رواية بيت الرعب الفصل الثانى بقلم بيبو هشام
مر اليوم الأول بسلام، عرفت أني يجب أن أوقف قطار اللعبة كل ساعة لمدة عشرة دقائق حتى تستريح الأجهزة، وفي تلك الدقائق لا أستريح أنا بل أمر على كل اللعب وأتأكد من أن كل شيء على ما يرام، غالبا أجد أشياء سقطت من الزوار فاحتفظ بها حتى يأتي صاحبها بعد قليل ويسألون عنها. هواتف محمولة وولاعات سجائر، وأحيانا قطع حلى لفتيات. في البداية أسأل صاحب الشيء عن صفته ثم أعيده له. لم تحدث أي أعطال، وكان العمل يسيرا، ربما كان أكثر ما أرهقني هو الأشياء التي تضيع من الناس، وأضطر إلى البحث عنها في القطار أو على الأرض، وإذا لم أجده أحاول أن أقنع الشخص أن الشيء الذي ضاع منه ربما يكون في مكان آخر أو ربما يكون سرق مثلا.
في نهاية اليوم أخبر صديقي الجديد عامل الكشك بمشكلة الأشياء الضائعة والمسروقة من الناس، فيقول: عندي لك أغنية تناسبك. أتناول مشروبا غازيا من عنده وهو يضع أسطوانة في مشغل ال "سي دي" وأسمع "أحمد منيب" يغني، أنتهي من الشرب وأمد يدي بثمن المشروب فيرد يدي دون أن يتكلم، ويبدو عليه الاهتمام الشديد عندما تصل الأغنية إلى الجملة التي يريدها، يغني معها بصوت عال مداعبا إياي: وكل شيء بينسرق مني. أضحك وأعود للبيت وقد تعودت على عملي، وألفته من أول يوم كأنني ولدت عاملا في مدينة ملاه، وكأني لم أدرس العلوم، وبدت صور العلماء في غرفتي غريبة عليّ. فكرت لحظة أن أستبدل بها صور "ميكي" و"بطوط"، ربما أفعل هذا في يوم آخر. الآن أنا مرهق بشدة ويجب أن أنام.
* * *
لا أعرف كم مر من الوقت وأنا نائم، أحلم بقطارات وألعاب وموسيقى كشك مدينة الملاهي، فجأة أصبحت الموسيقى عالية وتداخل الحلم مع الحقيقة ووجدت نفسي مستيقظا على صوت هاتفي المحمول. أرد دون أن يكتمل استيقاظي فأسمع صوت مدير العمال قادما من الحلم يقول: نريدك أن تأتي حالا لتفتح بيت الرعب. أقول شيئا في الحلم أيضا دون أن تتحرك شفتاي، يقول المدير وقد بدأ صوته يعلو: هل أنت معي؟ هل سمعت ما قلته لك؟ أهز رأسي بأني سمعت وأصدر صوتا ما من شفتي لا أفهم أنا نفسي معناه. يكرر الرجل كلامه: أحضر مفاتيح بيت الرعب وتعال فورا، خذ سيارة أجرة إن لزم الأمر، أنا هنا في انتظارك، أريدك أمامي بأسرع وقت. مع نهاية كلامه بدأت أستيقظ وأفهم. هذا الرجل يطلبني بعد منتصف الليل كي أفتح بيت الرعب، هل هناك من يريد أن يلعب الآن؟ ما هذا العبث؟ لم نتفق على هذا. أرتدي ملابسي غاضبا، وأقسم أني سأعطيه المفاتيح وأخبره أني لن أستمر في العمل بهذه الطريقة.
وصلت مدينة الملاهي في وقت قياسي، ووجدت الباب مفتوحا والحارس يبدو عليه الضيق أيضا. لاشك أنهم أيقظوه لسبب ما. أسأله ماذا حدث فيقول: "سيدة وقع منها شيء وجاءت تبحث عنه الآن. بحثنا معها في كل مكان ولم يبق غير بيت الرعب، اذهب إلى هناك وستجدهم ينتظرونك.
