رواية عروستى ميكانيكي الفصل الثالث بقلم سما نور الدين
استدار جميعهم ليجدوا سيدة تقف بمنتصف الصالة الواسعة يبدو أن عمرها قد تخطى الأربعون بقليل ، تقف بوقار وهيبة ولكن تبدو الطيبة بملامح وجهها والتي تحاول بشق الأنفس أن تستبدلها بملامح الجمود والقوة ، ولكنها فشلت ببراعة .
تقدم إبراهيم ناحيتها ، مال بجذعه يقبل ظهر كفها وهو يقول :
-ازيك ياعمتي ، أنا لسة واصل من شوية ، كنت هغير هدومي وأجيلك أوضة حضرتك .
ربتت العمة زهرة فوق كتف إبراهيم ولكن عينيها كانتا لا تحيدان عن تلك الواقفة بعيداً تنظر لها بتوجس وحرص ، قالت زهرة :
-حمدالله ع السلامة يابني .
رفعت زهرة يدها تشير بها ناحية إيمان وقالت :
‐أنتي ، تعالي .
التفتت إيمان يمينا وشمالاً برأسها ثم أشارت لنفسها باصبعها وهي تقول متسائلة :
-أنا ياحجة !!
نظرت زهرة لإبن أخيها إبراهيم بعد أن رفعت حاجبيها وهي تقول متعجبة :
-حجة !!
اخفض إبراهيم رأسه وقال بيأس وبصوت خافت :
-البيت كله ياعمتي بقى حجاج ، رجالة وستات .
عاودت زهرة النظر لإيمان وقالت وهي تهز رأسها بالإيجاب :
-أيوة أنتي ، تعالي .
تنهدت إيمان وهمست بداخلها :
-هو يوم باين من أوله ، أما نشوف الحجة راخرة عايزة تجوزني لمين المرادي .
اقتربت إيمان من عمتها زهرة بتوجس واضح وخطوات محسوبة حتى وقفت بقبالتها ، ارتسمت الابتسامة فوق شفتي زهرة وهي تقول بحنو :
-أنتي إيمان بنت أحمد أخويا الله يرحمه ، صح ؟
وبدون أن تدري ارتسمت فوق شفتي إيمان ابتسامة حزينة وهي تهز راسها بالإيجاب ، ثم تفاجئت حين وجدت نفسها مغموسة داخل حضن عمتها وشعرت بوجنتيها مبللة أثر دمعات عمتها التي قالت بصوت باك حزين :
-حبيبتي فيكي شبه كبير من أحمد ، وكأني بحضنه هو ، حمدالله ع السلامة حبيبتي وأهلا بيكي وسط أهلك .
رفعت إيمان ذراعيها لتحتضن عمتها بقوة ، فقد اشتاقت لمثل هذا الدفء والحنان منذ وفاة والدتها ، وأثناء ذلك كانت أصلي هانم تنزل درجات السلم وهي تنظر لتلك الصغيرة القابعة بحضن زهرة ، زهرة عدوتها اللدودة داخل العائلة والبيت ، وقفت بنهاية السلم تحاوط كتف ابنتها المصدومة بذراعها وقالت بالتركية :
Güvenliğiniz için Tanrıya şükürler olsun Ibrahim
( حمداً لله على سلامتك إبراهيم ) .
رفعت زهرة رأسها وحاوطت إيمان بذراعها جانبا دون أن تبعدها عنها ، وقالت بنبرة يملؤها الثقة والقوة:
-اتكلمي عربي يا أصلي ، العربي اللي بتتكلميه أحسن من أي حد بالبيت ، ولا نسيتي تحذير حماكي .
تنحنحت أصلي ورسمت ابتسامة زائفة فوق شفتيها وقالت :
-لا طبعا منسيتش يازهرة ، بس لغة بلدي دايماً بتطغى عليا ، أعمل إيه ، مش هتعرفيني يازهرة ، مين البنت دي اللي وخداها في حضنك وكأنك تعرفيها من زمان .
نظرت زهرة لإيمان بحب وقالت بسعادة :
-أنا فعلاً أعرفها من زمان ، أعرفها حتى من قبل ماتتولد ، الأنسة الجميلة دي تبقى إيمان ، إيمان بنت أحمد أخويا الله يرحمه ، أعرفك يا إيمان ، أصلي هانم مرات عمك سمير ، سلمي عليها .
