![]() |
رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم سميه عبد السلامبسم الله الرحمن الرحيم البارت 37(بدأت اللعبة) يلتئم الجُرح و يزول الألم بعد ان يشفى تاركًا خلفه ندبة تذكرك بمكانه، هكذا هو جُرح الجسد، بينما جُرح القلب يترك أندابٌه متألمًا حتى و إن برأ، الزمن لا يشفي و الأثر لا يزول. و في أشد لحظاتها ضعفًا لم يتركها عقلها ان تهدأ وتهرب من واقع مرير بل ظل يلاحقها و درأ عليها دون شفقة، يذكرها بما لم تنساه هي ابدًا. تحركت «نعمات» بخطوات هادئة عكس حماسها و فرحتها التي تلمع في عينيها تطرق على بابه بلطف تطلب منه الأذن في الدخول و لم تدلف إلى ان سمعته يقول: "ادخل يا إسماعيل" امسكت مقبض الباب و ولجت إلى الداخل مع بسمتها التي تزين ملامح وجهها قائلة: "لأ دي انا مش إسماعيل، إسماعيل راح يصلي التراويح في المسجد " تململ «سيد» في فراشه و ابدى ضيقه بقوله: "عايزة ايه يا مرات أخويا، عايز انام" تلاشت بسمتها تدريجيًا لكنها حافظت على ملامح هادئة مقتربة من فراشه، تجلس عليه من الجانب قائلة بحنوٍ صادق: "مالك يا سيد انا زعلتك في حاجة؟ انت من لما رجعت من الجيش و انت قاعد في اوضتك ما بتخرجش منها، ده حتى الأكل اللي كنت عملاه عشانك و لسه بعمله مش بتاكل منه و بتنزل تجيب اكل من تحت" نفخ وجنتيه بنفاذ صبر و امتعض وجهه من حديثها الذي ازعجه اكثر: "يــــوه، ياست انتِ مالك انا حر اكل من المكان اللي يريحني، و اقعد في اوضتي براحتي انتِ مزعلة نفسك ليه ولا ناوية تطرديني من البيت" نطق الاخيرة بسخرية و تهكم لتعلق «نعمات» على حديثه الفظ معها تدافع عن نفسها: "اولًا ماسمهاش مزعلة نفسي اسمها خايفة عليكِ ثانيًا ده بيتك زي ما هو بيت إسماعيل جوزي يعني مليش الحق اني اطردك منه، وبعدين انا مش فاهمة ايه اللي يخليني اطردك ده ربنا وحده اللي يعلم اني بفرح اد ايه لما تيجي اجازة من شغلك في الجيش" استقام بجسده نصف جالس على فراشه ينظر الى عينيها مردفًا بسخرية تشوبها الخبث: "بقول لكِ ايه يا مرات اخويا، إسماعيل أخويا مش هنا يعني وفري الشويتين بتوعك دول قدامه لما ييجي، و تعالي معايا دوغري و قولي عايزة ايه، انما انا مش عيل صغير هتعرفي تاكلي بعقله حلاوة" تشدقت بفمها ساخرة ترمقه بندم و خذلان: "ياريتك يا سيد كنت عيل صغير على الأقل كنت هقول معلش يا نعمات استحملي عيل صغير مش عارف بيقول إيه، انما اهاناتك ليَ كل شوية و معيرتك ليَ زمان عشان ربنا ماتكتبليش الخلفة ده كله ليه؟ ها؟" اردف الآخر بأنتهاك: "و مش هي دي الحقيقة ولا انا كنت بكدب لما كنت بقول عليكِ نص ست.." ابتلعت الغصة في حلقها من اهانته لها تسمع بقية حديثه اللاذع: "و كان من واجبك تشوفي ايه بيفرحني انا و اخويا و تعمليه مش شاطرة بس غير في المصاريف و الجري على الدكاترة" فهمت الآن سبب هذا كله و إلى وما يرمي إليه شقيق زوجها: "طب و انا ذنبي ايه ان هبة رفضتك و اتجوزت مراد" انكمشت ملامحه وتحولت تحول جذري عند هذه النقطة و اخرج تنهيدة قوية تنفيثًا عن ضيقه بعد ان ابعد وجهه ينظر إلى الناحية الأخرى من الفراش، اكملت «نعمات» بعيون ممتزجة مع الدموع وهي تتذكر جميع اهاناته السابقة لها: "ايه دوست على الجرح، زعلان ان هبة سابتك على فكرة مش انت لوحدك اللي بتعرف تقول كلام تكسر بيه قلوب اللي حوليك" انقلبت ملامحه و اصبحت هي و الغضب شيء واحد، رفع «سيد» الغطاء يبعده عنه بغضب و عصبية يقول بعد ان التقط هاتفه ونهض من فراشه: "انا سايب لكِ البيت اشبعي بيه" خرج من الغرفة لتهرول خلفه «نعمات» قائلة بصوت عالي حتى يصل الى أذنيه: "تعرف انا حاولت كتير اقنع هبة بيك بس هي كانت رافضة لحد ما جه مراد و الفرحة اللي شفتها في عينيها يوم كتب كتابها انا اخر مرة شفتها فيها كان قبل ما ابوها و امها يمو.توا الله يرحمهم وقتها اتأكدت من حاجة، ان ربنا بيحبها عشان تلاقي واحد زي مراد و بيحبها اكتر عشان ما طلعتش انت نصيبها" في منتصف حديثها علم انه حديث لاذع ليس له قيمة و اتجه لفتح باب الشقة و قبل ان يخرج منها استمع الى نهاية قولها الذي جعله يشتعل غضبًا و اغلق الباب من جديد بغيظ و عاد ادراجه لها ولكن هذا المرة، عاد بزوج من الأعين الحادة البغيضة يتركها تخرج شرارتها على «نعمات» بعد ان امسكها من عضدها يضغط عليه بقوة يهمس بفحيح خافت منه تلك المسكينة: "بلاش تختبري صبري عشان انا عندي استعداد ادفنك مكان رجليك و لا في حد هيقدر يمنعني حتى إسماعيل اخويا" مع كل كلمة تخرج منه يضغط اكثر على يدها التي كادت تنكسر في يده بينما هي تتحرك في محاولة بائسة منها ان تفلت من قبضته التي تحكم عليها، و لم تنجح حتى تركها هو بعد ان دفعها بقوة للخلف يرتطم ظهرها بالحائط، و اول شيء