رواية الفخ الفصل الثانى2 بقلم يمنى عبد المنعم


 

رواية الفخ الفصل الثانى بقلم يمنى عبد المنعم

الفصل الثاني:
دخل صفوان الحديدي مقر عمله في مهابه لم يراها من قبل كل العاملين معه، والكل يتطلع إليه بقلق، ونظراته الحادة على كل من حوله.

سار مدير مكتبه بجواره ومعه ملف مطبق، شاعراً بتوتر زائد ولا يدري كيف يخبره بأنه خسر اليوم الصفقة الذي كان يتمناها منذ فترةٍ طويلة.

دلفوا سوياً إلى غرفة مكتبه الواسعة، أنيقة المظهر ذات الطراز الحديث الذي تدل على ذوق صاحبها الراقي، جلس خلف مكتبه عاقد الحاجبين بشرود تام.

 مستنداً بظهره على مسند المقعد، أخرجه مدير مكتبه من تفكيره المشغول بإعطاءه الملف بحذر أمامه.

قائلاً بأسف: أنا بعتذر يا صفوان بيه الصفقة رسيت على شركة تانية منافسة لينا في السوق.

رفع الآخر بصره بضيق بعدم تصديق قائلاً بعصبية: يعني  صفقة بملايين تدخل البلد ومتكنش من نصيبي.

ابتلع فهمي ريقه بصعوبة يخشى إزدياد ردة فعله المتوقعة عندما يعلم بالخبر... لذا عاد أدراجه للوراء قائلاً بتردد: أنا عملت اللي أقدر عليه حضرتك، بس عرض الشركة المنافسة كان من الواضح إنه أفضل منا.

هتف به بحدة وهو يطرق مكتبه ببقبضته القوية: إنت اتجننت يا فهمي دي أول صفقه أخسرها معنى كده إن فيه تسيب في شغلنا.

هز الرجل رأسه بالرفض وقرر أن يدافع عن نفسه قائلاً بسرعة: لا طبعاً يا فندم كل واحد في الشركة هنا شغال ومتحمل المسئولية كاملة وبيعملوا اللي عليهم سيادتك.

تنهد تنهيدة حاره قائلاً باختصار غاضب: اجمعلي كل موظفين الشركة النهاردة علشان اللي حصل ده ما يتكررش تاني.

زاغ بصر الرجل بارتباك قائلاً بتوتر: حاضر يا فندم.

في الصباح أخذتها الخادمة غرفة بالطابق الثاني على الجانب الأيمن، أشارت إليها كي تتعرف أولاً السيدة التي ستقوم بخدماتها بتلك الفترة.

قائلة باختصار: دي إوضة جدة سعات البيه إتفضلي إدخلي وانا هنزل المطبخ.

اومأت إليها بتردد ثم طرقت الباب بهدوء حذر، نادتها من الداخل قائلة: اتفضل إدخل.

فتحت الباب بتوجس بعض الشيء… وجدت سيدة عجوز ممددة على الفراش.

على محياها أمارات تعب السنين، وجود التجاعيد التي تملىء وجهها.

وعينان غائرتان تحدقان بوجهها… همست بتلعثم: صباح الخير.

ابتسمت لها السيدة بحنان دافق وهي تشير إليها بالإقتراب قائلة: تعالي يا بنتي.

اقتربت منها تحاول رسم البسمة على شفتيها الباهتتين.

قائلة: إزاي صحة حضرتك، أشارت إليها بالجلوس بجوارها قائلة: أنا بخير… اتفضلي إقعدي

جلست وعيونها زائغة فهي تشعر بالقلق والتوتر بداخلها… فهذه المرة الأولى التي تعمل بها بخدمة أحدهم.

تأملتها العجوز قائلة بروية: شكلك كده أول مرة تشتغلي.

هزت رأسها بالرفض قائلة باضطراب: أنا بشتغل من زمان بس دي فعلاً أول مرة أشتغل عند حد في بيته.

تنهدت الأخرى قائلة بحذر: طب يارب أكون خفيفه عليكي… قاطعتها مرام قائلة بحنان: لا طبعاً حضرتك متقوليش كده أنا بس يمكن مستغربه المكان شويه.

أمسكت السيدة بكفها وهي تبتسم قائلة بحب: لا متستغربيش ولا حاجه إن شاء الله هتاخدي على المكان هنا بسرعة.

شعرت بأنها تريد أن تطمئنها بعدما قابلت ذلك المتعجرف، الذي أربكها ومنذ أول لقاء لها به.

