رواية الفخ الفصل الثالث بقلم يمنى عبد المنعم
الفصل الثالث:
تيبست مرام في مكانها... ترتعد أطرافها من الرعب الذي دب بقلبها من ذلك الصوت الحاد، قائلة لنفسها بريبة: أكيد مش هيسكت ده غير إن ممكن يـــــ
لم تستطع إستكمال كلماتها إذ قاطعها بغلظة: إيه مبتسمعيش ولا إيه...!!!
ازدردت لعابها بصعوبة شديدة، تحاول أن تكون ثابته بالرغم من الرجفة التي سارت بجميع أنحاء جسدها، عندما إلتفتت إليه ببطء وهو يخطو نحوها بانفعال حاد.
تعلق بصرها بعيونه الحاده كالصقر الذي ينهش فريسته، هكذا تهيأ لها ذلك وأنها ضحيته الهزيلة الذي سيثأر منها.
تابع كلماته عندما طال صمتها قائلاً بخشونه: ممكن أعرف كنتي قاعدة هنا ليه لدلوقتي.
جف ريقها بشدة هامسة بتلعثم: أبداً أنا... كنت... كنت... قاطعها بصرامة: كنتي إيه إنطقي.
ترددت بإجاباتها على تساؤله قائلة بارتباك: أصل مكنش جيلي نوم فقلت أطلع هنا بعد ما كنت خلصت شغلي.
بنظراتٍ نارية رمقها بها هاتفاً بحدة: بس أظن يعني ده مكنش مكتوب بالعقد.
فُزعت من نبرات صوته القاسية ، لدرجة أنها أغمضت عيونها وشحب محياها أكثر، ولم تعد تقوى لا على النطق أو الحركة.
مما جعل غضبه يزداد لكنه كظمه متابعاً بخشونة: اتفضلي إدخلي وإوعي تفكري تعمليها تاني إنتِ مش هنا علشان تشمي هوا.
شعرت بالكثير من الإهانة عندما تفوه بذلك، لمعت عيونها بالدموع، ركضت إلى الداخل حتى لا يرى مدى تأثير إهانته عليها، أغلقت باب الحجرة وراءها.
استندت إليه بكتفها تبكي بمزيداً من المرارة التي تشعر بها، همست لنفسها بألم: أنا السبب لكل ده، بس كنت مضطرة أعمل كده.
سقطت على الأرض تجهش بالبكاء الشديد، تتذكر ظروفها الصعبة التي جعلتها تقبل على ذاتها هذه الإهانات المتتالية.
دون أن تتدافع حتى عن نفسها، مسحت عبراتها هامسة لنفسها بضيق: خلاص يا مرام انتِ اخترتي طريق ولازم تمشي فيه للآخر.
أما صفوان وقف بحجرته غضبان لما حدث، مقطباً لجبينه بحدة قطع شروده صوت رنين هاتفه حدق به بعد فترة فكان مدير مكتبه هتف به: قول يا فهمي في مصيبة تانية غير اللي حصلت النهاردة.
تنهد الرجل قائلاً بتوجس: لا مفيش مصايب ولا حاجه بس كنت ببلغك إن الآنسة إيمي هتوصل بكرة من السفر.
زفر بقوة قائلاً بحدة: آه أصل أنا ناقص... ثم صمت برهةً وتابع بضيق: طيب يا فهمي إبقى روح استقبلها ومعاك أمين وهاتها على... بغتةً قطع حديثه متذكراً شيئاً.
سأله الآخر بحذر: أجيبها فين يا صفوان بيه، تنهد تنهيدة قوية قائلاً بصرامة: وديها شقة مصر الجديدة إوعى تجيبها هنا.
اومأ الرجل برأسه قائلاً: تمام حضرتك، أغلق هاتفه متابعًاً قوله: ربنا يستر ومتجيش على دماغي أنا.
صباح اليوم التالي استأذنت أم حسام من والدة مرام قائلة: أنا ماشيه ومش هتأخر متقلقيش عليا.
