رواية عروستى ميكانيكي الفصل الثامن بقلم سما نور الدين
اقتربت إيمان من عمتها وقبلتها من وجنتيها وهي تقول :
-الجميل واقف زعلان ليه ؟؟
تقطب جبين زهرة وهي تسألها بصوت هادئ :
-كنتي عندك بالمطبخ بتعملي إيه ؟
ردت بكل هدوء وهي تمسد فوق بطنها :
-كنت بملى التانك .
زفرت عمتها بيأس ونظرت لها بريبة وهي تسألها :
-وعملتي إيه في مرات عمك خلتيها تجري ع الحمام زي المجانين وبتمسح في وشها وعمالة تشتم بالتركي والعربي .
أشارت إيمان لنفسها ، وبراءة الأطفال بعينيها وهي تقول بصوت خافت ناعم :
-وغلاوتها الكبيرة عندي ولا إنشالله يا رب يجيلها شلل رعاش في رموش عينيها معملتلها حاجة ، دا أنا حتى صبحت عليها وهي اللي مشيت من غير ماترد الصباح ، بعد مابصتلي بقرف ، يرضيكي .. يرضيكي كدة ياعمتي .
مطت زهرة شفتيها ، وأمسكت بأذن إيمان وقالت وهي تمشي بها ناحية السلم :
-النهاردة حفلة كتب الكتاب وورايا مليون حاجة ، وطول مانتي في المكان أنا عارفة أنه هيتقلب رأساً على عقب ، فتطلعي فوق وتدخلي أوضتك ومتخرجيش منها ، لغاية مأنا أجيلك وأقولك تعملي إيه .
حاولت إيمان أن تنقذ أذنها من براثن أصابع عمتها دون فائدة وقالت وهي تتأوه غاضبة :
-آااه ودني ، ودني هتطلع في إيدك يا عمتي ، خلاص طيب ، هطلع من غير ما حد ، رأسه ولا ركبه توجعه ، مع إني معرفش أنا مالي أنا .
أغمضت زهرة عينيها محاولة كبت غيظها بعد ما تركت أذن إيمان التي ظلت تفرك بها بتأوه ، تنهدت زهرة بإستسلام وهي تقول :
-كلها ساعة والميكاب ارتست توصل ، وكل الحاجات اللي وصيت عليها كمان جاية في الطريق ، يالا حبيبتي اطلعي أوضتك .
ضاق مابين حاجبي إيمان واقتربت من عمتها وهي تقول :
-معلشي هي مين اللي جاية بعد ساعة دي ، واحدة قريبتنا بردو .
صاحت زهرة بصوت حاد وقوي وهي تشير بذراعها لأعلى :
-اطلعي على فوق يا إيمان ومتخرجيش من أوضتك زي مقولتلك يالا !!
رضخت إيمان لأمر عمتها وصعدت وقدميها تدب درجات السلم بقوة ، تهمس لنفسها بصوت مسموع :
-أديني طالعة ، أنا مش عارفة كل ما أكلم حد بالبيت دا يزنجر ليه ؟!! أستغفر الله العظيم يارب .
ضحكت زهرة وهي تهز رأسها بأستسلام من عفوية ابنة أخيها وبساطتها ، ثم ذهبت لغرفة أبيها لتطمئن عليه وتبلغه أن الأمور على ما يرام وتسير كما أمر وطلب .
اعتدل العجوز فوق فراشه ، نظر للفراغ أمامه وشرد بأفكاره بعيداً ، ربتت زهرة فوق ركبته وهي تقول متسائلة :
-مالك يا بابا ، سرحان في إيه ؟ كل اللي طلبته اتنفذ وأهو كلها ساعتين تلاتة وكتب كتاب الولاد يتم زي ماحضرتك عايز بالظبط .
نظر لها الجد العجوز وقال :
-خايف أكون ظلمت إبراهيم لما غصبت عليه يتجوز بنت عمه ، ولو إن الجوازة دي في مصلحة إيمان ، فإبراهيم مالوش ذنب ، صح يابنتي ولا أنا غلطان ؟
ارتسمت فوق شفتي زهرة ابتسامة هادئة وقالت :
-حبيبي يا بابا ، متحملش نفسك فوق طاقتها ، ولو حضرتك قلقان ، اتكلم مع إبراهيم وهو يختار ، ولو إني عارفة كويس إن إبراهيم مستحيل يتخلى عن مسئوليته تجاه إيمان .
التفتا الاثنان فور دخول إبراهيم للغرفة ، وهو يلقي بتحية الصباح ، نظر الجد له وقال :
-تعال يا بني عايز أتكلم معاك في موضوع مهم قبل حفلة كتب الكتاب .
