رواية رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم سميه عبد السلام



رواية  رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم سميه عبد السلام 




 #صدفة_ام_قدر

#العشق_الخماسي

#البارت_38 (عاد لينتقم)

ازيكم يارب تكونوا بخير و كل عام و انتم طيبين و بخير يارب، المفروض انكم مستنيين الرواية تنزل من بدري بس التأخير اللي حصل ده غصب عني و خارج ارادتي، و ماكنتش قادرة امسك الفون و اكتب حرف واحد بس انا ماكنتش عايزة الرواية تقف ولا ان الناس تنساها وتمسحها عشان نفسي بجد اعرض كل الأفكار اللي في دماغي، عارفة اني اتأخرت بس حرفيًا انا بكتب في البارت ده من اسبوع وده لان كل ما امسك الفون عشان اكتب اتخنق و اكتب سطرين و ارجع ارمي الفون طبعا مش ناسية الناس اللي دخلت كلمتني و اطمنت عليا و مارزلتش و كل شوية فين البارت فين البارت، انا قلتها قبل كده ان لو الرواية جاهزة ككتابة كنت نزلتها مرة واحدة وخلصت، انا طاقتي مستنفزة و الفترة دي مش احسن حاجة في حياتي اتمنى تستحملوني لأني بجد مش قادرة بس الحمدلله على كل حال.

ملخص بسيط عن الأحداث السابقة:

_نعمات اتخانقت مع سيد عشان شافت صور هبة على فونه ووقعت من على السلم و اجهضت و طلبت الطلاق من اسماعيل.

_اخر حاجة بين سلمى و سليم لما قابلها وهي راجعة من الامتحان و طلبت منه انه يسيبها ويمشي و مابقتش تاخد العلاج.

_لسه مراد ماعرفش مين عمل الصور التركيب بتاع هبة.

_علا عرفت ان احمد بيخونها من خلال المكالمة اللي وصلت لها و غالبا هتكون شوشو هي صاحبة المكالمة.

_انس بعت لنرجس و جاب لها من الاخر و قال لها ان اسامة بيحبها و اسامة لو عرف هينفخه ان شاء الله.

_رحيم راح عند طارق المكتب و هدده انه من مصلحته يبعد عن عيلته و يبطل يأذيهم.

ده يعني لو حد مسقط منه حاجة من الاحداث

بسم الله الرحمن الرحيم

البارت 38 (عاد لينتقم)

بعد ان قضى سهرته مع أبناء عمومته و تغلغل الدفء إلى قلبه و لم تذل بسمته إلا عندما عاد من صلاة الفجر و اخذ عقله يذكره بما فعلته شقيقته «قدر» بأبناء عمه بعد ان جفاه النوم و كان رفيقه الأرق حتى مطلع الشمس، اخذ يسبح بعقله لذكرى من الماضي و بالتحديد في عمر الثالث عشر من حياته.

"يا بابا! رحيم مش..مش عايز...يخليني اركب العَجلة معاه"

كلمات توصف ضيق و تذمر تلك الصغيرة التي اكملت عامها السابع منذ بضعة ايام فقط و التي لم تكن سوى رحمة _قدر_ اقترب منها والدها «حسن» و دنو على قدميه يمسد بلطف على خصلات شعرها صاحب اللون الاسود تمامًا كشعر شقيقها، و اخذ باليد الأخرى يمسح دموع ابنته طالبًا منها التوقف عن البكاء و اخباره بما حدث.

"ممكن تبطلي عياط عشان أفهم في ايه؟ ممكن!"

نطق كلمته الاخيرة بحنو و قد نجحت في اسكات «قدر» عن البكاء و هي تومأ برأسها بمعنى حسنًا.

"ها في ايه بقا ليه العياط ده كله؟ و رحيم مزعلك ليه؟"

قبل ان تتحرك شفتيها اندفع «رحيم» داخل الغرفة و التي يبدو انه يعلم ان شقيقته ستلجأ الى والده كي تشكو له و تجعله هو المخطأ بحقها و قبل ان يحدث هذا سبقها بالحديث.

"يا بابا دي واحدة غبية، و مش بتتعلم و انا زهقت منها، ماما بتقولي خلي اختك تلعب معاك بس هي دايمًا تبوظ كل لعبي "

"على فكرة اللعب هي اللي بتبوظ لوحدها انا مش ذنبي"

امتعض وجه «رحيم» وهو يرمق اخته بشراسة مردفًا بسخرية تبطنها الغيظ:

"يعني لما دخلت عليكِ الاوضة عندي و لقيتك ماسكة جزمتي السودة الجديدة حطاها قدامك و عمالة تقولي لها ما كفاية حزن بقا ونغير الأسود و نلبس ألوان و بعدين رحتي دلقتي عليها نص كيلو ألوان مايه! ايــه الجزمة امها ما.تت و انا ماعرفش "

اتسعت اعين «حسن» من الدهشة و سرعان ما حلى مكانها الضحك الذي حاول قدر الإمكان كبته حتى لا يتلف اعصاب إبنه اكثر فيكفي عليه إفساد «قدر» لحذائه الجديد.

رسمت «قدر» وجه الاستعطاف مع قولها:

"انا بحب ألعب مع رحيم و هو بيزعل مني"

علق «رحيم» بأشمئزاز و ظهر نفوره من شقيقته بقوله:

"بس انا مش بحبكِ و مش عايزك تلعبي معايا"

رمق «حسن» إبنه بنظرات غاضبة من حديثه بعد ان رأى تجمع قطرات المياه بعين أبنته بينما قابلها «رحيم» بأنزعاج من شقيقته ثم سمع والده يحول بنظره إلى «قدر» متحدثًا بعد ان عاد وجهه لينًا مبتسمًا:

"و رحيم كمان بيحب يلعب معاكِ، العبي يا حبيبة بابا و بوظي اللعب براحتك زي ما انتِ عايزة و انا اجيب غيرها "

ثم قرب رأسه منها اكثر يخبرها بهمس لم يصل إلى إذن «رحيم» :

"بس مش لما نبوظ حاجة او نعمل حاجة غلط نعتذر الأول من الشخص اللي غلطنا فيه عشان ما يزعلش مننا؟!"

رغم صغر سنها لكن استطاعت ان تفهم ما يريده والدها ان يخبرها به، حركت قدميها حتى استقرت امام شقيقها الذي ترتسم ملامح الغضب على وجهه بدقة قائلة بأعتذار و هي تشعر بداخلها من الندم:

"حقك عليَ يا رحيم انا اسفة اوعدك اني مش هبوظ لعبك تاني بس ما تزعلش مني"

لم يخشى «حسن» من ردة فعل إبنه و ان يبدي ضيقه و غضبه بأن يلقي كلمات سامة و لاذعة على مسامع شقيقته الوحيدة بل توقع بما فعله «رحيم» الذي تطلع في وجه شقيقته و نسى حزنه و غضبه منها واخذها بين ذراعيه يمسد على ظهرها بلطف و يخبرها:

"خلاص انا مش زعلان منكِ، و كمان هسيبك تركبي العَجلة بتاعتي براحتك"

خرجت الصغيرة تفصل العناق بصياحها تعبر به عن مدى فرحتها و بعدها ركضت من اجل ان تركب الدراجة الهوائية كما يحلو لها، و قبل ان يلحق بها «رحيم» سمع والده ينادي بأسمه.

