رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم سميه عبد السلام



رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم سميه عبد السلام 






البارت 28 (قرار نهائي)

نقدر على الصمت عندما نريده ،لكن عندما تنطق الملامح فمن يقدر على إخفائها،حقد ،كراهية،غيرة،وبغض ،مشاعر سيئة عندما تحتل إحداها القلب تتلفه لكن ماذا لو اجتمعت جميعها في قلب واحد..؟!!
قلب لا يعرف الرحمة او الشفقة كل ما يريده هو الانتقام حتى لو لم يكن لديه حق في الانتقام.

يجلس امام والده بعد استدعائه من قِبل شقيقته ملك واخبرته ان والده يريده.

"خير يا بابا"

خرجت من فم فؤاد موجهة الى ابيه الذي عقب هو الاخر :

"عايز اعرف ناوي على ايه مع عيلة المنشاوي؟"

اغمض عينيه بكره كلما يتذكر انهم السبب في حالة والده العاجز وكيف له ينسى ؟و هو يتمنى ان يأتي اليوم الذي يمحو فيه اسم المنشاوي، فتح عينيه يطالع والده بهدوء عكس النيران المشتعلة بداخله :

"ناوي اوريهم الجحيم على الأرض هخليهم يتمنوا المو,ت و ما يطلهوش هما فاكرين اني نسيت العدواة وكفيت خيري شري بس اللي مايعرفهوش اني مستني الوقت المناسب عشان اظهر لهم من تاني"

استكمل حديثه والمكر يخرج من عينيه قبل صوته :

"وساعتها مش هيبقوا عارفين الضربة جاية لهم منين "

يبصر ابنه بكل فخر كمن فاز في مسابقة عالمية ،زرع زرعته وها هو يحصدها على هيئة شخص بكتلة شر متحركة،حرك حسين عجلات كرسيه واقترب من ابنه يربت على فخذه :

"و هو ده اللي انا عايز اسمعه منك يا فؤاد"

اومأ له فؤاد وهو يتابع حديثه الماكر :

"ومش بس هتسمعه، قريب اوي هتشوفه بعينيك"

نظر حسين الى نقطة وهمية امامه مردفاً ببغض وحقد يصرخ بكل إنش به :

"انا عايز زكريا يتحسر على احفاده واحد واحد زي ما حسرني على جدك الزيات وحسرني على رجليَ وخلاني اقضي بقية حياتي على كرسي بعجل"

انهى جملته الاخيرة بأنفعال وقف فؤاد سريعاً وامال يقبل يد والده :

"وحياتك عندي لأخليه يقعد نفس قعدتك دي "

ثم استقام واقفاً وتابع حديثه بعد وضع يده على معدته تحديداً الجرح الذي تركه ادهم له :

"لأن مابقاش طار جدي و أبويا بس انا كمان ليَ طار عندهم و ده هيبقا ليه حساب تاني خالص"

سمع صوت والده محذراً :

"بس خلي بالك يا فؤاد ،الواد الداهية اللي إسمه ادهم ده مش هيشوف عيلته بيحصل لها حاجة ويقف يتفرج"

وضع كف يده على كتف ابيه مردفاً يطمئنه :

"ما تقلقش انا مش هظهر في الصورة خالص انا هفضل اتفرج من بعيد لبعيد"

واكمل حديثه ببتسامة :

"و اعمل حسابك بقا في فشار كتير عشان الأيام الجاية هنتسلى اووي"

__________________________________

اسئلة كثيرة تدور بذهنه كادت تفتك به من كثرة التفكير فكيف لشخص حُكم عليه بالاعدام يخرج للحياة من جديد ،تنهد قبل قوله للجالس بجانبه :

"لأ انت تحكي ليَ كل حاجة بالتفاصيل وتفهمني ازاي الشيمي بعد ما كان محكوم عليه بالاعدام يخرج من السجن "

أستمع مراد لحديث ادهم ورد قائلاً بتوضيح :

"الشيمي موكل محامي عقر مافيش قضية بتعصلج معاه وبيطلع لها 100 ثغرة وثغرة عشان يخرج موكله"

قبل ذلك بأيام 

دلف الشيمي وبصحبته عسكري الشرطة يمسكه من ذراعه الذي قال بعد اداء التحية العسكرية :

"المسجون اللي طلبته يا فندم"

وقف مأمور السجن وهو يشير للعسكري بالخروج واثناء خروجه وجه بصره للشيمي قائلاً :

"هسيبك تقعد مع المحامي بتاعك"

انتظر الشيمي خروج المأمور واغلق الباب خلفه واسرع بالجلوس امام المحامي على الكرسي المقابل له مردفاً بأنفعال :

"هو ده اللي هتخرجني منها ؟! لبستني البدلة الحمرا وواقف تتفرج ناصح تاخد كل شهر فلوس على قلبك قد كده"

اردف المحامي يحث الشيمي على الهدوء :

"اهدي يا شيمي بيه عشان تعرف تسمعني كويس ،انا اكيد مش جاي عشان اسمع كلامك ده "

حاول الشيمي ان يتمالك زمام اموره حتى لا ينقض على محاميه ويقتلع رأسه وتصبح الجريمة جريمتين هذا ما كان يفكر به الشيمي لكن نجح المحامي بجذب جميع حواسه في قوله :

"انا عندي الحل اللي يخرجك من هنا ومن غير يوم حبس زيادة "

اردف الشيمي بسرعة وعدم تصديق :

"وساكت الحقني بيه"

ابتسم المحامي بخبث :

"بس الحل ده هيكلفك كتير شوية"

اومأ له بالموافقة وقال :

"مش مهم الفلوس المهم اخرج من هنا ،و ارجع الشيمي من تاني واللي كانوا السبب في دخولي هنا هتكون نهايتهم على أيدي "

انهى جملته بتوعد ،و رجع المحامي بظهره للخلف مع قوله الماكر :

"يبقا اتفقنا"

عودة

"المحامي جاب واحد شال الليلة كلها عن الشيمي واعترف ان هو اللي قت,ل العنتبلي وهرب قبل ما الحكومة تمسكه وعشان الشيمي مش غبي، المخزن اللي كنا مخطوفين فيه الشيمي فضاه من اي بضاعة فيه لأنه كان خايف حد مننا يبلغ عن المكان بعد ما عرفناه في المرة الأولى لما حرقنا البضاعة يعني مافيش تهم غير قت,ل العنتبلي وجاب اللي شالها يعني مافيش قضية مخد,رات لان مافيش حرز وحتى لو لقيوا ،المكان بقى مش تبع الشيمي"

