رواية عروستى ميكانيكي الفصل السادس بقلم سما نور الدين
وقف مراد بجانب إيمان واضعاً كلتا كفيه بجيبي بنطاله ، مال ناحية أذنها وقال هامساً :
-دي تبقى التشين ، صاحبة وحبيبة إبراهيم ، زوج المستقبل .
مطت إيمان شفتيها بعد رفع حاجبها الأيمن ثم قالت :
-ياحلاوة المولد ، صاحبته وحبيبته الاتنين مع بعض ، طب دا إحنا لازم نرحب بيها ، المزة في بيتنا بردو ، الواجب والأصول بتقول كدة .
تفاجأ مراد بقبضة إيمان تمسك بكتف قميصه ودفعت به ليمشي بجانبها وهي تقول بصوت مسموع قوي :
-لموأخذة يا كابتن عايزاك في خدمة كدة .
ردد مراد مذهولاً يتبعها منصاعاً فارداً ذراعه :
-حاضر معاكي ، اتفضلي .
خرجا الاثنان من باب البيت ، فأتسعت عيني إيمان فور رؤيتها لتلك الالتشين تغمس بنفسها داخل حضن إبراهيم وهي تبكي وتتحدث من بين شهقاتها بكلمات تركية غير مفهومة .
ضربت إيمان بكوعها معدة مراد الواقف بجانبها مبتسم الوجه ، فقالت بغضب :
-ترجم ياكابتن ، البت المتشحتفة دي بتقوله إيه ؟؟
شهق مراد بألم وهو يمسد فوق معدته وقال بصوت يشوبه الألم :
-طيب من غير ضرب ، بتقوله "لا إبراهيم حبيبي لا ، مستحيل أصدق اللي سمعته ، حبيبي أرجوك قول أنه كدب " .
أمسكت إيمان بمقدمة قميص مراد وسحبته معها لتكون بالقرب منهما ، ثم مدت يدها تشد التشين من مرفقها ، تنزعها من داخل حضن إبراهيم الذي يقف متأففاً من بكائها والتصاقها به وقالت بصوت عال :
-لا يا أبلة مش كدب دا حقيقي ، حقيقي ونص كمان ، معلش بقى ، تبقى في حضنك وتقسم لغيرك .
نزعت التشين مرفقها من يد إيمان بقوة بعد ما ارتسم الغضب بملامح وجهها ، نظرت لإيمان من أعلى لاسفل بازدراء واضح وقالت :
-ne ?! .
( ماذا؟ ) .
قالت إيمان وهي لاتحيد بنظرها عنها وبنفس الوقت وهي تهز بمرفق مراد بقوة :
-بلا نيه ، بلا تيه ، ترجم اللي قولته يا عم الأمور .
صاح إبراهيم غاضباً بوجه مراد وهو يشير له بسبابته :
-أنت اللي بلغتها مش كدة ، أوك ، الحساب يجمع .
رفع مراد كتفيه وقال ساخراً :
-هي اتصلت بيا تسأل عنك ، قلتلها قاعد جوة بيمضي ورق جوازه ، يعني مكدبتش ، هي اللي جت بسرعة الصاروخ .
التصقت التشين للمرة الثانية بذراع إبراهيم وهي تقول بصوت خافت ضعيف ونبرة باكية :
-Lütfen Ibrahim benimle gel .
( من فضلك إبراهيم تعال معي ) .
تأففت إيمان ثم وبكل قوتها نزعت ذراع إبراهيم من براثن يد التشين ، وعن قصد واضح وضعت أصابعها بين أصابع يد إبراهيم ليتشابكا سوياً وقالت وهي تشد يده ليمشي معها :
-بعد إذنك يا باشا ، عايزاك بكلمة على جنب .
ووسط ذهول من حولها حتى إبراهيم الذي نظر لكفها الصغير المندس داخل كفه الكبير مشى معها ليتجها سوياً للشجرة الكبيرة المزروعة بمنتصف حديقة الفيلا ، حاولت التشين اللحاق بهما ، فإستدارت لها إيمان وقالت بغضب وبصوت عال وهي تلوح بيدها أمامها ، واليد الأخرى مازالت بيد إبراهيم :
-وعزة جلال الله لو جيتي ورانا لأجيبك من شعرك اقصري الشر احسنلك .
أشارت إيمان بيدها لمراد الواقف مشاهداً ومستمتعاً بما يرأه وقالت :
-ترجملها ياسمك إيه أنت .
دفع إبراهيم بإيمان لتقف خلفه ووقف بقبالة التشين وقال :
. التشين Biraz bekle, sonra konuşuruz -
( التشين ، انتظري قليلاً ، سنتحدث سوياً فيما بعد ) .
التفت إبراهيم لإيمان وقال وهو يمشي بجانبها دون أن يدع يدها :
-وأنتي تعالي معايا .
توقفا الاثنان بجانب الشجرة الكبيرة القابعة ، فقال إبراهيم :
-نعم يا أنسة إيمان ، عايزة تقولي إيه .