جعلت عملها الجديد ليس بالهين عليها مهما كانت سهولته. 

قاطعت شرودها قائلة: ممكن كوباية ماية من فضلك… علشان لازم آخد برشامة الضغط قبل ما وفاء تجهز الفطار.

هزت رأسها بالإيجاب ثم نهضت من جانبها كي تفعل ما أمرتها به.

وقفت سميحة تتقاسم العمل بالمطبخ مع وفاء بصمت كأن عليهم رقابة خاصة، على الرغم من أن الأولى هي مديرة هذه الفيلا.

قاطعت عملهم دخول مرام عليهم قائلة بهدوء: من فضلكم عايزة فطار الست الكبيرة.

أجابتها وفاء بهدوء: خمس دقايق وهيكون جاهز، لم تخرج وظلت مكانها تنتظرهم.

ناولتها سميحة صينية طعام مملوءة بالطعام الصحي، قائلة بحزم: اتفضلي الفطار واوعي تنسي مواعيد العلاج.

أبتسمت لها بتلقائية وانصرفت من أمامها، قابلها أمين الذي تأملها بصمت كأنه يراقبها، لاحظت ذلك ولم تكترث كثيراً لتلك النظرات المتفحصة، وتابعت طريقها إلى غرفة العجوز.

وضعت مرام الصينية أمام العجوز قائلة بحماس: عايزاكي بقى تاكلي كل الأكل ده ومتسبيش منه أي حاجه.

ابتسمت قائلة: هحاول بس بشرط تاكلي معايا بما إنه المرة الأولى ليكي هنا النهاردة.

شعرت بأنها تريد أن ترفض ذلك لكن بلطف بعض الشيء أجابتها بتردد: حضرتك ده أكلك وأنا هنا علشان بقوم على خدمتك فاميصحش يعني إن أقعد آكل معاكي.

رسمت على محياها الحزن المصطنع قائلة: لا طبعاً مين قال كده إنتي زي حفيدتي إيمي اللي مسافرة برا تدرس، وإوعي تفتكري إني هعتبرك خدامة ليا هنا.

شعرت بأنها تريد التخفيف عليها ومن شدة طيبتها تبلغها بذلك الأمر قائلة: أنا موافقة بس دي أول وآخر مرة تطلبي مني حاجه زي دي.

اومأت السيدة برأسها بالموافقة قائلة: وأنا موافقة رغم إني كنت اتمنى من جوا قلبي إننا نفطر سوا على طول.

وبالفعل قامت مرام بمساعدة سيدتها على الطعام مع بعض اللقيمات الصغيرة لها، بعد قليل انتهوا من تناول الطعام وأخذت السيدة دواءها أيضاً.

تطلعت إليها قائلة: ممكن تناوليني المصحف اللي هناك ده أقرأ الورد بتاعي، هزت رأسها بالإيجاب قائلة بخفوت: طبعاً إتفضلي.

في الشركة عقد صفوان الإجتماع بحجرة الإجتماعات قائلاً بحزم: من النهاردة اللي مش عاجبه الشغل في الشركة يسيبه ويدور على شغل تاني بعيد عن هنا طالما بقى في تسيب بالوضع ده.

حدق الجميع بوجوه بعضهم البعض، بقلق تام حتى تحدث مدير المالية المسئول عن حسابات الشركة قائلاً بحسم: إستحالة طبعاً يا فندم إننا نسيب هنا بسهولة إحنا كلنا هنا إيد واحدة وحضرتك عارف كده كويس أوي.

تحدث إليه بغلظة: طب طالما كده تقدر تقولي مين المسئول عن اللي حصل، أحرج الرجل وتعرق جبينه من الخجل قائلاً بتردد: صفوان بيه أنا عارف إننا غلطانين لكن إعتبرها آخر غلطة ودي آخر مرة هيحصل فيها اللي حصل.

تأفف بحدة محدقاً بمديره بضيق قائلاً بجمود: فهمي لكل اللي حاضرين إخصم ليهم أسبوع كامل من مرتبهم علشان المرة الجايه ياخدوا بالهم كويس أوي هما بيتعاملوا مع مين.

تأثرت الوجوه بما تفوه به لكنهم لم يستطيعوا إعلان ما بصدورهم من اعتراض على ذلك الأمر.

تأملهم بنظرات ساخرة ثم هب واقفاً بحدة مستطرداً: الإجتماع انتهى... نهض الآخرون على مكاتبهم وهم يسيرون بامتعاض مما حدث.