اوقفه ادهم عن الاسترسال بسؤاله :

"ازاي المخزن مش بتاعه"

تنهد مراد وتابع السرد :

"الشيمي كتبه بأسم حد تاني عشان كان ناوي ياخد الـ 3 مليون جنيه منك ويخلص علينا انا و انت و احمد ولما يلاقوا جثثنا يبقا هو بعيد عن اي شبهة والراجل صاحب المكان هو اللي يلبسها"

ضحك ادهم وهذا ذاد تعجب مراد حتى قال :

"لأ عجبتني دماغه "

اردف مراد بغيظ :

"يعني انا بقول لك الشيمي خد حكم بالبرأة وهي ايام ويخرج من السجن بعد الانتهاء من الإجراءات واكيد مش هيسيبنا في حالنا وانت تقول عجبتني دماغه"

اومأ له بالايجاب قائلاً :

"في مثل بيقول لك عدوك الذكي ولا صاحبك الغبي "

همهم مراد قبل ان يقول ببرود :

"لأ انا هقول لك مَثل احلى "

صمت قليلاً ثم تابع :

"اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي "

رمقه ادهم بأستنكار قائلاً :

"اتلسعت من الشوربة انفخ فى الشوربة ماتنفخش فى الزبادي ماتبقاش ملسوع وأهطل " 

مط مراد شفتيه مردفاً بحنق :

"اقسم بالله انت رايق و...مستفز"

قهقه ادهم بخفة ثم استعاد ربطة جأشه مردفاً بهدوء :

"بس انت عرفت منين موضوع الشيمي ده"

"من سعد ،الشيمي لما اتقبض عليه رجب دراعه اليمين عرف يهرب ومعاه راجلين من رجالة الشيمي واحد منهم كان مصاحب سعد ايام قبل ما يتوب ويساعدنا نقبض علي الشيمي وسعد ساعده يهرب عشان صاحبه وصاحبه ده لما عرف ان الشيمي هيخرج قرر يرد لـ سعد الجميل ويقول له عشان ياخد حذره "

عقب ادهم على حديثه بسؤال :

"طب وصاحب سعد ده كده اكيد لسه شغال عند الشيمي يعني..."

بتر مراد جملته قبل يكملها بقوله :

"لأ مش هيساعدنا لأنه قال لـ سعد انه مش هيخون الشيمي زي ما هو عمل ،هو بس قاله على خروج الشيمي عشان يرد الجميل يعني تنسى انه يساعدنا"

"تصدق بالله"

ضم مراد حاجبيه بتعجب مردفاً :

"لا إله إلا الله"

استكمل ادهم حديثه بحنق :

"انت و اخوك سليم كل ما اشوف لها حل تقفلوها في وشي ،ده انتم لو قصادين مش هتعملوا معايا كده"

__________________________________

بالاسفل وبالتحديد في حديقة المنزل تجلس ندى على الارضية و حولها كتبها الدراسية واضعة يديها الإثنين على وجنتيها ومن الحين للآخر تقلب احدى صفحات الكتاب ،تجلس قرابة الساعة ولم تنتهي سوى من صفحتين فقط والإختبار بالغد ولازال يتبقى الكثير ،اردفت بحنق كأنها تحدث شخص ما :

"كان لازم اصمم على كلية آثار و اقول لأ مش هدخل اللي هي ،اروح الامتحان ازاي دلوقت وانا كل اللي اعرفه عن التاريخ جملة الملك رمسيس الثاني لزوجته نفرتاري «هي التي من أجلها تشرق الشمس» و اكتشفوا انه اتجوز بعدها 54 واحدة "

ثم تابعت ساخرة من نفسها :

"اروح اكتب لهم هي التي من اجلها تشرق الشمس،عشان ما يطعلليش شمس بعدها"

دلف رحيم من البوابة الحديدية للمنزل بعد عودته من عمله الجديد الذي التحق به من قِبل سَليم، استدار برأسه جهة اليسار وجدها على هذه الحالة تكلم نفسها كالبلهاء او بلهاء ايهما اقرب.

"شايفكِ بتكلمي نفسكِ خير اتجننتي ولا لسه"

قالها بعد اقترابه منها وقرر استفزازها ونجح بالفعل في ذلك لتقف ندى مستقيمة مردفة بغيظ فهي شخص سريع الغضب :

"طب امشي عشان ما اوركش الجنان اللي بجد"

نظر لها ببرود وقال :

"انا همشي بس مش عشان انتِ قولتِ امشي انا بس راجع تعبان وعايز انام"

عاد يكمل وجهته للمنزل لكن اوقفه صوت ندى وهي تقول :

"رحيم انت مابقتش تيجي الكلية ليه"

شعرت بالحرج من سؤالها لأنه بالتأكيد لن يقوم بالرد عليها لكن لم تستطع منع نفسها من السؤال وبخت نفسها لفضولها هذا الذي دائماً يضعها في مواقف محرجة حتى رأته يرجع لها مرة اخرى ويقف أمامها لكن هذه المرة نظرت بعينيه عن قرب وشردت بهما للحظة لاول مرة تلاحظ عينيه الزرقاء الصافية ،انتبهت لنفسها لتهرب بعينيها بعيداً مع قولها :

"لو مش عايز تقول خلاص براحتك"

"انا سبت الكلية"

جملته جعلها تنظر له من جديد ولم تستطع منع نفسها من ان تساله مرة اخرى :

"ليه سبتها ،ده الطلاب بيشكروا فيك اوي"

كانت تقصد لين التي دائماً تخبرها عن رحيم دون قصد منها عن جدراته وجهده الذي يبذله مع الطلاب ،لمع الحزن بعين رحيم وود لو يقول لها السبب الحقيقي وسبب عدواته مع طارق لكن اكتفى بقوله:

"انا كمان سبت المستشفى لأني ماكنتش مرتاح وكنت متأكد ان ربنا هيعوضني بحاجة احسن"

اومأت له بهدوء وطرحت سؤال اخر من جديد :

"طب وانت دلوقت بتشتغل فين"

و بسؤالها ظهر فيه جزء طفيف من اهتمامها بشأنه استطاع ان يلتقطه رحيم وقال وهو يبتسم :

"اخوك سليم لاقالي شغل في مستشفى احسن من اللي كنت فيه حتى انا لسه مخلص الشفت حالاً "

كان يقصد ذلك اليوم الذي ذهب له في الصباح الباكر وسأل مراد عنه واخبره انه لم ينم ليلته في الفراش بل قضاها فوق سطح المنزل وحينها اخبره سليم عن هذا العمل وعن موعد المقابلة الشخصية والتي ات بعدها اتصال هاتفي يخبروه انه تم قبوله بالمشفى وكان اليوم هو اول ايام العمل بها.

