تأففت العمة زهرة وقالت :
- إبراهيم وبعدين قلتلك راحت مع مراد فرح صاحبتها ، وتقريبا الفرح في المكان اللي كانت عايشة فيه ، يالا سلام .
ارتفعت وتيرة سرعة أنفاس إبراهيم وصدره بدأ في الصعود والهبوط بشكل واضح ، نظر للهاتف وأخذ نفساً عميقاً ليتسع صدره الذي ضاق وكاد أن ينفجر من الغضب ، ضغط فوق اسم مراد وانتظر ليجيبه ولكنه سمع طرقات فوق الباب فأسرع يفتحه والهاتف مازال فوق أذنه ، وجد أمامه ليزا تبتسم له بإغواء واضح وتحاول أن تدخل الغرفة ولكن جسد إبراهيم المتسمر بمكانه يمنعها من ذلك ، فقالت بصوت ناعم وبلغتها الإنجليزية :
- ألن تدعوني للدخول ، لقد جئت لنحتفل سوياً بمناسبة توقيع العقود بين شركتينا .
وأثناء ذلك كانت إيمان بالسيارة تنظر لجانب الطريق تهمس لنفسها بصوت حزين مسموع :
- بيقول عليا حبيبته ولما يرجع هيطمني لو كان بيحبني صحيح مكانش غاب كل دا ، زمانه دلوقتي بيبلبط في البحر مع البت الخواجاية بتاعته اللهي تغرقي فطسانة يا بعيدة .
انتفضت على أثر ضحكات مراد وهو يقول :
- بلبط إيه بس يا إيمان ، إبراهيم هناك مشغول جداً بجد ، مش بينام عشان يقدر يتمم أهم صفقة لشركتنا .
تكتفت إيمان وهي تقول بطريقة طفولية :
- صفقة آه ، صفقة إيه دي إن شاء الله اللي بيسهروا عشانها ويلبسوا عريان ويتصوروا وعايشين حياتهم أنت هتضحك عليا يا مراد .
ضحك مراد مرة أخرى وقال من بين ضحكاته :
- أوووبس شكلك بتحبيه أوي وبتغيري عليه جامد .
التوت شفتيها جانباً وهي تقول بصوت حزين :
- مراد أنا لا بحب ولا بتاع أنا بس عشان مراته قدام الناس محبش حد يقول عليا مش مالية عينه ، بس بعد مانطلق إن شاء الله يبقى حر ساعتها يعمل اللي هو عايزه .
رفع مراد حاجبه ونظر لها متهكماً وقبل أن يقوم بالرد عليها سمع صوت رنين هاتفه لينظر لشاشته ويقول بنبرة صوت عابثة :
- شوفتي لسة أهو بنتكلم عنه جيه يرد علينا ، بس للأسف الموبايل هيفصل شحن أرد عليه بسرعة وأنبهه .
أشاحت إيمان بوجهها ناحية زجاج نافذتها وكأنها غير مهتمة ولكن كانت جميع حواسها تترقب وبقوة تلك المكالمة .
وضع مراد الهاتف بالحامل الخاص به بالتابلوه وضغط على وضع "المايك" وقال بحماس وبصوت عال :
- كنا بنتكلم عليك حالاً يا بطل .
حافظ إبراهيم على ثباته أمام ليزا وأشار لها بالإنتظار لكي يتكلم بالهاتف فقال بصوت جامد لمراد :
- من غير ولا كلمة تاخد الهانم اللي معاك وترجعوا البيت .
التفتت إيمان برأسها وارتسم الغضب بملامحها في حين تعجب مراد وردد متسائلاً :
- نرجع البيت ؟! في ايه يا إبراهيم مالك ؟!
لم يستطع إبراهيم كبح لجام غضبه فصاح بصوت عال وابتعد عن الباب :
- هو إيه اللي مالي الكلمة اللي قلتها تتنفذ والهانم مراتي اللي خرجت من غير إذني حسابي معاها بعدين .