في المساء جلست محاسن والدة مرام بصحبة جارتها سحر أم حسام، قائلة بحذر: عندي رسالة ليكي من أبو حسام.

تنهدت الجارة بحزن قائلة: خير يا أم مرام، ابتلعت ريقها قائلة بخفوت: جوزك عايز يرجعك البيت.

هزت رأسها بالرفض قائلة بضيق: مش هرجع ليه تاني أبدا مهما يعمل.

ربتت على كتفها ببطء قائلة: إهدي كده الأول وبعد كده فكري علشان العيال دول ذنبهم إيه.

لمعت عيونها بالدموع قائلة بحزن: ذنبهم الوحيد إنه أبوهم، أنا كل يوم بندم إني إتجوزته.

أعتدلت أم مرام بجلستها قائلة بتفهم: أنا عارفه كل ده بس لازم تسايري الأمور شويه علشان المركب تمشي.

تأملت أولادها الثلاثة بصمت طويل، ثم أجبرت نفسها على التحدث بصوتٍ مخنوق: عارفه يا أم مرام أنا اتحملت كتير مواقف… وقلت أساير أموري زي ما بتقولي بس لقيت كل اللي بعمله راح مجرى الريح وتعبي كله راح.

نهضت من مكانها تتابع بنبرة باكية: أنا معدش فيه حيل لا جدال ولا خناق ولا زعيق أنا خلاص جيبت أخري منه ده مش راجل… 

تفهمت موقفها ووقفت بجوارها تربت على ظهرها بحنان: أنا فاهمه والله كل ده وحاسة بيكي بس الأول عايزاكي تهدي وتفكري براحتك.

زفرت بيأس قائلة بخجل: أنا فاهمه إني متقله عليكم اليومين دول وده… قاطعتها بضيق.

قائلة: إنتِ بتقولي إيه يا أم حسام ده أنا أشيلك في عينيه، وإوعي علشان بقولك فكري يبقى لا مؤاخذه مش طايقاكي.

ردت بسرعة كبيرة: أنا مقصدش أقول كده بس لازم بردو أبقى أدور على مكان تاني ده حال وهيطول.

مطت شفتيها باعتراض هاتفه بها: اسمعيني كويس يا أم حسام أنا مستعدة أشيلك في عينيه الاتنين ومتشغليش بالك بأي حاجه تانيه بس كل اللي بقوله ده من قلقي عليكي مش اكتر ده غير إن مش عايزه بيتك يخرب.

انتهت مرام من عملها اليوم الأول وقد مر عليها عكس ما تخيلت.

حمدت ربها على ذلك من شدة خشيتها من الوضع الجديد التي وضعت نفسها به.

تمددت فوق الفراش كي تستعد للنوم… لكن بعضٍ من شبح الماضي يقلقها وإبتعادها عن والدتها وشقيقتها يخيفها أكثر من ذي قبل.

ضمت قبضتيها هامسة لنفسها بيأس: آسفه يا ماما مكنش قدامي حل غير كده.

أغمضت أهدابها ببطء لمدة قليلة واستيقظت على صوت صرير سيارة.

نظرت إلى ساعة هاتفها وجدتها قد تخطت الواحدة بعد منتصف الليل.

هبت من سريرها واقفة، اقتربت من خلف النافذة التي تطل على حديقة الفيلا… 

وجدته من يكون غير هذا الرجل الغامض المتكبر، تنهدت بضيق من كلماته الجارحة التي تسللت إليها من جديد.

تذكرت كل حرف نطقه الذي وجه إليها بشكل بشع، ورغم ذلك انتبهت لنفسها.

سرعان ما ابتعدت عن النافذة خوفاً من رؤيتها تتلصص عليه في هذا الليل الحالك.

تمددت على الفراش مرة أخرى تحاول إغماض جفونها، علها تنام.

تنهدت بضيق قائلة: مش عارفه ليه رغم النعس اللي بعينيه، النوم مش راضي ييجي.

مطت شفتيها بحزن تستطرد بنبرة قلقة: يمكن علشان غيرت مكان نومي.

استقبلته سميحة مديرة الفيلا قائلة باحترام: حمدلله على سلامتك يا سعات البيه حضرتك هتتعشى دلوقتي.

تنهد بضيق قائلاً باختصار: لا مليش نفس عايز بس فنجان قهوة هاتهولي على مكتبي.

اومأت المرأة رأسها بالاإيجاب قائلة: حاضر يا سعات البيه، دخل حجرة مكتبه وانشغل بكتابة بعض الأعمال على حاسوبه المحمول.