نظرت ندى في الهاتف تحديداً للجزء الموجود به الساعة ورأت أنه مر اكثر من خمسة عشر دقيقة لتهتف كأنها تحولت لأخرى :

"يخربيت رغيك ،ضيعت الوقت والامتحان بكره وانا لسه مخلصتش انا كان مالي بتشتغل ولا متشتغلش انت اصلاً ما تهمنيش "

كاذبة، سمعت بهمس داخلها يخبرها انها كاذبة فهي منذ ان اخبرتها لين انه لا يأتي للجامعة وهي تود ان تعرف السبب ولا تعلم ان الفضول لن يبقى فضول دائماً بل يصبح شيء اخر...كالاعجاب مثلاً.

تنهد رحيم بقوة مع قوله الباسم :

"تعرفي ان فيه شبه بينكِ وبين شجرة الدر "

قطبت جابينها متعجبة تنتظر باقي حديثه فـ ربما يقصد انها تشبهها في طموحها الذي حولها من جارية إلى سيدة عرش او ربما يقصد انها تشبهها في ذكائها و دهائها ام انه يقصد الشبه في الجمال نفسه لكن اصبح كل ذلك هباءً منثوراً عندما قال رحيم بنبرة جادة ظهرت فيها انفعاله:

"انتم الاتنين تستاهلوا ضرب الأوبأب "

جحظت عينيها من الغضب و ككل مرة لا يترك لها فرصة في الرد بل يرحل هو ويتركها خلفه تشتعل من الغيظ بل كادت تنفجر وسريعاً التقطت صخرة صغيرة من الارض وقامت بألقائها عليه وبالفعل اصابت ظهر رحيم التفت لها يرمقها بغضب قابلة نظرته ببتسامة سمجة قائلة :

"ده طرح شجرة الدر"

شعر رحيم بالاهتزاز في جيبه ولم يكن سوى هاتفه النقال ،اخرجه ورأى ان المتصل عميد الكلية التي كان يعمل بها سابقاً،فهو لم يذهب للجامعة منذ تركه للمشفى ،اغلق الهاتف ووضعه في جيبه مرة اخرى ولم يقم بالرد.

__________________________________

فتح باب الشقة و ترجل منه يحوم ببصره في انحاء الشقة بحثاً عن والدته التي خرجت من المطبخ تحمل طبقاً بيدها اقتربت من الطاولة وضعته عليه وانتبهت لقدوم ابنها مردفة ببسمة عذبة :

"تعالى يا سعد اتسحر الفجر قرب يأذن"

كان يبدو عليه الانهاك بشدة ،اقترب من والدته ورفض طلبها بأدب :

"اتسحري انتِ ياما عشان جاي تعبان من الشغل وعايز انام معلش "

مثلت الانزعاج مردفة بتذمر :

"طبعاً تلاقيك كلت في المطعم وانا مستنياك عشان نتسحر سوى "

ابتسم مع قوله اثناء جلوسه على الطاولة :

"والله ما دقت اللقمة بس عشان زعلك انا هقعد و اتسحر معاكِ"

جلست هي الاخرى تأكل وعلى وجهها ابتسامة راضية ،ثم اردفت حتى تكسر ملل الصمت بينهم :

"المطعم عامل معاك ايه يا سعد "

ترك الملعقة من يده ورجع بظهره للخلف مردفاً بتنهيدة :

"والله ياما هو المطعم في الاول محتاج شغل كتير عشان يقف على رجله ويبقا معروف صح هتعب جامد الفترة الجاية بس انا واثق ان ربنا هيكرمني عشان هيكون باب رزق حلال"

حمدت الله ان ابنها وفلذة كبدها ابتعد عن طريق الضلال و عاد الى رشده والفضل في ذلك هو مراد بعد الله سبحانه وتعالى فأقترحت عليه من باب المساعدة :

"طب ما تقول لـ الاستاذ مراد و هو هيساعدك..."

بتر جملتها وهو يعود للأكل من جديد مع قوله الحاسم :

"لأ مش كل حاجة هروح اطلب من الاستاذ مراد ،ده كفاية عليه انه جاب ليَ الشهادة الصحية وساعدني اني اخد التصاريح عشان افتح المطعم ،لو كل ما احتاج حاجة هروح اطلب المساعدة يبقا انا لزمتي ايه وبعدين ده بعد كده هيبقا اسمه تواكل مش مساعدة ده ربنا قال اسعى يا عبد وانا اسعى معاك"

لم تكن تصدق ان تلك الكلمات تخرج من فم سعد ابنها ولم تشعر بسقوط دموعها فرحاً إلا عند وقوف سعد مقترباً منها ومسح دموعها مردفاً بمزاح :

"صدق اللي قال ان الستات نكدية ،بتعيطي ليه دلوقت "

مطت شفتيها بأستهزاء :

"انا نكدية ،ده ابوك عمره ما قالها ليَ "

سمعت سعد يقول مؤيداً على حديثها :

"اه ،عشان كده ما,ت مجلوط"

ضربته بخفة في كتفه محذرة :

"اتلم بدل ما تحصله انت كمان "

اومأ لها بأستسلام ورفع رايته :

"لأ وعلى ايه الطيب احسن ،الحق بقا اكلي لقمة قبل ما الفجر يأذن "

وعقب انتهائه من جملته سمع صوت مكبر آذان الفجر وهو يقول :

"الـلـه اكـبـر الـلـه اكـبـر "

كتمت امه ضحكها بصعوبة على وجهه المتذمر يهتف :

" انا نازل اصلي الفجر "

__________________________________

في نفس التوقيت ،انتهت هبة من اداء صلاة الفجر وجلست على الفراش من الجانب وفتحت الكومود واخرجت ورقة تتذكر عندما ات مراد عقب اتصالها واخبرته بصوت مرتجف يحمل بين طياته الخوف...الخوف من الفقد والخذلان :

"مراد انت عارف ان اللي في الصورة دي مش انا صح؟!"