جلس إبراهيم فوق الفراش بقبالة الجد العجوز وقال بعد ماشعر بتوتر الأجواء من حوله :
-اتكلم يا جدي أنا سامع حضرتك .
أجابه جده :
-هقولك على كل حاجة ، وبالنهاية يا بني ليك حرية الإختيار ، تقبل أو لا ، أنا مش هغصبك على حاجة .
هز إبراهيم رأسه بالإيجاب وبعينيه لهفة لسماع كل ما بجعبة العجوز ، بدأ الجد بالحديث دون توقف وإبراهيم يستمع له بكل حواسه .
وأثناء ذلك كانت تغدو إيمان بالغرفة ذهاباً وإياباً وهي تزفر بضيق ، أمسكت بهاتفها لتتصل بصديقتها عزة ، التي ما إن قالت :
-الو ، مين معايا ؟؟
أجابتها إيمان مسرعة :
-أنا يابت يا لوزة ، برن عليكي من بدري كنتي فين يا بت ؟
جلست عزة القرفصاء فوق أريكتها القديمة وهي تقول بحماس :
-إيمااان ، وحشاني يا بنت الإيه معلش كنت سايبة الموبايل على الشاحن وبجيب عيش من الفرن وأنتي عارفة الفرن وزحمته ، المهم قوليلي عاملة إيه ؟ وأهل أبوكى استقبلوكي إزاي ، وهتيجي إمتى ؟؟
جلست إيمان بدورها القرفصاء فوق الفراش وهي تقول بصوت ضاحك :
-يا بت اسكتي شوية ، إديني فرصة أرد عليكي ، آاه يا لوزة لو عرفتي اللي حصلي من أول ماحطيت رجلي جوة البيت ، مهرجااناات ، أتاري الناس الأغنيا عيشتهم غيرنا خالص ، دا حتى العربي بتاعهم غير بتاعنا .
أمسكت إيمان بالهاتف لتضعه فوق أذنها الثانية وهي تقول :
-بت يا عزة استعدي للي هقولهولك ، تفتكري النهاردة هيحصلي إيه ؟
رمشت عزة عدة مرات وهي تقول بحماس أكبر من ذي قبل :
-إيه يا إيمان ، هياخدوكي يفسحوكي ويجيبولك لبس كتير ، زي مبيحصل في الافلام .
أصل الحكاية إيه لما أرجع وأشوفك ، بس تصدقي حسيت كدة إني لوحدي ، كان نفسي تبقي معايا ياعزة .
هبت عزة لتقف تخطو خطوتين للأمام ثم ترجع ثانياً للوراء كما كانت من شدة توترها وصدمة خبر زواج إيمان ، صاحت قائلة بعد ما شعرت بالتوتر والقلق :
-إوعي يا إيمان يكونوا غصبوكي على الجوازة دي ، طيحي فيهم ضرب يا بت ، واجري على السفارة بتاعتنا هناك وقوليلهم عايزين يموتوني ويبيعوا أعضائى .
سمعت إيمان بعض الطرقات على بابها ، فأعتدلت بجلوسها فوق الفراش وقالت لصديقتها :
-متخافيش عليا يا لوزة ، أنا الأسطى إيمان على سن ورمح ، وعيلة المهابيش اللي أنا في وسطيهم دول محدش فيهم يقدر عليا ولا يعملي حاجة ، سلام دلوقتي وهكلمك بعدين ، سلام سلام .
عاود الطرق فوق الباب للمرة الثانية ، فصاحت ايمان بصوت عال بعد ما أغلقت هاتفها :
-خش ياللي بتخبط .
فتح الباب فدلفت إليها دادة فاطمة وورائها فتاتان غريبتان كل واحدة منهما تحمل بيديها شيء ما ، الأولى تحمل بيدها حقيبة خاصة بأدوات الزينة والمكياج ، والثانية تحمل فوق ذراعها كيس بلاستيكي كبير يغطي ماوراءه وكأنه فستان ، ثم دخلت خادمتان تحملان حقائب كثيرة ، امتلئت الغرفة بالفتيات والحقائب المتعددة الألوان والأحجام .
وبالنهاية دخلت العمة زهرة لتقف أمام إيمان وقالت وهي تشير للفتاتان الغريبتان :
-حبيبتي الميكاب ارتست هي اللي هتعملك المكياج ، والأنسة التانية هي اللي هتلبسك الفستان وتشوف لو محتاج أي تعديل ، كل المستلزمات أنا جيبتها وجاهزة ، أنا هسيب معاكي دادة فاطمة عشان تفهمك البنات هيقولولك إيه وكذلك أنتي لو حابة تقوليلهم حاجة ، أوك حبيبتي ، أسيبك تستعدي .