التقط «حسن» يده و تحرك الإثنين و جلسوا على الاريكة المستوطنة في غرفة المعيشة ليقول «حسن»:

"تعرف انا ليه سميت اختك رحمة و انت رحيم"

انكمش وجه «رحيم» من سؤال والده لكن اكتفى بهز رأسه بمعنى لا كي يسترسل «حسن » في حديثه و بالفعل هذا ما حدث عندما سمعه يقول بهدوء محبب لقلب «رحيم»

"عشان تكونوا حنينين على بعض و قلوبكم تبقا مليانة رحمة، رحيم انا لو جرالي حاجة انت هتكون سند لأختك و ضهر ليها انا يابني مش هعيش العمر كله معاكم"

اردف «رحيم» بسرعة مقاطعًا والده بخوف و قلق حقيقي عليه:

"بعد الشر عليك يا بابا ما تقولش كده احنا ملناش غيرك"

"المو.ت مش شر يا رحيم مافيش حد هيخلد فيها يابني كلنا هنمشي و نسيبها و عايز يوم ما اسيبها اكون ماشي و انا مطمن عليك انت و اختك"

لم تروق لـ «رحيم» فكرة ترك والده لهم و الرحيل عنهم انقبضت انفاسه لمجرد التخيل فقط ليسأله بتوجس:

"يعني ايه يا بابا؟"

تنهد «حسن» قبل ان يكمل حديثه و الذي يتمنى ان يفهمه الإبن الذي يبلغ من العمر ثلاث عشر سنوات فقط:

"يعني يا رحيم يابني خلي حنينك تغلب قسوتك و دايمًا تسامح اختك لو غلطت و ما تخليش الزعل بينكم في يوم يطول، اوعدني يا رحيم ان لو رحمة جه عليها يوم و اذتك تسامحها اوعدني يا رحيم" 

"اوعدك يا بابا"

كلمتان خرجت من فاه «رحيم» لكن ليس ذلك الصغير بل ذاك الذي يبلغ ثمانية و عشرون عامًا، كلمات عادة بها من الماضي ردًا على حديث والده الذي لم يفهم معناها إلا الآن، ثم عاد يكمل تلك الجملة من الحاضر مع دموعه المنسابة على وجنتيه:

"وعدتك اني هكون حنين عليها و هسامحها حتى لو اذتني بس...بس المرة دي هي ما اذتنيش انا يا بابا"

اغلق جفونه يضغط عليها بقوة و كأنه هكذا يمنع عبراته الساخنة من النزول، و لم يكتفي عقله عند هذا الحد بل أنهال عليه بذكريات موجعة بالنسبة لـ «رحيم» كأن عقله يقسم انه لن يدعه و شأنه حتى يذكره بكل شيء مر به في السابق في هيئة شريط مصغر للأحداث السابقة منذ وفاة والديه و مرض أخته و معاناته معها حتى الوصول للشفاء و مطاردة «طارق» لهم و استباحته الاذى لعائلة المنشاوي و بالاخير الخطأ الذي ارتكبته «قدر» في حق «ادهم» و «سليم» اخذ تنهيدة حارة يبتلع الغصة المريرة كالعلقم في حلقه،

فكل هذه الأفكار كادت تفتك به حتى سمع رنين جرس شقتهم، فتح عينيه و حرك ساعده الأيسر أمامه حتى يرى كم الوقت الآن عن طريق ساعته الفضية التي تزين رسغه، وجدها السابعة صباحًا تعجب و شعر بالفضول لمعرفة هوية الطارق، نهض عن فراشه و قبل ان يتوجه لفتح الباب دلف إلى المرحاض و فتح الصنبور و اخذ ينثر المياه على وجهه حتى يخفي اثر الدموع لكن ان اختلطت مياه الدموع بمياه الصنبور و اصبح لا فارق بينهما ماذا يفعل في احمرار عينيه و بهتان وجهه و ملامح الكآبة المرتسمة على وجهه كيف يخفيها؟!

يبدو ان الطارق مل من الإنتظار في فتح الباب و ذلك عن طريق تركه لزر الجرس و البدء في الطرق على الباب باليد و الذي مع الثانية و الاخرى تزداد شدة الصوت.

فتح «رحيم» الباب اخيرًا و هاجمت الصدمة وجهه و كذلك الاستغراب مردفًا بأندفاع:

"بسم الله الرحمن الرحيم، و هما بيسلسلوا الشياطين نسيوا واحد و لا إيه"

احتد وجه «ندى» الذي يغطيه طبقة من مستحضرات التجميل و التي بسببها لم تذهب إلى جامعتها حتى الآن بسبب رفض «ادهم» خروجها من البيت بهذا الشكل بدافع الغيرة على اهل بيته و التي فسرتها هي على انها غيرة حب، ذاد امتعاض «ندى» و غيظها من ردة فعل «رحيم» المصتنعة فهي لم تفسد وجهها لهذه الدرجة المبالغ فيها من الجميع.

ناطقة بسخرية و تهكم:

"ايه يا اخويا شفت عفريت"

"لأ شفتكِ انتِ"

استفزها رده البارد و المهين لتتخلى «ندى» عن سخريتها و تحاول ان تكون شخصًا اهدأ لأنها تعلم تمام العلم انه يريد استفزازها و غيظها لا اكثر اخذت نفسًا بعمق ثم اخرجته على مهل و رسمت بسمة مصطنعة تكبد خلفها غضبها من الواقف مردفة بهدوء ظاهري:

"طب ممكن حضرتك تعديني ادخل لـ قدر بدل ما انت واقف زي لوح الخشب كده و سادد الباب"

عند سماعه لنصف الأول من حديثها ابتسم و شعر بالانتصار ظنًا منه انها تخلت عن عِندها و عجرفتها اللامتناهية لكن اندثر ظنه عند سماعه الباقي من جملتها و التي يتضح فيها انها تهينه كم يفعل هو معها.

