رواية عروستى ميكانيكي الفصل الثانى بقلم سما نور الدين
-مبروك ياولاد .
اتسعت عين إبراهيم وفرغ فاهه ، ازدادت حدة تعجبه وانتفض عندما صاحت إيمان بفرح وهي تنظر إليه وتقول :
-ألف ألف مبروك يا باشا ، شوفت وشي حلو عليك إزاي ، فرحك في نفس اليوم اللي أنا جيت فيه ، ربنا يتمملك بخير يا باشا يارب .
مسح إبراهيم وجهه بعصبية وقال بغيظ من بين أسنانه :
-أنتي عندك عته في دماغك ، بتباركيلي على إيه .
ارتسم الغضب على ملامح إيمان وقالت بضيق وغيظ :
-وليه الغلط بس يا باشا ؟ أنا غلطانة إني بباركلك على جوازك ، حقك عليا ، سحبناااها .
استطردت قولها ولكن هذه المرة وهي تهمس لنفسها بغيظ :
-اللهي تكون جوازة سودة على دماغك يابعيد .
صاح إبراهيم بغضب وهو يميل ناحيتها دون أن يراعي هذا العجوز الذي ينظر لهما باستمتاع شديد وشعر وكانه يستعيد قواه شيئاً فشيئاً :
-بتقولي إيه في سرك سمعيني كدة .
زفرت بضيق وقالت وهي تضع كفها فوق الاخر ، وتنظر لجدها العجوز :
-مقولتش حاجة ، غير إني بستغفر ربنا ، إيه دا .. هو في إيه ، ماتشوف قريبك ماله ياعم الحاج .
صاح إبراهيم بها قائلاً بعد أن تنهد يأساً واستسلاماً :
-الصبر يااارب ، طب أنتي عارفة مين هي العروسة ، والسؤال الاهم أنتي عارفة أنا أقربلك إيه ؟
رفعت حاجبيها وقالت بنزق بعد أن التوت شفتيها :
-أنت .. شكلك كدة تبقى واحد قريبي ، والعروسة بقى ، وانا إيش عرفني هي مين ، هو أنا هنجم ، وكمان أنا مبشمش على ضهر ايدي حضرتك .
تخصر وأنزل برأسه لأسفل يحركها يمينا وشمالاً ، ثم قال وهو ينظر إليها ويشير لصدره بأصبعه :
-أولاً أنا ابن عمك ، ثانياً هو جدك مش عم الحج ، ثالثاً ودا الأهم إن العروسة تبقى حضرتك يا أنسة إيمان .
مالت برأسها للأمام ، ثم رمشت عدة مرات بعينيها التي ضاقت ثم قالت بتلعثم :
-بص ياباشا اولاً وثانياً مفهومة ، أنت جدي والحج يبقى ابن عمي ، أوكيه معنديش مانع ، لكن ثالثاً دي معلشي مسمعتهاش كويس ، عيدها تاني كدة .
صاح بوجهها بعد أن قام بشد شعر رأسه بغيظ :
-ايييه اللي انتي بتقوليه دا !! أنا اللي ابن عمك والحج ، قصدي جدي يبقى جدك ، فهمتي ؟
اقتربت منه وصاحت بدورها بغضب :
-نسيبنا بقى من الموضوع الأساسي عشان نشوف مين قريب مين ، ياسيد يامحترم جاوبني مين العروسة .
اقترب منها ومال برأسه هو الأخر حتى أصبح لا يفصل بين وجهيهما إلا إنشات قليلة وقال بصوت هادئ حاد :
-أنتي العروسة ياهانم .
عاودت رمش عينيها عدة مرات وهي تنتقل بنظرها بين الجد وابن العم ، رفعت يدها تلوح لهما ثم قالت وهي تخطو ناحية الباب :
-سلامو عليكو .
أسرع إبراهيم وأمسك بمرفقها يدفعها ناحيته وهو يقول بصوت غاضب :
-تعالي هنا رايحة فين .
نظرت ليده وأنزلتها ببطئ وهي تقول محذرة إياه :
-لأ .. لأ ياباشا اوعى تتهور لحسن في الاخر تتعور ، مش الاسطى إيمان اللي حد مين كان يكون يمسكها كدة ، آه لموأخذة ، أنا هعديهالك المرادي بس عشان صلة الدم اللي بينا ، لكن المرة الجاية ياريت تفكر وتراجع أفكارك قبل ماتكررها ، مفهوم ياأمور .3
كان ينظر إبراهيم إليها وكأنه بعالم اخر ، يؤكد لنفسه أنها المرة الأولى بحياته التي يرى بها امراة بهذه النوعية ، تلجم لسانه أمامها ، هو الذي عرف الكثير من الفتيات يقف متسمراً عاجز اللسان أمام من .. عروس المستقبل .