ارتسمت ملامح الغضب والحقد فوق صفحة وجه أصلي وهي تهمس بذهول :
-بنت أحمد !
اقتربت إيمان من أصلي وهي تعاود الزفر بضيق هامسة لنفسها :
-الأسامي خلصت من البلد مافيش غير عصري دي ، وكمان هو أنا هفضل اتمشور بالبيت دا أسلم عالرايح والجاي كدة .
مدت إيمان يدها بالسلام لأصلي وهي تقول بود :
-أهلا ياحجة ازيك كدة وازي صحتك .
أشارت أصلي بنفور لنفسها وهي تقول بغيظ :
-إيه !! حجة !! انا حجة !!؟؟
وضعت إيمان بيدها جانباً وصاحت بصوت عال بعد أن فاض بها الكيل :
-طب قولي يارب اكتبهالي ، هي كلمة حجة وحشة ، ياستي يارب ابقى أنا حجة ، دا إيه الهم دا .
تراجعت أصلي وابنتها خطوتين للوراء بذهول ، كتمت زهرة ضحكتها بصعوبة ، فنادت للدادة :
-دادة فاطمة .
هرعت دادة فاطمة التي خرجت من المطبخ باتجاه زهرة قائلة :
-أفندم ، زهرة هانم .
أشارت لإيمان بيدها وقالت :
-خدي إيمان لأوضتها يا دادة وخليكي معاها لو طلبت أي حاجة .
أسرعت فاطمة تحمل حقيبة إيمان وقالت وهي تقف وتشير للسلم أمامها :
-اتفضلي يا أنسة إيمان .
أسرعت إيمان بحمل الحقيبة بعد أن نزعتها من يد فاطمة وهي تقول :
-عليا النعمة ما ينفع ، اتفضلي أنتي ياحجة قدامي وأنا هطلع وراكي ، دليني أنتي بس الأوضة فين .
شهقت فاطمة والتفتت ناحية زهرة تنظر إليها بحيرة واضحة ، صاحت زهرة بصوت عال :
-ايمان ، ادي الشنطة لدادة فاطمة واطلعي قدامها .
عاودت فاطمة لتميل وتأخذ الحقيبة من يد إيمان التي تراجعت بيدها للوراء وصاحت مستفرة:
-والمصحف ماينفع ، بقى أخلى الست الكبيرة تشيل وأنا أطلع قدامها طرزان كدة .
تنهدت زهرة وقالت باستسلام :
-اطلعوا أنتو الاتنين وخلصوني .
تقدم إبراهيم اليهما حاملاً حقيبته ، وقال بضيق:
-هاتي الشنطة ، وأنتو الاتنين اطلعوا قدامي ، يالا .
مدت إيمان يدها بالحقيبة لإبراهيم وهي تقول بحماس :
-اتفضل ياباشا .
استطردت قولها وهي تنظر لفاطمة :
-شوفتي بقى ياقمر مجدعة الرجالة اللي بتبان في الوقت الصح .
ثم التفتت بعينيها للجميع والذي كان متسع الأعين بتعجب وصدمة واضحة ، وقالت وهي تلوح بيدها :
-أقول سلام للحلوين ، نصاية بس أريح وأنزل تاني .
استطردت قولها وهي تشير لعمتها قائلة بصوت عال :
-ياريت ياعمتي يعني لو أي تصبيرة كدة لغاية الغدا مايجهز ، انشالله حتى شندويتش جبنة بالخيار وجمبه كوباية شاي هيبقى ميت فل وسبعاتشر .
صعدتا الاثنتان أمام إبراهيم الذي كان يهز رأسه غير مستعب لما يحدث وأن تلك العروس الميكانيكي ، عروس من ؟ عروسه هو !!
كانت فاطمة تصعد السلم بخطوات متعثرة تلتفت حول نفسها ، ثم أسرعت بخطواتها بالممر المؤدي لغرفة إيمان ، فتحت الباب ودعت إيمان للدخول وهي تقول :
-اتفضلي يا أنسة إيمان .
رمى إبراهيم بالحقيبة أمام الغرفة ومشى ، وقبل أن يصل لغرفته وصل لأذنيه صوت إيمان وهي تصيح قائلة :
-توشكر يا باشا .
رفع رأسه لأعلى وهو يقول باستسلام :
-الصبر يارب .