هزت رأسها باستسلام: أنا مش هقف في طريقك بس خلي بالك من نفسك الدنيا مبقتش أمان.
ربتت على كتفها قائلة بهدوء: متقلقيش هخلي بالي من نفسي على أد مقدر.
هبطت أم حسام أسفل المنزل متجهة ناحية الشارع الرئيسي، كي تبحث عن عمل يناسب ظروفها المعيشية، وتنفق منه على أولادها الصغار.
توقفت فجأةً بفزع متجمدة بمكانها، دقات قلبها تعلو من الذعر الذي تخلل جميع أنحاء جسدها. قائلة بريبة: هوا إنتَ.
سارت ميرا صوب صديقتها مروة قائلة بتساؤل: مين ده اللي كنتي واقفة معاه أول مرة أشوفه معاكي.
تلعثمت الأخرى باضطراب كبير قائلة بهدوء مصطنع: ده ... حاتم ابن خالي.
توجست بشك قائلة بتحذير: مروة إنتِ يتتكلمي بجد ولا... قاطعتها بحدة هذه المرة: جرى إيه يا ميرا إنتِ مش مصدقاني ولا إيه.
رمقتها بعدم فهم فهذه أول مرة تتحدث إليها هكذا، ولم تجد أمامها غير تصديقها قائلة باستسلام: خلاص يا مروة مصدقاكي.... يالا بينا اتأخرنا على الدرس.
تنهدت الفتاة الأخرى بارتياح بعدما أبلغتها بذلك، قائلة: ها ذاكرتي كويس مادة الانجليزي.
مطت شفتيها قائلة بحيرة: والله ما أنا عارفه، قطبت صديقتها حاجبيها قائلة: يعني إيه؟
هزت رأسها بقلق مجيبةً على تساؤلها: قلقي على مرام مخليني مش قادرة أركز في مذاكرتي.
رمقتها بدهشة قائلة: إنتِ مش قولتيلي إنها لقيت شغل وبقت كويسه، تطلعت أماماها بشرود قائلة: صح أنا قلتلك كده بس جوايا قلق عليها مش قادرة أفسره.
تنهدت الفتاة بتفكير ثم تحدثت بهدوء: ركزي إنتِ بس دلوقتي في الانجليزي والإمتحان وإن شاء الله خير متقلقيش عليها.
لم تدري مرام كم مر عليها من الوقت نائمة إلا عندما نظرت بساعة الحائط، فقد استيقظت متأخرة عن الوقت المعتاد. مما جعل التوتر والفزع يملؤ كيانها.
سمعت طرقات عالية على الباب، ارتبكت لثوانٍ معدودة ثم فتحت الباب سريعاً... وجدتها الخادمة التي بادرتها بقولها: يعني إتأخرتي النهاردة ليه كده.
ابتسمت بتوتر قائلة باضطراب: أنا آسفه غصب عني أنا بجهز خلاص خمس دقايق وجايه.
هزت الخادمة رأسها قائلة بعجل: طب إخلصي بسرعة البيه لسه ممشيش على شغله.
شحب وجهها لدى ذكرها لذلك الشخص البغيض التي تكرهه، أغلقت الباب سريعاً، وارتدت ثيابها والقلق يعتريها من تأثير الأمس ويزداد غضباً عليها اليوم أيضاً.
حدقت بالساعة فقد تخطت العاشرة صباحاً، ركضت إلى المطبخ فوجدت مدبرة المنزل بوجهها قائلة بوجوم: مش المفروض تكوني صحيتي بدري عن كده.
ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة بخجل: أنا آسفه صحيت متأخر، أنا... قاطعتها بضيق قائلة بحدة: إنتِ عارفه إن مواعيد البيه مظبوطة طالما مكنتيش أد الشغل مكنتيش اشتغلتي.
شعرت بالإحراج من كثرة كلماتها الجارحة قائلة بحزن: أنا بعتذر مرة تانية تسمحيلي آخد الفطار للست هانم الكبيرة.