كان يتطلع بها بهدوء يستوعب ما رأه في الهاتف منذ قليل و رأى في عينيها لهفتها لمعرفة الإجابة :

"انا لو شُفتكِ بعينيَ مش هصدق يا هبة و هقول حد شبهكِ ،يبقا اكيد مش هصدق شوية صور عشان حد مولع منكِ وعايز يبتزكِ "

اردفت من بين شهاقتها التي لا تستطيع ان توقفها :

"مراد لو حد شاف الصور دي انا مش هعرف اخرج اوري وشي لناس و...و خالتي فاطمة ... خالتي فاطمة ممكن يجر لها حاجة ...مراد انا خايفة اووي"

ودخلت في نوبة بكاء جديدة وعلت شهقاتها ،ضمها إليه مراد ومسد على ظهرها بلطف يهدهدها كطفل صغير حتى هدأت قليلاً وخرجت من حضنه الدفئ التي تمنت لو ظلت داخله ،مسح مراد دموعها بيديه وقال :

"مش احنا اللي نخاف يا هبة اللي يخاف ده بيخاف عشان عمل حاجة غلط ،انتِ ملكيش ذنب ان في ناس مريضة بتعمل القرف ده لمجرد انهم يبتزوا الناس او لغرض انهم يستمتعوا بأذية الناس"

"ايوة بس...بس الناس مش هتصدق ان دي مش انا"

لاحظ مراد رجفة يديها وهي تتحدث ،التقط يدها بحنان يبث داخلها الطمأنينة :

"اللي يصدق يصدق انتِ الكسبانة "

ضمت حاجبيه بأستفاهم ،وتابع مراد حديثه يوضح لها مقصده :

" لأن اللي بيحبكِ بجد هييجي يسمع منكِ انتِ الأول ،عشان الناس اللي بتحبنا بتشوفنا بقلوبها مش بعنيها والقلب عمره ما يشوف غلط"

كلمات بسيطة غير مرتبة لكن صادقة استطاعت ان تحول حزنها وخوفها إلى اطمئنان.

انتفض مراد في جلسته مردفاً بحماس :

"هبة قومي البسي عشان هننزل نفطر سوى"

اعترضت على ذلك بقولها :

"معلش يا مراد انا مش عايزة اخرج "

بعد ساعة تقريباً

اغلق مراد الهاتف بعد محادثة جده واخباره انه لن يأتي للأفطار معهم ،وضع الهاتف جانباً على الطاولة ونظر إلى هبة الشاردة واردف متسائلاً :

"هبة انتِ كويسة؟"

حولت بصرها له وابتسمت بسخرية مع قولها :

"زمان لما حد يسألني انتِ كويسة ،كنت بحس اني عايزة اقوله لأ انا مش كويسة وافضل احكي احكي لحد مرتاح واكون طلعت اللي جوايا بس بعدين بفكر شوية واعرف انه سؤال عابر وكل واحد فيه اللي مكفيه و ما حدش مهتم يسمع لمشاكل غيره فـ برد بأني كويسة و اسكت"

"بس انا حابب اسمعكِ "

كانت نبرته صادقة ، نابعة من قلبه لم تكن مجرد كلمات يظهر بها اهتمامه ،جملة من ثلاث او اربع كلمات نجحت ان تجعلها تفتح قلبها وتتحدث دون ترتيب لحديث او التفكير ان كان يجب عليها قوله ام لا ،بل شعرت انها تريد ان تفضي بكل ما بداخلها :

"عمري ما اخترت حاجة لنفسي دايماً بابا وماما هما اللي بيختاروا ،اصاحب مين ومصاحبش مين البس ايه وما لبسش إيه حتى اختياري لمستقبلي في التعليم كان بأيديهم هما ،عمري ما جربت إحساس ان اختار حاجة بنفسي حتى لو هندم عليها بعدين، الحاجة الوحيدة اللي كانت من اختياري هو انت يا مراد و حتى الإختيار ده ماحصلش غير بعد مو,ت بابا و ماما بس كنت على طول بقول اكيد بكره احلى ،صح يا مراد "

سألته بعد تكون طبقة شفافة في مقلتيها تنتظر إجابته التي اتت عكس المتوقع :

"مش هكدب عليكِ و اقول لكِ بكره احلى ما انا مش مكشوف عني الحجاب و بعرف في علم الغيب بردو "

رمقته بعدم تصديق من اين يحضر هذه الإجابات ،قطع تفكيرها حضور النادل ومعه الطعام وضعه على الطاولة وسألهم :

"تؤمر بحاجة تاني يا فندم "

"لأ شكراً "

رد عليه مراد الذي قال بعد ذهاب النادل:

"هبة هاتي التليفون بتاعكِ"

اعطته الهاتف تزامناً مع سؤالها :

"هتعمل ايه"

اخذه واردف ببتسامة :

"ما تفكريش في حاجة غير الأكل اللي قدامكِ انا هتصرف "

بدأوا في تناول الطعام ،لاحظ مراد حرجها منه فكر قليلاً كيف يجعلها تتخلص من خجلها هذا حتى مرت فتاة من جوارهم والغضب ارتسم على ملامحها بمهارة كانت تسير كالمدفع محددة وجهتها وهذا لفت نظر هبة و مراد.

اقتربت الفتاة من الطاولة التي يجلس عليها شاب وفتاة وضربت بيدها مع قولها :

"بقا انا ياض تخوني مع دي"

اردف الشاب بصدمة :

"نهى ؟! انتِ ايه اللي جابكِ هنا"

اردفت الفتاة الجالسة :

"مين دي يا معاذ "

هو نفسه معاذ ثابت الذي حاول التحدث مع لين من قبل ووقفت في طريقه ندى ،وقف معاذ يحاول ان يهدأ نهى المشتعلة من الغضب :

"اهدي يا نهى وانا هفهمكِ كل حاجة "

اردفت نهى وهي ترمقهم بسخط ساخرة :

"نعم يا عمر تفهمنى؟! تفهمنى ايه"

سمعها مراد ومعه هبة التي نجحت نهى في جذب انتباههم وليس هم فقط بل كل من بالمكان ،تحدث مراد بجدية يعلق على حديث نهى :

"تعرفي يا هبة ان «يا عمر» دي،
من أقدم التعبيرات المصرية، وهو يعود للعصر الفاطمي. لأسباب مذهبية، كان الفاطميون يبغضون شخصية عمر بن الخطاب، فكان خطباؤهم يسخرون منه على المنابر ذاكرين بعض المواقف المنسوبة إليه ثم يقولون باستهزاء "وأين كنت أنت يا عمر؟" ويمطون كلمة عمر فيقولون "يا عوووماااار". توارث المصريون التعبير فصاروا يقولون لمن يتعاركون معه له "يا عمر"