انتبه إلى صوت سميحه آتيه بفنجان القهوة... وضعته أمامه على مكتبه وانصرفت لكنه ناداها قائلاً بخشونة: سميحه إلتفتت إليه قائلة باحترام: نعم يا سعات البيه.

عاد بظهره إلى الخلف قائلاً بتساؤل: البنت أخبارها إيه في الشغل هنا؟

ابتلعت ريقها بهدوء مصطنع: كويسه يا سعات البيه وشايفه شغلها زي ما حضرتك قلت.
تنهد قائلاً باختصار: تمام إتفضلي.

أما مرام فمازالت مستيقظة إلى الآن شاردة الذهن، توقفت عن حديثها مع نفسها على صوت أقدام تتقدم نحو الدرج، تعالت نبضات قلبها.

تأملت باب حجرتها تطمئن من عدم نسيان غلقها له بالمفتاح، زفرت بارتياح قائلة: الحمد لله طلعت قفلاه ومش نسياه… يالا بقى نامي ومتخافيش.

دخل صفوان إلى حجرته بالطابق الثاني… مستاءً مما حدث اليوم بشركته التي وضعت في أول صدمة يتعرض إليها.

غير معتاد على تلك الخسائر، زفر بحدة وهو يدخل إلى المرحاض.

بعد قليل خرج مرتاحاً نوعاً ما بعد محاولاته الكثيرة تهدئة نفسه هتف بداخله: لازم أنسى كل إللي حصل معايا النهاردة، بدل ما أتعصب من جديد.

تذكر تلك الرسالة التي أتت عبر هاتفه المحمول ولم يقرأها حتى الآن.

أمسك به يتصفحه بضجر هامساً لنفسه بضيق: لما أشوف من مين.

برقت عيناه عندما قرأ ما بها متابعاً بحدة: لا ده أكيد إتجنن إزاي يجرؤ يعمل كده.

أغلق هاتفه باستنكار ثم ألقاه بقوة على الفراش.

هاتفاً بحنق: أنا هعرف أتصرف إزاي مع الأشكال دي.

 في اليوم التالي وقفت مرام حائرة ماذا ترتدي من الثياب الجديدة… أعجبها لون فستان زهري رقيق المظهر.

يليق مع لون بشرتها التي جعلت منها كأميرة صغيرة غير أنها فقيرة مثل سندريلا.

التي سترتديهم فترة محدودة ثم تعود إلى ملابسها القديمة.

خرجت من غرفتها غير منتبهه لتلك النظرات الباردة التي يرمقها بها سيدها الجديد.

ارتطمت نظراتها بنظراته الجامدة وهو يجلس على مائدة الطعام التي تبتعد كثيرا عن غرفتها.

كادت أن تسقط مغشياً عليها من الريبة التي انتابتها بغتةً لدى رؤيته.

أغلقت عيونها تحاول أن تبدو طبيعية حتى لا يزيد الخوف بداخلها.

تحركت ببطء إلى المطبخ كي تأخذ وجبة الإفطار لجدته.

وجدت الخادمة على وشك إعطاؤها الصينية.

قائلة بهدوء مصطنع: صباح الخير… الفطار من فضلك.

أجابتها الخادمة بجدية: صباح النور… اتفضلي اقعدي دقيقة واحدة والصينية تكون جاهزة.

اثناء انتظارها أتى أمين موجهاً حديثه إلى الخادمة: إعملي فنجان قهوة للبيه بسرعة.

انصرف ولم يوجه أي كلمة إلى مرام التي مازالت تخشى من الجميع رغماً عنها.

وضعت مرام الطعام أمام الجدة قائلة بحنان: اتفضلي إفطري وبعدها نكمل قراءة في كتاب إمبارح.

ابتسمت الجدة قائلة بتفاؤل: عارفه يا مرام بالرغم إنك لسه جايه إمبارح إلا كإني عرفاكي من زمان وأد إيه أنا مرتحالك.

بادلتها بابتسامة رقيقة قائلة بهدوء: وده شيء يسعدني ويشرفني طبعاً ويخليني مبسوطة طول اليوم.

تأملتها للحظات مجيبة إياها: وده اللي بتمنهولك يا مرام…. على فكره إسمك جميل أوي.

شعرت بالإحراج بعض الشيء من كثرة الإطراء عليها.

تتخيل ذلك الوجه الحاد إذا علم بكل هذا الحب من جدته لها، سعلت باصطناع حتى تهرب من كل هذا.