شبك ذراعيه امامه و اعتدل في وقفته حتى قام بغلق الباب بجسده وهو يقف أمامها مردفًا بهدوء يحمل في طياته السخرية:

"بس انتِ ايه اللي مصحيكِ الساعة 7 الصبح انا اللي اعرفه انكِ بتنامي و مش بتقومي غير لما تحسي ان هيجيلكِ قرح فراش"

بسبب قرب المسافة بينهم اعط هذا فرصة لـ «ندى» ان تنظر إلى عينيه الزرقاء عن كثب لم تنتبه لحديثه الساخر بل شغل عقلها تلك الخيوط الحمراء المنسوجة في ثوب عينيه الأبيض و في المنتصف حفرة زرقاء كأنها اخذت لونها من السماء مع لمعة قوية اضافت رونق خاص بهما رغم كل هذا الحزن الذي يقبع فيهما.

في كل مرة لا تقدر «ندى» على منع فضولها من طرح الأسئلة لكن هذه المرة لم تقدر على منع اهتمامها به وهي تسأله بأهتمامٍ صادق:

"انت كنت بتعيط يا رحيم؟"

اتسعت حدقة عينيه و هو يطالعها بشيء من الذهول و ذلك لأنه لم يكن ابدًا يتوقع ردها هذا، لكن لم يستمر هذا التواصل البصري اكثر من خمس ثوان و بدء في تحريك بؤبؤ عينيه بعشوائية بعد ان اضطربت معالم وجهه وفك ذراعيه يضعهم بجانب جسده مبتسمًا بتكلف وقام بالنفي بقوله الكاذب:

"لأ ده بس عشان سهرت مع الشباب و ماعرفتش انام كويس، هو شوية ارهاق مش اكتر"

لم تصدقه البتة و هذا لأنه لا يجيد الكذب وظهر هذا واضحًا من نبرة صوته المهتزة و عدم ثبات حركة بؤبؤ عينيه، و حكه الغير مبرر لأنفه اثناء الحديث، رفعت حاجبها مردفة بأستنكار:

"على فكرة انت مش مضطر تكدب عشان باين اوي"

ضم حاجبيه مردفًا:

"اي هو ده اللي باين"

"الحزن...الحزن باين في عيونك"

صمتت عندما رأت تأثير كلماتها عليه و التي تأكد انها على حق ثم تابعت بثقة:

"لما تكون عايز تخبي حاجة ابقا خبي عيونك قبلها...عشان العيون فضاحة "

في كل مرة يرى بها ابنة عمه كان يحلو له مضايقتها و استفزازها لكن هذه المرة لم يرد ان يفعل هذا بل وجد نفسه يعبر عما يشعر به بصدق و تمنى ان يكون هذا الإهتمام الذي يراه بوضوح في عين «ندى» ناجم عن اهتمام حقيقي به و ليس مجرد الفضول، تنهد بقوة و هو يحدق بعينيها الصافيتين قبل ان يخبرها بهدوء:

"نفسي دماغي تكون حنينة عليَ زي ما انا حنين على الكل و تفصل وتبطل تفكير"

نعم هي لا تحبه و لا تكِن له سوى الكره او هذا ما تحاول هي اقناع نفسها به، لكن رأت انه لا يستحق هذا الكره، فكم ازعجها رؤيتها له بهذه الحالة التي لم تعتاد عليه فيها حمحمت لتقول في محاولة منها ان تخفف عن كاهله و لو بالقليل:

"لما تكون متضايق او مخنوق حاول ماتقعدش لوحدك عشان دماغك هتسوحك، و لو حد ضايقك او عصبك ماتردش عليه سيبه و امشي و انت الكسبان"

"و انتِ بقا لما حد بيعصبك بتعملي كده؟"

تمتم «رحيم» بهذه الجملة الخبرية على الرغم من كونها سؤال لأنه يعلم الإجابة جيدًا و التي كانت :

"لأ طبعًا ده انا امسح بكرامة أهله الأرض"

ابتسم «رحيم» بغير تصديق على هذه المجنونة و التي تشبه شقيقته كثيرًا ليعيد السؤال و لكن بصيغة اخرى:

"طب لو انتِ في المحاضرة و الدكتور بتاعك هزقك في وسط المحاضرة من غير سبب هتعملي ايه؟"

"هعمل شاي"

تمتمت «ندى» بهدوء اثار الريبة في نفس «رحيم» و قبل ان يتحدث و يشجعها على جملتها و التي تدل على تغافلها و عدم ردها على أستاذها الجامعي احترامًا له حتى و ان كان هو المخطىء و هي على حق

"و بعد ما تعملي الشاي؟"

"هدلقه على الأرض اللي لسه ماسحة بيها كرامة اهل الشخص اللي عصبني عشان امسحها تاني بكرامة اهل الدكتور اللي زعقلي و انا ماعملتلوش حاجة"

تمتمت «ندى» ببراءة شديدة تكاد ان ترى جناحيها و الهالة الدائرية من اشعة النور فوق رأسها من شدة البراءة وهي تقول جملتها العنيفة تلك.

تنح «رحيم» عن الباب يفسح لها المجال في الدخول مع قوله:

"لأ كده انا اطمنت انك ندى بنت عمي، اصل ماخبيش عليكِ البوقين الجد اللي قلتيهم في الأول دول قلقوني ده انتِ سوكا تقولك ياما"

لم تكلف «ندى» نفسها عناء الرد عليه بل اكتفت بألقاء نظرة نارية قبل ان تدلف لغرفة «قدر» النائمة في وسط الفراش تشبه الأحياء المو.تى مع خصلات شعرها الهوجاء من اثر التململ الكثير في الفراش طوال الليل، اقتربت منها «ندى» منها بعد ان حمدت ربها أنها ليست الوحيدة التي تشبه الزومبي و هي نائمة ثم اخذت تضرب بلطف على كتف «قدر» مرة و اخرى تليها اخرى لكن لا رد يبدو انها تغوص في سبات عميق زفرت الهواء بحنق ثم صرخت بأسمها لتنتفض «قدر» و تسقط من فوق الفراش على الارضية الباردة صارخة بفزع:

"فـي ايـه؟ ميـن اللي مـا.ت"

"لأ لسه مافيش حد ما.ت بس إحتمال يكون فيه"

وقفت «قدر» لتعود للجلوس على الفراش بعد ان تأملت وجه «ندى» التي تابعت:

"ادهم شافني و اضايق اوي من المكياچ اللي انا حطاه في وشي و.."

