.

___________________________________

اجتمع ثلاثتهم في المنزل ومعهم مراد الذي وصل لتوه واخبره رحيم بكل ما حدث.

"هو فين أدهم"

كان احمد هو من سأل وهو يقف امامهم فأجابه رحيم :

" طلع يغير هدومه عشان ما يقلقش مرات عمي ويخضها بمنظر الدم"

"أدهم لازم يروح لدكتور عشان نطمن علـ.."

وقبل ان يكمل احمد حديثه تحدث رحيم بأنفعال :

" انتم ليه مش عايزين تصدقوا ان فيه دكتور في ام العيلة دي ،امشي بالشهادة يعني ولا أعمل إيه"

تحدث مراد الجالس بجانب رحيم بقلق على ابن عمه :

" رحيم ،ادهم عامل ايه دلوقت"

هدأ رحيم وتحدث بهدوء يُطمئن مراد :

" الحمدلله الجرح سطحي مش محتاج خياطة انا غيرت عليه "

لاحظ سليم احمد الواقف امامهم كأنه يفكر في شيء ما فطرح سؤاله :

" سرحان في ايه يا احمد"

اسئلة كثيرة تدور في رأسه لكن لم يجد اجابة حتى اردف يسألهم :

" جدكم هزقنا كلنا وكان معانا أدهم صح أدهم مش هيرد على جده بس كان هادي ماشفتش اي انفعال او حتى بيعمل حاجة يخرج غضبه ده يعني الطبيعي في موقف زي ده أدهم بيكون عامل زي الطور الهايج"

كان ينظر إلى ثلاثتهم ولم يتحدث منهم احد بل ظلوا ينظروا إليه فأنكمشت حاجبيه وهو يقول :

" محدش رد عليَّ ليه"

اشار رحيم بعينيه لاحمد ان ينظر خلفه ليتحدث احمد بخوف :

" والنبي ما تقولوا انه واقف ورايا"

استدار احمد سريعاً يهتف بصوت عالي :

" باشا مصر اقسم بالله"

اشار أدهم لنفسه يقول مستنكراً :

" انا عامل زي الطور الهايج"

اردف بها وهو يقترب من احمد الذي يتراجع للخلف بخوف منه يبتسم ببلاهة وما انقذه هو دخول زكريا المنشاوي واردف وهو ينظر إلى أدهم :

" عامل ايه ياولدي"

امال أدهم يقبل يد جده واردف مبتسماً :

" الحمدلله انا بخير يا جدي"

ربت زكريا على ذراعه السليم ونظر للبقية وقال :

" اللي انتم عملتوه ده مش غلط بس عملتوه بالطريقة الغلط"

فتح احمد فمه واردف بصدمة :

" يعني حضرتك راضي عن اللي عملاناه؟!"

ابتسم زكريا ولم يعقب على حديث احمد واردف قبل خروجه من المنزل والذهاب للمسجد :

" بلاش سهر النهاردة واطلع ارتاح يا أدهم عشان دراعك"

لم يستوعب احمد ما دار بينهم وبين جده و اردف بتسائل :

" حد فاهم حاجة ،لو جدكم راضي عن اللي عملناه ليه زعق فينا وقال مش عايز يسمع حس حد فينا"

وقف مراد بعدما فهم تفكير جده وقال بتوضيح :

" جدكم لما قال ان اللي عملتوه صح بس عملتوه بالطريقة الغلط انكم ضربتوا رجالة صفوت وهما يستاهلوا ده بس ماكنش ينفع تعملوا ده في مكانه لان ده يسمى إعتداء وصفوت من حقه يدافع عن نفسه وعن ملكه و كان يقدر يسجنكم وعشان عارف انكم هتخرجوا بكفالة كان هيعمل لكم محضر عدم تعرض وجدكم عمل كده عشان يحل الموضوع ودي و اظن كمان أدهم فهم جده عشان كده متعصبش"

حرك احمد رأسه تفهماً لحديث مراد ونظر إلى أدهم واردف بمرح :

"اه يا لئيم يا أبن إللئيمة ،و انا إللي كنت مضايق ان جدك بيزعق لك"

اردف أدهم بضيق مصطنع :

" ما تتلم يالا"

ثم ابتسم أدهم وهو يرى مراد بدأ يتقبل كونه محامي :

" دور المحامي لايق عليك يا مراد"

ابتسم مراد بهدوء يخفي خلف ابتسامته حزنه على فقدانه لحلمه وقال :