رمت إيمان بيده ورفعت سبابتها أمام وجه إبراهيم المتعجب وقالت بتحذير واضح :
-بقولك إيه ياباشا ، عشان نبقى على مية بيضا من أولها ، موضوع جوازنا دا أنا وافقت عليه لأجل خاطر الراجل الكبير ، ولغاية مايقوم بالسلامة ، أنا وأنت قدام الناس راجل ومراته ، يعني زي ماهحافظ على كرامتك ، سيادتك ياباشا تحافظ على كرامتي ، وبالقوي كمان والبت المايعة بتاعتك دي لازم تفهم كدة وتفكها منك ، أنا مش هسمح لمن كان يكون يدوس على طرف كرامتي ويقولي الحقي جوزك ماشي مع مين و أنك مش مالية عينه ، آمين ياباشا ؟
تكتف إبراهيم بذراعيه أمام صدره وقال بهدوء جملته لإثارة غضبها بعد ما تعجب مما قالته :
-وإذا ماوفقتش على الكلام دا .
تكتفت إيمان بدورها وقالت وهي تهز كتفيها بعصبية :
-يبقى كل واحد يروح لحاله ، وأهو الأخ المحامي لسة موجود ، نقطع الورق ونفضها سيرة ، ماهو أنا مش هفضل أشرح لكل مزة ماسكة فيك أنا ابقى إيه ، مرة بنت عمك المايصة و دلوقتي شين شين هانم .
زفر إبراهيم بضيق وأنزل بذراعيه جانباً يقول :
-خلاص ، أوك متقلقيش ، جوازنا قدام الناس هيكون بالشكل اللائق ليا قبل مايكون ليكي ، والتشين أنا هفهمها الوضع بشكل لا يسئ ليكي .
فردت إيمان ذراعها لتسمح له بأن يتجاوزها ويتجه لالتشين وهي تقول رافعة أنفها لأعلى :+
-اتفضل روح فهمها ، معاك نصاية وبعد كدة يبقى مات الكلام ومش هنعيده تاني .
ضاقت عيني إبراهيم وهو يميل بوجهه ناحية وجهها وقالت مستغرباً :
-إيه نصاية ؟ يعني إيه ؟!
ضربت إيمان بكفيها وقالت ساخرة :
-نصاية ياباشا ، يعني نص ساعة ، مش محتاجة فكاكة يعني .
مسح إبراهيم وجهه بغيظ وقال وهو يمشي بعيداً عنها :
-اللهم الصبر ، ياارب .
وقفت إيمان تراقب الموقف من بعيد لتجد بالنهاية التشين تهرول ناحية بوابة الحديقة وهي تدب الأرض من تحتها وصوت بكائها العال يملأ المكان ، وإبراهيم ينظر للأرض متخصراً ويهز رأسه بيأس واضح .
مرت عدة ساعات وحل الليل والسكون المكان ، كان الكل ملتزماً بمكانه ماعدا إيمان التي شعرت بالضجر من غرفتها وكذلك بالغيظ لعدم استطاعتها النوم بعيداً عن غرفتها القديمة ببيتها بالحارة ، أما إبراهيم فقد خرج بسيارته لمكان غير معلوم .
نزلت إيمان درجات السلم بهدوء ، حتى خرجت من الباب متجهة ناحية الأرجوحة التي تواجه حوض سباحة كبير .
جلست تتأرجح ببطأ وتفكر كيف مر عليها هذا اليوم
بكل أحداثه ، انتفضت بمكانها ووضعت يدها فوق صدرها فور سماعها صوت إبراهيم وهو يقول :
-قاعدة عندك بتعملي إيه ؟
قالت إيمان بعد أن ارتجف صوتها :
-بسم الله الرحمن الرحيم ، خضتني ياباشا بعد كدة إبقى اتنحنح قبل ماتتكلم .
جلس بجانبها وهو يقول ساخراً :
-هبقى أتنحنح المرة الجاية .
رمى فوق فخذيها حقيبة صغيرة وهو يستطرد قائلاً :
-اتفضلي .
أمسكت ايمان بالحقيبة لتفتحتها بلهفة واضحة تنظر بداخلها ، اتسع فاهها فور رؤيتها للهاتف الجديد ، هتفت بسعادة :
-موبيل جديد ، والله أنت ابن حلال ياباشا ، أنا كنت هطق عشان عايزة أكلم البت لوزة ، ودا تمنه كام بقى ؟
رجع إبراهيم بظهره للوراء وقال ساخراً بعد أن كتف ذراعيه :
-دا هدية من جدك ، الموبايل فيه الخط وجاهز للإستعمال ، يعني مش هتتعبي في استخدامه .
تنهدت إيمان بأربحية وهي تحتضن الهاتف وقالت :
-أبو الزوق والله ، وربنا يشفيك ياجدي ، بس يكون في علمك ياباشا أنا مكنتش هأخده إلا وأنا دافعة حقه ، أبويا الله يرحمه كان دايما يقولي ، اوعي تاخدي حاجة مش من حقك ، واوعي تسيبي حقك حد يأخده منك .