رمشت إيمان كعادتها عندما تتوتر من أمر ما ، أدركت أنها ستتزوج بالفعل ، شعرت ببعض الخوف فصاحت بعمتها قبل أن تخرج وقالت :
-عمتي استني ، عايزة أقولك على حاجة ضروري .
اقتربت إيمان من عمتها وقالت وهي تشير لها بسبابتها :
-بقولك إيه يا عمتي ، قولي لابن اخوكي أنه كتب كتاب وبس ، يعني مايحطش في دماغه حاجة كدة ولا كدة .
قطبت العمة زهرة جبينها وقالت بتعجب :
-يعني إيه كدة ولا كدة ؟!!
تنهدت إيمان بيأس وقالت وهي تهمس أمام وجه عمتها :
-يعني مفيش سيكو سيكو ، ينسى خالص ، أنا بقولك أهو .
رجعت العمة برأسها للوراء وهي تقول بصوت حاد :
-إيه يا بنت الكلام العجيب اللي بتقوليه دا ، مش فاهمة منك حاجة .
صاحت إيمان بضيق وهي تقول :
-يالهوي يا عمتي وأنا اللي فاكراكي بتفهميها وهي طايرة ، من الاخر كدة وأقسم بالله ، لو لقيته عايز قلة أدب ، لأفتح دماغه بالمفتاح الإنجليزي ، آمين ياعمتي ؟؟
ضحكت العمة وقالت وهي تتجه لباب الغرفة لتخرج :
-متقلقيش من الناحية دي ، هو أصلاً بيقول عنك ، إنك أرجل من مراد ابن عمه ، وإن اللي ناقصك بس هو الشنب .
اتسعت أعين إيمان وقالت بغيظ وهي تشير لنفسها :
-أنا !! أنا بشنب ، طب وديني لأوريه .
أسرعت إيمان ناحية فتاة المكياج وقالت بصوت قوي وهي تنظر لدادة فاطمة :
-ست فاطمة قوليلها أنا عايزة أخرج من هنا فشر هيفا وهبي ، عشان يبقى الباشا يقول عليا ساعتها بشنب .
كتمت فاطمة ضحكتها وأمسكت إيمان من مرفقها لتمشي بها ناحية الكرسي الخاص بمنضدة الزينة وهي تقول :
-حبيبتي أنتي زي القمر ومش محتاجة تكوني شبه حد ، اقعدي دلوقتي واهدي ، وخلي البنات تشوف شغلها .
رمت إيمان بنفسها فوق الكرسي وهي تتنهد باستسلام قائلة :
-حاضر يا ست فاطمة ، بس قولي للكوافيرة إني عايزة أعرف نفسي بعد متخلص ، لحسن بشوف الواحدة لما تدخل الكوفير شكل تخرج واحدة تانية ، عريسها ذات نفسه مابيعرفهاش .
هزت فاطمة رأسها بالإيجاب وهي تربت فوق كتفيها بحنو لتطمئنها ، وأثناء ذلك بعد ما سمع إبراهيم نهاية حديث جده ، قام واقفاً ينظر لجده بعمق ، التفت ومشى ناحية النافذة ، ثم استدار بمكانه وقال :
-عمي سمير لما يعرف هيكون رد فعله قوي جداً ، أنا متأكد .
أسرع الجد بقوله وعيناه لا تحيد عن وجه إبراهيم :
-أنا وأنت هنخليه يقف عند حدوده مايتخطهاش ، بس دا لو قبلت بجوازك من إيمان ، وعلى فكرة أنا مش هزعل منك لو رفضت ، أنا ممكن ألغي كل الترتيبات متقلقش ، أنا مش عايز أظلمك يا بني .
ارتسمت فوق شفتي إبراهيم ابتسامة باهتة وقال وهو يخطو ناحية فراش جده :
-أنا مستحيل أهرب من المسئولية دي يا جدي ، بنت عمي بقت أمانة برقبتي ولا يمكن أتخلى عنها أو أسيبها تواجه لوحدها ، هي صحيح مصيبة وكارثة متنقلة ، بس هعمل إيه ، مجبر أخاك لا بطر ، ربنا يكون في عوني بقى .
وفستانها الطويل يدور معها ، قالت بعد أن توقفت :
-يااه !! أنا مكنتش أعرف إني هطلع مزة كدة ، تسلم إيديكوا بجد ، بس لولا الكعب العالي دا اللي هيخليني انكفي على وشي ، كانت هتبقى الليلة حلوة مفيش كلام .