سقط فك هبة وهي تستمع لحديثه تتذكر ذلك اليوم الذي ات فيه احمد وتشاجر مع ام فاروق و ام اشرف ووقف مراد في الشرفة يشاهدهم ويعلق على حديثهم كأنه لغة تحتاج لتفسير ،انتبهت هبة مرة اخرى للفتاة التي تجلس امام معاذ مردفة بتقزز :

"ياياي دي بيئة اوي يا معاذ انت بتعرف الاشكال دي إزاي"

احتدت ملامح نهى و ذادت سرعة تنفسها مردفة بغضب :

"انا بيئة يا بيئة يابت ده انتِ بتستحمي مرة كل شهر ده انا عرفت انه هنا من ريحتك المعفنة اللي جايباني من على الباب "

شعرت الفتاة بالحرج من حديث نهى لتقول مدافعة :

"انا مش هرد عليكِ و اقلل من نفسي لان انتِ واحدة سفواچ خالص "

مطت نهى شفتيها بسخرية مردفة بصوت عالي :

"ما بقاش غير بنت بياع البليلة اللي هتعوج بوقها وتقول سفواچ، شوباااش"

تنحنح معاذ عندما رأى هذه الملحمة :

"طب استأذن انا"

رحل معاذ وتركهم خلفه وبدأ الشجار بينهم الذي وصل لتشابك بالايدي وجذب الشعر استدارت هبة برأسها لـ مراد الجالس بهدوء يسترسل باقي حديثه :

" «شوباش» دي بقا من أقدم مفردات “الردح” المصرية على الإطلاق، فهي تعود لعصر قدماء المصريين بمعنى مختلف تماماً عن الغرض المراد من الردح، فـ”الشوباشي” او الاوشابتىي في الاصل هي تماثيل صغيرة توضع في القبر لتردد الدعاء للميت، وقد انتقلت الكلمة للعصر الحديث وحملت معنى آخر هو “رددوا ورائي ما أقول وأمنوا على كلامي الموجّه للخصم”."

ضحكت هبة بعدم تصديق وعادت لتأكل طعامها بعدما تم طرد نهى والفتاة من المكان عادت تأكل وقد نست خجلها من مراد و هذا ما اراده من البداية.

عادت هبة للمنزل ودخلت الى غرفتها وهي تشعر بالسعادة تغمرها ليس التي كانت تبكي قبل ساعات قليلة حتى سمعت دق باب غرفتها ولم يكن سوى خالتها التي قالت :

"مراد قال نسيتي دي معاه"

انكمشت ملامحها تنظر للعلبة الكرتونية الموضوعة داخل كيس بلاستيكي اعطتها لها فاطمة وخرجت من الغرفة ،بدأت هبة في فتح العلبة ووجدت بها ستة قطع من حلوى الدونتس مختلفة الشكل و الألوان بدت شهية للغاية ،ولفت نظرها الجملة المدونة بخط يده على غطاء العلبة الكرتونية من الداخل.

«لان الله يُحبها كل مَن يراها يُحبها»

عادت هبة من شرودها ببتسامة رسمت على وجهها تنظر للورقة المدون بها جملته، اعادتها لمكانها في الكومود و استلقت بجسدها على الفراش من اجل الخلود للنوم.

__________________________________

عاد سليم من الشركة و قابل مصطفى الذي اوقفه بقوله :

"كنت فين من اول امبارح سألت احمد عليك قال مايعرفش انت فين"

تنحنح سليم متحججاً بالعمل فلن يقدر على قول الحقيقة واخبار عمه انه ذهب من أجل رؤية سلمى وتابع حديثه بسؤاله :

"بس بتسألي ليه يا عمي عايز حاجة"

اومأ له وهو يخبره :

"كنت محتاج حد بيفهم في موضوع السوشيال ميديا ده عشان يعمل لنا اعلانات عن محلات جدك بتاع الفاكهة والخضار المغلفة "

اردف سليم بحماس :

"طلبك عندي مافيش احسن من نيرا"

ثم اخرج هاتفه وهو يقول :

"تاخد رقمها"

تحدث مصطفى بضيق :

"هو كل اللي تعرفهم ستات مافيش رجالة "

مثل سليم انه يرحل بقوله :

"يعني مش عايز الرقم"

اوقفه مصطفى بأمتعاض :

"اخلص هات الرقم "

اخذ مصطفى من سليم الرقم وصعد إلى شقته وقرر ان يدلف الى غرفة عمر يطمئن عليه و يرى ان كان يحتاج لشيء بخصوص المذاكرة ،فتح مصطفى الباب لكن وقف محله من الصدمة عندما رأه لازال نائم وقد اقترب آذان العصر ابتسم مصطفى بخبث وقام بأطفاء المروحة والتي على اثر توقفها استيقظ عمر بتأفف بسبب حرارة الغرفة العالية ورأى والده امامه يقول بضيق :

"العصر قرب يأذن والبيه لسه نايم ،امال هتذاكر امته"

تحدث عمر بصوت ناعس وظهر في نبرة صوته انزعاجه من تصرف والده :

"مش الساعتين اللي هنامهم هما اللي هيخلوني اطلع الأول على الدفعة يعني يا بابا"

رمقه والده بأمتعاض مردفاً بتحذير وهو يخرج من الغرفة :

" اللي عايز يطلع الأول على الدفعة مش بينام زيك للعصر"

وقف عمر على ركبتيه على الفراش مردفاً بغيظ قائلاً:

"طب على فكرة بقى ابليس رغم كفره 
ما طفاش المروحة علي حد وهو نايم "

عاد مصطفى للغرفة من جديد قائلاً بغضب :

"بتقول ايه ياض يا ابن الكلـ...ـب "

رجع عمر في حديثه مردفاً بخوف من أبيه :

"بقول فعلاً عندك حق من طلب العلا سهر الليالي"

تحدث والده ساخراً :

"بس احنا العصر"

صمت عمر قليل ثم اردف :

"من طلب العلا سهر العصاري "

حدجه والده بحنق :

"انت هتخترع حكم كمان"

اردف عمر بتذمر ونفاذ صبر:

" ده انا اروح اطلب ايدي زميلتي اسهل من طلب العلا والله "

جحظت عيون مصطفى يقترب من ابنه والشر يتطاير من اعينه :