فعلته ان وضعت يدها على بطنها تلقائيًا كأنها هكذا تطمئن على جنينها الذي نبضت فيه الحياة بعد ان مر بثلاث مراحل: مرحلته الأولى و التي تسمى النطفة و تستمر اربعون يومًا و بعدها مرحلته الثانية، مرحلة العلقة و التي هي عبارة عن قطعة دم فقط و ايضًا تستمر اربعون يومًا حتى يصل إلى المرحلة الثالثة، مرحلة المضغة وهي يكون فيها الجنين قطعة لحم و تستمر اربعون يومًا و بعد هذه المدة وهي مائة و عشرون يومًا تنفخ فيه الروح، وهذا كله ذكره «الخالق» في كتابه ليؤكد ان دين الإسلام هو دين الحق. تحرك «سيد» بعد ان رمقها بتقزز و نفور كأنها تفوح منها رائحة العفن، بينما «نعمات» ظلت واقفة تمسح دموعها التي تهبط ببطىء لا تصدق ان هذا هو نفسه الذي قضت معه عقد كامل في تربيته و تعليمه و هو صغير يكون هو نفسه ذلك الشخص، وقبل ان تتحرك سقطت عيناها على الوَفضْة الخاصة به و التي تحتوي على نقوده، التقطها سريعًا و هرولت خلفه لتفتح باب الشقة وجدته يقف يعبث في هاتفه يبدو انه يحاول الإتصال على احد و بالفعل هذا ما حدث و بعد ان انهى مكالمته مع صديقه بشأن المبيت عنده، مدت «نعمات» يدها و قبل ان تفتح فمها كي تجعله يستدير لها رأت صورة «هبة» موضوعة كخلفية لهاتفه، اتسعت عينيها بدهشة و سرعان ما تحولت الدهشة إلى غضب وهي تقول بعد ان اخفضت يدها: "انت جبت صورة هبة منين؟ و ازاي تسمح لنفسك تحط صورتها خلفية للتليفون وهي متجوزة" انتبه لها «سيد» الذي انتفض جسده و هربت الدماء من وجهه و هو يستدير لها يحاول ان يجمع كلماته يبرر بها فعلته: "انا...بس..دي صورتها..بس" نطق الكلمات بتلعثم ولم تكن مفهومة لينتبه هو للوضع يدعي الغضب حتى يتهرب من الموقف: "و انتِ مالك انا حر، هبة دي المفروض تكون مراتي انا مش مرات الزفت اللي إسمه مراد يعني اللي بعمله ده من حقي و قريب اوي مش صورها بس اللي هتكون في تليفون لأ دي هي كمان اللي هتكون معايا بعد ما اخليها تكره حبيب القلب اللي كنتِ بتدافعي عنه من شوية" نطق الاخيرة ببسمة ماكرة و انهاها بسخرية لتشتعل «نعمات» من الغيظ وهي ترى كم هو وقح هذا الذي يقف امامها لأنها لا تصدق انه «سيد» شقيق زوجها: "انت مين اللي ادالك الحق ده، عشان تحط صورها على تليفونك و تقول حقي، مراد لو عرف حاجة زي كده مش هيسيبك لأن مافيش حد يعرف ان صور مراته على تليفون حد غريب و يسكت" احتدت معالم وجهه الذي كان يزينه بسمة قبل ان تختفي اثر حديث «نعمات» ليس خوفًا من تهديدها بل انها تذكر كلمة «مراته» و التي يرى انها من حقه هو فقط، حتى ضرب الحائط المجاور للباب خلف «نعمات» و التي ظنت ان الضربة لها هي ثم تبع ذلك قوله: "ما خلصنا بقا، عرفنا انها زفت مراته مش هتغنيها، و بلاش بقا تعصبيني عشان ما تطقش في دماغي و بدل ما اخليها مراته اخليها ارملته" ورغمًا عنها خرجت ضحكاتها هاربة من بين شفتيها للعلن لم تكن تقصد استفزازه لكن لم تقدر على منعها وهي تقول بأستخفاف مع نظراتها المستحقرة: "و انت بقا فاكر لما تقرب من حد من عيلة المنشاوي هم هيسيبوك؟! تبقا غلبان، جرب بس تعمل لـ مراد خربوش ده بأعتبار انه هيسيبك تعمله، صدقني ماحدش هيسمي عليك بعدها" يعلم ان ما تقوله صحيح ولا ينكر ان الرعب تمكن منه لكن اخفاه سريعًا بعد ان رسم وجه القوة المزيف حتى لا يظهر ضعيف ويخسر امامها معركة الكلمات تلك، و اقترب منها برأسه يقول بتبلد زائف: "اعلى ما في خيلك اركبيه، اقول لكِ على حاجة كمان قولي لـ مراد انا ما يهمنيش طظ فيك و فيه" بعد ان كانت ترمقه بتحدي، اشتعلت عيناها بوقود كلماته السامة فهي لن تتركه يرحل و هو معه الصور تلك تخشى على تلك المسكينة ان يفعل بها شيء سيء يفسد من خلاله زواجها: "انا مش هقول لـ مراد، و هعتبر نفسي ماشفتش حاجة و لا إسماعيل اخوك هيعرف باللي حصل بنا بس بشرط تمسح الصور دي؟ امسحها يا سيد وبلاش تأذي نفسك" نصف حديثها بنبرة جامدة بعد ان تحولت إلى اخرى لينة تستعطفه لكن كل ما حصلت عليه هو جلجلت ضحكاته في المكان تبعه قوله المستفز: "و انا عايز اتأذي، ملكيش انتِ دعوة" ثم استدار استعدادًا للرحيل ولكن قبل ان تهبط قدمه درجة واحدة من درجات السُلم وجد «نعمات» تقف أمامه كالجدار تمنعه النزول و من خلفها السُلم مردفة بتهديد و تحدي: "و انت مش هتمشي من هنا يا سيد غير لما تمسح الصور دي و امسحها انت بدل ما اخد التليفون منك و امسح كل حاجة من عليه" رمقه بأستخفاف و سخرية حتى وجد اناملها تمتد لتنتشل الهاتف من يده، بدأ هو يحرك يده بعشوائية في الهواء حتى لا تستطيع هي امساكه و يستطيع هو الفرار، و نظرًا لتقارب الطول بينهم نجحت اخيرًا ان تمسك بالهاتف وهو في يده بعد ان استهان «سيد» بها و بقوتها لتجحظ عيناه و هو يرى الهاتف في يدها لتبتسم هي بأنتصار ولكن لم تدم طويلًا بعد ان هوت قدمها وهي تتراجع للخلف غير منتبهة لوجود السلم، تَتدَحْرجَ من أعلى الدرج إلى اسفله، حتى استقر جسدها فاقدة للوعي. بينما «سيد» شلت أقدامه عن الحركة وهو يراها غارقة في بحور دمائها التي بدأت تغزوها من كل مكان بالأخص من بين قدميها، تدارك «سيد» الأمر سريعًا و اتجه نحوها بهلع يلتقط هاتفه و الوفضة التي تفاجأ انها معها و هرب قبل ان يأتي احد و يراه معها حتى قبل ان يعلم ان كانت على قيد الحياة ام..