مالت إيمان بجذعها ناحية الهاتف وهي تصيح غاضبة :
- حساب !! حساب إيه يا أبو حساب ، أنت مالكش حاجة عندي أنا أخدت إذن من الكبير بتاعنا واللي هو جدي وبس ، أنت حايالله ابن عمي زيك زي مراد آمين يا باشا .
استغلت ليزا ابتعاد إبراهيم عن الباب ودخلت الغرفة وأغلقت بابها ثم وقفت ونزعت عنها سترتها لكي تبقى بفستان قصير بحمالتين رفيعتين يكشف الكثير وقبل أن تقترب منه انتفضت بمكانها عندما هتف إبراهيم بصوت عال غاضب :
- أنتي تخرسي خالص وتسمعي الكلام أنا حذرتك قبل كدة لكن .. .
توقف عن استرساله بكلماته الغاضبة عندما حاوطت ليزا كتفيه بذراعيها وهي تقول بصوت ناعم مسموع :
- calm down habibi .
( اهدأ هبيبى ) .
اتسعت عيني إيمان وفغر فاهها باتساع أكبر وهي تحدق بشاشة الهاتف الذي انطفأ ضوء شاشته لنفاذ البطارية وبنفس هيئتها التفتت برأسها لتنظر لمراد الذي امتعضت ملامحه ولكنه ابتسم كالأبله وهو يقول :
- دا فصل شحن .
صرخت به إيمان بكلمة :
- سمعت !!!
صرختها جعلته يميل بعجلة القيادة يميناً حتى كاد أن يصطدم بسيارة تسير بجانبه ولكن إيمان لم تعر انتباهاً لما يحصل فعاودت صياحها :
- سمعت يا مراد سمعت البت السايحة بتقوله إيه بيكلمنا وهي قاعدة معاه بيخانقني وهي قاعدة معاه بيزعق ويهدد وهي قاعدة معاه ، وفي الأخر بتقوله كل تين يا حبيبي بتقوله حبيبي سمعت يا مراد سمعت بياكلوا تين مع بعض .
حاول مراد أن يهدأ من روعها فقال بتلعثم :
- يا إيمان تين إيه اللي بياكلوه هي بتقوله اهدى عشان شافته متنرفز بس مش أكتر من كدة .
صرخت به مجدداً جعلته يغمض عينيه للحظة وهي تقول بصياحها العال :
- أنت هتستهبلني الإتنين قاعدين مع بعض وبتقوله حبيبي ولا أنت انطرشت عند الكلمة دي بتقوله حبيبي اللي تنشك في معاميعها ، أنا أنا لازم أطلق أنا لما أرجع هأقول لجدي يطلقني منه بتاع السايحات المحترم .
رفع مراد يده ولوح بها وهو يقول بصوت هادئ :
- اهدي يا إيمان اهدي ، أكيد الموضوع فيه سوء تفاهم أنا عارف إبراهيم كويس أنا دلوقتي هحط الموبايل في الشاحن ونتصل بيه عشان نفهم .
انتفض مجدداً على أثر صياحها العال :
- إياك خلي موبايلك فاصل ، أنا مش هكلم حد ولا أتفاهم مع حد أنا بقولك أهو .
ردد مراد :
- إيمان ماينفعش كدة إبراهيم هيتجنن علينا أكتر ولما ييجي أنا وأنتي هنقضي الليلة في ال morg .
ضربت ظهرها بظهر كرسيها وقالت بصوت حزين غاضب :
- مايقدرش يعمل حاجة والبرج دا أنا اللي هرمي نفسي منه لو جدي مطلقنيش منه الكداب الخاين بتاع الأجنبيات .
هربت بوجهها للناحية الأخرى لكي لا يرى مراد دموعها الهاربة فوق وجنتيها ولكن مراد شعر بها وقال وهو ينظر لجانب وجهها :
- إيمان صدقيني إبراهيم مستحيل يعمل كدة إبراهيم بيحبك بجد ، أنتي فاهمة الموضوع غلط تعالي نرجع البيت وهو هييجي ويفهمك اللي حصل بالظبط .