"تطلب ايد مين يالا"

انتفض عمر بذعر وركض في الغرفة يذكر والده بأنه صائم :

"اهدى يا حج وصلي على النبي ،ده انت صايم يعني اكيد مش هتضيع صيامك وتفطر على عيل ابن كلـ...ـب زيي"

القى مصطفى بسهامه النارية على ابنه و ما ان استدار من اجل الخروج رسمت على وجهه ابتسامة من مشاغبة إبنه ،تنفس عمر الصعداء بعد خروج والده مردفاً بدعاء :

"منكم لله يا عيلة المنشاوي كلكم هتجيبوا ليَ تبول لا ارادي "

__________________________________

"عامل ايه يا بابا "

امتعض وجه ثابت مردفاً :

"ما انت لو كنت بتسأل يا حسام كنت عرفت انا عامل ايه "

برر حسام مدافعاً عن نفسه :

"و الله يا حج انا في مأمورية وما رجعتش البيت بقالي اسبوع إلا لما قبضنا على المجرمين ده غير ان كل شوية مأمورية شكل،حتى ما رضتش اطلع اشوف حنان مراتي وقلت اعدي عليك الأول "

ربت على كتف إبنه مردفاً بهدوء :

" ربنا معاك يابني ،دايماً رافع راسي"

قبل يد ابيه بأمتنان وقال بتذكر :

"تعرف يا بابا انا قابلت مين وانا في الشغل "

اردف ثابت بالسؤال المتوقع :

"قابلت مين "

استرسل حسام حديثه :

"قابلت الحج زكريا المنشاوي سلمت عليه وعرفته اني حفيد الحج فضل ،بس بصراحة راجل كله هيبة ووقار كده "

اومأ له ثابت مؤيداً حديث إبنه :

"جدك زكريا ده مافيش زيه ،تعرف ان من وقت لما طلبت منه ان احمد يشتغل في الشركة عندي ما شفتوش "

اردف بأقتراح نال اعجاب والده :

"احنا فيها ،نروح لهم في زيارة انا و انت و نشوف معاذ لو حب ييجي "

اجابه والده على مضض :

"و هو الحيلة اخوك فين ،هو ده بيهمه حاجة غير نفسه "

حمحم حسام مغيراً مجرى الحديث :

"قول ليَ يا بابا هو ازاي جدي زكريا ابن عمك وانا بقوله جدي "

ابتسم ثابت على قول ابنه مردفاً بتوضيح :

"جدك زكريا مش ابن عمي انا ،جدك زكريا وجدك فضل عيال عم والاتنين جم من الصعيد للقاهرة مع بعض واشتغلوا سوا وبعدين انضم لهم الزيات "

حك حسام خلف رأسه بتعب وقال :

"طب بعد اذنك يا بابا هطلع انا عشان البنات وحشوني "

اردف والده بمشاكسة :

"البنات برضوا "

غمز له حسام وهو يتجه لسلم من اجل الصعود مردفاً بنفس نبرة والده :

"و ام البنات "

استقام ثابت واقفاً استعداداً للخروج ووجد باب المنزل يفتح تمعن النظر وجده ابنه معاذ اردف ثابت بصوت عالي مهللاً :

"أهلاً يا دكتور نورت "

اقترب منه معاذ مردفاً بمرواغة :

"والله البيت منور بـ ناسه وانت ناسه يا بابا "

طريقته هذه لم تمنع ثابت من قوله الحاد :

"ايه مش ناوي تتخرج من الكلية بقا ولا عجبتك القعدة فيها "

اومأ له برضوخ :

"حاضر من بكره الصبح هروح الكلية عشان اتخرج من كلية الطب "

رفع حاجبه مستنكراً :

"انت بتاخدني على قد عقلي "

"اخدك على قد عقلك ايه بس ده انت عقلك يوزن بلد ،بس بعد اذنك سيبني انام شوية وبعدين نرجع نتكلم في موضوع التخرج ده "

زفر الهواء بقوة مردفاً بقلة حيلة :

"ادخل يا اخويا نام، نوم العوافي "

تحرك معاذ من امام والده مستديراً يلقي له قبلة في الهواء ،اردف ثابت بغيظ من ابنه :

"ده هيبقا دكتور ده ويعالج الناس؟!"

__________________________________

في نفس التوقيت دلف فارس إلى قاعة جده. بعد ان اخبره احمد بأن جده يريده ، اقترب فارس من زكريا الجالس واضعاً يديه الاثنين على عصاه الانبوسة وقبل يده قائلاً :

"خير يا جدي ،احمد قال انك عايزني "

حثه على الجلوس بقوله :

"اقعد يا فارس "

لب فارس طلب جده وجلس على الاريكة المجاورة لـ زكريا وسمع جده يقول :

"انا سبتك بدل اليوم يومين عشان تعرف تفكر وتاخد القرار الصح واللي هيريحك، عشان انت عارف ان مهما كان قرارك مش هينفع ترجع فيه "

ابتلع فارس ريقه مردفاً بثبات :

"و انا خدت قراري يا جدي "

حثه زكريا على الحديث بقوله :

"وانا عايز اسمع قرارك "

بالاعلى جلست قدر على الفراش ولم تستطع المذاكرة او الخلود لنوم لانها تريد معرفة من هي «سارة» لمعت في مخيلتها فكرة التقطت الهاتف سريعاً وفتحت تطبيق الـ Facebook وبحثت عن اسم «ادهم المنشاوي» ومع محاولات عديدة حتى تجد اسمه وجدته اخيراً وهي تقول :

"اكيد هيبقا في account بتاعه اي حاجة تعرفني مين دي "

بدأت بالسحب اعلى الشاشة لاحظت انه لا يقوم بالنشر كثيراً على صفحته الشخصية واذا فعل غالباً تكون صوره الشخصية ومن ضمنها صورة نالت اعجابها كثيراً وهو يمتطي حصانه صاحب اللون الاسود اما ادهم كان يرتدي بنطال وسترة من اللون الاسود أيضاً ينظر امامه كأنه يستعد للركض بحصانه ،تابعت السحب ووجدت منشور له كتب فيه :

"لو انت مضايق مني او من كلامي او من طريقتي فأحب اقول لك اني مبسوط اني مضايقك ويارب يديني الصحة كمان عشان اضايقك كمان وكمان فرفش كده عشان انا لسه هخليك تفرقع"

خرجت ضحكة منها عقب انتهائها من قرأته ووصالت البحث ولم تجد شيء يفيدها بشأن سارة وضعت الهاتف بجانبها متأففة وضغطت دون ان تنتبه وارسلت له طلب صداقة.