غادرت الروح مسكنها. و بعد كل ما حدث لم يرحمها عقلها و يتركها بل هاجمها بذكرى اخرى و هي تسمع الطبيب يخبر زوجها بكل أسى: "لاسف ماكنش قدامنا حل غير اننا نقذها، و فقدنا الجنين" صعق «اسماعيل» من الخبر لكن استفاق وهو يحث الطبيب على الاسترسال اكثر يطمئنه على زوجته فهذا اكثر شيء يهمه الآن: "طب و هي يا دكتور، هي كويسة طمني بالله عليك نعمات مراتي كويسة" اومأ الطبيب بهدوء في محاولة منه ان يجد كلمات مناسبة يخبره بهدوء ما يجعل اي شخص يجزع من سماع خبر كهذا: "اطمن هي كويسة، بس فرصة حملها تاني بقت صعبة اوي لأني مش عايز اقول مستحيل و رب المستحيل موجود" رغم حديثه المهذب و كلماته اللطيفة لكن اثرها عظيم، ما الفرق ان اختلفت الكلمات و المعنى واحد، في النهاية نصل إلى نفس النتيجة اي انها اصبحت «عقيم» و المرأة العقيم هي التي بلغت الكبر دون إنجاب كأمنا «سارة» زوجة سيدنا «ابراهيم» عليه السلام لكن هنا هل سيكون هناك «اسحاق» اخر ليكون البشرى لـ «اسماعيل» و زوجته «نعمات» ام أن المعجزات لم يعد لها وجود. خرجت من قوقعة أفكارها المظلمة تفتح عينيها بوهن و ضعف مع شعورها بلمسات زوجها يمسح وجنتيها المتبلة من الدمعات المتساقطة من اهدابها، و ما ان رأى «اسماعيل» حركة اهدابها البطيئة تأهب جسده بعد ان قفز عن كرسيه المجاور لفراش «نعمات» المتسطحة فوقه وقال بلهفة و اشتياق: "نعمات! انتِ كويسة؟ انده لك الدكتور يشوفك؟ طب...طب انتِ حاسة بأيه؟" اغمضت عينيها بقوة و كأنها هكذا تمنع نفسها من البكاء و الصراخ ناهيك عن آلام جسدها الناتج عن عملية الإجها.ض، ليقول «اسماعيل» مسرعًا لشدة خوفه يتوسل إليها: "لأ يا نعمات ما تنميش تاني بالله عليكِ" لا يعلم انها لا تحاول النوم بل تريد ان تستمد قوتها حتى تقدر على قول ما يمزق روحه ناطقة بصوت ضعيف تنادي بإسمه: "إسماعيل" قرب رأسه اكثر منها يطالع عينيها الدامعة و يهز رأسه يحثها على الاستكمال وانه ينصت إليها لتقول هي كلمة واحدة تشبه السكين في حدتها تغرزها في قلبه و تشبه الصخرة في ثقلها على قلبها: "طلقني" __'__'__'__'__'__'__'__'__'__'___'__'___' دلف «سليم» إلى الشرفة الملحقة بشقتهم بطلب من «قدر» التي دخلت بعده، و ظل هو واقفًا ينتظر ما ستقوله تلك الخرقاء التي سحبته خلفها دون ان يفهم شيء لكن هي ظلت تتطالعه بصمت. "لأ ما انتِ مش جيباني هنا عشان نتأمل بعض، ها عايزة ايه" رغم نبرته الساخرة و التي تميل إلى المزاح لم تعبث ملامح «قدر» بل اردفت بحماس غير عادي: "قولي يا سليم انت فسخت خطوبتك ليه؟!" رمقها بأستنكار من فرط حماسها الذي لا يتناسب مع السؤال وقال بضيق: "انتِ هبلة يا بت، طب حتى مهدي الموضوع مش خبط لزق كده" امتعض وجهها قليلًا لكن عادت تسأل من جديد بلهفة اكثر: "حقك عليٰ يا سيدي، ها قولي بقا فسخت خطوبتك ليه؟ عشان همو.ت و أعرف" تحدث «سليم» وهو ينظر لها بغير تصديق يقول متعجبًا: "يعني انتِ منعاني اطلع للشباب فوق و جيباني هنا عشان نتكلم في السيرة الغم دي" تشدقت «قدر» بفم ساخر: "امال جيباك نتكلم في خُرم طبقة الأوزون" نجحت في رسم بسمة على وجهه رغم ملامحه الحزينة، و اردف يقص عليها اكثر شيء يكره تذكره بعد اخذه تنهيدة عميقة و اخرجها على مهل متحدثًا وهو ينظر من الشرفة أمامه: "من حوالي سنة كده كانت كل حاجة كويسة لحد ما شفتها في الشركة عندي انا و ادهم كانت جاية تقدم على تدريب أصلها بتدرس في كلية تجارة و.." قاطعته «قدر» بتساءل: "هي مين دي" التفت برأسه و اجاب بهدوء ظاهري: "ملك خطيبتي او اللي كانت خطيبتي" استشفت «قدر» حزنه القابع بين جفونه و نبرة صوته الحزينة لتقول هي بجدية توقفه عن الاستكمال: "سليم لو مش عايز تحكي، ما تحكيش و انا هحترم رغبتك انا بس مش عايزة اضغط عليك تتكلم في حاجة بتضايقك" نفى هو ذلك بقوله بعد ان ابتسم لها بود و قال: "بس انا عايز احكي، يمكن...