مسحت دمعاتها وقالت بعناد واضح وبصوت هادئ وهي تنظر للطريق أمامها :
- عايز ترجع ارجع أنت ، أنا هروح فرح صاحبتي وهابات في بيتي كمان لو مش عايز توديني وقف العربية على أي جمب وأنا هنزل أخد تاكس .
تنهد مراد باستسلام وقال :
- خلاص هوديكي ومش هرجع إلا بيكي بردو ودا أخر كلام .
وفي خلال كل ماحدث بسيارة مراد وفصل هاتفه ، استدار ابراهيم بسرعة عندما شعر بذراعي ليزا تحاوطه و تطلب منه أن يهدأ ، ظل يردد باسم مراد ثم نظر للهاتف ليعلم بأن الإتصال قد انقطع .
نظر لليزا بحدة فأبتسمت واقتربت منه وقالت بلغتها وهي تلمس مقدمة قميصه بأصابعها :
- لقد تعلمت كلمة عربية هبيبي ، ما رأيك ؟!
أمسك إبراهيم بيدها وأبعدها عن صدره ثم تركها وقال بصوت حاد وهو ينظر لها نظرات نارية :
- ليزا اخرجي من هنا وأعتقد أني سبق وأوضحت لكي بأني رجل متزوج ، هيا اخرجي .
ارتسم الضيق فوق ملامحها وقالت وهي تحاول أن تقترب منه :
- ما بك إبراهيم لم تكن متحفظاً تجاهي هكذا عندما كنت بأمريكا .
قال إبراهيم بملامح وصوت جامد :
- لم يحدث بيننا شيء بأمريكا ، كنا نتحدث مثل أي شركاء حول العمل وأنا الآن أكثر تحفظاً لأني كما قلت لك لقد أصبحت رجل متزوج ولن أرضى بأي شكل من الأشكال أن أجرح مشاعر زوجتي حتى ولو بغيابها ، فأرجو أن تتفضلي بالخروج قبل أن تتعقد الأمور بيننا وتصل إلى حد فسخ العقود بين شركتينا .
زفرت بضيق وضربت الأرض بقدميها وهي تمسك بسترتها وترتديها وقالت :
- حسنا مستر إبراهيم سأخرج ، لم يخطر ببالي أبداً أن تكون فظاً هكذا .
ظل إبراهيم واقفاً كالتمثال ينظر إليها نظرة ميتة حتى خرجت وصفعت الباب بقوة تنهد بغضب وعاود الإتصال بمراد ولكنه كاد أن يحطم هاتفه عندما سمع المجيب الآلي بأن الهاتف من الجائز أن يكون مغلقاً أو خارج نطاق الخدمة ، اتجه للكومود وأمسك بسماعة الهاتف الأرضي وتحدث لموظف الإستقبال بالفندق وقال :
- احجزلي على أول طيارة نازلة القاهرة عايز أكون في القاهرة خلال ساعة أو اتنين بالكتير .
أجابه الموظف :
- أمرك يا فندم .
أغلق إبراهيم الهاتف وبدأ بتحضير حقيبته وهو يسب مراد الذي يحاول أن يتصل به دون جدوى .
كان مراد يرفع حاجبه عندما كانت تصف له إيمان المكان ، تجول بعينيه بين الأروقة الضيقة والمحلات المختلفة المصفوفة بجانب بعضها ، نظرت إليه إيمان بامتعاض وقالت :
- هتفضل تتأمل كتير فاهم نفسك سايح أنت كمان ، اركن هنا على جمب وانا هخلي عم إسماعيل صاحب الجراج يدخل بالعربية جوة .
امتثل مراد لأمرها ليجد نفسه بالنهاية يسير بجانبها والبلاهة ترتسم فوق ملامح وجهه ويقول :
- ال atmosphere هنا هايل جداً .
التوت شفتي ايمان وهي تقول ساخرة :
- ال إيه ياخويا امشي امشي هتفضحنا ، بص يا مراد إحنا داخلين على فرح معلمين يعني عايزاك تبان جامد كدة مش منحنح ، آمين يابني .