"انا عمري ما كرهت كوني محامي بالعكس احساس جميل لما ادافع عن حد مظلوم واجيب ليه البرأة بس انا مش قادر انسى حلمي اني اكون ظابط"

 اردف جملته الاخيرة بحسرة ووقف سليم مغيراً مجرى الحديث وهو يرى الحزن قد اكتسح وجه اخيه :

" طب كده الست خديجة هتروح فين"

تنهد أدهم قبل ان يجيبه وقال :

" قالت انها هتروح تقعد عند اختها ما هي تبقا خالة اسامة و من فترة عرفت انها خالة انس هو كمان"

حول بصره إلى مراد وتابع :

" تعالى يا مراد عشان عايزك"

اومأ له و هو يعلم ما الامر الذي يريده أدهم.

___________________________________

جالسة في مستنقع مليء بكل انواع الخمور والمسكرات التي حرمها الله على عباده ،مكان يعمه الصخب واصوات الموسيقى العالية و اناس شبه واعية تأتي من اجل ضخ المال لمعصية الخالق.

رفعت الكأس تتجرع منه وعلامات البؤس على وجهها لتجد كرسي ينسحب ويجلس عليه شخص لا تريد رأيته وقالت متعجبة :

" انت"

اخذ منها الكأس يرتشف منه قبل الرد عليها وقال ببتسامة :

" ايه يا شوشو مش عايزة تشوفيني ولا ايه"

زفرت الهواء بضيق واردفت بضجر :

"لأ مش عايزة اشوفك ،وانا مش هكمل في اللي بعمله"

رفع حاجبه مردفاً بخبث :

"انتِ حبيتي سليم ولا ايه"

هربت بعيناها بعيداً عنه وقالت بمرواغة في الحديث:

"افرض ،انا مش بشر وبحس وعندي مشاعر"

جذبها من ذراعها بعنف وقد احتدت ملامحه الغاضبة :

" اسمعي يابت ،انتِ هتكملي غصب عنكِ مش بمزاجك و إلا بنتك اللي جوا في الاوضة دي مش هتشوفي وشها تاني"

نجح في بث الرعب داخلها لترتعد مردفة بخوف على ابنتها الصغيرة التي لم يتعد عمرها الخمس سنوات :

" إلا بنتي انا هعمل لك كل اللي انت عايزه بس ملكش دعوة ببنتي "

ترك يدها لكن اثر يده ظلت موجودة لشدة ضغطه عليها وقال وهو يستند على الكرسي بأريحية:

" حلو ده ،الخوف حلو"

وتابع حديثه ونظرة الشر تلمع في عينيه :

"الخطوة اللي جاية دي تمهيد للمصيبة الكبيرة اللي انا محضرها ليهم عشان لما تحصل الكل يصدقها "

كم تمنت لو تقوم بصفعه على وجهه وتتخلص من هذا المكان العفن وتأخذ ابنتها وترحل بعيداً ،تبدأ حياة جديدة لكن من مثلها يمكن ان يترك الماضي خلفه ويبدأ حياة جديدة و ينعم بالسعادة ام ان الماضي سوف يظل يلاحقه.

___________________________________

في صباح يوم جديد

دلف مساعد طارق إلى مكتبه يبشره بالانباء السارة في قوله :

" كل اللي قولت عليه اتنفذ مافيش مستشفى هتقبل انها تشغل اللي اسمه رحيم ده"

اومأ برضا ليتابع مساعده :

" في واحد برى عايز يقابل حضرتك وبيقول ان عنده معلومات تهم حضرتك"

ضم حاجبيه ورد مستفهماً :

" مين ده"

قبل ان يجيبه دلف هذا الشخص الى غرفة المكتب وهو يقول :

" ده انا ياطارق بيه"

ظل طارق يتأمله ثم اشار لمساعده بالخروج واغلاق الباب خلفه ،اقترب الواقف وجلس على الكرسي امام مكتبه ليتحدث طارق وهو ينظر إلى الاوراق امامه :

"ياريت تقول اللي عندك بسرعة عشان انا وقتي ثمين واتمنى مايكونش Show عشان تعرف تقابلني"

اردف الجالس أمامه مما جعل طارق يترك ما بيده ويستمع إلى ما يقول :

"ده الورق اللي هتقدمه في المناقصة"

كان يشير للورق امام طارق ليرد على سؤاله بسؤال اخر :

"انت تعرف منين موضوع المناقصة ده"

التقط قطعة نرد كبيرة موضوعة على المكتب تتناسب مع تنسيق الغرفة والمكتب واخذ يعبث بها ويحركها بيده بهدوء اثناء قوله :