يقف في الشرفة يحتسي مشروبه المفضل الشاي بالنعناع التي اعدته له والدته قائلاً بأمتنان :

"تسلم ايدكِ يا ست الكل "

قابلتها ببتسامة وعادت لداخل من جديد ،و هو ظل ينظر امامه بهدوء على عكس الحرب الطاحنة التي تدور برأسه اخرجه من قوقعه تفكيره هو رنين الهاتف برقم اسامة :

"ايوة يا اسامة عرفت توصل لحاجة "

اجابه اسامة من الناحية الاخرى :

"صفوت ده طلع بيتاجر في الاثار بس على خفيف وواخد شركة السياحة وجهة له عشان ما يتكشفش و جه مصر لنفس السبب "

قاطعه ادهم بسؤاله :

"وواحد زي ده ايه يخليه يشتري بيت خالتك اللي في حارة شعبية "

رد اسامة قائلاً :

"انا بردو ما فهمتش زيك كده بس قعدت و اتكلمت مع خالتي خديجة وفهمت منها ان البيت اللي هي عايشة فيه ده من زمان اووي من قبل ما هي تتجوز فيه حتى ،والناس وقتها كانوا بيقولوا ان فيه اثار وطبعاً ماحدش بيدور لأنه بيبقا خايف يتق,تل او مثلاً حارس البوابة يطلب منه يقت,ل اطفال عشان يوصل للي عايزه ولو ما نفذش يمو,ت هو"

صمت ادهم قليلاً يفكر في حديث اسامة وقال :

"واللي زي صفوت ده مش هيرمي فلوسه في الأرض لمجرد اقوال ممكن تكون خرافات "

ضيق اسامة عينيه يحاول ان يستشف مقصد ادهم من الحديث :

"قصدك ايه يا بشمهندس "

اجابه أدهم :

"يعني اكيد جمعة لقي الاثار دي وباع جزء منها لصفوت عشان يثبت له ان البيت فعلاً فيه اثار ويرضى يشتري البيت بأعلى سعر يحدده جمعة"

"انا بردو هفضل ادور لحد ما اعرف الزفت اللي اسمه جمعة ده راح فين ووقتها نتأكد اكتر من اللي حضرتك بتقوله "

انهى ادهم المحادثة الهاتفية وقبل ان يضعه في جيبه سمع صوت تنبيه من تطبيق الـ Facebook ،بالاعلى انتبهت قدر لنفس الصوت امسكت الهاتف بعدم اهتمام لكن رأت ما جعل عينيها تفتح من الصدمة ،و هو انها قامت بأرسال طلب صداقة لـ ادهم وليس هذا فقط بل قام بقبوله وضعت الهاتف بجانبها تلطم وجهها :

"يانهار اسود يانهار اسود.."

لكن توقفت عن ذلك وهي تقول :

"لأ ما ينفعش نقول نهار اسود عشان كده انا بسب الدهر والدهر هو ربنا زي ما البت هبة قالت انا هقول..."

ثم عادت تلطم وجهها من جديد مع قولها :

"يا نهار ابيض يا نهار ابيض"

اوقفها عن ذلك سماعها صوت رسالة قادمة من تطبيق Messenger وكانت من أدهم :

"مش شايفة خطوة زي دي المفروض تيجي مني مش منكِ "

شعرت بحرجها من الموقف مردفة تدافع عن نفسها وتخبره انه ارسل بالخطأ :

"على فكرة انا بعت بالغلط وماخدتش بالي غير لما انت قبلت الـ Add "

انتظرت قليلاً حتى بعث رسالته التالية :

"معنى كده انكِ كنتِ فاتحة الـ account بتاعي "

لم تعرف بماذا تجيبه حتى وجدت نفسها ترسل له :

"اه وما عجبنيش على فكرة "

"وانا ماطلبتش رأيك على فكرة"

استفزها بجملته وكتبت له بغيظ :

"انت واحد مستفز"

في نفس الدقيقة ارسل لها :

"عارف"

امتعض وجهها ونظرت للهاتف وجدته يكتب شيء :

"خلصتي مذاكرة "

تعجبت من السؤال لكن إجابته بما جعله هو متعجباً :

"الحاجة الوحيدة اللي خلصت هو الـ Makeup بتاعي انما المذاكرة لسه زي ما هي"

لم يقدر على منع ضحكته من الخروج بعد قرأته لرسالتها ،اغلق الهاتف وعاد لشروده من جديد لكن هذه المرة شرد بها هي.

__________________________________

نبكي من ألم الفراق ،فراق من احببناهم نبكي كثيراً ليس لأننا لن نراهم بل لأننا نعلم ان ايامنا الأولى معهم لن تعود...لن تعود ابداً.

دلف أنس بوجه شاحب وجسم هزيل كالطائر الحزين الذي فقد صغاره ،لكن عاد الى عشه عله يجد ما فقده ،اوقفه صوت الصاوي الصارم :

"أخيراً شرفت ،لسه فاكر ان لسه ليك بيت "

توقف انس عن السير ولم يجب والده وفي نفس الوقت نزلت والدته الدرج كعادتها متألقة تستعد لسهرة جديدة :

"انس تعالى وصلني عند طنطك سوزي عشان mood ـي مش جايبني للسواقة "

نظر لها الصاوي مردفاً بحذم :

"في ايه هو كل شوية خروج ما تقعدي في البيت وشوفي ابنك وربيه الأول "

اقتربت منهم لولي كما تحب ان يناديها مردفة بحنق :

"في ايه يا صاوي خروجي مزعلك ليه وبعدين ماله ابني ما هو كويس اهو"

أجابها على مضض وعلا نبرة صوته :

"طبعاً والهانم هتعرف منين ان ابنها غايب عن البيت اكتر من اسبوعين ما انتِ مش فاضية غير للخروج والسهر بس "

اغمض انس عينيه بتعب و شعر انه على حافة الانهيار :

"كفاية بقا حرام عليكم انتم ليه مش حاسين بيا انا مراتي ما,تت"

نطق اخر جملته بقهر ،اردفت لولي بنبرة حزينة مصطنعة لا تليق بها :

"اوه sorry يا حبيبي البقية في حياتك"

ابتسم بأستهزاء ليصرخ به الصاوي قائلاً :

"ما تمو,ت ولا تغور في ستين داهية مش دي اللي ما كنتش راضي تتجوزها وبسببها تخلي شوية عيال ما يسووش يهددوني "