هز مراد رأسه وهو يقول متسائلاً :
- آمين مين ؟!
زفرت إيمان بضيق ورددت :
- أستغفر الله العظيم يا رب ، خليك جمبي وخلاص يا مراد .
دخلت إيمان الحارة فارتسمت على وجهها ابتسامة باهتة عندما نظرت لأعلى فوجدت سطح الحارة بأكمله مغطى بالحبال الرفيعة المضيئة بألوان فضية لامعة واكتسى جانبي الحارة بالقماش العريض المزين بالخطوط الملونة بألوان زاهية ، والكراسي ذات القماش الناعم وعلى نهايتها من الجانبين منضدة عريضة تحمل فوقها الكثير من الأطباق المغلفة والمملؤة باشهى اللحوم المشواة .
وكعادتها إيمان تلقت التحيات بصوت عال لم تستطع تفسيره بسبب صوت الموسيقي الشعبية العالية المنبعثة من المسرح الذي أقيم بنهاية الحارة ، تقدمت ناحية والد العروس الذي وقف واستقبل تهنئتها بابتسامة واسعة ثم سارت ناحية التجمع النسائي فجرت ناحيتها عزة بهرولة وهي تفتح ذراعيها لتحتضنها وتقول :
- حبيبتي أخيراً جيتي .
توقفت عزة عن الكلام عندما نظرت لعيني إيمان المغلفة بالدموع المحبوسة داخلها وبلونهما الذي اكتسى ببعض الإحمرار ، أسرعت عزة بقولها وهي تتفحص وجه إيمان :
- مالك يا إيمان ؟ أنتي كنتي بتعيطي !!
نظرت عزة لمراد الذي يقف بجانبهما وقالت بصوت حاد غاضب :
- الكابتن دا هو اللي مزعلك .
أشار لها مراد بالنفي وقال :
- يا آنسة أنا لا زعلتها ولا عملتلها حاجة .
هزت إيمان رأسها وقالت بصوت جامد :
- عزة وبعدين أنا لا كنت بعيط ولا حاجة ، أنا عينيا انطرفت بس شوية وهتروق قوليلي خالي صلاح فين ؟
مطت عزة شفتيها عن عدم اقتناع وقالت وهي تشير ناحية صلاح الجالس بعيداً وبجانبه الصبي بلاطة والشاب طيارة يتحدثان في أمر ما :
- هناك أهو .
ذهبت إليه إيمان فصافحها وقبل جبينها وقال وهو يتمعن بملامحها :
- إيمان مالك ؟!
رسمت إيمان ابتسامة فوق شفتيها بالقوة وقالت وهي تشير لمراد الذي كان ينظر لصلاح بتوجس نظراً لقوته الجسمانية وعضلاته الظاهرة بوضوح :
- خالي دا مراد ابن عمي خليه قاعد معاكم النص ساعة دي لغاية ما اعمل الواجب مع العروسة ونروح على طول على الشقة لحسن حاسة إني تعبانة شوية .+
ضاقت عيني صلاح وسألها :
- جوزك الجلف فين ؟ مجاش معاكي ليه ؟
ردد مراد بامتعاض :
- جلف !!!
تأففت إيمان وهي تقول :
- مسافر يا خالي أنا هروح أقعد مع الستات شوية لغاية مع العروسة ماتيجي .
حاولت عزة أن تجعل الجو من حولهم مبهجاً فصاحت وهي تصفق بكلتا بديها :
- يالا يا إيمو نستعد العروسة جاية في الطريق وعايزين أول ما تدخل الحارة أنا وأنتي بفستانك الحلو دا نرقص ونهيص قدامها .
صاح بها صلاح بغضب :
- هما مين دول اللي هيرقصوا ويهيصوا منك ليها .
أجفلت عزة وقالت بصوت مرتعب :
- متقلقش يا سي صلاح خلاص إيمان مش هترقص ، أنا والبنات اللي .. .