دلفت العمة لغرفة إيمان لتقف أمامها تنظر إليها من أسفل لأعلى باعجاب شديد ، اقتربت منها واحتضنتها بقوة وقالت بهمس بالقرب من أذنها :
-زي القمر يا حبيبتي ، ألف مبروك .
احتضنتها إيمان بقوة ورددت قائلة بهمس أيضاً :
-ولو إنها جوازة أونطة ، بس الله يبارك فيكي .
ضحكت عمتها ونزعتها من حضنها وهي تقول معاتبة إياها :
-بس يا بنت ، إوعي تقولي الكلام دا قصاد حد ، لحسن الكلام يوصل لجدك ويتعب تاني .
مالت شفتي إيمان جانباً بابتسامة صغيرة وقالت :
-عيييب دا أنا أسطى إيمان ، بس قوليلي إيه الحلاوة دي كلها ، دا أنتي هتخطفي الليلة مني ولا إيه ؟!!
تأبطت زهرة ذراع إيمان التي تمشي بهوادة خوفاً من وقوعها وقالت وهي تخرج بها من الغرفة :
-يالا وبلاش بكش كلهم تحت بالجنينة ، الشيخ والمحامي وشوية ناس قرايبنا .
أمسكت إيمان بذراع عمتها بقوة وهي تقول :
-امسكيني جامد بقى ، لحسن تلاقيني اتكعورت على الأرض والليلة تبوظ .
كان إبراهيم واقفاً أمام المنضدة الكبيرة يظهر عليه بعض التوتر فأخذ يعيد ربط رابطة عنقه مرة أخرى ، اقترب منه مراد وهو يقول بصوت يشوبه التهكم والخبث :
-على فكرة ، أنا ممكن أشيل عنك المسئولية دي واتجوزها أنا ، أنا متأكد إن جدك غصبك على الجوازة دي، وأهو المحامي موجود لو حبيت تغير رأيك .
نظر إليه إبراهيم بطرف عينيه وقال بصوت قوي :
-احترم نفسك يا مراد وروح اقف مكانك ، مش انا اللي حد يغصبني على حاجة ، يالا امشي .
وكانت أجابه مراد عبارة عن صوت صفير اعجاب وأسرع بقوله :
-بجد أنا على أتم الاستعداد ، أرجوك وافق .
فنظر إبراهيم لما ينظر إليه مراد ، فوجد إيمان تنزل درجات السلم الرخامي تتأبط ذراع عمتها بقوة ، كانت مثل العروس حقاً بالليلة عرسها ، فستانها وشعرها المنسدل فوق كتفيها يتأرجح بنعومة واضحة ، وجهها المزين ببساطة ليبدو أن جمالها الطبيعي قد غمر الزينة بحلاوة فائضة ، شعر وكأن نغزة ما عاودت اللكز مرة أخرى بصدره .
نزعت العمة ذراعها من قبضتي إيمان وقالت :
-امسكي نفسك كويس وانزلي براحة متخافيش ، خليكي واثقة في نفسك .
همست إليها إيمان بصوت ضعيف :
-لا ياعمتي متسيبنيش ، والنعمة هقع .
هزت العمة رأسها بالنفي وأسرعت بالنزول وحدها ، رفعت إيمان رأسها عالياً وأمسكت بدرابزين السلم لتعتدل بنزولها خطوة خطوة ، أدرك إبراهيم خوف إيمان من ملامح وجهها ، فأسرع إليها وصعد ليقف بجانبها واضعاً يداً واحدة فوق خصره ، اشارة منه لإيمان لتتأبط ذراعه ، وبالفعل فهمت إيمان الاشارة وتأبطت ذراع إبراهيم الذي نزل بها درجات السلم باتجاه المنضدة وبمن يجلس حولها .
قال إبراهيم من بين أسنانه بغيظ :
-بقى أنا عندي ثقب بشخصيتي !!
التفتت إيمان برأسها لتنظر إلى جانب وجهه وتقول من بين أسنانها أيضاً :
-يعني أنا اللي أرجل من مراد ابن عمك وناقصني بس الشنب !!
التوت شفتي إبراهيم بضحكة خافتة وقال بعد أن التفت إليها ينظر إليها بعمق ولأول مرة :
-قبل كدة جايز ، لكن دلوقتي أكيد لأ .
شعرت إيمان ولأول مرة بحياتها بالخجل ، اكتست وجنتيها باللون الأحمر وقالت وهي تهرب بعينيها من أسر نظراته الثاقبة :
-اللهي تنستر .