تحدثت «بمقاطعة» قائلة بسخرية:

"ماهو لازم يضايق من التلوث البصري اللي شايفه ده"

تحركت «ندى» و جلست بجانبها بعد ان عبست ملامحها بضيق و حزن و هي تقول:

"هو لدرجادي شكلي وحش انا عملت اللي انتِ علمتهولنا انا و وردة"

ابتسمت «قدر» مردفة بمزاح بعد رأت خيبة الأمل التي تغطي عين «ندى» مردفة:

"ايوة انا اللي علمتكم بس انا علمتكم ازاي تعتنوا بنفسكم و ببشرتكم عشان دي حاجة ليك انتِ مش لحد، و بعدين الـmakup اللي انتِ حطاه ده مش لواحدة رايحة امتحان ده واحدة رايحة كباريه"

ظهرت ابتسامة صغيرة على وجه «ندى» ثم تابعت «قدر» بجدية تبث الثقة التي تفتقرها هي في نفس ابنة عمها:

"و بعدين يا ندى الناس اللي بتحط الـmakup دي بتحطه عشان مش راضية عن حاجة في وشها انما انتِ ملامحك جميلة ليه تبوظيها بالمكياج و بعدين انا مش ابطل احط و انتِ تحطي"

اقتنعت «ندى» بحديث «قدر» و لم تبدي اية اعتراض بل وجدت انها معها حق ثم اردفت:

"طب عندك مناديل مبللة اشيل بيها طبقة المحارة دي"

اعترضت وهي تدفعها برفق مردفة بضيق و انزعاج مصطنع:

"لأ المناديل المبللة دي تشوفيها في شقتكم انما انا عايزة انام"

تمددت على الفراش و سحبت الغطاء على جسدها و قبل ان تغمض عينيها سمعت «ندى» تقول بصوت منخفض ظهر فيه قلقها من ردة فعلها:

"لأ ما هو انتِ مش هينفع تنامي"

عقدت «قدر» حاجبيها بأستفاهم مردفة بأستهزاء:

"ليه؟ ناوية تأجري الاوضة مفروش ولا إيه؟"

"احم، لأ بس ادهم لما شافني كده تقريبا اتعصب و قال لازم امسح اللي انا حطاه ده"

اعتدلت في الفراش لتجلس فوقه وهي تضيق عينيها بشك تنتظر ان تكمل «ندى» حديثها و لكن قبل كذلك اردفت هي:

"ايوة و بعدين؟ مش فاهمة ده ايه علاقته بأني عايزة انام"

"لأ ما هو ادهم لما اتعصب انا خفت منه و قلت له انك اللي عملتي لي الميكب وهو دلوقت مستنيك تحت عشان عايزك"

لم تجد «قدر» رد سوى ان تلقي بالوسادة في وجه «ندى» مردفة بغيظ:

"انا مش هشتم عشان لو شتمت هيقولوا دي أخلاقي بس انا بقا ماعنديش أخلاق و هنفخك يا ندى"

بالاسفل وقف «ادهم» في الحديقة الامامية للمنزل ينتظر قدومها و ما ان شعر بحركة خلفه استدار لتقترب «قدر» منه بعد ان هبطت الدرج الصغير المكون من خمس درجات فقط أمام الباب الكبير و عندما وصلت إليه اردفت بسرعة:

"انا على فكرة يعني انا كنت نايمة و..وكمان ندى"

توقفت عن الحديث عند استكماله هو بهدوء مقاطعًا لها:

"الناس بتقول صباح الخير الأول"

"احم، صباح الخير"

تمتمت «قدر» بهدوء وهي ترمقه بتعجب فـ «ندى» اخبرتها لتو انه غاضب لكن ما تراه الآن يوحي بالعكس، رمشت بأهدابها عند سماعها يقول:

"انتِ مش لابسة ليه؟ انتِ مش قلتِ ان امتحاناتك هتبدأ يوم الحد"

"ها اه لأ ماهو الامتحان اتأجل عشان تقريبًا اتسرب او حاجة زي كده و هنبدأ من بكره، بس هو انت باعت لي ندى عشان تقولي كده؟!"

تلعثمت في بداية حديثها ثم نهت جملتها وهي تسأله بأستنكار ليرد هو مجيبًا بنبرة يشوبها بعضًا من الحدة:

"لأ، انا عارف كويس انكِ كنتِ عايشة مع اخوكِ في شقة في الزمالك و عارف بردو ان العيشة هناك ماتختلفش كتير عن هنا عشان كده ياريت تحطي حدود لنفسك و لـ اللي حواليك عشان انتِ ماتتعرضيش لموقف سخيف او حد يفهمك غلط"

عقدت حاجبيها بأستفاهم لانها لا تفهم ماذا يقصد هي ظنت انه طلبها من اجل الحديث عن ما فعلته «ندى» بوجهها من خلال وضعها بعضًا من مستحضرات التجميل و التي لا تتناسب مع كونها تعيش في حارة شعبية لكن ما لا تعلمه «قدر» ان وضع مثل هذه الاشياء سواء بكمية قليلة او كثيرة فهو شيء محرم ولا يجوز إلا مع محارمها بالإضافة إلى ان اشقاء «ندى» لن يسمحوا لها بالخروج من المنزل بهذه الهيئة.

ضمت ذراعيها إلى صدرها بشيء من العصبية مردفة بجدية عكس شخصيتها المرحة:

"لأ مش فاهمة حضرتك تقصد ايه؟ ممكن توضح كلامك اكتر"

"يعني مثلًا يوم ما دخلتي عندي الاوضة عشان تصحيني بغض النظر عن اني مش بحب حد يصحيني من النوم بس سواء انا او غيري من عيال عمي حتى عمر الصغير ماكنش ينفع تدخلي الاوضة و انا او هما موجودين عشان اكيد هنكون واخدين راحتنا فيها واحنا شباب و كمان عشان حرام على فكرة ممكن تبحثي و هتلاقي حديث بيتكلم عن الموضوع ده عشان شايف ان ثقافتك الدينية مش قد كده"

تمتم «ادهم» بهدوء رغم ضيقه الذي يخفيه خلف هدوئه هذا لتنكمش ملامح «قدر» بسخط و ملامح وجه ممتعضة مردفة بجمود وهي مازالت تضم ذراعيها إلى صدرها:

"والله انا قلت لك وقتها ان ايه خلاني ادخل الاوضة و اصحيك انا مادخلتش من نفسي و لا حبًا في اني عايزة اشوفك و انت نايم و اعتقد بردو يومها انت اتعصبت عليَ و طردتني من البيت...قصدي اوضتك و انا رحت ازور ماما و بابا و انت جتلي هناك و لما شرحت لي ليه اتعصبت عليَ انا رديت عليك و قلت اني مش هصحيك تاني، و بالنسبة لموضوع الدين فـ دي حاجة تخصني انا لوحدي ماتخصش حد تاني"

كانت تنطق كلماتها بثقة و تحدي تنظر في عينيه بقوة وهو كذلك و ما أعجبه انه لم يرى اية رهبة منها تجاهه بعكس «ندى» التي و برغم لسانها السليط وكلماتها المتعجرفة إلا أنها تخشى التحدث مع «ادهم» كأنه وحش و لمجرد رؤيته فقط يصيبها التوتر بينما «ادهم» يتعامل معها على انها شقيقة له لكن بالحدود و هذا لأنها تجوز له وهو لا يريد الزواج من اقاربه فأخذ يتعامل مع «ندى» بحذر و رسمية اكثر حتى لا تتوهم بحبه ومع هذا كله تعتقد «ندى» بانها تحبه و هو يبادلها الحب نفسها لكن ما لا تعلمه انه حب اخوي لأ اكثر.