لوح صلاح لها بذراعه وصاح بها بصوت أكثر غضباً :
- مافيش حد منكم هيتحرك من مكانه ، أنتو الإتنين هتقعدوا جمب الست تهاني وأخركوا تصقفوا بس ، مفهوووم .
تخضبت وجنتي عزة بالإحمرار وقالت وقلبها يتراقص بين أضلعها :
- أمرك يا سي صلاح ، مش هتحرك من مكاني .
تأبطت عزة بذراع إيمان وسارت بجانبها ، تكاد أن تقفز عالياُ من فرحتها وهي تقول بجانب أذن إيمان :
- سي صلاح بيغير عليا صح اوعي تنكري بيغير ورحمة أبويا بيغير عليا .
التوت شفتي إيمان بابتسامة باهتة وقالت بصوت حزين :
- بيغير ياختي بيغير .
ابتلع مراد ريقه بصعوبة عندما تركته إيمان بين الشاب طيارة وصلاح الذي كان ينظر له بترقب ، تنحنح مراد وقال ببلاهة وتلعثم واضح وهو يمد يده لمصافحة صلاح :
- مراد ابن عم إيمان وابن عم إبراهيم كمان جوز إيمان رجل أعمال زي إبراهيم بردو .
أصدر صلاح ضحكة خافتة وقال وهو يصافحه بقوة كاد أن يخلع كتف مراد من موضعه :
- أهلاً اتفضل .
مسد مراد موضع كتفه وقال وهو يجلس بجانبه :
- أهلاً بيك يا كابتن .
تهامست نسرين بين نساء وبنات الحارة الجالسة بوسطهم وقالت بامتعاض وهي تنظر بحقد لإيمان :
- من ساعة ماغيرت جلدها وهي كل شوية تختفي وتظهر معاها واحد شكل مرة خالي ومرة جوزي ويا عالم المرادي جايبة معاها مين .
انتفضت نسرين على أثر صوت الخالة تهاني الجالسة خلفها وهي تقول بصوت قوي :
- عيب يا نسرين يا بنت الأصول أما تتكلمي على صاحبتك وبنت حتتك وتجيبي سيرتها بالغلط ومش أي صاحبة ، لأ دي إيمان الأسطى إيمان اللي كل واحد في الحارة كبيرها قبل صغيرها عارف هي مين وبنت مين وأخلاقها وتربيتها اللي زي حد السيف ولا أنا غلطانة يا ستات .
تعالت الهمسات والهمهمات الغاضبة تجاه نسرين التي تلعثمت بكلماتها وهي تستدير بجذعها تواجه وجه الخالة تهاني الغاضب :
- لا يا خالتي أنا مقصدش والله أنتي فهمتيني غلط ، إيمان دي صاحبتي و حبيبتي أنا بس كنت بقول يا ترى مين اللي معاها دا وفين جوزها ، كنت عايزة أطمن عليها بس كدة يا خالتي .
انضمت كل من إيمان وعزة لبقية نساء الحارة وجلستا بجانب الخالة تهاني التي ضمت إيمان بين ذراعيها وقبلتها بقوة وهي تقول بصوت مسموع :
- ماشاء الله عليكي يا حبيبتي الله أكبر في عين اللي شافك ومصلاش على النبي .
التوت شفتي إيمان بابتسامة جانبية وهي تقول :
- عليه الصلاة والسلام يا خالتي ، إيه مالك ؟!
ربتت تهاني فوق كتف إيمان وقالت :
- ولا حاجة يا حبيبتي أومال فين جوزك ومين اللي جيه معاكي دا ؟!
اعتدلت إيمان فوق كرسيها وقالت بهدوء :
- مسافر ودا يبقى مراد ابن عمي التاني شبط فيا زي العيال الصغيرة لما عرف إني هاحضر فرح هنا في الحارة .
رددت تهاني بقوة :
- أهلاً وسهلاً بيكي وبأهلك يا حبيبتي منورين ومشرفين الحارة .