كان الصمت سيد الموقف حتى صاح العجوز بصوت ضعيف رافعاً ذراعه لأعلى :
-إيمان .
التفتت إيمان ، زفرت بخفوت وهي تستغفر ربها ، اتجهت إلى جدها ، ثم جثت فوق ركبتيها وأمسكت بيده وهي تقول بصوت هادئ ولكن بملامح جامدة :
-نعم ياجدي ، أفندم .
ضغط الجد على كفها الصغير وهو يقول بإستسلام :
-عايزة تمشي يا إيمان ، عايزة تسيبي جدك اللي خلاص قرب يقابل وجه كريم ، جدك اللي عانى وتعب عشان يلاقيكي ويضمك لحضنه ، يشم ريحة ابنه فيكي ، دا أنتي بنت الغالي يا إيمان ، هان عليكي جدك بالسرعة دي .
رمشت إيمان محاولة منها لعدم الاستسلام والضعف ، فأسرعت بقولها :
-لا طبعاً ياجدي ، بس .. أصل اللي حضرتك قولته .. يعني .. ماينفعش خالص سعادتك ، جواز إيه بس ومبروك إيه ، أنا لقيت نفسي فجأة ومن أول خمس دقايق في البيت دا عروسة ، ولمين .. لده ، كتير كدة بصراحة .. لا دا كتير اوي .
اقترب إبراهيم وبعينين تطق شرار أشار إليها بسبابته وصاح غاضباً :
-أنتي ، هذبي من ألفاظك هو إيه اللي لده ، أنتي تطولي ياهانم ، تطولي إني من الأساس أوافق اتجوزك .
مالت إيمان بوجهها أمام وجه العجوز وهمست :
-شوفت ياجدي .. شوفت دا مينفعش ، دا واحد عنده ثقب بشخصيته ، مينفعش ياجدي مينفعش .
ضحك جدها وهو يتمعن بملامح حفيدته ، حفيدته التي ملكت قلبه من اللحظة الأولى ، صاح قائلاً بصوت ضعيف :
-إبراهيم ، قرب يابني .
وعلى مضض اقترب إبراهيم ، فأستطرد العجوز قوله :
-اسمعوني كويس أنتو الاتنين ، قرار جوازكوا ، قرار نهائي مافيش رجعة فيه ، عارف إن القرار صدمة ليكو أنتو الاتنين ، لكن بترجاكوا تصبروا وتسمعوا كلامي ، أنتو عارفين أصلا يعني إيه إني أترجاكوا .
أسرع إبراهيم بقوله :
-العفو ياجدي ، حضرتك تؤمر وإحنا ننفذ ، لكن .. لكن ياجدي .
أجابه العجوز بنفس نبرة صوته الخافتة الواهنة :
-هتفهم كل حاجة بعدين يابني ، لو مت في وصية هتعرفوا منها أنا ليه مصمم إن جوازكوا يكون النهاردة قبل بكرة ، أما إذا ربنا مد في عمري شوية كمان ، أنا بنفسي هقول أنا ليه أمرت بكدة ، بس مش دلوقتي بعدين ، ها وأنتي يا إيمان هترفضي تنفذي وصية جدك الأخيرة .
وكعادتها ترمش بعينيها عدة مرات فور أن تتعرض لموقف محرج أو صعب ، ازدردت ريقها بصعوبة ثم بتردد واضح للعيان ، هزت رأسها بالنفي وهمست :
-أمرك ياجدي .
ارتسمت الإبتسامة فوق شفتي العجوز الذي شعر براحة كبيرة تفترش قلبه ، شد بقبضته كفها الصغير وقال :
-ألف مبروك ياولاد ، المحامي جاي النهاردة بالليل لإستكمال الإجراءات ، وبكرة إن شاء الله حفلة كتب الكتاب .
نظر العجوز لإبراهيم ممتناً وقال :
-خد عروستك لأوضتها واوعى تسيبها ، هي متعرفش حد غيرك هنا يا إبراهيم ، مفهوم يابني .