وإلان هذا ما يفعله مع «قدر» هو لا يريد ان يكون لها في نفسه اية مشاعر لكن القلب ليس له سلطان فهو ينبض لمن اراد، حتى و ان بنى حصونًا فحتمًا سيأتي من يقتحمها و يكون ملكه هو فقط.

"انا مش ضدك ولا عدوك انا ابن عمك و انتِ تهميني زي ندى و عمر بالظبط، احنا هنا اه ماحدش فينا يقدر يهينك بكلمة او حتى بنظرة عشان احنا تربية زكريا المنشاوي بس ده مايمنعش ان ماينفعش تقفي مع سليم في البلكونة لوحدكم و صوت ضحككم جايبني من على السلم و ده مش معناه ان سليم اخلاقه مش كويسة بس لازم تتعلمي تحطي حدود عشان ماحدش يتعداها لأن في الأول و الآخر احنا عـيـال عـمـك مش إخواتك يعني مش كل حاجة ينفع تعمليها مع اخوكِ ينفع تعمليها مع عيال عمك"

كان بحديثه شيء من الغيرة الخفية و التي بالطبع لم تفهمها «قدر» التي فردت ذراعيها مردفة بمرواغة:

"طب ما انا بقف معاك انت كمان في البلكونة و ماشفتكش اتكلمت يعني او حتى اعترضت ايه سليم ابن عمي و انت.."

بتر عباراتها بحديثه الجاد لكن مغلف بنبرة لينة:

"انا بتكلم معاكِ عشان انتِ شخصية عفوية و بتتصرفي بأندفاع شوية و الكلام ده مابينطبقش على عيال عمك بس لازم تتعلمي تحطي حدود بينك وبين اي حد لأن مش اي حد يستاهل يشوف الحلو اللي جوا قلبك، في ناس كتير بيبقا في قلبها مرض و ممكن تفهمك غلط، ودي اعتبريها نصيحة من اخ"

عبثت ملامحها بضيق مرددة الكلمة الأخيرة بأستنكار:

" اخ! "

علق «ادهم» ساخرًا:

"امال اخت"

ابتسمت بسمة صفراء مردفة بحنق:

"حد قالك ان دمك خفيف قبل كده"

أجابها بشيء من الثقة و الغرور في آن واحد:

"لأ الحقيقة ماحدش قال لي قبل كده، عشان ماكنتش مهتم اعرف رأي الناس فيَ"

ثم نظر في ساعة يده وجدها تعدت السابعة و النصف لذلك قرر الذهاب إلى الشركة لكن قبل رحيله ختم حديثه بقوله:

"انا همشي عشان مش عايز اتأخر على الشغل بس سواء انتِ او ندى حطيتوا القرف اللي البنات بتحطه في وشها ده، ساعتها هيكون لي تصرف تاني عشان انتم عايشين في بيت رجالة مش في بيت سوسن و مديحة"

بالرغم من ان حديثه يغلبه الطبع الآمر و هي تكره من يأمرها بفعل الاشياء حتى و ان كانت صحيحة لولا انه ذهب لأعترضت و تناقشت معه بالموضوع، لكن اكتفت بالابتسامة على اخر حديثه و عند وصوله للبوابة الخارجية للمنزل سمعها تنادي بأسمه التفت لها و تابعت هي مع بسمة على وجهها:

"على فكرة يا ادهم، طلع دمك خفيف"

و كأن الابتسامة مرض معدي و سرعان ما انتقلت إليه استدارت هي تعود للمنزل و اكمل هو طريقه للخروج بعد ان ارتد نظارته الشمسية والتي ما ذادته إلا وسامة محدثًا في نفسه:

"تمانية و عشرين سنة على العهد ثابتين و تيجي هي تخلي القلب يميل"

'___'___'___'___'___'___'___'___'___'__'

كان يعمل بجد في بعض الأوراق المطلوبة منه ان ينتهي منها حتى اقترب منه زميله في العمل «عماد» وهو نفسه الذي تعرض لـ «قدر» في السابق و هذا لأنه شخص متعدد العلاقات النسائية، لكنه ليس نفسه «عماد» والد «ياسمين» التي تشاجرت مع «اسامة» بل هو مجرد تشابه في الأسماء فقط.

"ادهم جوا"

تمتم «عماد» بملل بعد ان حذف اللقب الذي يسبق اسم رئيسه في العمل كأنه لا يخشى ان يفقد وظيفته رغم ان «ادهم» يرى ان الجميع هنا سواسية و لهم الحق في هذه الشركة مثله تمامًا و ليس مجرد موظفين يقوموا بالعمل في شركته الصغيرة لكن طريقة «عماد» في نطقها وضح فيها شيئًا من التكبر و عدم الاكتراث.

شمله «اسامة» بنظرات ممتعضة ليعلق ساخرًا:

"بشمهندس ادهم، دلوقتي بقا ادهم يا عماد"

نفخ وجنتيه متحدثًا بحنق:

"اخلص يا اسامة جوا ولا مش جوا عشان في الحالتين همشي بس قلت اعمل بأصلي و اجيب استقالتي لحد عنده بس لو رفضها هو حر بس انا مش هستنى هنا"

عقد الاخر حاجبيه مع إلقاء نظرة متشككة للواقف أمامه قائلًا بتركيز لأنفعالات وجه زميله حتى يتأكد ما ان كانت ظنونه في محلها:

"في ايه يا عماد و ايه الطريقة اللي بتتكلم بيها دي و استقالت ايه اللي عايز تقدمها؟ هو في شركة تانية كلمتك؟"

ابتلع لعابه الذي سال من توتره لهذا الكم الهائل من الأسئلة و التي بالتحديد لا يريد الإجابة عنها لكن استعاد ربطة جأشه محافظًا على ثباته المزيف امام «اسامة» ناطقًا بتشفي و حقد:

"في اني شايف ان من يوم ما عملنا الشركة دي وهي مابتكبرش ولا احنا بنكبر معاها ده غير المرتب اللي بيخلص في اول الشهر و بصراحة بقا انا مش عايز اشتغل عند واحد كنت انا وهو مع بعض في نفس الكلية، ويبقا هو رئيسي، و كده كده هنخسر المناقصة اللي كانت على امل انها تنقلنا نقلة تانية و بصراحة بقا انا مع الكفة الربحانة و كفت ادهم خلاص كلها كام يوم وماتبقاش في الميزان اصلًا"

كان يحدق به بأشمئزاز كمن ينبعث منه رائحة كريهة ناطقًا بتهكم:

"و الكفة الربحانة دي بقا تبقا كفة طارق مش كده؟"

سأله «اسامة» بأستنكار ليشعر الاخر بالخزي لكن هذا لم يمنعه من ان يقول برفق:

"أسامة انت صحبي و انا لسه باقي على العِشرة اكتب استقالتك انت كمان و انا هكلم طارق باشا و يشغلك عنده و سيبك بقا من ادهم و سليم و كل القرف ده"

هَمَ «اسامة» بالدفاع عن رب عمله بأستماتة مع نبرة حادة غلفها الغضب:

"اللي انت بتسميه قرف ده، صاحبه وقف معايا في اكتر وقت كنت محتاج المساعدة فيه بشمهندس ادهم ساعدني وهو حتى ماكنش يعرف لسه اسمي لولا وجوده في اليوم ده انا كنت ادمرت من قبل ما ابدأ حتى، حد غيره لو كان شاف واحد ملمول عليه خمس رجالة نازلين فيه ضرب وكلهم جتت كان خاف وقال يالا نفسي بس هو نزل من العربية و ضربهم ووداني المستشفى ولما عرف ان دول حرامية و سرقوا مني كل حاجة واني مش من هنا و من بلد تانية ماسبنيش و فضل معايا لحد النقطة اللي انا وصلت لها دي تيجي انت بمنتهى البجاحة تقولي اكتب استقالتي و اسيب الشركة! للأسف ياعماد مش كل ناس قليلة الأصل و بيهون عليها العِشرة زيك"

كان يستمع بملل القصة التي يعرفها جيدًا من فاه زميله لكن في نهاية الحديث اصاب «عماد» نوبة من الغضب بسبب اهانة «اسامة» له ليخرج غضبه هذا في شكل كلمات منفعلة:

"ماتفوق بقا وبص حوليك فين الشركة اللي بتتكلم عنها دي، احنا في شقة جوا عمارة و عمارة قديمة كمان و ياريتها ملكه ده مأجرها من جده زكريا، بص وشوف وانت هتعرف الشركات اللي بحق مش الحُق اللي احنا قاعدين فيه ده و مسمينه شركة بس هقول ايه ما اللي زيك و زيه غاويين فقر و تعب و في الآخر مش هتوصلوا لحاجة ولا عمركم هتكبروا"

"واقفين كده ليه؟"

كان هذا صوت «ادهم» وهو يقترب منهم و بصحبته «سليم»، القى «اسامة» نظرة مستحقرة على «عماد» قبل ان يحُول ببصره على «ادهم» و «سليم» قائلًا بنفي لما قيل قبل مجيئهم، حتى يعطي «عماد» فرصة في التفكير و ألا يتسرع في اتخاذ قرار كهذا:

"مافيش يا بشمنهدس أدهم، ده عماد كان بيسألني على حاجة في الشغل و انا رديت عليه خلاص"

اشتعلت النيران في عين «عماد» و يبدو انه مصر على استقالته وبالطبع لم يصدق «ادهم» ما قاله سكرتيره وهذا ليس لأنه يُكَذب «اسامة» بل لأنه يرى شيء مبطن في حديثهما و نظراتهما التي لم تريحه و خصوصًا ذلك المدعو «عماد»

"بس انا شايف ان البشمهندس عماد شكله ما اقتنعش بكلامك و لسه محتاج يسأل"

تمتم «ادهم» بهدوء مع نظرة خبيثة اصابت التوتر في نفس «عماد» الذي اذدرد ريقه بتوتر لكن عندما تذكر انه بعد هذه الاستقالة لن يكون لـ «ادهم» اية سلطة عليه بعد الآن اذًا لما الخوف؟ ليقول ما يريده الآن و بشجاعة ولا يخشى احد، هكذا حدث «عماد» نفسه قبل ان يبتلع ريقه ويعتدل في وقفته و اردف بقوة اكتسبها من خلال حديثه مع «طارق عبد الحميد» و الذي وعده بوظيفة في شركته ذات مركز مرموق:

"لأ انا مش محتاج اسأل انا محتاجك تمضي على الاستقالة و اظن طبعًا ان من حقي ما اقولش اسباب"

التقط «عماد» تلك الورقة الخاصة بأستقالته من فوق مكتب «اسامة» بعد ان انهى حديثه ليستمع لحديث «ادهم» الجاد رغم سخريته و مكره المزين للحديث:

"لأ من حقك، من حقك يا عمدة ما تقولش اسباب، بس انا بقي من حقي اعرف انت عرفت منين اننا هنخسر المناقصة رغم انك عارف ان مشروعنا مشروع كبير و اكيد هينجح و كمان كنت سامعك بتقولها بثقة اوي"

"ها"

حرفان خرجوا من فاه ذلك المعتوه كأن من بين ثمانية و عشرون حرفًا لم يجد غير هذان الحرفين و التي ان دلت على شيء دلت على كذبه و انه يخفي شيء، لكن سرعان ما تدارك الموقف و نطق مبررًا كأنه تلميذ يقف امام معلمه الذي يحمل العصا استعدادًا لضرب التلميذ الذي لم يقوم بأداء واجبه المنزلي:

"لأ ده مجرد توقع مش اكتر، يعني تقدر تقول كده احساسي بيقولي كده"

"اممم"
همهمة بسيطة خرجت من «ادهم» ثم تابع حديثه بوجه متجهم ناطقًا بحدة اربكت «عماد» :

"إحساسك! طب ابقى سلم لي على إحساسك و قول له انه حتى بعد ما سرق ورق المشروع بردو هيخسر المناقصة"

"انا ماعرفش انت بتتكلم عن ايه، ياريت من فضلك تمضي على الاستقالة خليني امشي"

مد «عماد» ذراعه الذي يحمل الورقة ليأخذها منه «ادهم» و مزقها تحت نظرات «عماد» المذهولة و المنصدمة و اثناء ذلك اضاف «ادهم» :

"لأ ما انت مش محتاج الاستقالة، عشان كده كده كنت هرفدك يا عمدة"

كل هذا كان يحدث تحت نظرات «سليم» الساكنة لكن لم يدم هدوئه هذا بل مد يده يدفع «عماد» يحثه على الخروج مردفًا بسخرية و استهزاء:

" انت لسه هتنحله،يلا يا عمد، يلا انا مش فاضي ورايا شغل و عايز اكسر وراك قُلة، عشان بصراحة مش عايز اشوف خلقتك السمحة دي تاني، و بما اننا في رمضان و الناس صايمة اكيد مش هيبقا فيه قُلل عشان اكسرها وراك بس ممكن اكسر لك دماغك عادي"

لم يكن يتحدث من اجل ترهيبه بل هو جاد في كل حديثه وهذا لأن «سليم» يعشق القتـ.ـال لكن ما منعه من فعل ذلك يد «ادهم»
الذي تابع هو الاخر:

"كان نفسي اجيب بقية زمايلك عشان يودعوك قبل ما تمشي بس للأسف مافيش حد فيهم بيطيقك"

احتدت معالم وجهه بضيق و غضب وهو يشمل الثلاثة بنظراته الحارقة و الحاقدة و التي تمنى لهم بداخله كل شر يحدث لهم، لكن لم يرد الوقوف اكثر لأنه بالتأكيد سيخسر لأنه يقف على أرضهم، وهو شخص ذو صفات دنيئة و نذل بالإضافة إلى انه...جبان.