تعالت أصوات الفرقة التي استقبلت العروسان بأول الحارة وأخذ الجميع يلتف حول العروسان يصفقون ويرددون وراء الفرقة كلمات الأغاني ، كما قام بعض من الشباب بتأدية تلك الحركات الراقصة التي اشتهرت بها هذه المناطق الشعبية ، اختلست عزة نظرات جانبية لصلاح الذي كان ينتقل بعينيه بينها وبين الجمع الملتف حول العروسان وبعد برهة من الوقت وجلوس العروسان بالكوشة المزينة أطرافها بالورورد والأشرطة الحريرية الملونة ، كان مراد ينتقل بعينيه بين كل أرجاء المكان ويسب نفسه لأنه لم يتمكن من تصوير كل ما رآه بهاتفه الذي نفذت بطاريته .
شعرت إيمان بالصداع يكاد يفتك برأسها فهمست لعزة ليقوما بمصافحة العروس وتقديم المباركة لتسرع بعدها بالتوجه لشقتها لكي تستريح ، وافقت عزة وقامت معها واتجها سوياً ناحية الكوشة وبعد أن قامت إيمان وعزة بمصافحة العروس وتقبيلها والتصوير معها .
خرجا من الفتحة الضيقة ليسيروا بالممر الضيق بين السور القماشي وبين حوائط البيوت المتراصة بجانب بعضها وقبل نهاية سيرهما بالممر ، تفاجئت الفتاتان بمن يعترض طريقهما والذي كان عبارة عن شاب اسمه محمود ينظر لإيمان من اسفلها لاعلاها بنظرات عابثة حاقدة ويقول :
- وأنا اللي كنت بقول لنفسي بقى واحدة ميكانيكي ترفضني أنا ، أنا اللي ابن أغنى واحد في الحارة ترفضني ، أتاريكي كنتي حاطة عينك على ابن عمك الغني واللي معرفش هو اللي رضي بواحدة زيك إزاي .
صاحت به عزة :
- احترم نفسك يا محمود ، إيه اللي بتقوله دا ؟!
رفعت إيمان يدها لكي تجعل عزة تصمت ثم قالت بهدوء دون أن تحيد عينيها عن عيني ذاك الحقود :
- ابعد عن طريقنا يا محمود وخلينا نعدي وبلاش تعمل حاجة تبوظ بيها ليلة أخوك العريس وتندم بعدها .
اقترب منها وهو يشير إليها ويقول بصوت جامد :
- أنا اللي هندمك على إنك رفضتيني .
رفع يده عالياُ قاصداً أن يصفعها فصرخت عزة بصوت عال وقبل أن تصل يده لوجه إيمان ، كان هناك من يمنعها ويدفع به للوراء حتى كاد أن يقع لولا مساندة أصدقائه له ، أزاح صلاح الفتاتان جانباً وهو يهدر بهما أن يسرعا للبيت وبخلال لحظات كان صلاح وطيارة وبضعة من رجال الحارة باشتباك مع اخو العريس وأصدقائه ، صرخت إيمان بعزة التي تسحبها بقوة بعيداً عن المشاجرة :
- سيبيني يا عزة الواد دا محدش هيربيه غيري ، بقولك سيبيني !!!
ظلت عزة متشبثة بذراع إيمان تحاول بكل قوتها أن تبتعد بها وهي تقول :
- والله ماهسيبك صلاح واللي معاه هيخلصوا الليلة ، امشي معايا فرهدتيني .
أسرع بلاطة يهرول ناحية إيمان وهو يقول بصوت عال :
- الحقي يا أسطى إيمان الحقي .
صاحت عزة بأخيها الصغير :
- في إيه يا محمد حصل إيه ؟!
صاح بها وهو يقول من بين أنفاسه المتقطعة :
- ابن عمك يا أسطى واحد ضربه على دماغه فتحاله ومرمي ع الأرض قاطع النفس .
شهقت الفتاتان بصوت عال وهما يضربان فوق صدرهما بقوة وبنفس نبرة الصوت هتفا :
- يالهوووي !!!!