أدخل إلى قلب المدينة بعد منتصف الليل والظلام مع نسيم الليل يداعبان النوم في عيني، أتمنى أن يكون كل هذا حلما، ولكني أصل إلى بيت الرعب وأجد مدير العمال مع رجل وامرأة وعامل آخر. أفهم بسرعة أن السيدة سقط منها خاتم ثمين، وأنها حررت محضرا في قسم الشرطة. أحد الضباط هناك يعرفها ويعرف مدير العمال فطلب منه سرعة إنهاء الموضوع هذه الليلة. نظرت للسيدة المنهارة والتي كانت تبكي حتى نفدت منها الدموع، وتقول بصوت غير مفهوم: إن الخاتم مهم جدا لها وأن ثمنه ليس غاليا ولكنه هدية من زوجها الذي يقف بجوارها محاولا إقناعها بأنه سيحضر لها أفضل منه، وأن فقدان الخاتم أمر جيد؛ لأنها ستحصل على الخاتم الجديد، فلا ترد عليه وكأنها طفلة تريد لعبتها ولا تريد غيرها.
تعاطفت مع المرأة وأخفيت غضبي من استدعائي بهذه الطريقة، وفتحت بيت الرعب ودخلت مع العامل. بحثنا جيدا في كل مكان ولكننا لم نجد شيئا. بعد ربع ساعة خرج العامل يائسا وسمعته يحاول إقناع المرأة من جديد بأن الخاتم سرق أو ضاع في مكان آخر، وتلكأت أنا بداخل نفق القطار فلم أكن أرغب بالمشاركة في هذا الحديث. تظاهرت بالبحث عن الخاتم؛ بينما كان النوم يبحث عني وجسدي يتحرك بتثاقل وكسل. من جديد اختلط الحلم بالحقيقة عندما سمعت هاتفا يقول: الخاتم في الركن أسفل تمثال الساحرة، كالمسحور توجهت للتمثال ونظرت أسفله والتقطت الخاتم، وفجأة أحسست به في يدي حقيقة وليس حلما؛ فأصابتني رعدة والتفت حولي متسائلا عن مصدر الصوت. لم يكن هناك غيري بالداخل، وكانت أصوات المتحدثين خارج اللعبة تصل إليّ، ولكنها تبتعد حيث يبدو أن المرأة اقتنعت بعدم جدوى الانتظار أكثر من هذا، كان الخاتم في يدي وتنازعت بداخلي رغبة الخروج وإعطائه لها والفضول لمعرفة مصدر الصوت.
دقيقة كاملة من الحيرة مرت وأنا أمسك بالخاتم في يدي وأنظر إلى كل الأركان منتظرا أن يتكرر ذلك الصوت مرة أخرى؛ لكن يبدو أني كنت أتخيل. هناك تفسير علمي لهذا التخيل على كل حال، ربما تكون عيني الناعسة قد وقعت على الخاتم أثناء البحث؛ ولكني لم أنتبه لهذا، وبعد أن ربط عقلي النصف نائم بين صورة الخاتم وبين موقعه أرسل لي هذه الإشارة المتأخرة قليلا في صورة كلام مسموع. هذه الألعاب الدماغية هي آخر ما ينقصني الآن. يجب أن أسرع وأعطي الخاتم للسيدة وأغلق اللعبة وأعود لسريري.
في السرير، تبخر التفسير العلمي وعادت الخيالات والأحلام. كنت أحلم بلعبة من ألعاب بيت الرعب وهي تتكلم وتخبرني عن مكان الخاتم، وأنا أقول لها: إني لا أحب الخواتم ولا أهتم بها. وفجأة تحول الحلم إلى كابوس عندما ظهرت لعبة الساحر ذي الرداء الأسود وهو يحمل سيفه البلاستيكي المطلي بالأصفر ليبدو كأنه مصنوع من المعدن. هوى بسيفه على الخاتم فشطره إلى قطعتين في اللحظة التي استيقظت فيها مفزوعا.