"انا مش بس اعرف موضوع المناقصة انا كمان اقدر اجيب لك ورق مشروع ولاد المنشاوي وتدخل انت المناقصة على اساس انه مشروعك وتكسبها وكمان اي ورق انت عايزه انا اقدر اجيبه"

اعجب بحديثه وشعر بالرضا قليلاً ولكي يطمئن قام بسؤاله :

" وانا ايه يضمن ليَّ انها مش لعبة منهم عشان يوقعوني "

مازال على نفس وضعه يحرك قطعة النرد وقال بهدوء :

" مافيش ضمان ،وانت ليك حرية الاختيار عايز تدخل المناقصة بالورق اللي معاك ضد ادهم وانت عارف وواثق من جواك انك هتخسر قدامه او... تاخد المشروع اللي تعبوا فيه وتقدمه انت وتاخد المناقصة وانت حاطط رجل على رجل"

يعطيه حرية الاختيار ويوهمه بها وهو في الحقيقة يجبره على اختيار ما يريد دون ان يشعر وبالفعل نجح في ذلك عندما سمع قول طارق :

" وايه المقابل"

ترك قطعة النرد من يده و اردف بمكر :

"المقابل هاخده لما اشوف ولاد المنشاوي بيقعوا ومايقموش تاني"

حرك طارق رأسه وشعر بالذة الانتصار تقترب منه واردف ببتسامة تعلو شفتيه :

" ده انت شايل منهم اوي"

وقف وهندم ثيابه وقال قبل خروجه :

" يبقا اتفقنا ،في اقرب فرصة الورق ده هيكون عندك"

___________________________________

كان يسير في طريقه بعد عودته من العمل والتقى بجده في المنزل وطلب منه المجيء إلى هنا حتى سمع رنين هاتفه معلناً عن اتصال من ابن عمه احمد.

" ايوة يا احمد في ايه"

هكذا رد سليم على المتصل ليسمع صوت احمد من الجانب الاخر وهو يقول :

"انت فين يا سليم ،جدك قاعد برى وقال ليَّ انده له أدهم"

لم يفهم اين المعضلة في حديثه وقال :

" فين المشكلة ،انا و أدهم رجعنا من الشغل سوا شوفه هتلاقيه واقف في البلكونة او رن عليه"

اردف احمد ساخراً:

"تصدق ماكنتش اعرف"

زفر سليم الهواء بضيق يحاول ان يتحلى ببعض الصبر :

"اخلص يا احمد يعني انت عايز ايه دلوقت"

اردف احمد سريعاً قبل ان يغلق سليم الهاتف :

" انا رحت له لقيته نايم وانت عارف أدهم ما بيحبش حد يصحيه من النوم انت مش فاكر لما مراد راح يصحيه عمل فيه ايه"

تحدث سليم بضحك معتذراً :

"كان على عيني بس جدك بعتني عند خالتك نجلاء اطمن على نور ونورهان واشوف لو محتاجين حاجة"

وقبل ان يتحدث احمد رأى سليم سلمى وهي تدخل إلى البناية بعد عودتها من الاختبار فاليوم هو يوم الثلاثاء اول ايام الاختبارات الخاصة بكليتها،وقال وهو يغلق الهاتف في وجه احمد :

" سلام يا احمد دلوقت"

ركض بعدها ناحية سلمى ينادى عليها :

" سلمى"

سمعت صوته وبدأت ضربات قلبها تذداد لكن لم تستدر له واكملت في الصعود لتسمع صوته يناديها لكن هذه المرة برجاء :

"سلمى ارجوكِ استني ،في كلام عايز اقوله لازم تسمعيه"

نظر احمد للهاتف بتأفف ليرفع بصره ورأى قدر تنزل الدرج اقترب منها وقال :

"قدر ما شوفتيش عمر "

ضمت حاجبيه وقالت بتذكر :

" اه ،عمر راح الدرس مع ديشا صاحبه"

انكمشت ملامحه بضيق لا يعلم ماذا يفعل الآن حتى اقترحت قدر المساعدة عندما رأت تعابير وجهه المتأففة :

" لو في حاجة كنت عايز عمر يعملها ،انا ممكن اعملها"

ما ان طرأت على مسامعه هذه الجملة نظر لها بفرحة وقال :

"اه يا ريت ،ممكن تطلعي معايا شقتنا في حاجة عايزك تعمليها"

ردت عليه مبتسمة :