قائلة: طب يالا بقى كُلي ولا أوكلك بإيدي… هزت رأسها بالرفض قائلة: أنا هاكل بس قبلها هاتيلي برشامة الضغط.

ضربت جبهتها بضيق قائلة: طب كويس إنك فكرتيني دنا كنت ناسيه.

دخل رجل طويل القامة يبدو عمره في منتصف الثلاثينيات إلى حجرة مكتب صفوان بالفيلا يبدو أنه من موظفيه.

قائلاً باحترام: حضرتك بعتلي مع عم أمين.

تنهد قائلاً بجمود: خد الظرف ده وابعته بنفسك لأهل البنت لغاية البيت.

تناوله باستغراب قائلاً: دلوقتي حضرتك ولا إمتى.

هز رأسه بالإيجاب قائلاً بلهجة آمره: أكيد طبعاً دلوقتي وأكتر من اللي هقولك عليه متقولش مفهوم.

اومأ الرجل رأسه مجيباً إياه: طبعاً يا صفوان بيه اتفضل أنا سامعك.

وقفت والدة مرام تحدق بالشخص الواقف أمامها بصدمة قائلة بعدم استيعاب: طب ممكن أعرف بنتي مجتش ليه بنفسها تديني الفلوس دي.

طال صمت الرجل قائلاً بجمود: أنا معرفش غير اللي قولتلك عليه، أنا بعتبر موظف وبس عند البيه.

ازدردت لعابها الجاف بصعوبةً بالغة تنظر ليده الممدودة إليها بالنقود تارة وتارةً أخرى نظراتها على ابنتها الواقفة خلف باب حجرتها تتابع ما يحدث بقلق صامت.

حثها الشخص مرةً أخرى على التحدث متابعاً بصرامة: اتفضلي الفلوس إتأخرت على البيه.

مدت كفها بتردد ،تتناول النقود قائلة بتوتر: أرجوك طمني على بنتي هيه بخير ولا لأ.
هز الرجل رأسه بعبوس قائلاً بآليه: أيوه إطمني وهيه بنفسها بعتالك سلامها الشديد لحضرتك وأختها.

انصرف الرجل بعد ذلك مسرعاً خوفاً من استرسال الأم في التحدث مرةً أخرى، وتساؤلاتها العديدة التي لا تنتهي.

ركضت ميرا اتجاه والدتها قائلة بتساؤل: إيه كل الفلوس دي يا ماما، تنهدت وهي تجلس خلفها على الأريكة قائلة: ده من قبض أختك.

تأملتها للحظات بشك ما لا تدري كنهه قائلة بحذر: وشغل إيه اللي أختي هتشتغله يدفعلها من تلات أيام بس شغل مرتب كبير زي ده.

رفعت الأم كتفيها بعدم فهم، وكلمات ابنتها تزيدها من القلق على شقيقتها قائلة بتوتر: والله يا بنتي منا عارفه، ثم صمتت برهةً وبصرها يتابع محيا ميرا الذي يشك بالأمر.

مردفة بخفوت: بس تصدقي الفلوس دي جات في وقتها علشان ندفعلك مصاريف الدروس وتجيبي باقي ملخصاتك ولبس المدرسة.

جلست البنت بجوارها قائلة بهدوء: لبس إيه يا ماما بس اللي بتتكلمي عليه ده أنا ثانوية عامة يعني مفيش مدرسة ودروس بس اللي حجزتها قبل كده.

زفرت الأم بضيق قائلة باستسلام: خلاص خدي اللي يكفيكي من الفلوس دي واحجزي باقي الدروس وسبيني أنا بقى دلوقتي علشان أنا بدأت أنشغل على أختك.

صمتت ميرا تفكر بأي شيء يخرج والدتها من هذه الحالة القلقة، قائلة بمزاح: آه شكل كده أكلها وحشك لما لقتيني مبعرفش أطبخ زيها.

وكزتها من كتفها قائلة: اللي يسمعك بتقولي كده، يقول بتقفيلي ليل نهار في المطبخ.

ردت بابتسامة كبيرة قائلة: أخلص بس ثانوية العامة وأدلعك يا جميل هتلاقيني كده شيف في الطبخ.

بادلتها والدتها نفس الابتسامة على الرغم منها قائلة: أنا هقوم أشوف أم حسام اللي حابسه نفسها بالعيال من امبارح قبل ما تتغري عليا وتحسبي نفسك شيف بصحيح.