-2-
في اليوم التالي أخبرت فتى الكشك بما حدث واقترحت عليه أن نكتب على اللعبة لافتة تقول: إنه من غير المسموح ركوب قطار بيت الرعب مع أشياء ثمينة، وأننا غير مسئولين عن فقدها، فأخبرني بوجود لوحة تعليمات على باب مدينة الملاهي تنبه بالحفاظ على الأمتعة الشخصية ولكن كل هذا لا فائدة له. لابد من شخص مهمل هنا أو هناك، ولابد أن تساعده في إيجاد ما ضاع منه. هذا التنبيه فقط لإخلاء المسئولية القانونية؛ ولكن المسئولية الإنسانية تظل قائمة. ثم انقلب إلى المزاح قائلا: إن المشكلة ليست في الأشياء الضائعة فهذه يمكن إيجادها؛ المشكلة في الأشياء المسروقة. وأخذ يردد عبارته المفضلة وكل شيء بينسرق مني. فأخرج من جديتي وأقول له: إني لم أر شيئاً يسرق منه أبدا رغم ما يبدو عليه من اللامبالاة؛ بل إن عينيه كعيني صقر إن حاول أحدهم سرقة شيء من الكشك.
لكل شخص أشياؤه الثمينة التي يحافظ عليها، ويبدو أن هذا الشاب ليس لديه أي شيء ثمين في حياته سوى هذا العمل؛ لهذا فهو يستميت من أجل الحفاظ عليه من السرقة. خفضت بصري وأنا أعود لمكاني عند لعبة بيت الرعب، كان لدي أنا أيضا حلم ثمين بأن أكون عالما في الفيزياء ولكني لا أعرف كيف ولا متى سرق مني.
أضيفت إلى مهمتي الرئيسية بتشغيل وصيانة اللعبة مهمة جديدة، أن أنبه كل الراكبين بالحفاظ على متعلقاتهم الثمينة، وأن أنبه هذه الفتاة لكي تغلق حقيبتها جيدا، وهذا الشاب لكي يضع هاتفه في يده ولا يتركه يسقط من جيبه. وأحيانا آخذ منهم الأشياء الثمينة وأبقيها معي حتى يخرجون من اللعبة إذا طلبوا ذلك. بمرور الأيام بدأت أشعر أني أتحول من عامل صيانة وتشغيل -كما هو المسمى الوظيفي- إلى موظف أمانات يحفظ الأشياء الثمينة، ويساعد الذين ضاعت أشياؤهم في العثور عليها وأحيانا تطييب خاطر من سرق منه شيء.
تباعدت المسافة بيني وبين عالم الفيزياء "باول ديراك"، ولم يعد "إنريكو فيرمي" يثير اهتمامي بقنبلته النووية، لا أعرف من هم رموز مهنة موظف الأمانات حتى أضع صورهم على حائط غرفتي مكان هؤلاء العلماء. هل حصل أحد على جائزة نوبل أو أي جائزة لأنه يعمل في تشغيل ألعاب الملاهي؟ أعرف أن هذه أفكار ساذجة وتخريف يحدث لي بسبب انتقالي إلى عالم جديد، ربما يكون هو عالمي الأصلي. تبدو كلية العلوم خارج السياق وأحلام المجهر الإلكتروني وأوهام المعادلات المعقدة غير واقعية. كأني ولدت عامل صيانة ألعاب منذ اللحظة الأولى، وما كانت دراستي إلا انعطافة خاطئة عدت بعدها لما خلقت من أجله.
* * *
اليوم قرر مدير المدينة أن يمر بنفسه على الألعاب ويشاهد الناس ويسمع رأيهم وشكاواهم. كان يقف أمام كل لعبة عدة دقائق يسأل واحداً أو اثنين من الأطفال أو الشباب عما أعجبه وما لم يعجبه، يمزح قليلا معهم، وقد يلتقط صورة مع بعضهم ثم يذهب إلى اللعبة التالية. لم تمر ساعة حتى وجدته أمامي ومعه رئيس العمال ورجل أمن ورجلان لا أعرفهما. أشار إلى بيت الرعب وبدأ يحدّث الرجلين عنه بطريقة أحسست منها أنهما ضيوفه، ربما صحفيان سيكتبان عن المدينة أو شيء من هذا القبيل.
استوقف فتى كان خارجا من قطار بيت الرعب وسأله عن رأيه فقال بحماس: إن هذه ثاني مرة يأتي للمدينة في أقل من أسبوع، وإنه سعيد لأنه وجد وحوشا جديدة في بيت الرعب! لم يفهم مدير المدينة ماذا يعني الفتى بالوحوش الجديدة؛ إذ لم تكن هناك أية ألعاب جديدة تم تركيبها في أي مكان في المدينة؛ لكنه أهمل هذه الملاحظة ونظر إلى الضيفين بنظرة معناها ألم أقل لكما، الناس تحب مديتنا وتأتي كثيرا.