"ما سبتنيش اضربه ليه، ده واحد بجح اوي"

تمتم «سليم» بغيظ وهو يرى «عماد» يبتعد ليعلق «ادهم» بهدوء ظاهري فقط ولان بداخله بركان لا يريد منه ان يثور الآن:

"هيفيد بأيه ضربه كده كده الورق اتسرق و المناقصة قربت و لسه ورقنا مخلصش و اقل حاجة يعملها الـ*** ده انه يعملك محضر عدم تعرض"

"انا بقا متأكد يا بشمهندس ان «عماد» هو اللي ورا سرقة الورق، ماكفهوش انه بتاع نسوان لأ و كمان حرامي"

اردف بهذه الكلمات «اسامة» بضيق و غضب و هذا ما جعل «سليم» يستشيط اكثر لينادي بأسم «عماد» الذي توقف قبل وصوله لحافة الباب و استدار بجسده وجد «سليم» يقترب منه مع بسمة ماكرة و من ثم...ضربه «سليم» بمقدمة رأسه وعلى اثرها عاد «عماد» للخلف مع انف يسيل منه الدماء.

بداخل المكتب 

"يابني ليه عملت كده، انت عندك شوية قوة عايز تطلعهم و خلاص"

"ما انا لو سبته يمشي كده كنت هتجلط"

انهى «ادهم» الحوار بقوله:

"طب يلا ارجع انت البيت"

عقد حاجبيه مستفسرًا وهو ينظر في ساعة يده

"ليه هو انت مش راجع معايا، الساعة عدت خمسة و المغرب فاضله ساعتين و كله مشي"

عاد بظهره للخلف بأرهاق و يحك مؤخرة عنقه اثناء قوله:

"لأ انا هطلب Order و افطر هنا في المكتب في شغل كتير لازم اخلصه"

استراح «سليم» اكثر في مقعده اثناء قوله:

"خلاص انا كمان هفطر معاك عشان نخلص الشغل ده سوى ما انا مش هفضل رامي حمول الشركة كلها عليك و بالاسم شريكك و المدير التنفيذي"

زفر «ادهم» الهواء من فمه مردفًا بحنق و امتعاض يوبخ الجالس امامه:

"سليم مش وقته دور المسؤول دلوقتي، لازم حد فينا يروح البيت عشان غيابنا احنا الاتنين هيقلقهم و حتى لو كلمناهم مش هيصدقوا فأختصارًا لده كله ارجع انت، و اطلب من اسامة يروح هو كمان عشان مش هيمشي غير لما انا امشي و بصراحة اسامة تعب كتير معانا"

"بس انت كده بتيجي على صحتك يا أدهم"

جاهد «سليم» في ان تخرج نبرة صوته عادية لكن حزنه على ابن عمه و على ما وصلا إليه طغى على عينيه البنيتين و لم يكن الحزن وحده من يسكن عينا «سليم» بل كان جاره ايضًا اليأس.

تمتم «ادهم» بسخرية مؤلمة لكلاهما ونطق:

"مش احسن من لما الناس هي اللي تيجي عليَ يا سليم"

انتهى الحديث عند هذه النقطة بعد ان وافق «سليم» على اقتراح «ادهم» و اخذ معه «اسامة» بعد ان اقنعه بصعوبة ان يذهب معه ويترك «ادهم» وحده من يعمل بالشركة.

___'___'___'___'___'___'___'___'___'__'

"يابنتي اقعدي في الأرض بقا، خيلتيني"

اردفت «نجلاء» بتذمر وهي ترمق ابنتها التي تعبث في هاتفها مع حركة جسدها ذهابًا و ايابًا، لتعلق «وردة» وهي تضع الهاتف على أذنها:

"برن عليها و مش بترد، دي عمرها ماغابت يوم عن الكتاب ده لو اتأخرت بترن عليَ تعرفني انها هتتأخر شوية"

كانت والدتها تقطع الجزر لتحاول ان تطمئن ابنتها بقولها:

"انتِ مش بتقولي انها حامل يمكن عندها كشف عند الدكتور ولا حاجة و نسيت تقولك"

وقفت «وردة» امام والدتها لكن عيناها تنظر في الفراغ مردفة بقلق:

"لأ انا مش مطمنة حاسة فيه حاجة، مش من عادة نعمات ارن عليها و ماتردش"

اثناء قولها كانت تضع الهاتف على أذنها و الذي يعطيها نفس النتيجة لا رد لتأفأف بضجر و من ثم سمعت والدتها تقول بسخرية:

"ماطبيعي ما تردش المغرب فاضله ساعتين و يدن اكيد بتجهز أكل مش ماسكة التليفون و رايحة جاية لحد ما خيلتني"

تنهدت «وردة» ثم اقتربت وجلست بجوار «نجلاء» مردفة:

"انا هفضل ارن عليها و لو ماردتش بعد صلاة التراويح ان شاء الله اروح لها"

رفعت «نجلاء» الطنجرة التي تحوي على الجزر منها المقطع و منها السليم مردفة:

"و لحد ان شاء الله التراويح ماتيجي بالسلامة، تقعدي تقطعي شوية الجزر دول خليني اروح افصص البسلة عشان البهوات اللي انا مخلفاهم يلحقوا يفطروا على المغرب"

 ثم اكملت ساخرة:

"ده طبعًا بعد اذن روح الملكة اللي جواكِ ده لو مش هتضايقي يعني"

انكمش جبين «وردة» لتقول بتسأل:

"اي ده امال علا فين؟"

اجابت «نجلاء» وهي مستمرة في السخرية و الاستهزاء من فتياتها:

"لأ الاميرة ديانا قاعدة جوا في اوضتها تقريبًا عندها عشاء ملكي جوا مع المخدات"

خرجت «سلمى» بعد الإنتهاء من صلاة التراويح بالمسجد المجاور لعمارتها و في نفس الحارة التي تعيش بها و لقرب المسافة كانت تسير على ارجلها مع ارتدئها اسدال بيتي من اللون الزيتي الغامق، كانت خطواتها بطيئة و شاردة كعقلها تمامًا لا تعلم هل ما تفعله صواب؟ أ عليها ان تمو.ت في صمت ولا تخبر احد عن علتها، و حتى ان فعلت فهذا لن يغير شيء بمصيرها و الذي حتمًا ستلقاه، و اخر محطة وصل بها عقلها هي «سليم» هل بعد المقابلة الاخيرة التي تمت بينهم هل حقًا سيتخلى عنها و يتركها حتى و ان كانت هي من طلبت ذلك؟! 