حاول إبراهيم رسم ملامح الرضا فوق صفحة وجهه ولكنه فشل وبشق الأنفس خرج صوته قائلاً :
-مفهوم ياجدي ، مفهوم .
نظر إبراهيم لإيمان وقال :
-اتفضلي معايا .
بداخلها عرفت بأن دنيتها انقلبت مائة وثمانين درجة ، حاولت أن تستعب مايحدث ، فقررت الإعتراض وليحدث مايحدث ، ولكن قطع عنها ماكادت أن تفعله عند دخول الممرضة للغرفة وهي تقول باللغة التركية :
-Üzgünüm, enjeksiyon zamanı .
( عذراً ، حان وقت الحقنة ) .
هز إبراهيم رأسه متفهماً وقال :
-Tabii, devam et .
( بالطبع ، تفضلي ) .
أشار إبراهيم لإيمان بأن تنهض من مكانها ، استجابت له طواعية بعد أن فهمت مايدور حولها ومن الحقنة التي تمسكها الممرضة ، خرجت إيمان من الغرفة وهي تزفر بضيق قائلة :
-دا إيه الورطة المهببة دي .
سمعت صوت من خلفها يقول :
-هي فعلا مهببة .
استدارت إيمان له قائلة بغيظ :
-بقولك إيه ياحضرت أنت ، شغل الأفلام العربي القديمة دا ماينفعش معايا ، أنت لازم تشوف حل للورطة المنيلة دي .
وضع إبراهيم كفيه داخل جيوب بنطاله وقال وهو يتعداها ناظراً أمامه :
-أنا زيك بالظبط يا أنسة .. متورط لكن أظن أنك وافقتي على كل اللي قاله جدك ، وأظن أن من الأفضل نسمع كلامه لغاية ماتوضح كل الأمور .
استدار ووقف بقبالتها وقال :
ودلوقتي اتفضلي معايا .
تنهدت بيأس واضح أمامه ، ومشت بجانبه باتجاه السلم الذي رفعت رأسها لأعلى بعد أن وصل لأذنيها صوت أقدام تضرب درجات السلم نزولاً باتجاههما .
وجدت فتاة نحيفة شقراء ترتدي شورت جينز وبلوزة تخفي صدرها وتظهر بطنها وكتفيها بوضوح وبشكل سافر ، رفعت إيمان حاجبها الايمن وأمسكت بذراع إبراهيم تهمس من بين أسنانها :
-ومين المزة دي اللي لابسة من غير هدوم لموأخذة .
نفض إبراهيم ذراعه من بين براثن أصابع كف إيمان الصغير ، وهمس بدوره :
-ياريت تسكتى .
نزلت نيرمين بسرعة فوق درجات السلم ، ثم رمت بنفسها بحضن إبراهيم وهي تقول باللغة التركية :
-Seni çok özledim sevgilim .
( أفتقدك كثيراً حبيبي ) .
نزع إبراهيم ذراعي نيرمين عن عنقه بعد أن امتعض وجهه وقال بنزق :
-Yüzlerce kez Nermin sana ne yaptığını doğru olmadığını söyledim .
( قلت لك نيرمين للمرة المائة لا يصح ماتفعلينه )
صفقت إيمان بكلتا يديها وقالت بغيظ :
-لا معلش ، أنا مش قرطاس جوافة في القعدة ماتتكلموا زي مخاليق ربنا .
رد إبراهيم بتأفف :
وطي صوتك ، دي نيرمين بنت عمك سمير ، مامتها أصلي هانم ، تركية .
نظرت نيرمين باستعلاء لإيمان من أسفل لأعلى ، وقالت بتساؤل :
-مين دي إبراهيم .
مالت شفتي إيمان جانباً بعد أن تخصرت وأسرعت بقولها بنبرة ساخرة وهي تهتز بكتفيها قبل أن ينطق إبراهيم :
-محسوبتك تبقى إيمان ، بنت عمك أحمد ، خطيبة المعدول اللي اتشلعقتي برقبته من شوية ، عرفتي أنا مين ياختي ولا أعيدلك من الأول ، عشان باين كدة الفهم عندك صعب .
اتسعت عين نرمين وفرغ فاهها من الصدمة الكبرى وقبل أن تحاول جمع شتاتها التي بعثرته تلك الكائنة الغريبة ، علا صوت امراة تقف بمنتصف الصالة تقول :
-إيه اللي بيحصل هنا بالظبط !