مرت بجواره طفلة كانت أيضا خارجة من لعبة القطار؛ ولكن الإحباط كان واضحا على ملامحها الصغيرة. أمسك بيدها وسألها بلغة طفولية: وأنت لماذا لا يبدو عليك الحماس؟ ألم تعجبك اللعبة؟ هزت كتفيها الصغيرين وقالت: لقد ذهبت لبيت الرعب في هذا الصباح وكان هناك التمساح الكبير وقد أعجبني شكله لأنها أول مرة أشاهد تمساحا. ولما دخلت الآن مرة أخرى وجدت التمساح قد ذهب، هل تعرف متى يكون التمساح موجودا؟.
كان يضحك ولا يعرف ماذا يقول لها، حاول أن يشرح لها أن الألعاب لا تتحرك، وأن هذا التمساح هو بالتأكيد في مكانه دائما وكل يوم. وأنها ربما لم تره لأنها كانت تنظر في الجهة الأخرى مثلا. ثم فكر أنه ربما يكون ذلك التمساح أصيب بعطل منعه من الحركة فعلا فقال لها: وربما يكون التمساح يستريح قليلا، إذا جئت مرة أخرى غداً ستجدينه بكل تأكيد.
قبل أن يترك منطقة بيت الرعب، قرر أن يسأل شابا ناضجا عن رأيه لكي يستمع إلى شيء من الكلام العاقل. اختار شابا يبدو هادئا ورزينا وأخبره أنه مدير المدينة ويريد أن يعرف إذا كان لديه أي ملاحظة على بيت الرعب. قال الشاب: بصراحة هذه أجمل لعبة هنا، وأنا متعجب من التكنولوجيا الحديثة التي لديكم، لقد كانت الوحوش تتحرك كأنها حقيقية، لكني لم أفهم كيف كان التنين الأخضر في بداية اللعبة منذ عشرة دقائق، ولما دخلت مرة أخرى مع أخي الصغير وجدنا التنين قد انتقل إلى مكان آخر بعد تمثال الرجل ذي الأربع أياد، وقد كان قبله بكثير. كيف تقومون بهذه الخدع؟.
بدت الحيرة على وجه المدير وهو يعرف جيدا أن قطع الألعاب مثبتة في أماكنها ولا يمكن أن يحركها أحد بهذه السرعة. نظر في عين الشاب محاولا معرفة إن كان جادا فيما يقول. الطفلة قالت إن التمساح اختفى، والشاب يقول التنين يتحرك، وهناك لغط كثير يدور حول بيت الرعب منذ فترة. لا يمكن أن يكون هناك تنين أخضر يلعب بحرية داخل نفق قطار بيت الرعب أو تمساح حي يتنقل بين أركان مدينة الملاهي.
نفض الأفكار الساذجة عن عقله وهو يقول لنفسه إن التنين حيوان خيالي أصلا، ولكنه قرر أن يركب لعبة قطار بيت الرعب بنفسه حتى يشاهد هذا التنين المزعوم. بدت الدهشة على وجه رئيس العمال الذي لم ير مديره يجرب أي لعبة بنفسه قط. دائما هناك شخصية المدير الجاد الحازم الذي لا يهز هيبته بركوب ألعاب الأطفال، حتى إن كانت تأتيه رغبة قوية بعض الأوقات لتجربة لعبة مثيرة؛ إلا أنه يقاومها حفاظا على هيبة استغرق بناؤها سنوات وسنوات.
كنت أسمع الحوار وأنا أقف بجوارهم دون أن ينتبه لي أحد، وعندما قرر المدير أن يجرب اللعبة التفتوا لي كلهم وكأني ظهرت فجأة عندما أصبح لي دور يحتاجونه. قال مدير المدينة بعبارة حاسمة سأركب القطار التالي مع صديقي هذا وأشار للشاب الذي كان يسأل عن التنين ا?خضر. وددت أن أتدخل وأقول لهم إنه لا يوجد تنين أخضر أصلا بين الألعاب؛ ولكني أحسست أن هذا سيكون تصرفا سخيفا. فلأترك الرجل يكتشف بنفسه هذه الحقيقة. ركب المدير بجوار الشاب في آخر كرسي في القطار. الذي امتلأ بالركاب، ووقف بقية الرجال بجواري منتظرين خروج القطار من بيت الرعب.