يمكن ارتاح لما اتكلم معاكِ" بادلته الأخرى ببسمة عذبة تومأ برأسها تحثه على الاكمال: "لفتت نظري من اول مرة شفتها عشان كانت جميلة لأ جميلة دي قليلة عليها كانت احلى بنت شفتها في حياتي.." عبثت ملامح «قدر» و هي تراه يتحدث عنها هكذا اذًا ماذا عن «سلمي» ان كان يحبها كيف له يغازل اخرى؟! استطاع «سليم» ان يفهم ما تفكر به من خلال ملامح الضيق المرتسمة على وجهها يتابع بصدق: "بس ده قبل ما اشوف سلمى، بس الفرق ان سلمى جميلة عنها في الجوهر، ملك جميلة من برى بس فاضية من جوا انسانة سطحية، الموضوع في الأول بدأ بهزار و اني بغلس عليها في الشركة لحد ما لقيت نفسي بقولها بحبك.. " هنا ادرك «سليم» انه فعل نفس الشيء مع «سلمى» لكن الفارق الوحيد ان «ملك» اعترفت هي الاخرى بحبها عكس «سلمى» التي ترفضه و ترفض الإقتراب منه، هل حقًا يحب «سلمى» ام انه يتعافى فقط من علاقة قديمة او ربما يريد ان يقضي وقتًا ممتعًا مع تجربة مختلفة، و يتبع جملة الممنوع مرغوب وقبل ان يجيب عن اي سؤال طرحه داخل عقله سمع صوت «قدر» تكمل بدلًا عنه: "ها يا سليم و بعد ما قلت لها بحبكِ، هي كان رد فعلها إيه؟ وافقت ولا رفضت؟" زفر «سليم» الهواء مردفًا بحنق: "قدر اللي انا بحكيه ده كان في الماضي و بما انكِ عارفة انها كانت خطيبتي اكيد وافقت مش محتاجة ذكاء يعني، بس المشكلة مش هنا المشكلة لما جيت هنا و قلت لهم انا عايز اخطب في الأول فرحوا بس بعد كده لما قلت لهم الإسم اتصدموا و جدي وقتها رفض" اردفت «قدر» بنفاذ صبر: "يابني اخلص هو انا لازم اسألك و اقول لك جدي رفض ليه، يخربيت الـsuspense اللي في دمك" ضحك على ملامح وجهها المغتاظة و تابع بعد ان استعاد ربطة جأشه: "عشان طلع إسمها ملك الزيات.." لم يأتي في مخيلة «قدر» انه يتحدث عن نفس الفتاة التي تعرفها و هذا لأنها تعرف ان والد «ملك» اسمه «الحُسيني» و ليس «الزيات» و الذي ما هو إلا لقب لعائلة «ملك» هذه المرة توقف «سليم» عند الحديث بسبب مقاطعتها له وهي تقول بسخرية: "طب هو عشان انتم بتطبخوا بسمنة بلدي و هما بيطبخوا بزيت ترفضوا البت ايه العنصرية دي" مرت ثانية تليها اخرى بل دقيقة كاملة يستوعب فيها عقل «سليم» ما تفوهت به تلك الحمقاء، وجد نفسه يقهقه بصوت عالي مردفًا من بين ضحكه: "مش مصدق بجد، انتِ إزاي كده" رمقته بأستغراب معلقة: "إزاي إزاي؟ مش فاهمة" حمحم حتى ترجع نبرة صوته عادية وهو يقول: "انا لما كنت بتكلم في الموضوع ده مع ادهم كنت بسح عياط على الخازوق اللي خدته انما معاكِ انتِ العكس انا من لما بدأت احكي مش مبطل ضحك انتِ عملتي Mix في مشاعري، انا بعد كده لما الدنيا تلطش معايا هاجي اتكلم معاكِ و ما تقلقيش هعزمك على Wings" رددت الكلمة الاخيرة بأستنكار: "Wings?!" ثم تابعت متأففة تقول بسخرية غلفتها الضيق المصطنع: "طب بطل ضحك Wings احكي عشان ادخل انام" كان يريد الضحك و بشدة على جملتها الأخيرة لكن هي منعته من ذلك برفعها اصبع السبابة في وجهه ناطقة بتحذير: "و ربنا لو ضحكت يا سليم لأدخل جوا و اسيبك" اسرع هو يترجاها كأنه هو من طلب مجيئها إلى هنا و ليس العكس أثناء محاولته في كتم الضحك: "لأ خلاص و الله مش هضحك، بس بطلي انتِ تقولي حاجات تضحك" ثم تابع بجدية يكمل: "وجدك رفض مش عشان احنا بنطبخ بسمنة بلدي و هما بيطبخوا بزيت، جدك رفض عشان اكتشفنا ان في عداوة قديمة بين جدي زكريا و جدها الزيات و دفع تمن العداوة دي ابو فارس الله يرحمه و عشان كنا صغيرين ما حدش قال لنا بس انا كنت متمسك بـ ملك رغم اعتراض الكل و خصوصًا لما عرفنا بالعداوة على الأقل احترامًا لمشاعر فارس، اخوها كان صاحبي انا و ادهم عشان كان بيوصل ملك بعربيته الشركة و من هنا اتعرفنا على بعض و هو كمان ماكنش يعرف حاجة عن اللي حصل بين جده و جدي زمان، جه هنا البيت و اقنع جدي ان العداوة دي لازم تنتهي وبلاش احنا نكبرها و مش هتنتهي غير بجوازي انا و ملك و فعلًا جدي وافق بس بعد ما فارس جاله بنفسه و قال انه مسامح في حق ابوه و موافق على الجوازة و بعدين اتخطبنا" لم تفهم «قدر» اين المعضلة فكل شيء سار على ما يرام وحتى تفهم اكثر لم تتردد في سؤاله: "طب كده المفروض الجزء الصعب عدى ايه بقا خلاكم تفسخوا الخطوبة؟" و هنا كان الجزء الأصعب على «سليم» لكن لم يكن صعبًا في قوله: "كل حاجة كانت ماشية كويس و طبيعي لحد ما في يوم ملك جت الشركة و طلبت مني اني اتنازل عن حقي فيها ليها كهدية مني ليها بس انا وقتها رفضت و كنت هفسخ الخطوبة بس بعد كده هي اعتذرت و قالت انها خلاص مش عايزة حاجة، بس هنا ادهم بدء يشك و قال انه مش مرتاح بس انا حبي ليها عماني عن اني اشوف الحقيقة لحد ما في مرة سمعتها بتكلم شب في التليفون بس ما كانش اخوها طريقة كلامها كانت غريبة و قبل ما اروح عندها و أسألها كانت ركبت تاكسي و مشيت رنيت عليها و قلت لها لازم نتقابل و بعت لها عنوان كافيه و قفلت معاها و دخلت تاني لـ ادهم عشان اقوله اني همشي من الشركة عشان هقابل ملك بس في نص كلامي معاه كانت هي اتصلت و قالت انها مش