وضعت ذراعيها أمام صدرها قائلة بخشونة: الهانم الكبيرة فطرت من ساعتين، بُهت وجهها أكثر قائلة بنبرة خافته: طب أنا هطلعلها على طول.
قبل أن تجيبها وجدت أمين خلفها قائلاً بجمود: آنسه مرام صفوان بيه منتظرك بمكتبه.
هنا ارتجف ذلك القلب الحزين بضربات عالية كالطبل من شدة الرعب الذي اجتاحها، إلتفتت إليه قائلة بقلق: حاضر يا عم أمين.
تجمدت أم حسام لدى نظرات ذلك الشخص الذي تحدث قائلاً بجمود: رايحه فين كده على الصبح.
أخذت نفساً عميقاً كي تستطيع مواجهته بقوة بعد أن قررت أن تعتمد على نفسها قائلة بحدة: عايز إيه مني على الصبح إنت مش طردتني في الشارع بالليل أنا وولادك.
نظر إليها بضيق قائلاً بجمود: مش إنتِ السبب في اللي حصل، أمسكت المرأة أعصابها قائلة بقوة: بقى أنا السبب علشان بقولك تصرفاتك دي مترضيش ربنا.
ابتسم الرجل ساخراً قائلاً بالامبالاة: أظن إنتِ عارفه إن ده طبعي وعُمري ما هغيره.... قاطعته بنبرة عالية: بقولك إيه يا مجدي إمشي من قدامي السعادي أنا كفاية عليا خمستاشر سنة متحملاك ومتحملة ولادك.
جاءت لتنصرف من أمامه جذبها من ذراعها بشدة قائلاً بعصبية: إستني هنا إنتِ إزاي تعلي صوتك عليا بالطريقة دي وفي الشارع كمان.
حاولت ألا تضعف أمامه فجذبت ذراعها من قبضته الخشنة قائلة بانفعال: إوعى تفكر لما تعمل كده بتخوفني لا مبقتش سحر الضعيفة اللي كنت بخاف بس من مجرد ما تفتح باب البيت عن إذنك.
تركته مهرولة من أمامه قبل أن يلحق بها، اتستعت عيون مجدي بصدمة كبيرة غير مصدق أنها زوجته الذي اعتاد أن يحدثها بأي إسلوب وتتحمله بضعف وإنكسار، لكن الآن بوغت بهذا التغيير.
استشاط من الثورة الغاضبة الذي تزيده من الأصرار على مضايقتها أكثر من ذلك حتى تضعف مرةً أخرى وتأتي إليه خاضعة بذل مثلما إعتاد منها على ذلك.
وقفت سحر بجوار منزل قديم تبكي بحرقة حظها البائس الذي جعلها تتزوج من هذا الشخص الكريه، أغمضت أهدابها بحزن عميق قائلة لنفسها: يارب أنا تعبت بجد أنا خلاص جيبت أخري منه وقلبي خلاص قسي عليه ومش عايزة حتى أشوفه ولا أسمع صوته مرة تانية.
صمتت تسترد نفسها مرةً أخرى متابعة بوجع: يارب مليش غيرك الجأله أنا الحزن ملى قلبي من زمان ولما جيت اعتمد عليك وعلى نفسي وأعيش من جديد وقفلي فيها.
مسحت دموعها مقررة ألا تجعل اليأس يتسرب إليها من أجل نفسها ومن أجل أولادها الثلاثة الذين في أمس الحاجه إليها.
وقفت مرام أمامه تفرك بيدها بذعر من قسوة نظراته التي تكاد أن تفتك بها، أمسكت بطرفي ثوبها من الجانبين كي تقوي نفسها.
هب من مجلسه عندما لمحها مقترباً منها بخطى واسعة وثابتة بآن واحد.
بتلقائية ابتعدت عنه إلى الوراء عدة خطوات بطيئة مترددة، فتابع هو اقترابه منها بنفس الخطوات الثابتة كأنه يخيفها أكثر.
سارت قشعريرة باردة بأطرافها من قوة نظراته إليها، التي تزداد مع كل خطوة يخطوها أمامها.