ثم تابع حديثه محذراً :

"اسمع يالا ،انت تنسى الزفتة اللي إسمها اسراء دي خلاص وتيجي تشتغل معايا انا مش هفضل اصرف عليك طول عمرك "

حاول انس عدم الإنفعال على والده وكظم غيظه مردفاً بهدوء فشل في التحلي به :

" وانا بقا هشتغل مع الصاوي باشا إيه "

"تشتغل اي حاجة تعالى اشتغل في مصنع الميه او اي شركة تعجبك بلاش اشتغل في المستشفى الإستثمارية بتاعتي "

تدخلت لولي والدة انس في الحديث :

"ايه اللي انت بتقوله ده يا صاوي انت عايز ابني انا ابن لولي هانم يشتغل عامل في مصنع الميه اوري وشي لصحابي ازاي بعد كده "

اردف الصاوي بحدة و انزعاج :

"لأ يفضل جمبك طول عمره و لو ده حصل انا هحرمه من الميراث ويبقا يوريني هيصرف على نفسه إزاي "

لم يستطع انس التحمل اكثر من ذلك و انفجر في والديه :

"حرام عليكم بقا انتم ايه ،انتم بتتكلموا عني كأني لعبة كل واحد عايز يشكلها على مزاجه مش بني ادم من لحم و دم و بيحس ،حد فيكم فكر انا عايز ايه بلاش دي حد منكم لاحظ اني متغير فكر يسألني مالك فيك إيه "

نظر الى والدته وتابع بعيون دامعة :

"انا كنت محتاج حضنك ،محتاج احس بخوفك ولهفتك عليَ ،كان نفسي ادوق حنان الأم اللي كل معرفتي عنه هو السمع السمع وبس انما انا ما عشتوش "

ثم نظر الى والده وابتلع الغصة في حلقه بصعوبة :

"وانت يا بابا انا ما كنتش محتاج فلوسك انا كنت محتاجك انت ،كنت محتاجك جمبي وفي ضهري تكون سندي ،عشان لما اغلط تقول ليَ ايه الصح وايه الغلط عشان ما معملوش انما انت بتدي الفلوس ومش بتكلف خاطرك تسأل انا بعمل ايه بالفلوس دي الفلوس اللي خلتني مدمن وبسبب المخدر,ات دمرت حياة بنت ملهاش ذنب كل ذنبها انها حبتني ويوم ما أحبها ربنا يعاقبني بموتها و قلبي يتحرق على فراقها.."

لم يستطع الاكمال تراكمت الكلمات بحلقه وابت الخروج للعلن بل خرجت على هيئة دموع ثم ختم حديثه بنظرات مخذولة و بائسة :

"اللي انا وصلت له دلوقتي بسببكم ،يعني بدل ما تقفوا جمبي دمرتوني وعملتوا مني بني ادم مش بيحس ومش بيعرف يتحمل مسؤلية وبياخد المصروف من ابوه و ياريت بعد كله ده عارف اكرهكم لأن لاسف انتم أهلي "

لم يكمل صعوده للأعلى بل عاد ادراجه من اجل الخروج من جديد وهتف اثناء ذلك :

"احرمني من الميراث يا بابا انا كده كده من عايز منك اي حاجة حتى فلوسك"

التفت الصاوي الى لولي يرمقها بشر :

"عاجبك كده شوفتي وصلتينا لـ إيه"

اردفت لولي بضجر :

"انا ماشية يا صاوي و ابقى اتصرف انت مع ابنك"

خرجت لولي تاركة خلفها الصاوي الذي يسبها حتى سمع هاتفه يرن ،رفعه دون ان يعرف هوية المتصل وقال بهدوء مزيف :

"الو ،ايوة مين "

"ايوة يا صاوي انا طارق "

لم يكن منتبه كلياً له :

"طارق مين"

سمع صوت ضحكات من الجانب الاخر يقول :

"جر ايه يا صاوي ،انا طارق عبدالحميد"

امسك الصاوي رأسه فقد تلفت اعصابه من حديث إبنه قائلاً بأعتذار :

"معلش يا طارق ما خدتش بالي"

اردف طارق بخبث :

"لأ ركز معايا عشان انا معايا حاجات تهمك اوي ومحتاج اشوفك "

قطب جبينه مردفاً بتسائل :

"حاجات ايه دي اللي تهمني معاك"

اعترض الاخر على قوله :

"لأ الحاجات دي ما تنفعش في التليفون انت تيجي عندي الشركة وهناك هنتكلم "

اغلق طارق الهاتف بعد ان وافق الصاوي على المجيء له وابتسم محدثاً نفسه بمكر :

"رحلتكم قربت تنتهي يا ولاد المنشاوي ونبقا نشوف مين فينا اللي هيحتاج..."

ترك جملته معلقة متذكراً ذلك اليوم الذي ذهب لـ ادهم من اجل ان يقنعه بالتنازل عن المناقصة.

ضرب سطح المكتب بيده تنفيثاً عن غضبه وهب واقفاً :

" انت اظاهر مبلبع لك حابيتين شجاعة قبل ما تيجي"

من يراه يقول انه فاز على مراد في بروده لكن عيناه ملأها السواد ولم يكن للون الاخضر مكاناً بها وقال ولم يتحرك له ساكن :

" اوعدك هعمل حسابك في شريط منهم عشان هتحتاجهم الفترة الجاية كتير"

اتسعت ابتسامة طارق الماكرة وهو يكمل جملته المعلقة :

"ونبقا نشوف مين فينا اللي هيحتاج حبوب الشجاعة يا بشمهندس "

و ابتسم اكثر لتذكره ذلك اليوم ،الذي يجلس على مكتبه يفكر كيف يفوز في المناقصة بأية شكل من الأشكال حتى اقتحمت هي المكتب والقت الاوراق امامه على سطح مكتبه قائلة :

" الاوراق اللي طلبتها اهي ،كل اللي لقيته جبته"

قهقه طارق وغمز لها قائلاً :

"كان عندي حق اثق فيكِ يا رحمة ولا نقول..."

صمت قليلاً يراقب تعبيرات وجهها ونطق إسمها مع ضحكة عالية :

"ولا نقول قدر "

                   ...لسه الحكاية مخلصتش...

#صدفة_ام_قدر

#العشق_الخماسي

#سميه_عبدالسلام

الفصل التاسع والعشرون من هنا

 

تعليقات



×