وبكل مرة يستمع لها إبراهيم تثير بداخله مشاعر غريبة وكلما تثير غضبه ، تثير اعجابه ببعض الأحيان ، التفت لها برأسه وهو يسألها :
-أنتي ليه مكملتيش تعليمك ؟؟
جلست إيمان كالقرفصاء فوق الأرجوحة وقالت وهي تصيح :
-مكملتش تعليمي دا إيه ياباشا ، أنا معايا دبلوم صنايع قسم كهربا .
قطب إبراهيم جبينه وقال متسائلاً :
-دبلوم صنايع !! واشمعنا يعني قسم كهربا ؟
بدأت إيمان تتحدث بحماس وأريحية وقالت :
-أصل أنت مش واخد بالك ، أنا ليا نظرية في موضوع التعليم دا .
اعتدل إبراهيم بجلسته ليكون بقبالتها وقال متعجباً ساخراً بعد ما استند بذراعه فوق ظهر الأرجوحة :
-والله !! بقى حضرتك ليكي نظرية في التعليم ، وياترى إيه هي النظرية اللي أنجبتها العقلية الفذة .
أجابته مسرعة :
-أقولك ، بص يا سيدي كل واحد لازم يتعلم الحاجة اللي شاطر فيها ، عشان يقدر يفيد نفسه ويفيد اللي حواليه ، الجامعة بيخرج منها الفات من الشباب كل سنة وتلات أرباعهم متلقحين ع القهاوي أو بيشتغلوا حاجة تانية غير اللي اتعلموه في الجامعة ، دا غير اللي بيطفش من البلد وهو فاكر نفسه هيحقق اللي محصلش ومابيفلحش منهم إلا اتنين تلاتة والباقي بيتمرمط .
رفع إبراهيم حاجبه وهز رأسه تجاوباً مع ماقالته ، وقال :
-ها ، كملي .
-أتا زي ماقولتلك قبل كدة إني اتعلمت صنعة أبويا من وأنا لسة صغيرة واللي هي الميكانيكا ، إيه بقى اللي هيساعدني في صنعتي دي ، إني اتعلم جمبها كهربا السيارات ، وفعلاً اتعلمت وساعدتني كتير أوي في شغلي بصراحة .
نظر لها إبراهيم وكأنه يرأها لأول مرة ، وقال بعد أن مط شفتيه للأمام :
-أحترم وجهة نظرك .
ربتت إيمان بيدها فوق صدرها وقالت وهي تهز رأسها والإبتسامة تزين شفتيها :
-توشكر يا ذوق .
رفعت سبابتها أمام وجهه وهي تقول بثقة :
-لعلمك أنا كنت شاطرة جداً في المدرسة وأنا صغيرة وخصوصا في الحساب ، بس هو العربي اللي كنت بجيب فيه كحك ، أصل كنت بكره النحو أوي ، مالي أنا بكان وجيرانها ، وإن وقرايبها ، وجرار يجر مجرجر وراه .
ضاقت عين إبراهيم ومسح وجهه بكلتا كفيه غيظاً ، وقبل أن ينطق ، أسرعت بقولها متسائلة بلهفة :
-ألا قولي يا باشا ، هو أنت بتمسح وشك وأنا بكلمك كل مرة ليه ؟؟ هو انا بتفتف في وشك لموأخذة .
ارتسمت علامات التقزز بملامح وجهه وهو يقول :
-كاتك القرف .
اعتدل بجلسته واستطرد قوله محاولة منه لافهامها :
-ياهانم ، اسمها كان واخوتها ، وإن واخواتها .
صاحت بنبرة صوت واثقة :
-شوفت يا باشا ، أهم طلعوا عيلة في بعضيهم ، ها ، مالي أنا بقى بيهم ، وهما قرايب في ذات شخصايتهم كدة ، نتدخل ليييه ؟!! ، وقال إيه نكسر ونرفع اللي يجي وراهم ، مالي أنا بمين هيرفع مين ، ومين هيكسر ايه ، مش ليا حق بذمتك منجحش فيه .
هز ابراهيم رأسه باستسلام وقال :
-عندك حق طبعاً مشاكل عائلية ملناش دعوة بيها ، وطبعاً نجحتي بالغش .
رفعت إيمان يدها معترضة وقالت بكل ثقة :
-لا ياباشا مش بالغش ، كله بالحب .
ضحك إبراهيم بصوت عال ، فضحكت إيمان معه عندما تذكرت مافعلته وقت اختبار مادة اللغة العربية ، كانت العمة زهرة تشاهدهم عبر زجاج نافذة غرفتها والإبتسامة ترتسم فوق شفتيها لرؤية أبناء اخوتها المقربين لقلبها يضحكون سوياً ، على غرار من ينظر لهم بحقد وكره وهو يقف وراء ستار النافذة ويهمس لنفسه :
-على جثتي أنكو تكونوا لبعض .