* * *
في أول دخول القطار إلى النفق، أشار الفتى بحماس إلى اليمين وقال: هنا كان التنين واقفا في أول مرة، وبعد مسافة كبيرة قال بحيرة: وهنا كان يقف في المرة الثانية، لكني لا أعرف أين ذهب الآن!. اكتشف المدير أنه باع هيبته بمقابل رخيص جدا، هذا الشاب أحمق بلا شك. لم يرد عليه وقد بدأ وجهه يحمر من الغيظ، لم يخدعه أحد بهذه السهولة من قبل. منذ بدأ تكوين مشروع مدينته والجميع يتآمر عليه، ودائما ينجو من حيلهم ببراعة شديدة حتى جاء هذا الشاب الغبي وهزأ به هكذا.
أما الشاب نفسه فقد انكمش في مكانه داخل القطار وأغلق فمه في خجل شديد، لم يكن كلامه مقنعا لطفل، ولكنه كان واثقا من وجود لعبة تشبه التنين، وأن أخاه الصغير أعجب بها أيضا. التفت بعينه يمينا ويسارا منتظرا أن يخرج القطار من النفق في أي لحظة حتى تنتهي لحظات الخجل هذه وربما يبحث عن كلمات يعتذر بها للرجل بعد ذلك والأفضل أن يرحل مع أخيه دون أن يقول شيئا.
وفجأة ظهر التنين الأخضر قبل نهاية النفق بقليل، صاح الشاب منتصرا: هذا هو، لقد تغير مكانه مرة أخرى! تعالت صيحات ركاب القطار مستمتعين بالتنين الصغير الذي يخرج من فمه لهبا حقيقيا صغيرا، ولكنه كاف لإضاءة ظلام النفق، وتتراقص الشعلة الخارجة من فمه لتحرك خيالات التماثيل الأخرى في رعب لذيذ. كان الشاب يبتسم فرحا؛ أما المدير فقد فقدَ القدرة على النطق عندما رأي التنين. إنه لا يصدق أن تمثال التنين هذا يتحرك ولكن ما أثار رعبه هو شعلة النار التي يمكن أن تحدث كارثة في مكان مغلق كهذا. إن أبسط معايير السلامة تمنع وجود مثل هذه اللعبة، وهو متأكد أنه لم يوقع على ورقة لتركيب لعبة يخرج منها لهب حقيقي.
قال لنفسه: إن هذا اللهب هو خدعة متقنة بشكل ما، لا يمكن أن يكون حقيقيا أبدا. بعد ثوان تجاوز القطار لعبة التنين التي انطفأت شعلتها وأظلم المكان مرة أخرى. التفت مدير المدينة للخلف بجسده كله متأملا التنين وهو يبتعد للوراء وكذلك فعل الشاب وهو متحمس بشدة. ورغم الظلام التام استطاع الشاب أن يرى التنين وهو يقوم بأعجب فعل يمكن أن يتصوره، لقد رفع يده وحك بها أنفه! عقد المدير حاجبيه في اهتمام وهو يسمع صرخة رعب قادمة من شفتي الشاب: إنه يحك أنفه!. وفي أقل من لحظة أنزل التنين يده إلى جواره وعاد كما كان. لكن المدير كان قد لمح هذه الحركة السريعة مع إضاءة مباغتة للعبة أخرى.
قال الشاب: لقد فهمت، هذا التنين هو شخص يرتدي زي تنين إذن، ولهذا هو يتحرك من مكان لآخر، ولهذا يحك أنفه. خدعة جيدة يا سيدي. هذه فعلا أفضل مدينة ملاه زرتها في حياتي. ابتسم المدير مجاملا ونزل من القطار عندما توقف تاركا الصحفيان يتحدثان مع الشاب، وتوجه نحوي قائلا: أوقف هذه اللعبة فورا. لن يدخل أحد بيت الرعب اليوم.