دلفت إيمان للغرفة ثم وضعت الحقيبة بجانبها أرضاً ، وما إن استقامت حتى اتسعت عينيها وفرغ فاهها وهي تلتفت حول نفسها تنظر للغرفة الواسعة بأثاثها الفاخر قائلة :
-يااا دين النبي ، كل دي أوضة !! دي أكبر من شقتي والورشة مع بعض .
تنحنحت فاطمة وقالت :
-حضرتك على ما تاخدي حمامك ، أكون رتبت هدوم حضرتك بالدولاب ، تؤمري بحاجة تانية أنسة إيمان .
وقفت إيمان وقالت وهي تربت فوق صدرها :
-الأمر لله متشكرة ياحجة ، ولا بلاش ياحجة لحسن ستات البيت بيزعلوا من الكلمة دي .
ابتسمت فاطمة وقالت بهدوء :
-قوليلي دادة فاطمة .
هزت إيمان رأسها وقالت باسمة :
-متشكرين يا حجة فاطمة ، معلش أصل كلمة دادة دي تقيلة شوية ، بس وعد مني هحاول ، وكمان مالوش لازمة تتعبي نفسك ، أنا هوضب الهدوم جوة الدولاب .
تنحنحت فاطمة ، وقالت باسمة الوجه :
-أنسة إيمان لو سمحتي ، أنا بشتغل هنا واللي قولته دا طبيعة شغلي ، إن أخلي بالي من حضرتك وطلباتك وأساعدك .
ذمت إيمان شفتيها وقالت بعد أن تنهدت :
-بصي ياقمر عشان نبقى على نور من أولها ، أنا غير العالم اللي تحت دول ، أنا لا هانم ولا حضرتي ، وأنا وأنتي ياست فاطمة زي بعض ، بنجري على أكل عيشنا ، فخلينا نتعامل عادي مع بعضينا ، أنا أقولك ياحجة فاطمة وأنتي تناديني يا إيمان .
رمشت فاطمة وفركت يدها قائلة بتلعثم :
-لكن مينفعش !!
اقتربت منها إيمان بابتسامة واسعة وقالت وهي تمسك يدها :
-خلاص ، من غير ما تقلقي ، بصي من الأخر ، أنا لو احتاجت حاجة هقول بصوت عالي يااااحجة فاطمة الحقيني،حلو كدة.
هزت فاطمة رأسها بالإيجاب وعلامات الرضا تظهر بملامح وجهها الباسمة ، بعد برهة من الوقت ، كان إبراهيم يغدو بغرفة عمته ذهاباً وإياباً بعصبية واضحة وهو يقول مستنكراً :
-يعني ياعمتي كنتي عارفة إن ليا بنت عم مش عارفين مكانها ، وإنكوا أول مالاقيتوها قررتوا تجيبوها هنا وكماااان تجوزهالي !!
كانت زهرة لا تحيد بعينيها عن ابن أخيها الذي كان يفور كبركان غاضب يكاد أن يدمر كل من حوله ، قالت وهي تضع قدمها فوق الأخرى :
-طبعا كنت عارفة ، تفتكر بردو إن جدك يخبي عني حاجة زي كدة ، وكمان أنت زعلان إننا أخيراً لقينا بنت عمك أحمد الله يرحمه .
وقف ابراهيم متسمراً أمام عمته وقال بهدوء مرغماً عليه :
-ياعمتي أنا معنديش مشكلة إننا نلاقيها وتيجي تعيش معانا ، أنا مشكلتي الأكبر والأصعب هي إن جدي مصمم يجوزهالي ، ازااااي بس !! أنتي مشوفتيهاش عاملة إزاي ، دي عبارة عن كارثة متحركة .
أجابته زهرة باقتضاب وبملامح وجه جامدة :
-جدك وأكيد عارف مصلحتك .
وقفت واتجهت ناحية مرآة زينتها ترتب خصلات شعرها الذي تخضب بعضاً منه باللون الأبيض ، وقالت بهدوء أعصاب تحسد عليه :
-اهو جدك عندك تحت أنزل كلمه ، يمكن تقدر تخليه يغير قراره ،ولو إني معتقدش ، بس أهي محاولة ، اتفضل .
صاح إبراهيم غاضباً وهو يتجه للباب :
-طبعاً هنزل أكلمه .
همست زهرة لنفسها :
-حبيبي يا إبراهيم ، مفيش مفر ، هتتجوزها يعني هتتجوزها .