"حاضر ،بس دقيقة هدخل المطبخ اشوف ماما ريهام عايزة ايه"

اومأ لها وقال وهو يصعد الدرج إلى شقتهم :

"وانا هستناك فوق متتأخريش"

صعد إلى الأعلى ودخل إلى الغرفة بهدوء نظر إلى أدهم النائم على ظهره عاري الصدري لا يرتدي سوى سروال قطني ويضع يده اليسرى اسفل رأسه ويده الاخرى على معدته،اردف احمد وهو ينظر إلى هيئته تلك :

"حتى وانت نايم كاريزما "

اقترب من الفراش بضع خطوات وقام بسحب الغطاء ووضعه على جسد أدهم بهدوء وما ان خرج من الغرفة وجد قدر تنتظره في ردهة المنزل ،اقترب منها وقال :

"قدر ممكن تدخلي تصحي ادهم عشان جدي عايزه "

وقبل ان تعترض وتسأله تابع هو :

"أدهم مش بيحبني انا بالذات اصحيه عشان حاجة حصلت زمان ،ممكن بعد اذنك تدخلي انتِ وتصحيه "

شعرت بالارتباك فكيف لها ان تدخل غرفته وايضاً نائم فيها لتقول معترضة :

"ايوة يا احمد بس انا ماينفعش ادخل اوضته وهو لوحده ،انا مش قصدي حاجة بس حاسة انه مينفعش"

"عشان خاطري يا قدر وانا ياستي هقف هنا لحد ما تصحيه وتخرجي وسيبي الباب مفتوح وانت بتدخلي"

لم تقدر على الاعتراض امام نبرته المترجية وطريقته اللطيفة ،اقتربت من الباب وفتحته بهدوء وضربات قلبها تذداد كلما تخطو خطوة مقتربة منه لتنظر إلى لوحاته المتواجدة في الغرفة بأنبهار ماعدا واحدة منهم كانت مغطاه بقطعة قماش اقتربت منها حتى ترى ما خلفها لكن تذكرت سريعاً لما هي هنا.

اقتربت من الفراش و تنحنحت مردفة :

" ادهم ،ادهم اصحى"

لم تجد رد لتقول محدثة نفسها :

" شكله نومه تقيل وهيتعبني"

لتأخذ نفساً عميقاً تنادي اسمه بصوت عالي :

" أدهم"

فتح عيونه لترجع قدر بضع خطوات للخلف لا تعلم لما شعرت بالخوف ،ازاح أدهم عنه الغطاء ووقف أمامها لتشهق قدر بخجل وهي تراه هكذا لكن سمعت أدهم يتحدث والغضب بلغ زروته عنده بعدما سحب التي شيرت الموضوع على الفراش وقام بأرتدأه:

" انتِ ازاي يابني ادمة انتِ تتجرأي وتصحيني"

تلعثمت وهي تحاول ان تبرر موقفها :

"انا جيت...جدك..عشان.."

ليهتف أدهم بصوت عالي وعروقه بارزة من شدة غضبه :

"انتِ ايه؟ وازاي أصلاً تدخلي اوضة شب كنتِ عايزة تعملي ايه "

نظرت له بصدمة لتعقب على حديثه رافضة تصريحه المباشر :

" انت بتتكلم معايا كده ليه"

لما يهدأ و لو قليلاً و قال ساخراً :

" و انتِ اللي زيك اتكلم معاهم إزاي"

شعرت بالإهانة من حديثه لتخرج من غرفته ومن المنزل بأكمله ،فقط طفح الكيل.

بالخارج كان يجلس زكريا المنشاوي في الحديقة الامامية للمنزل يقرأ من مصحفه ولم ينتبه لخروج قدر حتى اقتربت منه وسمع صوت انثوي ناعم يقول :

" هاي"

اغلق زكريا مصحفه ورفع رأسه يرى من صاحبة الصوت وجد فتاة ترتدي ثياب غير مناسبة مع الشهر المبارك ربما لا يظهر منها جسدها لكن كانت ضيقة للغاية وتترك شعرها يتطاير مع نسمات الهواء الخفيفة.

دعى زكريا ربه ان يرشدها إلى طريق الهداية وبعدها اردف يسألها عن هويتها :

"انتِ،مين يابنتي"

اردفت بحماس وابتسامة متسعة :

" انا شوشو صحبة سليم"

           ...لسه الحكاية مخلصتش...  

#صدفة_ام_قدر

#العشق_الخماسي

#سميه_عبدالسلام


الفصل الخامس والعشرون من هنا

 

تعليقات



×