هتعرف تخرج و لو الموضوع اللي انا عايزها فيه مايستناش اروح لها البيت، و طبعًا ادهم سمع المكالمة بس ما نطقش بحرف واحد، بس خدت الموضوع عادي عشان مش عاطي خوانة و ماكنتش عايز دماغي تودي و تجيب كان لازم افهم هي بتكلم مين في التليفون" شعرت «قدر» ان القادم سيء و تيقنت من ذلك وهي ترى ملامحه تنقلب و تحتد اكثر مع نظرات غاضبة ليست منها بل عندما يتذكر هذا الجزء: "رحت لها البيت كانت هي و اخوها اللي هناك قعدت معايا و اخوها استأذن عشان يسيبنا على راحتنا بس قبل ما اسألها على اي حاجة اصرت اني اشرب العصير و بعدها خرجت من الاوضة بحجة انها هتجيب حاجة و جاية انا في الوقت ده حسيت بدماغي بتلف و بروح في دنيا تانية مش عارف ليه خرجت تليفوني و رنيت على ادهم اللي اساسًا كان راكب عربيته وواقف تحت العمارة بعدها انا ما حستش بحاجة و لما فوقت ادهم قال انهم كانوا ناويين يخلوني امضي على ورق تنازل عن الشركة و كمان امضي على ورق ابيض " حلى الذهول على معالم وجهها مما تسمعه و لم تجد شيء تقوله سوى: "طب و ليه يعملوا كده" اجاب ببساطة رغم دموع الخيبة التي ملئت عينيه: "عشان ده كان غرضهم الاساسي و هو الانتقام كان مجي ملك الشركة عندنا عشان تدرب ماكنش صدفة و انها تخليني أحبها بردو ماكنش صدفة كل حاجة كانوا مخططين ليها كويس الكل كان شايف ده و شايف الغدر في عينيهم بس انا الوحيد اللي طلعت مغفل " تمكن البؤس من ملامحه و كان رفيقه الخذلان، بينما «قدر» شعرت بالأسى و الحزن على حال ابن عمها لتقول بصدق: "انت مش مغفل يا سليم، بس هو في ناس كده ربنا يخلقها بوش واحد و هما يعملوا لنفسهم وشين، و الناس اللي انت بتتكلم عليهم دول ما يتزعلش عليهم عشان دول ناس الو*** بتجري في دمهم" نطقت الاخيرة بأستحقار و كره، بينما ابتسم هو بهدوء و بعدها صاح يغير مسار الحديث: "فكك من السيرة الغم دي و قولي ليَ، كنتِ انتِ و ندى و وردة بنت خالتي بتعملوا ايه في شقتكم اصل انا كنت سامع صوت اغاني و سألت رحيم قال انهم بيعلموك إزاي تلفي الخمار بس أغاني مع خمار الاتنين مش راكبين" ابتلعت ريقها و حمحمت بعد ان احمرت وجنتيها قبل ان تقول بصراحة: "احنا كنا مشغلين اغاني عشان مزاجنا كان رايق و.." وقبل ان تكمل كرر «سليم» جملتها بأستنكار مع قوله الساخر: "مزاجكم كان رايق؟! انتم كنتم بتلفوا خمار و لا بتلفوا حشيش" رمقته بأمتعاض من افكاره المنحرفة تلك قائلة بتذمر: "حشيش ايه انت كمان، انا كنت بعلمهم ازاي يحطوا makeup" ذم «سليم» شفتيه بحسرة مضحكة: "والله انتم البنات طيبين اوي" شبكت «قدر» ذراعيها امام صدرها مردفة بتساءل بعد ان انكمشت حاجبيها بضيق ظنًا منها انه يهين الفتيات و زمجرت: "وفين الطيابة في الموضوع مش فاهمة" وضح «سليم» وجهة نظره بهدوء مع ثغر يزينه بسمة وقحة لم تعرفها «قدر»: "يعني البنت تفضل واقفة قدام المرايا بالساعة و التلاتة بس.. عشان تظبط الـ makeup و الطرحة و احنا الشباب في الاخر بنبص على حاجات تانية" حركت «قدر» اهدابها مرات متتالية كأنها هكذا تحاول ان تفهم تلميحه الوقح ناطقة بأستنكار: "حاجات تانية زي ايه؟" قهقه «سليم» اكثر وهو يقول: "مش بقول لكِ طيبين" القت عليه نظرة متشككة وهي تقول: " مش فاهمة انت تقصد ايه؟ بس ضحكك ده يدل على ان نيتك مش سالكة و في حاجة قليلة الأدب في الموضوع بس انا مش عارفة احدد هي ايه بالظبط" تعالت صوت ضحكاته حتى دَمَعت عينيه من كثرة الضحك لكن انتفض الإثنين من اقتحام «عايدة» المفاجيء للشرفة قائلة بحدة و تبادل نظراتها بين الإثنين بشك: "انتم بتعملوا ايه هنا" توقف «سليم» عن الضحك بعد ان رسم ملامح الضيق الزائف على وجهه وقال بسخرية: "ايه يا عايدة دخلة بوليس الآداب دي" ردت هي بسرعة و جدية صدمت الإثنين: "عشان اقفشكم" جحظت عينا «قدر» تتطالع زوجة عمها بصدمة لكن تحولت الصدمة إلى حرج شديد وهي تسمع «سليم» يقول بحنق و استهزاء متبجحًا: "تقفشينا إيه؟ احنا واقفين في البلكونة مش في اوضة النوم" غز اللون الاحمر وجهه «قدر» و معها زوجة عمها كذلك من رده الوقح هذا وقالت قبل ان تعود لداخل الشقة من جديد: "تعرف يا سليم... مش انت ابني بس انا ماعرفتش اربيك" تابع «سليم» بعينيه دخول امه ثم عاد بنظره الى «قدر» التي اضافت مكملة لحديث زوجة عمها: " انا على طول بسمع عن الـ Bad boy بس اول مرة اتكلم مع واحد منهم" "و عشان انتِ بنت عمي و غلاوتك من غلاوة ندى اختي مش هزعل من شتيمتك ليَ" رمقته ببسمة سمجة قبل ان تدخل هي الاخرى: "سليم انا مش بشتمك...