*****
كانت إيمان تزفر ضيقاً وهي تجلس فوق الفراش بعد اغتسالها واستبدال ملابسها ، فقالت وهي تتحدث مع نفسها بحسرة :
-محدش عبرني بالقمة عيش حاف حتى .
مدت يدها لهاتفها تحاول مرة أخرى الإتصال بجارتها وصديقتها الوحيدة لوزة ولكن بدون فائدة ، فقررت الخروج من الغرفة لتجد من يساعدها سواء لملأ معدتها الفارغة أو لمساعدتها بالإتصال بصديقتها .
نزلت درجات السلم فوجدت إبراهيم متجها ناحية غرفة جده ، فنادت بصوت عال :
-يا باااشا .
أخفض رأسه بإستسلام وهو يتنهد بيأس واضح ، استدار لها واجابها بضيق :
-نعم ، أفندم ؟
اتجهت ناحيته بعد أن ضحكت ضحكة خافتة ،ثم قالت وهي تحييه بيدها كتحية ضباط الشرطة :
-العفو ياباشا ، دا أنت اللي افندم وسيد الأفنديه .
صاح إبراهيم بضيق :
-اللهم طولك ياروح ، انجزي عايزة إيه ؟؟
مدت له يدها وقالت متسائلة :
-الموبايل بتاعي مش عارفة ماله ، بتصل بس أبيض ، لا صوت ولا صورة ، ومافيش حد هنا أعرف أكلمه غيرك .
أمسك بهاتفها يتفحصه وهو متاففاً ، ثم قال :
-طبيعي ميشتغلش ، العيب بالخط مش بالموبايل .
أسرعت بقولها وهي تتقدم ناحيته أكثر وتقول وهي تنظر لهاتفها :
-لا ياباشا ، الخط تمام دا أنا شاحنة بخمسين جنيه قبل ما اسافر .
وضع الهاتف بيدها وهو يقول مكفهر الوجه :
-مش مشكلة شحن يا ذكية ، المشكلة بالخط مش شغال هنا .
مد يده ونزع هاتفه من بنطاله وأعطاه إياها وهو يقول :
-خدي تليفوني دلوقتي ، وأنا بعدين هجيبلك موبايل وخط جديد .
أمسكت بالهاتف والفرحة تكاد تلتهم ملامح وجهها وهي تقول :
-ألف شكر ياباشا ، ماشاء الله موبايل أخر حلاوة .
اتسعت عينيها ببلاهة وهي تصيح :
-اييييه دا !! دا ماركة التفاحة ، دي أغلى ماركة دي ، صح ياباشا ؟
قال بنبرة صوت باردة :
-عايزة تتصلي بمين ؟؟
أجابته بلهفة :
-البت لوزة والواد بلاطة ، عايزة أطمن عليهم .
قطب جبينه وقال مستغرباً :
-مين ؟؟! بلا.... إيه ، ووزة مين .
صاحت بتعجب :
-البت لوزة صاحبيتي حبيبتي ، والواد بلاطة الصبي بتاعي ، استنى أنا هحيلك حكايتهم .
أسرع بقوله قبل أن يتورط بحديث طويل عريض لا فائدة منه :
-لاااا مش دلوقتي ، أنا هدخل لجدي وأنتي كلميهم.
بدأت تضغط بأصابعها فوق شاشة الهاتف وهي تقول دون أن تنظر إليه :
-تشكر يا باشا ، متقلقش على رصيدك هما دقيقتين بس .
وقبل أن يغلق باب غرفة الجد وراءه قال متأففاً :
-اتكلمي براحتك .
وضعت الهاتف فوق أذنها وفور أن سمعت صوت صديقتها صاحت بحماس :
-بت يااا لوزة ، إزيك يابت ، أيوة أنا إيمان ، هو حد بيعبرك غيري يا خايبة ، طب والنعمة ليكي وحشة يابت ، اسكتتتي على اللي حصلي هحكيلك كل حاجة بعدين ، طمنيني عليكي وع الواد بلاطة ..
ظلت تتحدث وهي تمشي وبدون أن تدري وجدت نفسها تخرج من باب البيت ، تسمرت مكانها بعد أن أنهت مكالمتها مع صديقتها ، تنظر للجراج الواسع والذي يضم أكثر من سيارة فارهة ، ثم نظرت للسائق ( إمام ) واقفاً يزفر بغضب من فشله بإصلاح ما تعطل بالسيارة ، صاحت وهي تتجه نحوه :
-مساء الفل يا أسطى إمام ، إيه مالك متعصب ليه ؟!