قامت محاسن بإعداد وجبة الإفطار لإبنتها وعائلة أم حسام.

أتت بصينية طعام كبيرة ووضعتها على الأرض، شعرت أم حسام بالإحراج فهي تعرف أنها تثقل عليها هذه الأيام.

لذا قررت أن تبحث لها عن عمل ومكان جديد لمواصلة مشوارها بعد عزمها على ترك زوجها.

قاطعت شرودها قائلة بهدوء: ما تاكلي يا أم حسام.

ابتسمت بإحراج هامسه بنبرة منخفضة: منا باكل كتر خيرك.

إلتفتت إلى أولاد السيدة، قائلة: ما تاكلوا يا أولاد… البيت بيتكم متتكسفوش.

بدأ الثلاثة يتناولون طعامهم والأخت الصغيرة تقول بعتاب لوالدتها: إحنا مش هنروح بيتنا بقى 
يا ماما.

تنهدت والدتها شاعرةً باختناق من سؤال ابنتها فأجابتها باضطراب: لا يا حبيبتي إحنا مش هنروح.

نظرت إليها أم مرام بعتاب بعض الشيء قائلة بهدوء مصطنع: إفطري يا حبيبتي الأول وربنا يحلها بعد كده.

بعد الظهيرة وقفت مرام تطلع من الشرفة التابعة لحجرة الجدة إلى الخارج وقت القيلولة.

بعد أن تأكدت من نومها المعتاد في هذه الساعة، تنهدت شاردة وهي تتأمل الحديقة الخضراء الذي يعتني بها شخص ما أول مرة تراه اليوم.

نظرت بالساعة المعلقة بالحائط المجاور لها، وجدتها الثانية والنصف مساءً.

همست لنفسها لاستلام: وقت الغدا بتاعي وراحتي اليومية من امبارح.

تذكرت الأوامر الذي أصدرها بالأمس ذلك الشخص حاد الطباع والنظرات.

والذي من ضمنها ذلك… خرجت من الغرفة هابطة إلى الأسفل صوب المطبخ.

وجدت الخادمة بانتظارها وقد أعدت لها وجبة الغداء ووضعته على طاولة المطبخ.

اومأت برأسها تحييها بصمت ثم جلست كي تأكل وتذهب إلى حجرتها.

في المساء قاومت رغبتها كثيراً للخروج إلى الحديقة، من شدة إعجابها الشديد بها كلما نظرت إليها من نافذة حجرتها.

لم تكن تشعر بالنعاس فقررت المجازفة بمغادرة الغرفة إلى الحديقة وبالأخص بهذا الوقت الهادىء من الليل.

على أن تعود أدراجها قبل مجيء ذلك السيد جامد الملامح، الذي تخشاه رغماً عنها.

خرجت تتلفت يميناً ويساراً بحرص أن لا يراها أحداً إلى أن وجدت نفسها بالخارج.

استنشقت الهواء الطلق باستمتاع كبير، فمنذ زمن بعيد لم يشهد داخلها بهذا السكون.

اقتربت من حوض مليء بالزهور الزاهية… يخرج عبيرها الرائع إلى الأنف تجعل من يشمها.

يشعر بارتياح عجيب بداخل القلب… وبالذات قلبها المليء بالكثير من الأحزان.

أمسكت بإحداهن بين يديها بحنان وحب تقربها من أنفها بابتسامة رقيقة رغم وجهها الباهت.

جعلتها تتذكر وجه شقيقتها التي اشتاقت إليها كثيراً، هامسة لنفسها بحب: ياه يا ميرا وحشتيني أوي ووحشنا خناقنا مع بعض.

فرت دمعة من عينها من شدة حنينها إليها، مسحتها على الفور قبل أن يلمحها أحدهم.

جلست على الأرض بجانب الزهور تجعل نفسها تعيش وتسعد، بهذه اللحظات الخاطفة التي تسرقها من وقتها المشروط بداخل هذا المكان الذي يبدو عليه الغموض.

بعد إنقضاء وقت ليس بالكثير انتبهت لنفسها على صوت صرير عربة تقترب من داخل الحديقة، هبت من مكانها سريعاً تستعد للدخول إلى غرفتها قبيل الإنتباه إليها ورؤيتها هنا.

سارت بخطى واسعة نحو الباب وقبيل اقترابها منه، انبعث صوتاً يملئه الجمود الحاد، كأنه أتى من العدم.

قائلاً بقوة: استني عندك… 

يُتبع
تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1