انا بوصفك" ___'___'__'___'___'____'__'___'__'__'__ على الجانب الاخر تجلس «نرجس» على فراشها تقلب في شاشة الهاتف المفتوح على أحد مواقع التواصل الاجتماعي و الذي لم يكن سوى فيس بوك ترى اشكال الفساتين للزفاف لتختار منها اثنين واحدًا منها ليوم الزفاف و الاخر ليوم عقد القران و ذلك في اليوم الذي يسبق يوم زفافها، كانت عيناها تخرج قلوبًا حمراء من فرط سعادتها فأخيرًا ستتزوج بمن عشقه الفؤاد «فارس»، و بعد خمسة عشر دقيقة عبثت ملامحها بحِيرة وهي تطالع خمس من الفساتين رائعة المظهر ولكل فستان رونقه الخاص. تأفأفت بضجر ولا هي تعلم كيف تختار من بينهم، هي تريدهم جميعًا لكن بالطبع هذا غير ممكن، اخذت تفكر قليلًا حتى اتت «قدر» على مخيلتها نبتت ابتسامة على ثغرها و قررت ان تراسلها، ترددت في البداية لكن حسمت أمرها و رأت ان لا ضرر من المحاولة فهي ساعدتها ان تصلح الوضع بينها و بين «فارس» خرجت من تطبيق الفيس بوك بعد ان اخذت الصور لقطة شاشة (Screen shot) ثم فتحت تطبيق اخر للمراسلة يسمى الواتساب الذهبي و هذا النوع من الواتساب يستعمله البعض _احيانًا_ لأغراض غير أخلاقية. و قبل ان تضغط على قائمة الأسماء بحثًا عن اسم «قدر» انتبهت ان هناك رقم غير مسجل بعث لها رسالتين لكن هي لم تنتبه لهم إلا الآن، فتحت الدردشة الخاصة بهذا الرقم وجدته هو نفسه الرقم الذي ارسل لها رسائل سخيفة يوم حضور «زكريا» و معه «فارس» لتحديد موعد الزفاف ومن شدة فرحها نست امر الرسائل و امر الرقم و لم تقم بحظره و ما يؤكد هذا انه بعث لها مرة اخرى. اخذت تقرأ الرسالة الأولى بصوت مسموع يشبه الهمهمة: "انا استنيت ردك على رسايلي عشان اقدر اقول لكِ مين الشخص اللي بيحبك و انتِ ماتعرفيش حتى من قبل ما فارس يحبك، بس للأسف بسكوته ضيعك منه مرة و هتضيعي منه مرة كمان عشان هو اختار انه يسكت و ما يصرحكش بحبه عشان ما يخربش فرحتكم مع انه هيحافظ عليكِ اكتر من خطيبك بس انا قررت اني هقول لكِ و انتِ حرة تقرري هتكملي مع فارس و لا لأ" قرأت الرسالة الأولى و انتقلت بنظرها إلى الرسالة الاخرى لتعرف بقية حديث هذا المجهول و الذي لم يكن سوى «انس» لكن هي لا تعلم ذلك. "و طالما انتِ ما عملتيش بلوك لحد دلوقت للرقم يبقا انتِ عايزة تعرفي مين الشخص ده بس خايفة تردي عليٰ و تسأليني ليكون مقلب و لا حاجة بس هو مش مقلب و فعلًا في شخص بيحبك و الشخص ده يبقا اسامة اللي اتعرفتي عليه في الشركة اللي هو بيشتغل فيها حاليًا" رفعت رأسها عن الهاتف تنظر إلى الفراغ أمامها تنطق اسمه بذهول و دهشة تمكنت منها: "اسامة؟!" لكن كيف و متى وهو لم يقل شيء كهذا وهي ايضًا لم تلاحظ عليه شيء؟ لكن السؤال الأهم هنا من بعث لها بهذه الرسائل قبل موعد زفافها بأيام قليلة فقط هل يظن المرسل انها عندما تقرأ هذا الرسائل النصية ستلغي زفافها من اجل شخص لم يجرؤ حتى على الإعتراف بحبه لها يال سخافة هذا الشخص الأبله، او انه...ربما تكون فتاة تغار منها و تريد ان تفسد عليها فرحتها و تشتت ذهنها بمثل هذه الترهات، غبية هذه الفتاة لأن «نرجس» تحب «فارس» بل تعشقه هي لا ترى غيره بالأساس. نفضت عن رأسها كل هذه الهواجس قبل ان تستمر اكثر في عقلها و قامت بحظر الرقم لكن قبلها بعثت له رسالة، ثم عادت تبحث ان اسم «قدر» في الواتساب و بعد ان وجدته خرجت من المحادثة قبل ان ترسل شيء، لربما تكون هي من بعثت لها هذه الرسائل لمَ تثق بها وهي لا تعرفها سوى من شهر واحد فقط وهي التي تعاشر الناس بالاعوام لا تثق بهم. وجدت حلها الأخير وهي ان ترسل الصور إلى «فارس» و تأخذ رأيه فهو الشخص الوحيد الذي تثق به ثقة عمياء. __'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__ دقت جرس الباب بقلق درأ على قلبها بعد مكالمتها مع صديقتها «ملك» و التي لم يكن محتواها سوى انها تريد ان تراها الآن و بشدة، سمعت خطى ارجل تقترب من الباب من الداخل اخذت تتنفس بهدوء حتى لا يظهر قلقها على ملامح وجهها و تثير الريبة في نفوس اهل البيت فبالتأكيد لا احد يعلم شيء عن حالة «ملك» المزرية التي توقعتها «مريم» من نبرة صوتها. وجدت الباب يُفتح من قِبل فؤاد و ما ان رأته اضطرب قلبها و سرت قشعريرة متفرقة في انحاء جسدها فقط لرؤيته، ظلت تتطالعه بصمت و عيون لمع فيها حبه لكن هو من قطع هذا الصمت بعد ان رسم ابتسامة مردفًا بنبرة هادئة: "ازيك يا مريم" جملة عادية ليس بها شيء لكن هي سمعتها كأنه يقول لها «احبك» لتصيبها عدوى الإبتسامة لكن الفرق ان وجهها كاد يتشقق من فرط ابتسامتها: "الله يسلمك يا دكتور فؤاد" عقب على حديثها وهو يتنحى جانبًا يسمح لها بالدخول مردفًا بنبرة مهذبة: "احنا هنا في البيت يعني ملهاش لازمة دكتور ممكن فؤاد بس، ينفع؟" نطق كلمته الاخيرة بمرح و لا يعلم اثر حديثه على قلب تلك المسكينة التي شعرت ان قلبها كاد يخرج من مكانه لشدة ضرباته العالية قائلة بنبرة ظهر فيها خجلها: "ينفع" "اكيد جاية عشان تذاكري انتِ و ملك مع اني مش بقتنع بالمذاكرة الجماعية دي " ابتسمت بتوتر خوفًا من ان يكون فضح امرهم فهي تأتي إلى هنا بحجة المذاكرة لكن الحقيقة هي تأتي فقط لشيئين الأول انها تأتي من اجل الإستماع الى شكوى «ملك» و نحيبها على ما حدث بالماضي و الثاني انها تأتي من اجل..