قائلاً بغلظة: تقدري تقوليلي إيه اللي أخرك كده النهاردة مش في بينا إتفاق وماضيه عليه بنفسك.
تمسكت بقوة هذه المرة بثوبها متراجعة مرةً أخرى إلى الخلف قائلة بنبرات مرتجفة: أنا آسفه مكنتش أقصد اللي حصل... أنا بس نمـــ...
قاطعها بعصبية: طالما مكنتيش أد المسئولية وافقتي ليه من البداية ولا تكوني فاكرة نفسك نايمة في بيتكم.
ابتلعت ريقها بضعف وتمنت أن تهرب من أمامه كي تتخلص من عباراته البغيضة والمهينة إليها قائلة بتوتر: أنا عارفه إني مش بيتنا أكيد بس غصب عني قمت متأخرة.
ضم قبضتيه بقوة وعيونه كأنها هي الأخرى تهينها بصمت حاد، حبست تلك الدموع التي أرادت أن تتخلى عن سجنها بين أهدابها الطويلة.
وتنهمر بكثرة على وجنتيها فأسرعت تطرق بهما إلى الأسفل حتى لا يرى ضعفها أكثر من ذلك ويقوم باستغلاله.
تفوه بكلمات صارمة قائلاً بحزم: من النهاردة هيتخصم ليكِ كل مرة تقومي متأخرة من مرتبك ومن دلوقتي.
أغمضت عيونها بانكسار قائلة باستسلام: تمام موافقة يا صفوان بيه، وضع كفيه بجيب بنطاله وأولاها ظهره.
قائلاً بخشونة: النهاردة عقاباً ليكِ إنتِ اللي هتقفي في المطبخ النهاردة مكان وفاء وهتقومي بكل شغلها بما فيهم تنضيف الفيلا كلها وأولهم إوضتي.
انتهت ميرا من الدرس وبجانبها صديقتها مروة التي ابتسمت إليها قائلة: شكلك حليتي كويس النهاردة.
مطت شفتيها بامتعاض قائلة بالامبالاة: مش عارفه أنا حاسة إن حليت وخلاص.
نظرت إليها بشك قائلة: بس ليه أنا متأكدة إنك هتجيبي درجة كويسة، رفعت كتفيها بيأس قائلة: يمكن مش عارفه يالا بينا دلوقتي قبل ما الوقت يتأخر بينا على درس الفيزيا.
ارتبكت مروة للحظات قائلة بتوتر: لأ روحي إنتِ أنا ماما تعبت وهروح أشوف مالها.
عقدت ميرا حاجبيها بدهشة قائلة بتساؤل: يعني مقلتيش إن مامتك تعبانة يعني، أجابتها بتردد: أصل... أصلها مكنتش تعبانه الصبح وأخويا بعتلي رسالة إني متأخرش عليها عن إذنك.
تركتها بالشارع مع نظرات الحيرة التي تتبعبها من عيون الأولى قائلة بنفسها: ربنا يستر.
وصلت إلى المنزل وقدميها متعبتان من كثرة المشي توفيراً لثمن المواصلات لدروسها، شعرت والدتها بتعبها قائلة: ليه يا بنتي مركبتيش أي مواصلة.
أجابتها بإجهاد: إزاي يعني يا ماما آخد كل الدروس دي كلها وموفرش تمن المواصلات.
جلست بجوارها على الأريكة: يابنتي أنا خايفة عليكي ثم إن الفلوس اللي بعتتها أختك موجود بقيتها الحمدلله.
أمسكت بيد والدتها قائلة: متقلقيش عليا ياما أنا كويسه هنام بس شوية وبعد كده هقوم اتغدى وأذاكر.
قبل أن تجيبها سمعوا طرقاً على الباب، نهضت والدتها إلى الباب بعدما انقطع حديثهما.
فتحت الباب والابتسامة تملؤ وجهها قائلة: انتِ جيتي يا أم حسام ده أنا.... مرةً واحدة اتسع بصرها بقوة قائلة بصدمة: أبو حسام.
يُتبع