ثم سمعت صوت قريب من الهمس يقول:

"وحشتيني يا سالم"

ابتسمت بقهر و غرغرت عينيها من الدموع، وها هي الآن تتخيل صوته و انه يناديها بهذا اللقب البشع لكنها تحبه لان من يناديها به هو «سليم» لتهرب من بين شفتيها قائلة بهمس:

"و انت كمان وحشتني"

لتشهق بفزع لصراخ «سليم» الذي كان يسير بجانبها دون ان تشعر و الذي اتضح انه معها بالفعل و ليس مجرد وهم من عقلها:

"و لما هو فيها و انت كمان، نكدتي على اللي جابونا المرة اللي فاتت ليه؟"

من صدمتها لم تجد ما تقوله هي لا تصدق انه هو، ات بعد كل ما قالته ات بعد ان جرحته بالكلمات، كم تريد الآن لو انها تلقي بنفسها بين أحضانه و تبكي فقط تبكي، لقد خشت ان يرحل ولا يعود، ظلت تتأمل ملامحه بأشتياق و لهفة فقد عاد النور لوجهها من جديد بعد ان انطفأ، بينما «سليم» يبتسم اكثر وهو يرى نظرة الحب بعينيها و التي تحاول هي اخفائها من خلال الكلمات القاسية و الجارحة.

لكن لم يرحمها عقلها و يترك قلبها يقيم الافراح في قفصها الصدري من شدة فرحها ليذكرها بمرضها و انها ستمو.ت فلا داعي لتتعلق به اكثر، واضعًا امام نصب عينيها تلك الصور المقززة بالنسبة إلى «سلمى» صوره مع «زيزي» في النادي الليلي.

عبث وجه «سليم» بحزن وهو يرى تغير تعبيرات وجه «سلمى» المفاجئ من الفرح إلى الغضب و الاشمئزاز ليسرع «سليم» بالقول:

"والله انا روحت المكان ده عشان كنت مضطر و اللي صور الصور دي قاصد انه يطلعني فيها بالشكل ده بس اقسم لك ان بعدها بدقيقة انا هزقت البنت دي و كمان رميت العصير في وشها و سبت المكان و مشيت و.."

جعلته يتوقف عن الاستكمال وهي تقاطعه مدعية اللامبالاة و عدم الإهتمام:

"بشمهندس سليم، انا بجد مش فاهمة حضرتك بتشرحلي ليه دي حياتك و انت حر اعمل اللي انت عايزه انا مليش علاقة و مليش احاسبك"

يبدو انه سيعاني معها حتى يجعلها تنسى و تسامحه لكنه لا يعلم ان تلك الصور ليست السبب الرئيسي و الأساسي لما تفعله «سلمى» ليتنهد بقوة عازمًا على عدم الخسارة و انه لن يستسلم بسهولة:

"صح انتِ عندك حق، دي حياتي بس انا قبلها طلبت ايدك و كنت عايزك تكوني جزء من حياتي دي،و لازالت على فكرة، سلمى انتِ لو مش مهمة عندي انا كنت مستحيل اجاي بعد الكلام اللي سمعتهولي اخر مرة اتقابلنا فيها"

"اه و انت جاي بقا عشان تسمع زيه تاني مش كده؟"

تمتمت بضيق زائف حتى لا تظهر فرحتها برؤيته و ينكشف أمرها ليعلق «سليم» ببتسامة مردفًا بصدق:

"لأ جيت عشان اشوفكِ"

انصهر قناع الضيق و الغضب الذي ترتديه أمامه و يأتي محله إبتسامة زينت ثغرها وهي تطالع عينيه التي تخبرها انه صادق ثم سمعته يقول بمرح:

"ثم هو انتِ فاكرة انكِ لما تقولي لي امشي يا سليم مش عايزة اشوفك تاني، همشي و مش هرجع؟! انا مشيت بس عشان كان عندي ماتش كورة، تعرفي الجاموسة بيبقا لازق في ضهرها قرادة انا بقا لازق لك اكتر منها"

اشمئزت من هذا المثل المقرف لتقول بحنق:

"انت اصلا مش فارق لي و الحمدلله ربنا كشفك قدامي بالصور الزفت دي عشان بس تعرف ان كل الرجالة خاينة"

اعترض «سليم» على جملتها الأخيرة بجدية مضحكة:

"لأ مش كلهم خايين بلاش نظلم الناس، نصهم بس اللي خاين والنص التاني لسه ما اتقفش"

عقدت زراعيها امامها مردفة بتحدي:

"و انا بقا مش هقبل ولا هتجوز راجل خاين او بيخون او هيخون"

تشدق «سليم» بفمه ساخرًا:

"امال هتتجوزي ايه؟ صباع محشي!! ده انتِ جمعتي الرجالة كلهم في جملة واحدة"

ثم تابع حديثه مردفًا:

"بصي الرجالة نوعين مالهمش تالت، نوع فرفوش بيحب الستات والنوع التاني ملتزم بيحب التعدد"

رفعت حاجبها الأيمن مردفة بحنق و سخرية:

"و انت بقا بتحب ايه؟"

تخلى عن سخريته و مرحه يتطلع بعينيها بشغف لترسم هي الثبات على معالم وجهها حتى سمعته يقول بما نضح قلبه في عينيه:

"بحبكِ انتِ يا سلمى"

دقت الطبول فرحًا و تسارع النبض داخل الشرايين و ارتفع القلب في ضرباته، و بدء يخفق مضطربًا و احمرت وجنتيها خجلًا لتدور الحرب مرة اخرى بين القلب و العقل ليفوز هذه المرة القلب، معلنًا انتصاره على هيئة كلمات تكونت داخل العقل و اثناء حركتها حتى تصل الى اللسان وتخرج للعلن وتخبره هي الاخرى انها تحبه ولا تريد الابتعاد عنه، لكن جحظت عينيها وهي ترى شخصًا ما يقترب بسرعة مهولة من خلف «سليم» و يحمل في يده عصا حديدية و قبل ان تصرخ و تحذر «سليم» كان قد سقط مغشي عليه اثر الضربة القوية التي تلقاها خلف رأسه بينما هي صرخت بذعر منادية إسمه.

"ســـلــيــم"

             ...لسه الحكاية مخلصتش....

#صدفة_ام_قدر

#العشق_الخماسي

#سميه_عبدالسلام

الفصل التاسع والثلاثون من هنا



تعليقات



×