اعتدل السائق بوقفته وقال وهو يهندم ملابسه :
-مافيش يا أنسة إيمان ، قلت أشوف العربية مالها يمكن أعرف أصلحها ، بس للأسف معرفتش وهاتصل بالميكانيكي ييجي يصلحها .
شهقت ايمان وأسرعت بخطواتها ناحيته وصاحت قائلة :
-يانهار أبيض ياجدعان ، تتصل بميكانيكي وأنا موجودة ، دا حتى يبقى عيب في حقي ياجدع ، امسك التلفون دا ، خلي بالك منه دا بتاع الباشا ، والحلوة دي نص ساعة بس ياسطى أؤمؤم وتستلمها عروسة .
تسمر السائق مكانه بعد أن اتسعت عيناه وفرغ فاهه ، أخفض رأسه لأسفل ينظر للهاتف القابع بيده ، ثم رفع رأسه وعينيه تبحث عن تلك التي نزعت سترتها الجينز وثنت اكمام قميصها ثم غمست برأسها داخل موتور السيارة ، أسرع السائق ناحيتها يصيح بخوف :
-لا يا أنسة إيمان مايصحش حضرتك مينفعش ، يا أنسة أرجوكى .
لم ترفع إيمان راسها عما تفعله وبدأت تعمل بكلتا يديها بكل حماس تبحث عن أصل المشكلة بتعطيل السيارة ، ثم قالت بأريحية :
-اللي ميصحش يا غسطى اؤمؤم إني أشوف عربية عطلانة واقف ساكتة ، وكمان إيه أنسه وإيه حضرتك دي ، أنا وأنت ولاد عم كار واحد ، أنت سواق وأنا ميكانيكي ، يعني مافيش تكليف مابينا .
خرج إبراهيم من غرفة جده غاضباً بعد ما يأس عن ردعه بفكرة زواجه من تلك الميكانيكي ، كاد أن يفقد أعصابه وذلك لأن إصرار جده أصبح أكثر من ذي قبل .
أخذ يبحث عنها بكل الأرجاء بالصالة فلم يجدها ، حتى وقعت عينيه على الباب المفتوح ، فاتجه ناحيته ، وخرج يبحث عنها بالحديقة الواسعة إلى أن وصل لأذنيه صياحها البعيد وهي تقول :
-ناولني القاضم التاني يا اؤمؤم .
كان السائق واقفاً يحمل بين يديه حقيبة تمتلئ بمعدات صغيرة مخصصة لإصلاح السيارات ، ببلع ريقه بصعوبة خوفاً من نتائج ما يحدث معه وأمام عينيه ، اعتدلت إيمان بوقفتها بعد ما أغلقت غطاء مقدمة السيارة ، وقالت باسمه الوجه وهي تمسح جبهتها التي تلونت بسواد الشحم :
-كان في صوت طقطقة في الملفات ، ودا ليه بقى ياسطى عشان الكبالن كانت بايظة لموأخذة ، أنا غيرتها ، بس بسم الله ما شاء الله الجراج هنا مليان بكل المطلوب ، دلوقتي بقى هابص بصة تحت العربية عشان يبقى كله تمام .
أسرع السائق يصيح برجاء واضح :
-لاااا يا أنسة إيمان ، أرجوكي كفاية كدة .
لم تعره إيمان أي اهتمام وتمددت تحت السيارة بخفة واضحة ثم صاحت بقولها :
-ناولني المفتاح يا اؤمؤم .
انتفض السائق ( إمام ) عندما وجد من يضرب كتفه بقوة ، التفت ليجده ابراهيم ينظر له بعيون تملئها الغضب وتتلون بإحمرار الغيظ ، لم يستطع السائق أن يتفوه إلا بكلمات متبعثرة متلعثمة :
-حضرتك يا إبراهيم بيه أنا والله قلتلها بس .. بس ..
نظر هما الاثنان أرضاً عندما تفوهت إيمان قائلة بصوت عال :
-المفتاح يا اؤمؤم ، أنت مش سامعني ولا إيه ؟!
صاح إبراهيم بصوت حاد عال :
-مفتاح يكسر دماغك أنتي واؤمؤم بتاعك ، اطلعي يابت من تحت العربية ، اطلعيييي .