رؤيته. حمحمت تحاول ان تنقي نبرة صوتها وتجيد الكلمات المناسبة لتجيبه بطريقة منطقية: "انا كمان مش بقتنع بيها بس انا و ملك بنذاكر فعلًا و لو حسينا اننا هنتكلم في اي حاجة برى المنهج بنوقف نفسنا و نحط عقاب لو واحدة فينا اتكلمت في حاجة مش في المنهج بالإضافة اننا بناخد Rest كده في النص نتكلم فيه عن اي حاجة عايزينها كنوع من الترفيه و بعدين نرجع نكمل مذاكرة " كان يشعر بالضيق من ثرثرتها التي لا تهمه بشيء لكن هو لم يظهر ذلك بل اومأ بهدوء و مازالت ابتسامته لم تختفي، و هذا لأنه شخصية تجيد التمثيل ببراعة واظهار ما يريد ان يظهره من مشاعر و ان كانت مشاعر مزيفة غير حقيقية! "بالتوفيق ان شاء الله" اراد ان ينهي هذا النقاش بطريقة ذوقية ولا يسبب لها الحرج لكن هي لم تكف عن الثرثرة بل تابعت بحديثها قائلة: "بس انا خايفة من الإمتحانات اوي و في نفس الوقت عايزة اجيب امتياز!" اجاب ببساطة: "ذاكري، سهلة اهي" و قبل ان يضيف ايًا منهما حرف اخر اقبل عليهم «حسين» الجالس على كرسي متحرك يرحب بقدوم «مريم» و التي بعدها استأذنت الدخول الى غرفة «ملك» بينما «فؤاد» وقف خلف ابيه و بدأ بدفع كرسي والده بلطف حتى وصلا إلى غرفة المعيشة و جلس على احدى مقاعدها «فؤاد» يتنظر ان يسمع ما خمنه ان يقوله والده بالفعل. "يعني قلت لي استنى و هتتفرج على عيلة المنشاوي وهما بيقطعوا في بعض و اديني استنيت و ما شفتش حاجة، غير انهم زي ما هما و زكريا كل يوم يكسب فلوس اد كده" قابل «فؤاد» حديث والده المنزعج ببسمة ماكرة وهو يقول: "اتقل على الرز ياحج" لكن هذا لم يقلل من حدة «حسين» و غيظه وهو يقول بسخرية لاذعة: "لو تقلت اكتر من كده الرز هيشيط" جلجلت ضحكات «فؤاد» رغمًا عنه و حاول ان يتماسك وهو يرى والده يشتعل من الغيظ مردفًا بهدوء نجح في اكتسابه: "ياحج انا قلت لك قبل كده انه مابقاش طارك و طار جدي الزيات لوحدكم انا كمان نفسي اولع في العيلة دي النهاردة قبل بكره وده اللي هيحصل فعلًا بس اكون معايا اللي يحميني و اللي اقدر اعمل بيه ده عشان انا لو حاولت اعمل ده دلوقتي عيلة المنشاوي هيفعصوني تحت رجليهم لانهم اقوى مني و لحد ما ده يحصل مافيش مانع اننا نتسلى شوية و بعدين انا بدأت الـGame خلاص" ضيق والده عينيه بشك وهو يتساءل: "يعني إيه" استقام «فؤاد» في جلسته يقول وهو ينظر في ساعة يده: "يعني اطمن ياحج، حق جدي و حق رجليك اللي اتاخدت منك غدر، هيرجع، عشان ده مافيهوش غير الكره و السواد و يوم ما هيطلع مش هيبقا في حاجة اسمها المنشاوي على وجه الارض" كان يضرب على صدره مشيرًا إلى قلبه و سمع والده يهتف هو الاخر بحقد داخلي: "و انا مش هطمن غير و انا شايف زكريا مزلول قدامي زي الكلـ...ـب و بيترجاني اسيبه" جلس «فؤاد» القرفصاء امام والده يقول بعد ان قبل يده والشر يتخذ مكانه في عينيه: "هيحصل وحياتك عندي كل ده هيحصل" بينما في غرفة «ملك» كانت تجلس على فراشها تضم ساقيها إلى صدرها و تخبىء رأسها بينهما لكن رفعتها سريعًا بعد ان سمعت صوت باب غرفتها يفتح و من بعده صوت «مريم» وهي تقول بفرحة و حماس: "مش قادرة اصدق ان اخوك اتكلم معايا مش عارفة بجد انتم ازاي عايشين مع القمر ده و.." ابتلعت باقي كلماتها و بُهت وجهها وهي ترى وجه «ملك» الشاحب و العيون المنتفخة من كثرة البكاء ناهيك عن احمرار عينيها الذي غطى على لون عينيها الحقيقية، هرولت نحوها «مريم» تهتف بقلق: "مالك يا ملك؟ ايه اللي حصل؟ انتِ معيطة ليه؟" لم تجب الاخرى على اية سؤال بل كل ما قالته وهو تبتلع الغصة في حلقها: "وطي صوتك يا مريم مش عايزة حد يسمعنا" اردفت «مريم» بحزن وهي تطالعها بعينين غمرتهما الشفقة: "طب قولي مالك فيكِ ايه، ده حتى يوم ما قابلنا سليم في عمارتنا وكان بيسأل على جارنا سعد انتِ ما قولتيش قال لكِ ايه و كنتِ هادية" ألقت «ملك» بجسدها في حضن «مريم» تبكي بصمت لم يدم بل يذداد شهقاته وهي تتذكر لقاءها الأخير مع «سليم»، مردفة بصوت هش تشعر كأنها تتنفس من ثقب إبرة: "قال لي كلام قاسي اوي، سليم اتغير وكان باين عليه ان انا مش فارقة له بس هو لسه فارق لي" ذاد نحيبها اكثر بعد نطقها الجملة الأخيرة ولم تجد «مريم» شيء تفعله سوى انها تربت على ظهرها تحثها على التوقف عن البكاء: "طب اهدي طيب، ممكن طنط او عمو او حتى فؤاد يسمعوا عياطك و اكيد مش هيسكتوا لما يعرفوا انتِ بتعيطي ليه" كانت «مريم» معها حق، كفكفت «ملك» دموعها و خرجت من عناق صديقتها لكن مازال قلبها يتألم حرقًا وقالت: "هو ازاي عرف يكرهني و انا لسه بحبه" اردفت «مريم» بنبرة جادة غير قاصدة ان تجرحها: "يمكن عشان اللي عملتيه فيه، ملك مش كل الناس قلبها ابيض و بتعرف تسامح في ناس لما بتتجرح من اكتر ناس هما حبوهم الحب ده تلقائي بيتحول لكره، و ما تقوليش انه غصب عنكِ عشان انتِ من الأول كنتِ رايحة الشركة و مخططين لكل حاجة و كنتِ موافقة ما ترجعيش تندمي دلوقت بقا" كلماتها كانت اشبه بالسوط الذي يضرب قلبها بعنف وفمها مكمكم حتى الصراخ لا تقوي عليه، اجهشت في بكاءها المرير من جديد و الندم و الحسرة يأكلونها من الداخل كمَ يأكل الصدى الحديد. "كنت عارفة، بس اللي ماكنتش اعرفه ومش عاملة حسابه اني احبه بجد، مريم انا بحب سليم و المرة دي انا مش بكذب انتِ بتحبي فؤاد اخويا و اكيد هتعرفي اني مش بكذب" رفعت «مريم» يدها تلمس بها وجه «ملك» مردفة بنبرة حانية: "مصدقاكِ يا ملك بس المهم هو كمان يصدقك" "يعني اعمل ايه يا مريم" اخفضت «مريم» يدها من على وجهها قائلة بنبرة تبدو حادة لكنها كانت تحذيرية وهي تقول: "يعني يا ملك لو عايزة ترجعي لـ سليم و يسامحك اعرفي انكِ هتدفعي مقابل لده و اللي ممكن يكون اهلكِ، اللي مستحيل يوافقوا انكِ ترجعي لـ سليم ده بأعتبار ان هو كمان نسي اللي حصل و سامحك" تأفأفت «ملك» بضيق و حزن شديد من كلمات صديقتها وهي تقول بندم: "مريم انتِ بتصعبيها عليٰ ليه؟ انا غلطانة اني كلمتكِ" لم تحزن «مريم» منها لأنها تقدر حالتها جيدًا بل قالت: "انا مش بصعبها عليكِ يا ملك انا بس بحط الصورة كلها قدامك عشان تفكري و تاخدي قرارك بسرعة و تبطلي تعذبي في نفسك كده، و تكوني عارفة كويس نتيجة اختيارك ده هيوديك فين؟ صدقيني انا مش فرحانة و انا شيفاكِ متعذبة كده و هو تلقيه ولا على باله" اخذت تتنفس على مهل حتى تستطيع التوقف عن البكاء و اردفت برجاء و صوت هش: "مريم ممكن تباتي معايا النهاردة انا تعبانة و محتاجاك جمبي" لم تعلم «مريم» كيف تخبرها انها لن تقدر على المبيت خارج منزلها و ترك شقيقتها «سحر» بمفردها وخرج صوتها متلعثمًا قائلة: "ماهو..اصل..مش هينفع يا ملك..سحر اختي" اوقفتها «ملك» عن الاستكمال كأنها تعلم تمام العلم من ردها لذا قالت بهدوء لم يخلو من صوتها المتعب لكثرة بكاءها: "طب ممكن تخليكِ معايا لحد ما انام بس و بعدين ابقى امشي" همت «مريم» بالأعتراض بحجة الوقت انه اصبح متأخرًا لكن اسرعت «ملك» تقول وهي ترمقها بنظرات متوسلة: "لحد ما انام بس ما تقلقيش مش هأخرك، انا قلبي وجعني اوي يا مريم " تنهدت «مريم» بأستسلام و اخذت تجلس على الفراش متربعة القدمين وبعدها وضعت «ملك» رأسها و بدأت «مريم» تخلخل اصابعها في خصلاتها تداعبها بلطف حتى بالاخير قد غفت. انتهت هذه الليلة و اشرقت شمس يوم جديد لتعلن عن بداية جديدة، هبطت «ندى» الدرج وهي تتمتم بداخلها بدعاء ان يخرج «ادهم» من شقتهم و يراها هكذا لترى ردة فعله و بالفعل هذا ما حدث عندما وصلت قدميها امام شقة عمها ووجدت الباب يفتح و خرج منه «ادهم» يستعد لذهاب إلى عمله، انتهزت فرصة انشغاله بهندمة ثيابه قائلة ببسمة متسعة: "صباح الخير يا أدهم" رفع رأسه و قبل ان يرد عليها بنفس جملتها رأى ما فعلته تلك الحمقاء بوجهها بسبب وضعها كل تلك المساحيق التي جعلتها تشبه المهرج في السرك. اردف هو بحدة: "اي اللي انتِ عملاه في وشك ده يا ندى" ابتسمت هي بفرحة لأنه انتبه لها لكن الغبية لا تعلم ان الأعمى يستطيع رؤية ما فعلته بوجهها المسكين، اخفت ابتسامتها و هي تقول بجدية: "ده makeup قدر علمتهولي" احتد وجهه وهو يهتف بأنفعال: "كمان! وهي فين ست زفتة دي؟ و ياريت تكون عاملة زيك عشان يبقا صباحكم زي وشكم" ابتلعت «ندى» ريقها بتوتر وهي ترى غضبه و الذي يبدو انها اخطأت عندما فكرت في مثل هذه الفكرة فقط من اجل ان ترى غيرته عليها لتثبت لـ «سلمى» و لنفسها اولًا ان «ادهم» يحبها و لا تعلم انه رجل شرقي عام و رجل صعيدي خاص، يغار على أهل بيته، و الغيرة التي تريدها تختلف تمامًا عما تراه الآن. ثم اردفت بثبات غير حقيقي لا تعلم انها تزيد الوضع سوءًا: "هو ايه اللي حصل لكل ده يعني يا ادهم، فيها ايه لما اخرج كده" ابتسم هو بسمة جعلتها تشعر بالريبة و عدم الراحة ثم سمعته يقول وهو يشير على رأسه: "ندى شايفة حاجة فوق راسي" لم تفهم غرضه من السؤال لكن نفت بتعجب ثم سمعته يقول بحد بعد ان تلاشت ابتسامته كأنها ثراب: "يعني لسه ما ركبتش قرون" ...لسه الحكاية مخلصتش.... #صدفة_ام_قدر #العشق_الخماسي #سميه_عبدالسلام الفصل الثامن والثلاثون من هنا |
رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم سميه عبد السلام
تعليقات